كمكافأة له، أطلق حافظ الأسد يده في تلك الإدارة التي كان يرأسها وقتها العميد محمد الخولي ليتدرج في مراتبها ويتولى إدارتها عام 2009
07 / آذار / مارس / 2019
*أحمد عيشة _ مع العدالة
تشترك كل الأنظمة الشمولية بصفات ثابتة رغم تغير الأحوال والأزمان، وأكثر ما يجمعها عدا البروبوغاندا القائمة على أيديولوجية معينة (قومية -اشتراكية – مذهبية)، أنها تعتمد على شخصيات قذرة في سلوكها وقسوتها، وقادرة على ارتكاب أبشع المجازر.
ولربما ما يجمع بين النظام النازي الألماني، ونظام العائلة الأسدية إضافة للادعاء القائم على استثنائية نظامهما وتميزهما، شخصيات مثل أدولف ايخمان الألماني النازي، وجميل الحسن (السوري الأسدي). فكلاهما من سلالة أنظمة تتحكم في مختلف جوانب حياة البشر من أصغرها حتى أكبرها، بل إنهما متشربان لفكر عدواني تجاه البشر ككل، عدا أنصارهما العرقيين أو الطائفيين، وإنهما رتّبا وارتكبا جرائم ضد الإنسانية.
أُحرق أدولف إيخمان في حزيران 1962، وأُلقي برماده في البحر المتوسط، الذي تشترك سوريا بمياهه، ولربما ما قام به القاتل جميل الحسن يفوق كثيراً ما ارتكبه إيخمان، الذي لم تُنسَ جرائمه أبداً، بينما يتحمل الحسن مسؤولية قتل عشرات الآلاف من المعتقلين وعدد أكثر منهم من المدنيين في بيوتهم، ولا يزال، بحيث يبدو متجاوزاً إيخمان بالكم والنوعية.
تولى هتلر السلطة عام 1933 عقب انتخابات “جماهيرية”، وكان أول ما قام به تنظيم الجيش الذي فرضت عليه قيوداً مذلة بموجب معاهدة فرساي (بعد الخسارة في الحرب العالمية الأولى) على أسس أيديولوجية عرقية، وأنشأ فرق الموت لتكون القوة الضاربة لتنفيذ أوامره، إضافة للقوات الخاصة (قوات العاصفة).
تطوّع ايخمان بوساطة أحد أصدقاء والده عام 1932، في القوات الخاصة (الصاعقة)، وعُيّن فيما بعد ضمن جهاز الإشراف على معسكرات الاعتقال لمناهضي هتلر والنازية، ثم تدرج في مناصبه ليصبح من كبار الضباط في الغستابو رغم أنه لا يحمل شهادة تعليمية، وتعبيراً عن نزوعه العرقي الصرف، تمثلاً لفكرة هتلر سيده، بضرورة أن يحكم ذلك العرق العالم وأفضليته على باقي البشر، اقترح فكرة حرق البشر عبر أفران الغاز، التي ذهب ضحيتها الملايين (من اليهود وغيرهم من شعوب أوروبا) حرقاً وهم أحياء.
في سورية، ما أن استولى الأسد على السلطة بانقلابه عام 1970، حتى أعاد هيكلة الجيش بحيث يصبح كبار ضباطه وقادته من أبناء طائفته، كما أسس الوحدات الخاصة وسرايا الدفاع كأذرع لحماية سلطته، ناهيك عن إدارات المخابرات الأربع (أمن الدولة والسياسية والعسكرية والجوية)، والتي يتبع لها عشرات الفروع.
جميل حسن، من مواليد 1952 في إحدى قرى حمص، من الطائفة العلوية، تطوع في الكلية الحربية عام 1972، وبعد أربع سنوات تخرج منها برتبة ملازم، وأولى تجاربه واختباراته التي أبرزت سلوكه الإجرامي عندما كان برتبة نقيب عام 1982 في المخابرات الجوية، لدى تكليفه مع غيره من قوات سرايا الدفاع والوحدات الخاصة باقتحام مدينة حماة، حيث ارتكبت تلك القوات تصفيات وفظائع رهيبة من قتل وبقر بطون وإعدامات وتهديم بيوت على رأس أصحابها.
وكمكافأة له، أطلق حافظ الأسد يده في تلك الإدارة التي كان يرأسها وقتها العميد محمد الخولي ليتدرج في مراتبها ويتولى إدارتها عام 2009.
مع انطلاقة الثورة السورية عام 2011، كان لهذا الجزار رأي آخر في مواجهة المتظاهرين، فنموذجه في مواجهة المتظاهرين، ومن يتجرأ على رفع صوته ضد حكم السلالة “الصافية” هو ما عُوملت به حماة عام 1982، وقدوته الدكتاتور الذي صنعه، فالبطش والسحق فقط هما وسائل “الحوار والتفاهم” مع الناس، كما ذكر في مقابلته الوحيدة مع صحيفة الإندبندنت البريطانية في تشرين الثاني 2016، عندما كان النظام وروسيا يُمطران حلب بالبراميل والصواريخ: “لو فعلنا مع المحتجين ما فعلناه في حماة منذ بداية الأزمة، لكنا أنقذنا الكثير من الدم السوري”، ويستذكر نموذج سحق دكتاتورية الصين لحركة احتجاج الطلاب في ميدان تيان آنمين(بكين) عام 1988 بالدبابات، وبالطبع، لا مشكلة لديه، حتى لو بقي من سكان سوريا نفس تعدادها يوم استلمها سيده، عام 1970.
كان “الاختراع” الأهم المنسوب لشخصه، البراميل المتفجرة، التي تُعدُّ من أبشع أنواع الأسلحة على مدار التاريخ، حيث كان لها الدور الأساسي في تدمير البيوت على رؤوس ساكينها في القرى والبلدات والمدن الثائرة، فضلاً عن دورها في زرع الرعب، وبالتالي تهجير الناس من بيوتها.
الأمر الثاني، الذي يُنسب إليه، فرن لحرق المعتقلين أحياء وأموات في سجن صيدنايا، وهو الفرن الذي رصدته صور الأقمار الصناعية الغربية، في محاكاة لأفران الغاز التي أعدّها إيخمان أيام الحكم النازي. كما أكدته الولايات المتحدة على لسان ستيوارت جونز، مساعد وزير الخارجية، الذي قال: إن الولايات المتحدة تملك أدلة على أن النظام السوري قد أنشأ محرقة للجثث في سجن صيدنايا، للتخلص من الأدلة على عمليات الإبادة الجماعية التي يرتكبها هناك، وأن هناك صوراً ملتقطةً عبر الأقمار الصناعية تثبت ذلك. ونفس المعلومة أكدتها منظمة العفو الدولية في تقريرها الشهير في شباط 2017 حول المسلخ البشري في صيدنايا.
لم يتهرب الجزار من أفعاله القذرة بحق السوريين، فقد أكدّ في نفس المقابلة مع صحيفة “الإندبندنت” البريطانية نهاية تشرين الثاني 2016، حيث قال فيها إنه “مستعد لمواصلة عمله في سوريا حتى ولو سُيق إلى محكمة الجنايات الدولية”.
رغم فرار إيخمان، إلا أنه في النهاية لوحق واعتقل في الأرجنتين من قبل الموساد الإسرائيلي، وبغض النظر عن سلوك الدولة التي حاكمته وأحرقته، التي ارتكبت ولا تزال جرائم بحق الشعب الفلسطيني تشابه كثيراً أفعال إيخمان.
لم يكن ما ارتكبه جميل حسن من فظائع بحق السوريين أقل من جرائم إيخمان، لا بل أكثر وأشد فظاعة، إنها جرائم بحق الإنسانية ومنها ما يرقى لجرائم الإبادة والتطهير، وبالتالي ينبغي أن تكون ملاحقته وتقديمه للعدالة ليست مطلباً للسوريين وحدهم، وإنما مطلباً إنسانياً، فضلاً عن كونه مؤشراً على مدى انحياز والتزام العالم بالقيم والمثل الديمقراطية.
مهما تمكنت القوى المسيطرة اليوم من حماية القتلة، سيأتي اليوم الذي يتم فيه محاسبة القتلة، وكل ما نتمناه أن تكون محاسبة عادلة تردّ الاعتبار لضحاياه، ولربما تكون المذكرات التي صدرت بحقه اليوم من بعض الدول الأوربية بداية الطريق نحو تحقيق العدالة للسوريين.