لجأت قوات النظام إلى احتلال المدارس واستغلالها كمراكز للقيادة وثكنات ومراكز اعتقال وفي أغراض عسكرية أخرى، معرضين سلامة الطلبة وحقهم في التعليم للخطر؛ كما تم نشر قناصة على أسطحها لاستهداف المدنيين.
06 / تشرين أول / أكتوبر / 2018
*أحمد طلب الناصر
ليس بشكل عشوائي، بل بصورة منتظمة وممنهجة، راح النظام السوري منذ الأيام الأولى لاستخدامه السلاح الثقيل والطيران الحربي، باستهداف المدارس داخل المدن والبلدات السورية الثائرة؛ ليغدو ذلك الاستهداف طقساً من طقوس جرائمه المقدسة، لا سيما بعد الدخول المباشر والمعلن لحلفائه الروس على الخط منذ نهاية أيلول/ سبتمبر 2015.
وخلال تلك السنوات الثلاث لم تسلم مدينة أو بلدة أو قرية محررة من اختراق دماء أطفالها لجدران ومقاعد المدارس الواقعة فوق أجسادهم الغضّة، ومن اختلاط أطرافهم بالحقائب والكتب والقرطاسية لترسم أفظع لوحات شكّلها التوحّش البشري على مرّ العصور.
ولا شك بأن معدل الضحايا من الأطفال في سوريا يُعدّ من أعلى المعدلات التي تم تسجيلها في الصراعات البشرية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. بل لن نبالغ إذا قلنا بأن عدد ضحايا الأطفال السوريين الذين تم استهدافهم داخل المدارس يعتبر الأعلى على مستوى العالم مع مرّ التاريخ!
فقد تجاوز عدد المدارس، التي تعرضت للتدمير الكلي أو الجزئي، 4000 مدرسة منذ منتصف عام 2011، أي ما يشكّل 50% تقريباً من إجمالي عدد المدارس في سورية. وبمقدورنا تصوّر عدد الأطفال الذين لقوا حتفهم داخلها أو تعرّضوا لإعاقات جسدية مستدامة جراء فقدانهم أطرافاً أو أكثر من أجسادهم.
يكفينا فقط افتراض سقوط طفل واحد، وإعاقة طفل آخر، وتشريد 200 طفل وسطياً من كل مدرسة من تلك المدارس الـ 4000 حتى نقترب من الحقيقة الفجائعية التي تعاني منها سوريا اليوم!
وتأكيداً لكلامنا، فقد صدر آخر تقرير لمنظمة (اليونسيف) في نهاية العام الفائت، يفيد أن ما لا يقل عن عشرة آلاف طفل قتلوا في الحرب السورية، ولكنه أضاف أن العدد الحقيقي ربما يكون أكبر من ذلك. وأن مليوني طفل سوري يحتاجون إلى شكل ما من الدعم أو العلاج النفسي، وأن الصراع أثّر على خمسة ملايين و500 ألف طفل في المجمل بعضهم داخل سوريا وآخرون يعيشون في الخارج كلاجئين.
- لماذا المدارس والأطفال؟
منذ البداية، استخدم نظام الأسد المباني المدرسية لأغراض عسكرية، كما قام مدرسون وعناصر من الأمن باستجواب الطلبة وضربهم على أنشطة يُزعم أنها تناهض النظام، وقامت قوات الأمن والشبيحة، بالاعتداء على مظاهرات الطلبة السلمية؛ كما فتحت النار على مبان مدرسية لم تكن تستخدم بعد في أغراض عسكرية.
ولجأت قوات النظام إلى احتلال المدارس واستغلالها كمراكز للقيادة وثكنات ومراكز اعتقال وفي أغراض عسكرية أخرى، معرضين سلامة الطلبة وحقهم في التعليم للخطر؛ كما تم نشر قناصة على أسطحها لاستهداف المدنيين.
لاحقاً، وبعد تحرير بقاع واسعة من سيطرة النظام، أدرك الأخير، من خلال تركيبته الوحشية، مدى فاعلية الألم والانكسار التي تطرأ على المدنيين بمجرد فقدانهم لأطفالهم أو تعرّضهم للأذى، ما يدفعهم بشدة للهروب والالتجاء لأماكن تؤمّن لهم الحماية والاهتمام، أو للخضوع لمطالب النظام، كما حصل سابقاً في مناطق حلب والغوطة الشرقية وحمص وريفها والجنوب السوري. ويستمر النظام مع حلفائه اليوم باستهداف الأطفال ومدارسهم بريف حماة وإدلب في محاولةٍ منه لإخضاعهما كما حصل في تلك المناطق.
وبالإضافة إلى أطفال المدارس، استهدف النظام جميع البنى التحتية في قصفه للمناطق الثائرة، فتركّز القصف أيضاً على المشافي والأفران؛ أي، على الجرحى والمرضى الذين هم بأشد الحاجة للمساعدة الطبية لاستمرار حياتهم، وعلى لقمة عيش المدنيين التي تشكّل ضرورة حياتية يومية لاستمرار صمودهم في ظل القصف والحصار.
إلا أن الأشد وقعاً وضغطاً على المدنيين كان الاستهداف المباشر للمدارس بغارات القنابل الفراغية والبراميل والصواريخ والنابالم، وما يحمله من تهديد لحيوات أطفالهم، ولمستقبلهم التعليمي الذي أضحى موتاً من نوع آخر جراء تدمير المدارس وانتشار الجهل والأمية، حيث ينتهي الأمر ببعض الأطفال كلاجئين أو جنود بعد أن تُقصف مدارسهم، ما يحول دون عملية البناء والتطوّر الذي يتطلبه المجتمع السوري في مرحلة ما بعد الدمار والانتقال إلى سوريا الجديدة.
وبهذا الصدد، تقول الباحثة في حقوق الطفل بمنظمة حقوق الإنسان( بريانكا موتابارثي): “اضطر أطفال سوريا إلى مواجهة أمور ضمن فظائع الحرب لا يصح لطفل أن يتحملهاـ فقد تم استجوابهم واستهدافهم والاعتداء عليهم. ينبغي أن تكون المدارس ملاذاً آمناً، لكن في بلد كان فيما مضى يقدر التعليم، لم يعد كثير من الأطفال السوريين يحصلون حتى على التعليم الأساسي، وبدأوا يخسرون مستقبلهم”.
- مجازر فوق المقاعد.. شواهد وأمثلة:
لعل أبشع المجازر التي ارتكبها النظام بحق الأطفال، تلك التي تعرضت لها مدينة حلب، والتي لم تبرح صورها ذاكرة السوريين، حين ارتكب في منتصف نيسان/ أبريل 2015 مجزرة راح ضحيتها 14 طفلاً، بعد استهدافه مدرسة “سعد الأنصاري” بصاروخ من طائرة حربية؛ أربعة من الضحايا اقتلعت رؤوسهم عن مكانها وبقيت أجسادهم جالسة على مقاعد الدراسة.
وأيضاً مجزرة روضة “الغراس” بالبراميل المتفجرة، في أيار/ مايو 2015، والتي راح ضحيتها ستة عشر طفلًا، تم سحب الضحية الأخيرة، وهي طفلة صغيرة من تحت الركام بعد مرور أربعة عشر يوماً.
وبتاريخ 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2016، ، فقد أسفرت مجزرة مدرسة “حاس” في ريف إدلب عن حصد أرواح 28 طفلًا وستة معلمين، وجرح أكثر من 40 آخرين. وقبلها مجزرة مدرسة “ذي قار” في “جرجناز” التي راح ضحيتها 9 أطفال وجرح 10 آخرون.
أما في الغوطة الشرقية، فقد ارتكب النظام مع الروس مجزرة في مدرسة ببلدة “جسرين” أسفرت عن سقوط 12 طفلاً، وذلك في نهاية أكتوبر 2017. وفي آذار/ مارس من هذا العام، تعرضت مدرسة في مدينة عربين لغارة جوية سقط فيها 15 طفلاً وامرأتان.
تلك أمثلة بسيطة عن مجازر النظام بحق طلبة المدارس من الأطفال السوريين. ولا تخلو منطقة محررة من مجازر مشابهة، بل وتفوقها وحشية؛ لتتحول تلك المدارس إلى مقابر أخرى بعد أن ملأت الحدائقَ والمنازلَ والساحات ضحايا مجازر الأسد.