هل المأزق الذي وضع قانون سيزر روسيا فيه، قد يدفعها إلى التفكير بطريقة جديدة في الملف السوري؟
28 / حزيران / يونيو / 2020
*المصدر: موقع تلفزيون سوريا | بسام يوسف
لماذا تأخر إصدار قانون سيزر خمس سنوات، وكلنا نعلم أن “قيصر” قد غادر سوريا في الشهر الثامن من عام 2013، وكلنا نعلم أن التقرير الذي صدر عن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي في 21 من كانون الثاني 2014 أكد صحة الصور التي سُربت، ثم إذا كان بعضهم يرى أن إدارة الرئيس الأميركي أوباما هي من قررت التعتيم على هذا الملف، وهي من قررت تنحيته جانباً، فلماذا إذاً: استمرت إدارة ترامب أربع سنوات- تقريباً- على خطى ذاك السلف أوباما.
ما هو السبب الذي دفع إلى إخراج قانون سيزر من الأدراج، ووضعه في التداول ثم إقراره؟ هل هو قناعة بعض الأطراف الفاعلة التي على رأسها أميركا: أن العمليات العسكرية قد وصلت إلى معظم أهدافها في سوريا، وأن استمرارها قد يؤدي إلى حالة جديدة، لا تخدم أميركا وإسرائيل، وأن مرحلة ما بعد الحرب تتطلب آليات عمل جديدة؟
لماذا أعقب إعلان البدء بتنفيذ قانون سيزر تصريح المندوب الأميركي إلى سوريا “جيفري”: بأن أميركا لا تريد تغيير النظام بل تغيير سلوكه؟ وإذا برر بعضهم بأن العرف الديبلوماسي لا يسمح للأميركان بالتصريح علناً: إنهم سيغيرون النظام، حتى إن أرادوا ذلك. فإن السؤال البدهي يفرض نفسه: هل كانوا مضطرين إذاً إلى التصريح بعكسه؟
هل ساهم فعلاً ضغط السوريين في أميركا، أو ما يتم تسميته الآن “اللوبي السوري” في إقرار القانون؟ ولو لم يكن هذا الضغط موجوداً، هل كانت أميركا ستؤجل إقراره، أم أن المصلحة الأميركية الصرفة هي من دفعت إلى إقراره؟
هل تكفي عنونة القانون “حماية المدنيين السوريين” لطمأنة المدنيين السوريين، أم أن استحضارهم لما جرى في العراق هو استحضار مبرر ومشروع لأنه ينبني على حقيقة: أنهم هم من سيكون الخط الأول في تلقي تأثيرات وتداعيات هذا القانون؟
هل تستهدف أميركا أساساً- من هذا القانون- الأطراف الأخرى، مثل روسيا وإيران وبعض الدول العربية التي تمد يد المساعدة للنظام فقط، أي إنها تُلزم الجميع بالوقوف خلفها في الملف السوري، بعد أن توهم بعضهم بأنه قد أصبح الرقم الصعب في هذا الملف؟
هل المأزق الذي وضع قانون سيزر روسيا فيه، قد يدفعها إلى التفكير بطريقة جديدة في الملف السوري؟ بعبارة أخرى: هل وصلت روسيا إلى مرحلة الاقتناع بأن خروجها من مأزقها الصعب في سوريا، يحتم عليها التوجه إلى مقاربات جديدة ربما تبدأ بالتخلص من بشار الأسد؟
باختصار: إن هذه الأسئلة وغيرها تدفع إلى التفكير بمنحى آخر، قد يبدو بعيداً عن حملة الترحيب بالقانون التي تطغى- في هذه الفترة- على السوريين المناهضين للنظام.
هي أسئلة، وقد تكون مخاوف، يمكن البحث في أي منها بشكل أوسع بالتأكيد، لكنها بالتأكيد لا تريد أن تزيح جانباً ما وثقته صور سيزر، ولا أن تقلل من فظاعاتها، ولا أن تخفف من ضرورة وقف هذه المجزرة البشعة التي ارتكبت- وترتكب- داخل سجون نظام الأسد بكل الوسائل الممكنة، ولا أن تطمس جهد الجالية السورية الكبير في أميركا، لكنها بالمقابل لا تريد أن تغمض عيونها عن تخوف حقيقي من أن يتسبب قانون سيزر بزيادة آلام الشعب السوري وتعقيد ظروفه واستمرار المجزرة المرتكبة بحقه وإطالتها.
أما فيما يخص الشعب السوري فلا شيء يمنع من التخوف، أن هذا القانون سيكون بالغ القسوة على الشعب السوري إذا استمر الوضع على حاله، لكن ما يمكن أن يخفف عن الشعب السوري من آثار هذه الجرعة الكبيرة الإضافية من المعاناة هو إيجاد صيغة ما لوقف المتاجرة بلقمة السوريين ومأساتهم من قبل كل الأطراف وفي مقدمتهم النظام، وتجنيبهم ما أمكن ويلات التجويع والحصار، صيغة يمكن للمجتمع الدولي إقرارها وإقرار آليات تنفيذها.
ومن التخوفات التي تؤرق فعلاً، هي: أن تتوافق بعض الأطراف الخارجية (أميركا، وتركيا، وإسرائيل) على استنقاع الوضع السوري، خصوصاً بعد أن استعادت أميركا عبر قانون قيصر إمساكها بأوراق الملف السوري، (إن استعادة أميركا إمساك الملف السوري بيدها قد يكون أهم أهداف أميركا من إصدار هذا القانون، وليس محاصرة النظام، ولا حماية المدنيين)؛ لأن استنقاع الوضع السوري يحقق للدول المذكورة استنزاف الطرفين الآخرين، روسيا وإيران، وإنهاكهما بملف بالغ التعقيد، ويحقق لها أيضاً ما عملت عليه سابقاً، أعني: العمل على انهيار ما تبقى من مقومات بقاء سوريا كدولة قادرة على النهوض وتجاوز الكارثة.
من الواضح أن سياسة النظام تتجه- كما اتجه صدام حسين عند حصار العراق- إلى اعتبار سلطته أهم من الشعب والوطن، وبالتالي: ولوج سوريا إلى تفاصيل حصار العراق المؤلم. وعلينا أن نتذكر ما حصل للانتفاضة التي شهدها العراق بعد إخراج صدام حسين من الكويت، وكيف ساهمت قوات التحالف الدولي يومها بقصف المتظاهرين، وإعادة إخضاع الشعب العراقي لسلطة صدام حسين. لقد ضربت هذا المثال للقول: إن الأطراف الخارجية قد لا يكون من مصلحتها أن تشتعل المظاهرات مرة أخرى في سوريا؛ لأنها قد تعيد- هذه المظاهرات- إحياء مقومات نهوض سوري عام، قد يُفشل ما تريده الدول الفاعلة.
أما المراهنة على تصدع البيئة الموالية للنظام بفعل الحصار، فقد يكون مستبعداً، وليس من المتوقع أن تنتفض الحاضنة الشعبية للنظام ضده بتأثير الجوع أو بتأثير تداعيات قانون قيصر؛ لأن هذه الحاضنة قد تقلب الطاولة على رأس النظام في حالتين، يمكن أن تسبق إحداهما الأخرى، وأن تتداخلا:
·الأولى- أن يتشكل طرف داخلي من هذه الحاضنة، يمكن أن يكون نداً لعصابة آل الأسد، ويعطي الثقة بأنه قادر على الفعل وعلى حماية هذه الحاضنة، وهذا الطرف قد يكون من داخل بنية النظام نفسه.
·والثانية- أن يدعمها طرف دولي تشعر فيه هذه الحاضنة أنها آمنة من بطش النظام أولاً، ومن احتمالات الانتقام ثانياً.
إن الخطورة الأكبر التي يغمض مؤيدو قانون سيزر أعينهم عنها، تكمن في أن ازدياد الحصار وتردي مستوى المعيشة إلى حدود قصوى؛ قد يفضي إلى تهتك فظيع في بنية النسيج الاجتماعي السوري، لا سيما إذا ترافق الجوع والحصار بانسداد الأفق وعدم ظهور أي بوادر لحلول. في هذه الحالة سيكون من الصعب جداً الحديث عن سوريا موحدة.
كل هذه الاحتمالات قد تنقلب تماماً، وقد يستطيع قانون سيزر أن يكون في مصلحة السوريين فعلاً، فيما لو سارع السوريون إلى التجمع حول تمثيل وطني حقيقي للدفاع عن مصالحهم.
إن أهمية هذا الصوت السوري الآن تصل إلى أقصى ضروراتها؛ فهو وحده من يمكنه إعادة ترتيب الأولويات، وهو وحده القادر على وقف استباحة الآخرين للحق السوري …
إن ما يدفع إلى الأمل بولادة هذا الصوت، هو: الدعوات التي تنطلق من جهات سورية كثيرة لولادته، بالإضافة إلى أن أطرافاً دولية قد يكون لها مصلحة حقيقية الآن في ظهور صوت سوري وازن.