#########

الضحايا

المرأة السورية وانتهاكات الأسد: الضحيّة والأضحية


تقول فوزية إن الشبيح أخذ ابنتها، فتوسلت إليه أن يأخذها ويترك ابنتها، لكنه اغتصبها، ومن ثم اغتصب ابنتها التي كانت حبلى في شهرها الثالث .. ولم يتبق أحد من أفراد عائلتها حياً سوى ابنتها التي أصيبت وقتها بست رصاصات واعتقدوا أنها توفيت .

23 / تشرين أول / أكتوبر / 2018


المرأة السورية وانتهاكات الأسد: الضحيّة والأضحية

 

 

 

* أنصاف نصر

 

حَفِـلَ تاريخ النظام السوري بانتهاكات حقوق الإنسان، التي استمرت منذ اليوم الأول لتولي الأسد الأب رئاسة النظام في البلاد، وصولاً إلى اليوم في ظل الابن.

ولعل أول الانتهاكات قد تمثلت باغتصاب حافظ الأسد السلطة في البلاد، تشرين الثاني/ نوفمبر 1970، بما سُمّي وقتذاك بـ “الحركة التصحيحية” والتي كانت عبارة عن انقلاب على النظام والدولة في سورية .حيث أقدم على تصفية بعض “رفاق الدرب” جسدياً، واعتقال البقية طيلة حياتهم؛ فمنهم من لقي حتفه داخل السجن كصلاح جديد، ومنهم من خرج من معتقله حياً ليموت بعد أيام قليلة كما حصل مع الرئيس الأسبق “نور الدين الأتاسي” نتيجة تفشّي السرطان داخل جسده، والوزير “عبد الحميد عشاوي” الذي تم إغراقه في نهر الفرات بمدينته دير الزور..

 

لم تتوقف انتهاكات نظام الأسد على الرجال الذين عارضوا حكمه فحسب، بل كان للمرأة السورية نصيب من تلك الانتهاكات والممارسات اللاإنسانية والمخالفة لكل الحقوق والشرائع، ونالها ما نال الرجل وربما أكثر..

 

 وتعج ذاكرة السوريين ببعض الصور والمشاهد، لا سيما في مرحلة ثمانينيات القرن الماضي، حين شنّ حافظ الأسد حرب الإبادة الجماعية بذريعة القضاء على جماعة “الإخوان المسلمين”، في مدن حماة وحلب وجسر الشغور، والتي كان لمدينة حماة النصيب الأكبر من هذه المجزرة، في مطلع شهر شباط/ فبراير 1982.

 

–      البداية: نساء حماة.. قتل واغتصاب واختطاف

تشير التقارير الحقوقية إلى أن عدد الذين استشهدوا في هذه مذبحة حماة يصل إلى ٤٠ ألف نسمة، وأخرى تحتوي رقماً وصل إلى ٧٠ ألف، إذ تعرضت حماة للضرب بكافة أنواع الأسلحة، وكانت حربًا مفتوحة على المدنيين، وللمرأة السورية فيها قسم كبير من الموت والاغتصاب والاعتقال.

استمرت حملة النظام الأسدي على حماة حوالي ٢٧ يومًا، فرغ بعدها لاعتقال المطلوبين، ومن بينهم عدداً كبيراً من النساء، وحين لا يعثر على المطلوبين كان يعتقل نساءهم.

وأثناء الحملة، كان جيش النظام الأسدي يبقر بطون الحوامل “كي لا يأتي المولود إخوانياً”، حسب وصفهم.

 نساء كثيرات من المعتقلات ولدن داخل المعتقل، ولا توجد إحصائية دقيقة لعدد النساء اللواتي اعتقلهن النظام في تلك الظروف الوحشية.

السيدة “عزيزة جلود” واحدة من بين تلك المعتقلات، بقيت محتجزة لمدة ١١ سنة رغم أن زوجها “إبراهيم اليوسف” توفي في مواجهة مع جيش النظام حين كان في صفوف “الطليعة المقاتلة”، الجناح العسكري للإخوان المسلمين.

 

–      النظام وانتهاك حقوق السوريات من كافة التيارات:

لم تقتصر انتهاكات النظام السوري على المرأة السورية ممن لها علاقة بحركة الإخوان، بل كان للنساء اللواتي ينتمين إلى أحزاب اليسار نصيباً كبيراً أيضاً، فبالتزامن مع حرب النظام على الإخوان شنّ الأسد الأب حملة اعتقالات كبيرة على جميع الأحزاب اليسارية واعتقل النساء والرجال على حد سواء وخاصة كوادر حزب العمل الشيوعي وحزب الشعب.  

 

لم تكن المرأة السورية استثناء لتعتقل، ولسنوات عديدة تعرضت فيها المعتقلة لشتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي والمعنوي والإذلال أيضاً ولا توجد إحصائية لمنظمات حقوق الإنسان أو لأي منظمة حقوقية عن عدد المعتقلات في تلك الفترة، ولكن سأذكر بعض الأسماء على سبيل المثال :

 

 

السيدة فدوى محمود زوجة المعتقل من الأب إلى الابن عبد العزيز الخير ، السيدة سميرة الخليل ، السيدة تهامة معروف ، السيدة رغدة الحسن ، وأصغر معتقلة قبل الثورة والتي لا تزال في سجون النظام الأسدي طلّ الملوحي وغيرهن كثيرات..

 

–      في ظل الثورة السورية.. ضحايا النساء السوريات:

الانتهاك الأكبر لحقوق الإنسان الذي تعرضت له المرأة السورية على يد نظام الأسد، والأكثر بشاعة ودموية ووحشية، كان بالتزامن مع انطلاق الثورة السورية آذار/ مارس 2011.

كان للمرأة السورية حضور كبير ومميز في الثورة السورية، وذلك لإدراكها بأن هذه الثورة هي ثورة شاملة على الواقع المتردي للشعب بشكل عام، وعلى واقع المرأة بشكل خاص؛ فكانت تواقة للحرية والانعتاق، وحالمة بدولة القانون والمواطنة التي تضمن لها حقوقها كفرد فاعل في المجتمع.. فقد شاركت المرأة السورية بالمظاهرات السلمية من أول مظاهرة في درعا، وامتدت هذه المشاركة على كامل الجغرافيا السورية جنباً إلى جنب مع الرجل، لذلك كانت هدفاً للاعتقال والتصفية..

ـ اعتقل النظام النساء اللواتي شاركن في المظاهرات السلمية.

ـ اعتقل النساء اللواتي عملن في الإغاثة الطبية أو الغذائية.

ـ اعتقل الناشطات في المجال السياسي والحقوقي ولم يستثن أحداً.

وكان تركيز النظام على المرأة السورية خلال الثورة ممنهجاً، وذلك لأهداف عديدة، أوّلها اجتماعية: فاعتقال المرأة في المجتمعات العربية يأخذ بعداً اجتماعياً، اذ لا يمكن لأي مجتمع أن يتقبل تعرض المرأة للتعذيب والإذلال والاغتصاب..

ثانيها: للضغط على العائلة وإهانة المجتمع السوري وإذلاله من خلال النساء، ومن هذا الباب كان سلاح النظام الممنهج، هو: الاغتصاب..

عندما يدخل جيش النظام إلى أي مكان خارج عن سيطرته ويرتكب المذابح بحق المدنيين، كان جنود النظام يغتصبون النساء والفتيات أمام الرجال لإذلالهم وإهانتهم.

 

مثال ذلك مذبحة الحولة في ريف حمص، ومذبحة جديدة الفضل في ريف دمشق، ومذبحة التريمسة، وكذلك مذبحة كرم الزيتون في حمص.. أما في المعتقلات التي تحولت إلى مسالخ بشرية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى ، كانت الانتهاكات داخلها بحق النساء ممنهجة، من قبل جلادي النظام، حيث يبدأ استقبال المعتقلة بالضرب والسبّ والشتم بكل الألفاظ البذيئة، وبعدها تبدأ حفلات التعذيب من الصعق بالكهرباء إلى الشبح والاغتصاب الجماعي من قبل الضباط والعناصر، والذي كان غالباً يؤدي إلى “حمل وإجهاض” ، وصولاً إلى الموت تحت التعذيب؛ وأولى الصور التي ظهرت، هي للشهيدة _رحاب علاوي_ التي ظهرت صورتها بملف قيصر، إذ استشهدت تحت التعذيب وكل جريمتها أنها كانت تعمل في مجال الإغاثة في دمشق وهي طالبة جامعية.

 

وهنالك شهادات لناجيات وثقت هذه الممارسات الوحشية التي يعجز العقل البشري عن تصورها..

“مريم خليف” المعتقلة الناجية وهي من مدينة حماة، والتي كانت تعمل ممرضة في المشافي الميدانية، تم اعتقالها إثر تبليغ زوجها عنها.. ” تقول : كنت متزوجة أعيش حياة عادية ولدي أربعة أطفال، ومنذ أن بدأت العمل كممرضة في المشافي الميدانية، أصبحت مطلوبة للنظام، ولم أستطع رؤية أطفالي وأهلي لمدة ٤ أشهر “. وفي يوم ما قررت مريم الذهاب لرؤية أطفالها في بيت أهلها، وبعد أقل من ساعة، كان الأمن يطرق الباب، وقاموا باعتقالها ووضعها في مصفّحة فيها خمس معتقلات، ومنهن سيدة كبيرة ” أم مصطفى” عمرها ٥٥ عاماً ، لم يشفع لها سنها، تقول مريم : بدأ الضرب بنا لحظة دخولنا إلى المصفّحة، وعندما وصلنا إلى الفرع، بدأ حفل الاستقبال المعتاد؛ ضرب وتعذيب في الصباح، وحفلات الاغتصاب في المساء. كانوا ينتقون الفتيات الجميلات، ويكون في المكتب عدد من الضباط، ويغتصب كل واحد فتاة، هذا غير الاغتصاب الجماعي من العناصر.

تروي معتقلة أخرى فضلت عدم ذكر اسمها، إن الضابط قال للعنصر ” خذها لعند صاحبتها”؛ وعندما دخلت الغرفة، رأت صبية اسمها أروى وثلاثة من العناصر يغتصبونها.

 

 

وبعدها بدأ العناصر باغتصابها حتى دخلت في غيبوبة وأسعفت إلى المشفى لتجد طبيباً بقي عنده شيء من ضمير يقوم بتهريبها ويكتب تقريره بوفاتها .. وبعد خروجها من المعتقل تهاجر؛ ولكن بالسؤال عن أروى، تعرف من أحد أصدقائها أن أهلها قاموا بقتلها بعد خروجها من المعتقل، وهي فتاة من درعا، وذلك لــ”غسل عارهم!!”

ــ أيّ عارٍ أكثر من هذا العار بقتلِ فتاة حرّة وقفت إلى جانب الأحرار في ثورتهم؟!

 

 مريم خليف، وبعد خروجها من المعتقل تنكر لها أهلها ولم يستقبلوها، وطبعا زوجها طلقها وحرمها من أطفالها وهي تعيش الآن وحيدة في إحدى الولايات التركية.

أما السيدة فوزية حسين الخلف من حمص، الناجية من مجزرة الحولة، فتروي كيف اقتحم الشبيحة قريتها، وقاموا بذبح المدنيين، حتى الأطفال والنساء والشيوخ، ولكن الاغتصاب كان أداة تعذيب مضاعفة لتكسير الذات الإنسانية وإذلال المجتمع السوري .

تقول فوزية إن الشبيح أخذ ابنتها، فتوسلت إليه أن يأخذها ويترك ابنتها، لكنه اغتصبها، ومن ثم اغتصب ابنتها التي كانت حبلى في شهرها الثالث .. ولم يتبق أحد من أفراد عائلتها حياً سوى ابنتها التي أصيبت وقتها بست رصاصات واعتقدوا أنها توفيت .

 

هذه شهادات لناجيات من المعتقلات وما تعرضن له من ممارسات وحشية ترقى إلى جرائم حرب مليئة بالمرارة والألم، وكأنه لا يكفي هذه المعتقلة ما تعرضت له من صنوف التعذيب النفسي والبدني، لتواجه صنوفاً أقسى من عذاب التخلف المجتمعي والعادات التي ترفض المعتقلة، فقط لأنها تعرضت للاغتصاب، لتقع ضحية مطرقة النظام الفاشي وسندان المجتمع المتخلف، الذي يقوم بمحاسبتها لاغتصابها، الذي تم رغماً عنها لتدفع ضريبة مضاعفة.

 

مريم والدتها تعتذرعن استقبالها، وأروى قتلها والدها .. وفوزية لا تستطيع الخروج من بيتها.

 

كل ذلك كان سببه نظام استبدادي فاشستي، وسبع سنوات من معاناة معتقلاتنا ومعتقلينا في سجون النظام والعالم يكتفي بالنظر !

وحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان بلغ عدد المعتقلات السوريات في السجون السورية لعام ٢٠١٥ أكثر من ٤٠ ألف معتقلة.

كذلك يؤكد مسؤول لملف اللاجئين السوريين في أوروبا بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان أن عدد المعتقلات السوريات داخل سجون النظام أكثر من ١٧٥ الف معتقلة، معظمهن في الأفرع الأمنية دون محاكمات عسكرية أو مدنية.

آخر قائمة أصدرتها منظمات حقوقية بأسماء ١٠ آلاف معتقلة استشهدن تحت التعذيب.

ونتساءل هنا: هل سيأتي يوم تتحقق فيه عدالة انتقالية تحاسب المجرمين وتنصف السوريين والسوريات الذين تعرضوا لكل أنواع الانتهاكات على يد هذا النظام المجرم؟