أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2010، أن يوم 24 آذار/مارس، من كل عام، يوماً دولياً لمعرفة الحقيقة فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان واحترام كرامة الضحايا.
20 / أيلول / سبتمبر / 2018
*رزق العبي
يعتبر “فهم ماهية المجتمع السوري” من أهل الخطوات التي تواجه تحقيق عدالة انتقالية في سوريا، خصوصاً وأنّ ما عاشه السوريون خلال السنوات السابقة، يؤكد جملةً وتفصيلاً مدى الفجوة بين أبناء البلد الواحد، حتى أنّ هذه الفجوة اتّسعت لتصبح ضمن القرية وحتّى ضمن الأسرة نفسها، وهنا يتوجّب فهم المجتمع لتحقيق العدالة.
وتعريفاً بصورة عامة، فالعدالة الانتقالية هي (مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي طبقتها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان).
والملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات.
وبنظرة عامة إلى الكارثة السورية، نكتشف أنّه لتحقيق العدالة يجب أولاً أن نجبر خاطر الضحية قبل الشروع بتحقيق العدالة، لأن الضحية تمثّل الكفّة الأرجح في سوريا، نظراً للفارق الكبير بين الجاني والمجني عليه جسدياً وقانونياً ووطنياً.
وبعملية حسابية سريعة، يمكن القول: إن “الضحية أكثر من 500 ألف قتيل، ومئات آلاف المعتقلين، وأكثر من 3 ملايين بيت مدمّر، وملايين السوريين بين النزوح واللجوء، وملايين المطلوبين، بالإضافة للمختفين قسرياً..” وكلها إحصاءات صادرة عن منظمات إنسانية.
ولضمان مجتمع سليم ودولة قوية، يجب أولاً إثبات حسن نية عند تطبيق العدالة الانتقالية، لأننا أمام بشر، لم يكن معتَرفاً بهم على أنهم بشر، وكانوا جماهير بلا صوت في دولة يحكمها الأمن والعصابات التي تعمل تحت عين الدولة، فمن الطبيعي أن يكون لديهم مسبقاً عدم الثقة بأية مساعٍ تنصفهم وتجبر ضررهم وتعاقب من أساء لهم في الفترة السابقة.
والضرر في القانون الدولي تعريفاً هو كل نوع يتعذر إصلاحه، وكل انتهاك يتعذر إصلاحه وعندما تبدأ الجهات المعنية بوضع برنامج جبر الضرر، فإن كل دولة تختار الكيفية والجهة.. فهناك دول ركزت لجان الحقيقة/ وأخرى قامت بمبادرات تشريعية ووضع قوانين.
ويؤكد القانون الدولي الخاص ببرامج جبر الضرر، على ضرورة تحقيق الاكتمال بمعنى ضمان وصول كل برنامج جبر الضرر إلى كل ضحية، والبرنامج الناجح هو الذي يغطي كل الضحايا وذلك يتوقف على الحصول على قدر كاف من المعلومات عن الضحايا وطبيعة الانتهاكات.
وهنا يبرز دور الوثائق التي هي بحوزة الناس أولاً، والمؤسسات أو النقابات أو الهيئات، والتي في حال كانت تعمل باستخفاف أو بشكل غير منظم، خلال الحراك الثوري وأثناء انتقال الثورة السورية من سلمية إلى عسكرية وصدام مسلح، فإنه من الصعب تحقيق عدالة انتقالية بالمطلق، لأننا سنكون أمام ضحايا لا وثائق أو دلائل تثبت الضرر الذي لحق بهم، أو ربما يصل بنسب متفاوتة للجان التحقيق المكلّفة بالجبر.
والأمم المتحدة بوصفها مظلّة أممية تناقش قضايا الدول وتقرر وتبدي رأيها في الأحداث، تولي أهمية كبيرة لمعرفة الانتهاكات الجسيمة المتعلقة بالضحايا، حيث أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2010، أن يوم 24 آذار/مارس، من كل عام، يوماً دولياً لمعرفة الحقيقة فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان واحترام كرامة الضحايا.
والضحية هي كلّ من لحقه ضرر جراء تعرضه لانتهاك، سواء كان فرداً أو جماعة أو شخصاً وبشكل مادي أو معنوي، وأيضاً يعتبر أفراد الأسرة الذين لحقهم ضرر لقرابتهم بالضحية، هم ضحايا أيضاً، وكل شخص حصل له ضرر أثناء تدخله لمساعدة الضحية أو لمنع تعرضه للانتهاك.
والضحية تعريفاً يختلف حسب الفقه القانوني للدول ففي الفقه الفرنسي مثلاً – الضحية هي: (الشخص الذي تأذى في سلامته الشخصية بواسطة عامل أجنبي تسبب له في ضرر ظاهر، معترف به من طرف أغلبية أفراد المجتمع).
أما في الفقه العربي فإننا نجده يعرف المجني عليه بكونه (كل شخص أراد الجاني الاعتداء على حق من حقوقه وتحققت فيه النتيجة الجنائية التي أرادها الفاعل).
-كما أنّ بعض التشريعات الجنائية تعطي مدلولاً اجتماعيا للجريمة، إذ تعتبر هذه الجريمة، كل فعل يحدث في المجتمع اضطراباً في النفوس خوفاً وقلقاً وانعدام الأمن والطمأنينة.
وهنا تصبح الضحية في معرض الحديث عن العدالة الانتقالية، هو كل شخص تضرر بشكل مباشر أو غير مباشر جسدياً أو معنوياً أو مادياً من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي مارستها إحدى أطراف النزاع في سوريا، والتي يعتبر النظام السوري المتمثل بالدولة، هو صاحب الجرائم الأكبر، لامتلاكه وسائل قتالية قوية، وامتلاك وثائق كثيرة ضدّه.
ولكي تكون العدالة المراد تطبيقها في غايتها هي إحقاق الحق والإنصاف وجبر الضرر لمن وقعت الانتهاكات بحقه من أحد أطراف الصراع، فيجب أن تكون العدالة الانتقالية بما يتعلق بالضحية أشبه ما تكون بفصول للمصارحة بين المعتدي والضحية، والتي يجب أن تكون بعد إنشاء مؤسسات ولجان تهدف للحقيقة وتركز على فكرة التعويض وجبر الضرر.
والضحية هي كل من لحقه ضرر جراء تعرضه للانتهاك سواء أكان فرداً أو جماعة أو شخصاً معنوياً
ولإنجاح العدالة الانتقالية لابد من إشراك الضحايا في العملية الانتقالية لتكون من مكونات العدالة والتحول الديمقراطي الذي ينشده المجتمع.
ختاماً قد يظنّ البعض أنّ صمت المدافع والبنادق وهدير الطائرات هو نهاية الحرب في البلاد، غير مبالين لأصوات الملايين التي سترتفع لحظة الهدوء العام في البلاد، حيث تبدأ مرحلة المطالبة بالحقوق، ومعرفة مصير المعتقلين والمختفين قسرياً، والمطالبات بتعويض عن الضرر المادي وغير ذلك الكثير..
وأمام هذه الجماهير، وبالنظر إلى أجهزة القضاء السورية، بكافة أشكالها، فمن الصعب جدّاً إنصاف الضحايا، لأن الجهاز القضائي السوري، مرتشٍ مترهل، وغير صالح لحلّ خلاف بين طفلين. خصوصاً وأنه جهاز تربى على مدى نصف قرن من الكذب والمراوغة والرشاوى والمرافقات الكاذبة، ولابدّ قبل أي عمل، أن يتمّ نسف الجهاز القضائي أولاً ليبدأ الضحايا بفصل جديد من الإنصاف والعدالة، وينقلوا فيما بعد لأولادهم كيف وصلت حقوقهم ولو بعد سنوات طوال.. سوريا عموماً وإذا استمر الحديث عن عدالة انتقالية بمعناها العام فإنها ستقوم هشّة لا عدالة فيها، ولقمة سائغة ومجتمع مفكّك..
لابدّ من اعتبار الضحايا بشر قبل كل شيء، لأن المجتمع سيقوم وسيقوى بهم، أو سيصبح هشّاً مترهلاً بهم أيضاً، لنبدأ بالضحايا لتطبيق عدالة انتقالية ناجحة، تستفيد منها دول العالم.