إحصائيات للأمم المتحدة أكدت أن نحو 3 مليون سوري باتوا منذ اندلاع الثورة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وبحاجة لدعم ومساندة وإدماج في المجتمع. ويعيش في تركيا حالياً ما يزيد عن 3'5 مليون سوري وفقَ البيانات الرسمية، يتوزعون على مختلف المحافظات التركية.
26 / تموز / يوليو / 2020
*المصدر: عين المدينة | آلاء عوض
“أريد أن أتزوج، من حقي أن أُحِبَّ وأُحَبّ وأعيش الفرح بكل تفاصيله”، بهذه الكلمات بدأت سماء تروي معاناتها، فهي في سن الزواج، لكن أهلها يرفضون فكرة ارتباطها بالمطلق، لأنهم يخافون عليها من الفشل بسبب إعاقتها الجسدية ومن الوقوع بأيدي زوج لا يصونها أو يجرح مشاعرها.
سماء فتاة من محافظة ريف دمشق، عمرها 22 عاماً، ولديها إعاقة حركية تمنعها من المشي وتجبرها على التنقل على كرسي متحرك. تعيش حالياً منذ أعوام في مدينة غازي عنتاب التركية، ورغم إعاقتها فهي مؤمنة بأنها تستطيع أن تكون مؤثرة وصاحبة رسالة في المجتمع، كما تعتبر أنه يقع على عاتقها مساعدة غيرها من البنات السوريات من ذوي الاحتياجات الخاصة اللواتي يعشن خارج الأضواء ولا أحد يعلم بأوضاعهن.
تُمضي سماء معظم وقتها في المنزل مع أهلها الذين لا يبخلون عليها بالرعاية والحب والاهتمام، وتعتقد أن طريقة التعاطي مع ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع السوري لا تزال متخلفة وخاصة مع الإناث، إذ إن الأهل يخجلون من بناتهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، ما يؤدي إلى سلبهن حقوقهن حتى وإن كان ذلك عن غير قصد بداعي قلة الوعي.
تقول سماء لـعين المدينة: “تعتبر عائلتي استثناءً في المجتمع السوري، إذ إن معظم الأهالي يتعاملون مع أبنائهم من ذوي الاحتياجات الخاصة وكأنهم وصمة عار، ويكون الموضوع أكثر إحراجاً فيما لو كان الشخص المعني أنثى، فيخجلون منها ويحرمونها من أبسط حقوقها، وغالباً ما يحبسونها في المنزل، خشية من نظرة المجتمع والتعليقات التي لا ترحم” على حدّ تعبيرها.
إحصائيات للأمم المتحدة أكدت أن نحو 3 مليون سوري باتوا منذ اندلاع الثورة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وبحاجة لدعم ومساندة وإدماج في المجتمع. ويعيش في تركيا حالياً ما يزيد عن 3’5 مليون سوري وفقَ البيانات الرسمية، يتوزعون على مختلف المحافظات التركية، لكن المثير للدهشة أنه قلما يُشاهد في الشوارع أو خلال الفعاليات وأنشطة المجتمع المدني السورية، أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة لا سيما من الإناث، على الرغم من أن الكثير من المعلومات تؤكد وجود عدد كبير منهم في تركيا يبقون خارج الحياة العامة.
وعند سؤال سماء حول عدم تواجد بنات من ذوي الاحتياجات الخاصة في الأماكن العامة، أجابت “أعرف الكثير من الأهالي الذين يحظرون على بناتهم من ذوي الاحتياجات الخاصة الخروج من المنزل، كما يمنعنهن من شراء ملابس جديدة ووضع المكياج، إذ يعتبر الأهل أنهم بهذه الطريقة يحمون بناتهم من التفكير بالحب والارتباط”، وهو ما عدته ظلماً كبيراً.
وأردفت سماء “الظلم في المجتمعات السورية يطال ذوي الاحتياجات الخاصة من الذكور والإناث على حد سواء، لكن ظروف الشبان قد تكون أفضل لأن العادات والتصورات في الفكر الشرقي تحمي الذكر وفق منطق الشب لا يعيبه شيء، إلا أن الجور الواقع على البنات يكون أكبر، لأن كل أفراد العائلة عادة يتحكمون بالفتاة ما يجعلها غير قادرة على التمرد على أهلها وظروفها لأنها مجردة من الحماية كونها من ذوي الاحتياجات الخاصة”.
وتابعت قائلة بأسى “من يعلم، ربما العديد من الفتيات من ذوي الاحتياجات الخاصة يتعرضن للتعنيف الجسدي والنفسي من قبل أقرب الناس لهن (أهلهن) لكن لا أحد يدري بهن”.
من يحمي “ذوات الهمم”؟
تنتشر في العديد من الولايات التركية التي يتواجد فيها سوريون بكثرة جمعيات ومنظمات ترعى السوريين من ذوي الاحتياجات الخاصة وتقدم لهم الدعم الاجتماعي والطبي. لكن عمل هذه الجمعيات يقتصر على تقديم الخدمة لمن يطلبها فقط، ولا يتعداه إلى إجراء بحوث ميدانية حول توزع السوريين من ذوي الاحتياجات الخاصة وظروف المتواجدين في منازلهم الذين لا يعرف عنهم المجتمع شيئاً ولا يستطيع أحد مد يد العون إليهم.
ووفقَ سماء فإن الظروف في تركيا مواتية للأشخاص المبادرين الذين حالفهم الحظ بأهل متعاونين وأسرة داعمة، لكن عندما يكون الأهل غير متقبلين وسلبيين في تعاملهم مع أبنائهم وخاصة بناتهم من هذه الفئة، فإن الفتاة من هذه الشريحة لن تتمكن مع الأسف من حماية نفسها أو تحسين ظروفها، وستكون أشبه “بالمعتقلة”.
أما حول طريقة رصد الأهالي ممن لديهم أبناء أو بنات من ذوي الاحتياجات الخاصة في تركيا وجاهلين بحقوقهم وكيفية التعامل معهم، فلم تتمكن عين المدينة من الوصول إلى إجابات شافية بهذا الشأن، واقتصر الأمر على بعض الإيضاحات من ذوي الخبرة الذين يشرحون أن السوريين في تركيا يعيشون ظروفاً قاسية من الناحية المادية وفرص العمل، ما يجعل أعباءهم مضاعفة ويحول دون اتخاذهم خطوات إيجابية في حياتهم وحياة أولادهم، فضلاً عن الجهل بمقدرات ذوي الاحتياجات الخاصة والتصورات الخاطئة عنهم.
في هذا الصدد تؤكد سماء أن “ذوي الهمم” رافضة تسمية ذوي الاحتياجات الخاصة “لديهم همة عالية وطاقة كبيرة وهم قادرون على الاعتماد على أنفسهم لو توفرت لهم ظروف معقولة نسبياً”.
ظروف جيدة لذوي الاحتياجات الخاصة في تركيا
تقول سماء “تحسن نشاطي في تركيا التي يوجد فيها اهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، في حين أن هذه الفئة كانت مهملة للغاية. في تركيا ترى الفتيات من ذوي الاحتياجات الخاصة يتجولن في الشوارع، ويحصلن على التعليم وفرص العمل وهذا أمر مألوف جداً”.
وفي هذا السياق، أكدت والدة سماء أن “ظروف ابنتها النفسية تحسنت في تركيا، وحصلت على دورات مهنية وتأهيلية، كما أنها بدأت تعمل مع إحدى المنظمات السورية المعنية بذوي الاحتياجات الخاصة من السوريين في تركيا”، وهو ما عدته تحولاً كبيراً في حياتها. واعتبرت أن اعتماد سماء على نفسها من الناحية الاقتصادية جعلها تشعر بالقوة والثقة بالنفس، وهي تعدّ نفسها من المحظوظات القلائل اللاتي حصلن على فرصة عمل في تركيا، لأن فرص العمل بالنسبة إلى هذه الفئة تعتبر ضئيلة جداً، ناهيك عن الصعوبات المرتبطة بظروفهن الشخصية واللوجستية لجهة القدرة على الحركة وتدبير أمر مغادرة المنزل واستخدام المواصلات.
أميمة الحامدي (20 عاماً)، فتاة سورية حلبية مقعدة منذ كانت في الخامسة من عمرها، لكنها تمكنت رغم ذلك من الحصول على شهادة الثانوية العامة في سوريا. وعندما انتقلت إلى تركيا انتسبت إلى فريق مناصرة لذوي الاحتياجات الخاصة، كما عملت أيضاً مع منظمة سورية مختصة بدعم ذات الفئة، وساعدها انفتاح أهلها ومساندتهم لها في الوصول إلى هدفها بتطوير عملها والتحول إلى الفاعلية والإنتاج.
تؤكد لعين المدينة أن ظروف ذوي الاحتياجات الخاصة في تركيا أفضل مما هو في سوريا. وتضيف في هذا الإطار أن “الدولة التركية تولي اهتماماً ملحوظاً بهذه الفئة، وإذا كان الوصول إلى هذه المزايا سهلاً بالنسبة إلى التركيات، يتوجب على السوريات بذل جهد مضاعف للوصول إلى أهدافهن. ومع ذلك فإن التربة خصبة في تركيا أمام كل فتاة سورية لديها رغبة بأن تطور نفسها إذا كان أهلها متفهمين ومشجعين”.
وتتفق أميمة مع سماء بأن الاحتياجات العاطفية والنفسية للفتيات من ذوي الاحتياجات الخاصة تكاد تكون مهملة كلياً في المجتمعات السورية، وهو أمر بحاجة لدراسة ومتابعة ومحاولة وضع حلول. إلا أن الفتيات اللواتي يواجهن مصاعب متعلقة بالحقوق الرئيسية كالخروج من المنزل والتعلم هن الفئة الأكثر إلحاحاً وبحاجة لدعم ومساندة فوريين، والبداية تكون بالتعرف عليهن وعلى ظروف عوائلهن
مركز سند