أظهر الفيديو سجيناً مقيد اليدين والقدمين، ومغطى رأسه كان قد تعرض لضرب وحشي من قبل أحد الأشخاص بعصا، ولم تعلق الهيئة على صحة الفيديو من عدمه
24 / كانون أول / ديسمبر / 2018
*لارا موسى
القتل، الخطف، التعذيب، النهب، والتنكيل، أعمال طالت المدنيين في المناطق الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام “هتش”، جميع تلك الأفعال تصدرت العناوين الرئيسية في المؤسسات الحقوقية وشبكات التوثيق، فبالرغم من تسليط الضوء عليها وعمل النشطاء على فضح ممارساتها، لم تتوانَ الأخيرة عن المضي بتلك الانتهاكات، دون الاهتمام ببشاعة المشهد المتكرر بشكل شبه يومي على المواقع الإلكترونية التي ما فَتئت توثق ممارساتها بالاعتماد على مصادر؛ تنوعت بين نشطاء معارضين لها، وآخرين يظهرون تبعيتهم لها في العلن، ويسربون انتهاكاتها في الخفاء.
كل هذه الممارسات التي ارتكبتها، ولا تزال ترتكبها ““هتش”” جاءت بهدف القضاء على الحركة المدنية الديمقراطية، لما تشكله من خطر على شرعيتها ككيان إسلامي متطرف، مما زاد من حدة النقمة الشعبية عليها، ومع تزايد الضغط الشعبي والدولي، والتغيير المستمر في ديموغرافية المناطق السورية، أخدت ““هتش”” بالقبض على كل من وجه انتقادات لها لحماية أمنها الداخلي، وبدأت البحث عن مصادر جديدة لتمويلها، بعد أن فقدت الكثير من داعميها بسبب مظهرها الدولي الجديد، والاتفاقيات التي تعقد بين الأطراف الفاعلة في الشأن السوري من جهة، وإقصائها من المفاوضات بسبب تصنيفها ككيان إسلامي متطرف.
الاحتقان الشعبي يفقد “هتش” عقلها
وإذا تتبعنا انتهاكات “هتش” منذ نشأتها، قبل أكثر من أربع سنوات تحت مسمى “جبهة النصرة”، فإنها استمرت على نفس الوتيرة، لكنها بحسب مراقبين فقدت “هتش” ذرائعها لتبرير ممارساتها التي حاولت من خلالها ضبط حالة الاحتقان الشعبي، بالرغم من أن هذه الأفعال لم تلعب دوراً إيجابياً في تحسين صورتها، والقضاء على الحملات المنظمة ضدها.
فقد قامت “هتش” في الثاني من كانون الثاني/ ديسمبر بعرض محال تجارية تعود ملكيتها لبلدية “الدانا” في ريف إدلب للبيع، حيث نشرت حكومة الإنقاذ – التابعة – لها إعلاناً ينص على عرض 24 محلاً تجارياً للبيع، في الوقت الذي اعتبرت فيه جهات قانونية ذلك مخالفاً لما جرت عليه العادة، إذ تعمل البلديات غالباً على تأجير المحالّ التابعة لها، ولا تبيعها.
جاء ذلك الانتهاك بحثاً عن مصدر مالي جديد يضاف للمصادر الأخرى كفرض الإتاوات على المدنيين، والضرائب التجارية على البضائع القادمة من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، والذي تبلغ عائداته شهرياً أكثر من 200 ألف دولار، كل هذا أدى إلى استياء شعبي ملحوظ، فكان رد الهيئة أن حاولت إقصاء كل من عارضها من المشهد السوري عبر اعتقالهم، أو توريطهم بتهم مزيفة لتصل المحاولات إلى إعدامهم أحياناً.
في العاشر من كانون الثاني اعتقلت “هتش” مدير صحة حماة الحرة وطبيب الأوعية الوحيد في الشمال المحرر مرام الشيخ مصطفى، وكوادر معه من مركز المديرية في مدينة كفرنبل بريف إدلب الجنوبي، حيث كانت دورية تابعة لـها قد داهمت مركز مديرية الصحة، واستدعت الشيخ مصطفى، وأحد المدراء الإداريين في مستشفى قلعة المضيق وآخر معهم، وقامت باعتقالهم وسوقهم إلى إحدى مكاتبها، دون معرفة السبب الحقيقي وراء ذلك.
في سياق متصل تم اعتقال خالد أحمد الطفران مدير مدرسة “عبد المجيد الحاج بكري”، والطفران هو واحد من خيرة المعلمين في مدينة خان شيخون، وبحسب معلومات جرى نقله آنها إلى أمنية إدلب، أيضاً في نفس اليوم وجهت “هتش” اتهامات ملفقة – بتزويد إسرائيل إحداثيات لمواقع عسكرية تابعة لحزب الله اللبناني وتنظيم داعش – بحق الناشط الإعلامي أمجد المالح، المعتقل لديها منذ قرابة العام، حيث تم اعتقاله مع زملائه حسام محمود، حسن يونس، وبكر يونس، وكانت قد أفرجت عنهم بعد شهر ونصف من اعتقالهم لتترك أمجد قابعاً في سجونها.
نتيجة الاتهامات تم الحكم على المالح بالإعدام، وبحسب مصادر، فإن قيادات من “هتش” كانت قد تواصلت مع مقربين من المالح من أجل المساومة للإفراج عنه مقابل فدية مالية.
في 17 كانون الثاني الجاري، أطلقت “هتش” سراح الناشط الإعلامي أمجد كتلاتي، بعد اعتقاله لمدة يوم من مدينة إدلب لأسباب تتعلق بانتقاداته المتكررة لها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ومن الجدير ذكره أن كتلاتي كان يعمل مع منظمة “حراس الطفولة”، وقد عمل سابقاً بشكل مستقل مع عدة وكالات ومواقع إخبارية ومنظمة الدفاع المدني السوري، وتم اعتقاله من منطقة السوق في مدينة إدلب، واقتياده إلى جهة مجهولة، قبل أن يتم الإفراج عنه صباح اليوم التالي بشرط عدم تكرار انتقاداته لأي جهة تتبع لها.
“هتش” من الاختطاف إلى الاغتيال (حالات وأسماء)
في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر للعام الجاري، اغتيل الناشطين الحقوقيين رائد الفارس وحمود جنيد في مدينة كفرنبل بريف إدلب الجنوبي، بعد إطلاق النار عليهم من قبل ملثمين يستقلون سيارة من نوع فان كانوا يتتبعون سيارة الضحيتين مستغلين وجود معظم الأهالي في المساجد لأداء صلاة الجمعة، مما سهل عليهم الهرب فور انتهائهم من عملية الاغتيال.
ومن الجدير ذكره أنه سبق، وتم اعتقال الناشطين من قبل “هتش”، وتعرض الفارس لمحاولة اغتيال مشابهة في العام 2014 على يد ملثمين في بلدته، وهنا تدفقت التهم الموجهة للهيئة حول تورطها في عملية الاغتيال، فيما نفت الهيئة في بيان لها الاتهامات التي وجهت لها بالضلوع في عملية الاغتيال التي حصلت.
أتى البيان عقب يوم من نشر تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، رجحت فيه وقوف “هتش” وراء اغتيال الناشطين، بناء على شهادات ناج من الاغتيال، وعلى ابن الفارس الذي قال إن والده تعرض لتهديد بالقتل منها قبل أسبوع من عملية الاغتيال.
أيضاً في ٢٥ تشرين الثاني قام ناشطون سوريون بنشر فيديو مسرب التقط داخل سجن حارم التابع للهيئة، وأظهر الفيديو سجيناً مقيد اليدين والقدمين، ومغطى رأسه كان قد تعرض لضرب وحشي من قبل أحد الأشخاص بعصا، ولم تعلق الهيئة على صحة الفيديو من عدمه، وللتنويه فإن سجن حارم يعد من أكبر السجون التابعة لــ ” هتش”، حيث يحوي وراء قضبانه الآلاف من عناصر الجيش الحر ومعتقلي الرأي.
في 22 كانون الثاني ذكر مصدر قيام حاجز تابع ل”هتش” على مفرق بلدة باتبو بريف إدلب الشمالي بإطلاق النار على سيارة ركاب قادمة من مخيمات أطمة، ونتج عن ذلك مقتل طفل بعمر 10 سنوات، وإصابة والدته بجروح، فما كان من الهيئة إلا أن أغلقت أفواه عائلة الطفل بدية قدرها 2000 دولار أمريكي، وبحسب وكالة إباء الإسلامية حصل الحادث نتيجة مشادات كلامية بين عناصر الحاجز وسائق العربة، وعلى إثر ذلك قام أحد عناصر الحاجز بإطلاق رصاصتين في الهواء لإجبار السائق على التوقف مما أدى لمقتل الطفل وجرح أمه، وبحسب معلومات خاصة فإن القاتل تم نقله إلى سرمدا بهدف إبعاده عن تداعيات المشهد الذي بدأ ينتشر على شكل حملة مناصرة بعنوان “الجولاني قاتل الأطفال” في غالبية المناطق المحررة، حيث بلغت المناطق التي شاركت بـالحملة حتى الآن 51 نقطة، ففي إدلب انتشرت الحملة في كل من بنش، أطمة، حزانو، أريحا، جسر الشغور، الدانا، سلقين، معرة النعمان، معرة حرمة، طعوم، ريف سلقين، قاح، كللي، القصابية، جرجناز، جبل الزاوية، كفر عويد، الهبيط، وإدلب المدينة، وفي ريف حلب انتشرت في كل من الباب، عفرين، أخترين، مارع، جرابلس، جنديرس، أورم الكبرى، ترحين، دابق، السفيرة، كفر حلب، كفر ناصح، والأتارب، وفي حماة نفذت الحملة في مناطق مورك، قلعة المضيق، كفرنبودة، التوينة، سهل الغاب، المستريحة، وحماة المدينة، كما وصلت الحملة ضد الجولاني إلى جبال الساحل، حمص، أحرار حوران، بالإضافة لـعشيرتي كيار والكاوكلي، وأجزاء من قطاع غزة المحاصر، فضلاً عن ملاقاة الحملة لصدى في تركيا في ولايات كركهان، بيلاداغ، قونية، أنطاكية، إزمير، الريحانية، وكلس.
كما خطفت مجموعة مسلحة تابعة لـ” هتش” في ذات اليوم، عبداللطيف طويلو، وهو من أبناء بلدة سرمدا شمال إدلب، وذلك بعد مداهمة منزله الواقع بجانب مخفر الشرطة الإسلامية التابع لها، وفي نفس اليوم قامت جماعة تابعة لها بإطلاق النار على المدني زياد محمود الشمالي في مدينة سراقب مما أدى إلى مقتله، فما كان من “هتش” إلا أن بررت موقفها بحسب مسؤولها الأمني سيف محمد بأن المقتول كان يتبع لعصابة تقوم بخطف الأهالي وتعذيبهم من أجل مطالبتهم بفدية.
إذاً، إن استبداد هيئة تحرير الشام، وسياساتها الأخيرة كان، ولا يزال عثرة أمام قبولها شعبياً، خاصةً وأن جدران قلعتها قد بدأت بالتداعي لتكشف عن وجهها الإسلامي المتطرف الذي أصبح يحتاج خماراً لتغطية عورة انتهاكاتها.