تم تعليقي، وبدأت حفلة التعذيب.. فانهال علي بالضرب أولهم، وبمجرد أنه يشعر بشيء من التعب يسلم أمري للأخر، وهكذا إلى أن وصلت لمرحلة الإغماء من شدة الضرب، فلم يقوموا بإنزالي، بل أحضروا صاعقاً كهربائياً وربطوه بيديّ وقاموا بصعقي.
17 / تشرين ثاني / نوفمبر / 2020
*مع العدالة | ضحايا
محمد القناص شاب من مدينة تدمر في ريف حمص الشرقي كان طالباً في كلية الأعلام بجامعة دمشق، وبعد دراسة سنتين بدأت الثورة فانخرط منذ بدايتها بالمظاهرات ولم يكمل دراسته.
عن اعتقاله يتحدث :
تم اعتقالي بتاريخ 20/8/2012 إثر مداهمة بيتنا، وبمجرد أنهم تأكدوا من اسمي وأنني المطلوب لديهم بدأوا بضربي ثم قيدوني وعصبوا عينيّ وزجوني في إحدى سياراتهم، ثم اقتادوني إلى فرع الأمن العسكري (فرع البادية) في تدمر. عندما وصلت إلى الفرع انهالوا عليّ بالضرب، كأنهم كانوا متحضرين لهذه اللحظة. جردوني من جوالي ومقتنياتي كاملة وقاموا بإنزالي إلى قبو التحقيق.
في البدء كان هناك درج وأنا معصوب العينين قال لي أحد العناصر : انتبه أمامك درج، فقمت بتحسس موضع قدمي لأنزل وبمجرد أنني رميت أول خطوة قام أحدهم بدفعي لأسقط إلى أسفل القبو. هناك استقبلني المساعد المسؤول فجردني من ملابسي بشكل كامل ثم أمرني بالقيام بثلاث حركات أمان (جاثياً – واقفاً) ثم قام بإعادة الثياب لي بعد أن تأكد بأنني لا أخبئ شيئاً في جسدي. أقعدني مقيداً ومعصوباً في إحدى زوايا القبو وقال: لا أريد أن أسمع منك همسة. بقيت على هذا الصمت والسكون لمدة يومين لم يلمسوني خلالها، وفي اليوم الثالث جاء المحقق المدعو “قصي الجهني” وأمر بإحضاري إلى غرفة التحقيق.
- في البدء قال: “أخبرني ماذا فعلت بالتفصيل ولن ألمسك ولن أدع أحد يقوم بضربك أو تعذيبك فقط تحدث.”
فكان جوابي: لا أعرف، أنت قل لي ماذا فعلت، وسأكون صادقاً معك بأي تهمة توجهها ضدي وأكون قد فعلتها سأقول فعلت .
فلم يقبل بردي هذا وأعاد السؤال ذاته، فقلت : أنا خرجت بمظاهرات وخرجت عندما زارنا المراقبون العرب وخرجت باعتصام الساحة. حينها سرد علي تهمهم المعلبة الجاهزة بأنني حملت سلاحاً وأنني قمت بتصوير مقاطع وبثها على القنوات المغرضة بحسب قوله، والتي من شأنها النيل من هيبة الدولة وإضعاف الشعور القومي بالإضافة لتهم لم أسمع بها من قبل .. ولأنني لم أفعل كل ذلك نفيت التهم الموجهة ضدي وفي تلك اللحظة بدأت المأساة.
تم تعليقي، وبدأت حفلة التعذيب.. فانهال علي بالضرب أولهم، وبمجرد أنه يشعر بشيء من التعب يسلم أمري للأخر، وهكذا إلى أن وصلت لمرحلة الإغماء من شدة الضرب، فلم يقوموا بإنزالي، بل أحضروا صاعقاً كهربائياً وربطوه بيديّ وقاموا بصعقي إلى أن أفقت، لا بل وبدأت بالتخبط كالذبيحة حتى أن القيود كُسرت في يدي أكثر من مرة، ولشدة ما عذبوني في ذلك اليوم بدأت أعترف بكل ما قاله عني وبكل ما لم أفعل، أقول له: “نعم حملت سلاحاً”. فيرد بأن أعترف بأنني قتلت جنوداً من قوات النظام، أقول له نعم قتلت جنوداً من قوات النظام ، فيرفع سقف التهم شيئاً فشيئاً حتى حسبت نفسي أنني السبب في كل الظلم الذي حصل في بلادي حينها.
رحلة التعذيب بين الأفرع الأمنية
طرقهم في التعذيب تجعل من الإنسان مجرد حشرة ضعيفة، وبنفس الوقت قادرة على على فعل كل تلك الأشياء. بقيت على هذه الحال لمدة ثمانية أشهر، تنقلت خلالها في عدد من الأفرع والسجون، منها : فرع الأمن العسكري بحلب، الفرع 291، الفرع 215، القابون، سجن تدمر، مشفى تشرين العسكري، سجن عدرا، ثم أطلق سراحي.
مما أتذكره في تلك التجربة المريرة التي لا أتمناها حتى لأعدائي: أنني في حين لم يبق لدي شيء من القوة رميت في ممر التحقيق في فرع الأمن العسكري بتدمر، كنتُ جثة هامدة، فقط أشهق وأزفر أنفاس متعبة؛ رموني في الممر ورموا فوقي بطانية رهيفة وكنت في ممر الخارجين إلى حمامات التحقيق، فحين يخرج أي أحد إلى الحمام لا بد أن يتعثر بجثتي. في تلك الأثناء قبض على أحد أصدقائي وأودع في التحقيق لمدة ثلاثة أيام ثم خرج. في إحدى المرات وهم يخرجونه إلى الحمام تعثر بي ولشدة ألمي صرخت وكشفت البطانية عن وجهي فرآني في تلك الحالة المزرية وعند خروجه أخبر أهلي عن حالتي وبأنني قد أفارق الحياة في أية لحظة (يا بتلحقوه يا ما بتلحقوه)..
خرجت من الاعتقال بمعجزة وهربت على الفور إلى منطقة إدلب التي كانت بمعظمها محررة من قوات النظام. في البدء عملت في مجال الإعلام متخفياً بغير اسمي الحقيقي، خوفاً على أهلي الذين بقوا في مناطق سيطرة النظام، ثم تحولت إلى العمل بالمجال الإنساني (إغاثة، طب، مساعدات) وإلى الآن ما زلت أعمل بشكل طوعي. فهدفي رفع الظلم عن الناس. أنا ظلمت ولا أريد الظلم لغيري؛ الفقر ظلم، النزوح ظلم، الاعتقال ظلم، الموت اليومي ظلم.
والدي اعتقل من قبل قوات النظام بتاريخ 1 / 3 / 2015 بسبب انخراط إخوتي في صفوف الجيش الحر.. اعتقله النظام ليضغط عليهم بأن يسلموا أنفسهم ولم يفعلوا. والدي إلى الآن جاثم في المجهول حاله كحال ألوف السوريين، لا أريد أكثر من معرفة مصيره لترتاح أنفسنا.