#########

الضحايا

“أشعر بأنني كالمعدوم ولا وجود لي في هذه الدنيا”


قصة "لقمان يوسف عبدو" أحد الكرد السوريين المحرومين من الجنسية بسبب الإحصاء الاستثنائي في العام 1962

15 / تشرين أول / أكتوبر / 2019


“أشعر بأنني كالمعدوم ولا وجود لي في هذه الدنيا”

 

المصدر: سوريون من أجل الحقيقة والعدالة

 

ما زال “لقمان يوسف عبدو” حتى اللحظة غير قادر على تسجيل أطفاله باسمه في الدوائر الحكومية، فقط لأنه واحد من الكرد السوريين المحرومين/المجرّدين من الجنسية بموجب الإحصاء الاستثنائي الذي حدث في العام 1962، وتحديداً من فئة “مكتومي القيد”، والذين كانوا ومازالوا يعانون الحرمان من أبسط الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

 

“لقمان يوسف عبدو” من مواليد مدينة الحسكة عام 1984، متزوج ولديه ثلاثة أطفال، روى لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة [1] تبعات حرمانه من الجنسية السورية قائلاً:

“كان والدي مكتوم القيد، فأصبحت وإخواني التسعة مكتومين أيضاً، وفي العام 1995 نجح والدي في تسجيل بعضنا كأجانب، فيما بقي بعضنا الآخر مكتوماً، وفي العام 2011 وحين صدور مرسوم تجنيس الأجانب[2]، تمّ تجنيس أخوتي تلقائياً وبقينا نحن ثلاثة أخوة مكتومين، فحاولنا كثيراً العمل على أوراقنا دونما فائدة، وسافر شقيقاي الأكبر مني (من الذين كانوا مكتومين) إلى ألمانيا، وبقيت أنا هنا دون أن يتغير وضعي القانوني ووضع أولادي حتى اللحظة، إلا أنّ زوجتي مواطنة تتمتع بالجنسية السورية.”

وتابع “لقمان” في معرض حديثه حول الصعوبات والعراقيل التي كانت ومازالت تعترضه نتيجة وضعه القانوني ك “مكتوم قيد”، والتي كان أبرزها عدم امتلاكه وأولاده الثلاثة أي أوراق ثبوتية، باستثناء شهادة التعريف، حيث روى في هذا الخصوص قائلاً:

” أيّنما نذهب نلاقي صعوبات جمّة، فالجميع يطالبوننا بأوراقنا الثبوتية، وحين كنا نبرز لهم شهادة التعريف كانوا يضحكون علينا، كما أن زوجتي (مواطنة) وحتى هذه اللحظة هي غير مسجّلة باسمي بالإضافة إلى أولادي الثلاثة، فاثنان منهم يذهبان إلى المدرسة، والمدرسة دائماً ما تطلب منا ثبوتيات، وليس لدينا إلا شهادة التعريف التي لا قيمة لها، فمدارس الحكومة السورية تريد شهادة تعريف تابعة للنظام، أما الإدارة الذاتية فتطالب بشهادة تعريف تابعة لهم وقد ضعنا ما بينهما صراحة، وبالنسبة لشهادات التعريف التابعة للنظام فهي تكتب عن طريق المخاتير وهم أيضاً غير معتبرون كثيراً، وبالنسبة للإدارة الذاتية فهي تكتب في الكومين. بالنسبة لي كمكتوم القيد فليس لي وجود فعلي في هذه البلاد، فلا شيء مسجّل باسمي لا منزلي لا ممتلكاتي لا أولادي ولا زوجتي، أشعر بأنني كالمعدوم ولا وجود لي هنا لأنني مكتوم القيد.”

 

تعدّدت محاولات “لقمان” من أجل استصدار أي أوراق ثبوتية تحمل اسمه، لكنه محاولاته لم تتكللّ بالنجاح، حيث روى حول ذلك قائلاً:

“منذ مدة على سبيل المثال حاولت استصدر سجل تجاري، كي أعمل بالتجارة ما بين هنا وإقليم كردستان العراق لكن لم يحق لي ذلك لأنني مكتوم، كما أنني لم أتمكن من الحصول على جواز سفر أو حتى وثيقة للقيادة تثبت شخصيتي، وأبسط مثال في إحدى المرات، طلب مني عامل في المكتب العقاري أن أكون شاهداً على عملية بيع لإحدى الأراضي، فاضطررت للاعتذار منه عل اعتبار أنني مكتوم القيد ولا وجود لي، وفي العام 2008 توظفت في شركة دبلن بحقل تشرين (شركة نفط أجنبية عملت في المنطقة في تلك الأعوام)، وبقيت أعمل فيها لمدة سنة تقريباً، وبعد حوالي سنة صارت هناك خلافات بين الشركة والحكومة السورية، فطالبت الحكومة بأن يكون لدى جميع الموظفين إثباتات، وأن يكونوا مواطنين سوريين، فقاموا بفصلي عن العمل ولكن لأنّ الفريق المشرف كان معجباً بعملي فقاموا بمنحي شهادة تقدير.”

في العام 2012، توجه “لقمان” إلى إقليم كردستان العراق من أجل استصدار وثيقة إقامة، لكن دونما فائدة، وحول إحدى المواقف التي مازال يذكرها حتى يومنا هذا روى قائلاً:

“في إحدى المرات كنت متوجهاً بصحبة عائلتي إلى مدينة دهوك من أجل للعلاج، لكنّ أحد الحواجز العسكرية قام بتوقيفنا ومنعني من إكمال طريقي لأنني لا أمتلك وثيقة للإقامة، وأذكر أنني بقيت وزوجتي وأولادي مدة ثلاث ساعات في البرية، وبالقرب من الحاجز، حتى سمحوا لنا بالدخول، كما أنني في إحدى المرات، كنت قد تقدّمت على وظيفة في مطار هولير، لكنني لم أستطع الحصول على فرصة العمل تلك بسبب عدم حصولي على الإقامة.”

***

[1] تمّت مقابلته من قبل الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في أواخر شهر أيلول/سبتمبر 2019.

[2] بعد اندلاع الاحتجاجات السلمية في سوريا، والمطالبة بإجراء إصلاحات شاملة في البلاد صدر المرسوم التشريعي رقم (49) بتاريخ 7 نيسان/أبريل 2011، إذ نشر موقع مجلس الشعب السوري مرسوماً تشريعياً معنوناً بـ (منح الجنسية العربية السورية للمسجلين في سجلات أجانب الحسكة) جاء في مواده ما يلي:

المادة  1: يُمنح المُسجلون في سجلات أجانب الحسكة الجنسية العربية السورية.

المادة 2: يُصدر وزير الداخلية القرارات المتضمنة للتعليمات التنفيذية لهذا المرسوم.

المادة 3: يُعتبر هذا المرسوم نافذاً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.

وبعد عدّة أشهر من صدور المرسوم رقم (49) من العام 2011، نُشرت أخبار بخصوص قرار وزاري يقضي بمعاملة فئة مكتومي القيد نفس معاملة الأجانب (فيما يخصّ الحصول على الجنسية)، إلّا أنّه وعند مراجعة العديد من الأشخاص المكتومين لدوائر السجل المدني/النفوس، كان الرد يأتيهم بعدم إنكار القرار والتأكيد على صدوره، ولكن عدم معرفة الجهة التي سوف تتولى تنفيذه.

 

المادة من المصدر