#########

الضحايا

أطفال سورية في غياهب المستقبل


بسبب اشتداد القصف وتغير خريطة المعارك في بلدات ريف إدلب الجنوبي وريف حماة، وما رافقه من نزوح للأهالي، يعتقد السيد عدنان أن السنة التعليمية المقبلة ستكون من أشد السنوات صعوبةً وخاصة أن المدارس التي يتم إيفادها بالأطر التدريسية ستكون ممتلئة بالنازحين

27 / آب / أغسطس / 2019


أطفال سورية في غياهب المستقبل

 

أحمد عزام – مع العدالة 

 

امتدت الحرب السورية أكثر مما توقع لها أكبر المتشائمين، ورسّخ طول أمَد الأزمة المشكلات الاقتصادية وأخّر التطورات الاجتماعية. وكما في كل حرب يستفرد بها مجانين القوة المفرطة تستوطن جروح عميقة في المجتمع لا يمكن الشفاء منها بسهولة.

 

يُعتبر الأطفال هم الشريحة الأكثر تضرراً من الحرب، والتي تؤثر عليهم بطرقٍ تختلف عن تأثيرها على الكبار.  حيث يتوقع الطفل في فترات عمره المبكرة أن يحصل على الرعاية والاهتمام ممن هم أكبر منه. لكن الحرب تترك الأطفال في حالة من التوتر والقلق وخاصة بعد فقدان ذويهم واضطرارهم للجوء الدائم.

إن حجم العنف الذي تعرض له الطفل السوري تجاوز كل الأعراف والقوانين الدولية الخاصة بحماية الطفل، فقد بلغ عدد القتلى من الأطفال السوريين أكثر من 21500 طفل سوري حتى آذار \ 2019 بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان   17000 منهم طالب أو في سن الدراسة. كما وصلت أعداد الإعاقات بين الأطفال بحسب آخر تقرير للأمم المتحدة عام 2017 إلى ما يقارب المليون بين إصابات متوسطة وشديدة كالبتر.

أثرت هذه الحرب على حياة الطفل السوري بشكل كامل خاصة مع اضطرار الأطفال إلى اللجوء نحو مناطق سيطرة المعارضة أو بلدان الأطراف النامية والتي لا توفر للأطفال بيئة آمنة أو جيدة للتعلم بل تتركهم لساحات البؤس والأهمال في العراء و المخيمات، وبحسب مصادر اليونيسف عام 2016 وصل عدد الأطفال السوريين اللاجئين إلى دول الجوار (تركيا – الأردن – لبنان) حوالي المليونين طفل، وكل ذلك كان له دور أساسي في توقف العملية التعليمية وهروب الأطفال نحو العمالة أو التشرد.

 


آثار اللجوء النفسية والاجتماعية على الطفل السوري وارتباطها بالتسرب المدرسي والعمالة.

حذرت منظمة (save the children) ضمن تقارير متعددة آخرها عام 2017 من أن معدلات عمالة الأطفال السوريين وصلت إلى حدود غير مسبوقة وأوضحت نتائج التقرير أن كمية اليأس والعجر الاقتصادي الذي تصل إليه العائلة يجعل من  الأطفال لاعبين أساسين في وضع الاسرة الاقتصادي. وأوضح ذات التقرير أن نصف الأطفال اللاجئين في الأردن هم معيلون رئيسيون لعائلاتهم.

 

 

أما في لبنان فقد أوضح التقرير في ذات السنة أن هناك أطفالاً سوريين يعملون في أعمال قاسية وهم لا يتجاوزون السادسة من العمر. فيما يعمل ثلاثة أرباع الأطفال السوريين في العراق لتأمين قوت عائلاتهم. وبحسب التقرير فإن أكثر الأطفال عرضةً للأخطار هم أولئك الذين ينخرطون في الصراع المسلح والاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر.

في تركيا تتفاقم مشكلات التسرب المدرسي وعمالة الأطفال، حيث سجلت ولاية عنتاب لوحدها تسرب أكثر من مئة ألف طفل سوري في سنة 2019 بحسب شبكة زدني علماً. تتعدد الأسباب التي تسمح بهذا التسرب ومنها: عدم وجود مدارس كافية لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الطلاب السوريين وغلاء أجور المدارس الخاصة ووسائل النقل، مترافقاً مع تدني المستوى الاقتصادي لدى الأسر. وبحسب (أبو نديم)- وهو أبٌ لأحد الأطفال المتسربين- يقول:

” المشكلة تبدأ من الأجور المتدنية لا يمكنني إرسال أولادي الثلاثة إلى المدرسة إذ يكفي أن أدفع 80 ليرة تركي -أي ما يعادل 16 دولار أميركي- أجرة باص شهرياً حتى أموت من الجوع فالدخل بالكاد يسد أجار البيت والحاجات الطبيعية”

مع أن الحد الأدنى للرواتب في تركيا قد يبدو للوهلة الأولى مقبولاً إلا أن الكثيرين من أمثال أبي نديم يدفعون نصف رواتبهم أجاراً لمنزلٍ متواضع لذلك تفضل هذه الأُسر إرسال أبنائها للعمل من باب توفير أجرة النقل وزيادة دخل الأسرة.

مع ازدياد محاولات دمج الأطفال السوريين والأتراك ضمن نفس المدارس تفاقمت مشكلة الاغتراب لدى الطفل السوري الذي يشعر بنفسه مرفوضاً من قبل أقرانه الأتراك وفي هذا يقول “رياض” وهو طفل سوري في الصف السابع “أنا لا أحب المدرسة فالأطفال الأتراك مزعجون ويضربونني دوماً، إلى الآن لم أستطع تعلم اللغة التركية ولا أرغب في تعلمها، فلا أحد يحبني في المدرسة ولذلك أفضِّل أن أبقى في البيت“.

وتجد السيدة “إنصاف” -وهي أم لطالب وطالبة في المدارس التركية-، أن ولي الأمر السوري أصبح شرطياً في الصباح داخل المدارس التركية وهو يطالب بحق أبنائه بأن لا يتعرضوا للضرب. وطبيب نفسي في المساء لتهدئة أطفاله من آثار التنمر التي يتعرضون لها. وترى أيضاً أن مديرية التربية التركية تتعامل مع هذه القضية بلامبالاة واضحة، علماً أن هذا يسيء للأطفال الأتراك في المستقبل فهم يتعلمون العنصرية دون أن يشعروا.

 

 

مع انعدام وجود الإحصاءات إلا أن الطفل السوري يتعرض للتنمر والضرب من قبل أقرانه بشكل دائم ويومي في أغلب دول اللجوء حتى الأوروبية والأميركية منها مما يضع الأطفال في حالة من القلق وعدم الرغبة في الاندماج أو التعلم وهذا ما يدفع العديد من الأطفال إلى التسرب والعمالة والانتحار أيضاً كما حصل مع الطفلة السورية أمل شتيوي في كندا.

ويخبرنا “ناصر مفعلاني” وهو يعمل في مجال الدعم النفسي المتخصص عن هذه الحالات قائلاً:

إن الطفل من سن ست سنوات وحتى الثانية عشرة يكون في طور التنشئة النفسية والاجتماعية وبالتالي فإن اضطراب بسيط في العملية التعليمية بين المدرسة والبيت قد يضع الطفل في حالة من التشتت والنفور، وعادةً ما يميل الأطفال اللاجئون إلى التكتم والحصر ولا يجدون أقراناً مساندين لهم فيشعرون أنهم غير مرغوب بوجودهم فيُقدمون على ردات فعل غير متوقعة أقصاها الانتحار، وأقلها التسرب وما يصاحبه من تعرض الطفل للاستغلال بكل أشكاله، وهنا تقع المسؤولية على الإرشاد والتوجيه النفسي في المدارس.”

 

 

مع كل محاولات منظمات المجتمع المدني المعنية بتقديم الدعم والمناصرة للأطفال السوريين في أماكن تواجدهم وخاصة ضمن مناطق سيطرة المعارضة التي تتعرض لقصف من قبل روسيا والنظام السوري، إلا أن تغير الخارطة العسكرية بشكل دوري من شأنه دائماً أن يعطل مشاريع تعليمية لم تؤتِ أكلها بعد، وبالتالي فإن أغلب المحاولات التي تبذلها كوادر المجتمع المدني تذهب أدراج الرياح. فهي لا تستطيع أن تكفل للطفل حقه في الحياة حتى تستطيع أن تكفل حقه في التعليم وعن هذا يخبرنا السيد “عدنان كرداس” وهو مدير المراقبة والتقييم في حراس الطفولة حيث يقول:

“إن أغلب عملنا يصب في تخفيف الخسائر التي قد تصيب الطفل معرفياً ووجدانياً وجسدياً ونحن لا نملك أي قوة تمكننا من إيقاف الحرب، وكثيراً ما يكون عملنا عبارة عن تشكيل فِرَق استجابة لأي كارثة تطرأ، فمكاتبنا تنزح مع كل نزوح جديد”.

وبسبب اشتداد القصف وتغير خريطة المعارك في بلدات ريف إدلب الجنوبي وريف حماة، وما رافقه من نزوح للأهالي، يعتقد السيد عدنان أن السنة التعليمية المقبلة ستكون من أشد السنوات صعوبةً وخاصة أن المدارس التي يتم إيفادها بالأطر التدريسية ستكون ممتلئة بالنازحين الجدد ثم يردف:

” إن عملنا بات دائماً هو التمسك بأي إمكانية لتحقيق استجابة سريعة من أجل حماية الأطفال ولو بالحد الأدنى”.

وفي سياق متصل أصدر فريق الرصد ضمن شبكة حراس تقريره الأخير عن واقع ريف إدلب الجنوبي وريف حماة، وقد أوفد موقع “مع العدالة” بنسخةٍ منه. حيث وثَّق الفريق استهداف 62 مدرسة منذ بداية شهر شباط وحتى تاريخ كتابة التقرير في 22\آب أيلول؛ وأكد التقرير أن هذا الاستهداف كان استراتيجياً. كما سجل الفريق مقتل 159 طفلاً نتيجة هذا القصف العشوائي، مع حركة واسعة لنزوح الأهالي باتجاه الشمال. أما عن الواقع التعليمي فقد سُجِلَّ حالات توقف متكررة بالدوام المدرسي خلال السبعة أشهر السابقة بسبب اشتداد القصف. وحالياً تستقبل مدارس الشمال العديد من النازحين الجدد مما سيجعل العملية التعليمية أمام تحديات صعبة في العام الدراسي الجديد.

 


خاتمة وتوصيات

  أكثر من ثلاثة مليون طفل سوري هم الآن خارج العملية التعليمية بشكل مطلق بكافة أماكن تواجد السوريين. بينما من هم ملتحقون بالتعليم يتسربون تقريبياً بنسبة 50% في المراحل الابتدائية من الأول حتى السادس و30% ضمن الصفوف الإعدادية. أي أننا أمام جيل كبير يعاني من الأمية مما سيؤثر على أي عملية تطوير في سوريا المستقبل. كما أن استمرار عمالة الأطفال بسبب الظروف القاهرة التي تعيشها الأسر السورية سترفع من مخاطر تعرض الأطفال للأذى والاستغلال. لذلك فإن التسريع في عملية منع تسرب الأطفال وضبط عمالتها والحث على دعم الأسر النازحة نفسياً واقتصادياً واجتماعياً يعتبر من أهم متطلبات هذه المرحلة الصعبة التي تعيشها الأُسر السورية، وعلينا الإدراك أن كل تأخير يحدث في هذ المجال سوف يضيِّق الحلول المتاحة مستقبلاً وسينذر بضياع أجيال متتابعة وخاصة أن عمر الطفل السوري من العمالة والتسرب والحرب قد تجاوز التسعة سنوات حتى الآن.

 

إحصائية شبكة حرّاس