#########

الضحايا

أمهات وأخوات المعتقلين: ضحايا الاستغلال المادي والتحرش الجنسي من قبل أجهزة الأمن السورية


لم يعترف النظام السوري ولا حلفاؤه يوماً بوجود مئات الألوف من الأبرياء المدنيين في السجون وأفرع المخابرات.. ولم يتحرك المجتمع الدولي والدول الكبيرة خطوة واحدة تجاه ملف المعتقلين

30 / أيلول / سبتمبر / 2019


أمهات وأخوات المعتقلين: ضحايا الاستغلال المادي والتحرش الجنسي من قبل أجهزة الأمن السورية

 

 

مع العدالة – بلقيس الحلبي

 

لا يخلو حيٌ من أحياء المدن السورية، وخاصةً المدن الكبيرة بعد العاصمة دمشق، إلا ويوجد فيه (سجن أو مفرزة أو فرع أمن أو مقر  للمخابرات السورية)؛ وقد ازدادت أعداد السجون والمفارز الأمنية وحواجز الجيش والمخابرات بشكل مضاعف بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، لدرجة أنّ شوارع وأحياء المدن السورية  أصبحت تسمّى بأسماء الجواجز  والمفرزات، من قبل أبناء تلك المناطق!

 

وما يثير السخط والحزن في ذات الوقت، أو التهكّم، أنّ النظام السوري، رغم القبضة الأمنية التي يتمتّع بها قبل الثورة السورية، وتمكّنه من فرض حالة الاختناق والكبت السياسي والاقتصادي على الشعب السوري، استعان بميليشيات خارجية كــ”حزب الله و الفصائل الطائفية العراقية والأفغانية”، علاوة على الحرس الثوري الإيراني، وأخيراً، القوة الضاربة عسكرياً وهي “روسيا”؛ في محاولة لقمع الانتفاضة وتهجير واعتقال وقتل الحاضنة الشعبية للجيش الحر، والفصائل التي تدافع عن الحراك السلمي.   

 

وفي العودة لسجون النظام وأقبية الموت في أفرعه الأمنية، والظروف القاسية التي يعيشها المعتقلون المتوزعون بين سجن عسكري أو فرع أمني، أو حتى سجون سرية قد كُشفَ البعض منها مؤخراً، نجد بحسب تصنيفات منظمات حقوقية ومنظمات تعنى بحقوق الإنسان، أن سجون النظام تعتبر من أخطر السجون حول العالم؛ حيث هنالك شهادات كثيرة  من قبل معتقلين سوريين قد نجوا من براثن الموت في أقبية النظام السوري، وكانوا قد تحدثوا لوسائل إعلام إقليمية وخارجية، عن الظروف التي عايشوها في سجني “تدمر وصيدنايا” العسكريَين، والأفرع الأمنية، التي تكون مراحل التعذيب فيها قاسية، تمهيداً لمراحل أقسى إذا ما نُقل المُعتقل إلى سجن عسكري.  

 

 

  • ابتزاز مادي وجنسي – حالات:

عمد النظام السوري وأجهزته الأمنية وغيرها من مؤسسات الدولة إلى خلق حالة الفساد في المجتمع السوري بشكل مقصود، حيث تجد الرشوة في كل مكان، وإن قلنا حتى في “وزارة الأوقاف” فحن لا نبالغ؛ وقد أصبحت الرشوة علنية وبشكل وقح بعد انطلاق الثورة، وباتت المبالغ التي يطلبها المتنفذون في النظام السوري طائلة،تأتي مقابل إخلاء سبيل معتقل، أو نقل معتقل من فرع إلى سجن مدني، أو فدية فكّ أسر مخطوف لدى شبيحة النظام وعناصره الأمنية؛ وهكذا، (على عينك يا تاجر) يتم ابتزاز السوريين بأساليب شيطانية.

أما عن النساء اللائي يقمن بزيارة أبنائهن أو أزواجهن، فحدث ولا حرج، فهناك ألف أسلوب للاستغلال من قبل عناصر النظام، ومنها المساومة والتفاوض على أمور مادية، أو تصل في بعض الأحيان إلى التحرش الجنسي أو إقامة علاقة مع الزائرة مقابل رؤية المعتقل أو تسهيل بعض الإجراءات الخاصة به.

 

تقول (سناء. م) 32 عاماً من حلب – وهي أخت لمعتقل تم نقله إلى دمشق عام 2016 كما علمت وأهلها من أحد الضبّاط المتنفذين:

توجهت مع أمي إلى دمشق كي نسأل عن أخي “مصطفى” 41 عاماً متزوج ولديه ثلاثة أطفال، بعد اعتقال دام ثمانية أشهر لا نعرف عنه شيئاً؛ وحين علمنا من قبل ضابط دفعنا له المال عبر وسيط (سمسار)، أن أخي أصبح في مشفى تشرين العسكري، يتلقى العلاج بسبب حادث ألمَّ به، بحسب زعمه، ازاد خوفنا أكثر على مصيره، فأخذنا نسأل في كل الأقسام داخل المشفى، حتى قابلنا رجل يرتدي الزي المدني يدّعي أنه المسؤول على بعض ملفات المعتقلين المرضى، فأعطيناه معلومات عن أخي، وكان هذا الرجل بشوش الوجه، وهذا ما أعطانا أملاً أكثر. قال لنا إن علينا الانتظار حتى انتهاء الدوام، أي للساعة الثالثة ظهراً، كي نتمكن من رؤية أخي؛ وأنا وأمي جلسنا يأكلنا الخوف والانتظار في غرفة هذا الرجل، الذي قال إن اسمه “أبو وسام”، وبعد انتهاء الدوام، حيث كان “أبو وسام” يخرج ويدخل خلال تلك الفترة، دخل علينا ومعه شابان بالزي العسكري والسلاح، وقال لنا” سوف تتفاهمان معهما حول رؤية “مصطفى”، فلم نفهم شيئاً إلا بعد خروجه!

طلبا من أمي الخروج من الغرفة، لكنها رفضت، فصرخا بنا وأخذا يهددان بتعذيب أخي أو قتله في حال لم تخرج أمي، لكنها أصرت وأنا أبكي وأرتجي أمامهما، إلى دخل “أبو وسام” وقال بكل وقاحة: ” إما أن تدفعا مليون ليرة خلال يومين، أو تبقى الصبية _ أي أنا_ هنا كي تلبي حاجاتنا وتساعد زوجتي في أعمال المنزل!

 

  • لم أفهم ما نوع الطلب الثاني، “منزل؟! وزوجتي؟!”، ونحن في المشفى!

أنقذنا الله من براثن هؤلاء القتلة، بعد أن تعالت أصواتنا واستطعنا الخروج من الغرفة، وتجمهر علينا الموظفون والأطباء والممرضون، إلى أن جاء مسؤول كبير، وأخذنا إلى مكتبه، فشرحنا له القصة كاملة، وبعد السؤال والتفتيش عن اسم أخي في المشفى، تبيّن أنه غير موجود في السجلات لديهم! وكان هذا المسؤول ضابطاً طبيباً بحسب الممرضة التي قالت لنا حين خروجنا من المشفى.

أرشدنا هذ االضابط إلى فرع الأمن السياسي، وهناك سألنا عن أخي بعد ساعات من الانتظار والإذلال، إلى أن حلّ الليل، فقالوا لنا إنه موجود في سجن عدرا المركزي، فذهبنا في اليوم التالي بعد أن نمنا في فندق، لكن، لم نجده في قوائم السجن! وإلى الآن، هناك من يقول لنا إنه على قيد الحياة، ومنهم يطلب منّا المال مرةً أخرى كالضابط وسمساره، كي يأتي بخبرٍ عنه! … لا أعلم، هل تمت تصفية أخي؟ أم أن لديه كما يقال” شربة ماء” معنا مرةً أخرى!

 

 

  • مراسيم العفو وفخاخ العودة لحضن الوطن :

منذ المرسوم الأول الذي أصدره الطاغية في بداية الثورة، كان واضحاً هدف النظام ومآربه؛ فتلك المراسيم التي خرجت من هذا النظام المجرم، خرجَ معها “آلاف” المتشددين والقتلة واللصوص، ومن بينهم من تعامل مع الأجهزة الأمنية وعقد صفقات لتخريب الحراك السلمي وتحويله إلى مشهد (إسلامي عنفي) لا ثورة مدنية تطالب بحقوق مشروعة!

فلم يعترف النظام السوري ولا حلفاؤه يوماً بوجود مئات الألوف من الأبرياء المدنيين في السجون وأفرع المخابرات.. ولم يتحرك المجتمع الدولي والدول الكبيرة خطوة واحدة تجاه ملف المعتقلين، بل كان جلّ همومهم تعويم النظام، والتقافز على الحقوق ومطالب الشعب السوري الحر.

حيث جاءت مراسيم كثيرة من قبل المجرم بشار الأسد، تدعو اللاجئين للعودة إلى سورية، ضمن مخطط شيطاني ظاهره الخطابات الطنانة بأن” سوريا للجميع، ويجب على أبناء سورية العودة لبنائها، وكل من أخطأ بحق سورية فهو ابنها والأم تسامح دائماً”؛ وإلخ.. من خزعبلات وأكاذيب مفضوحة! فهناك المئات من السوريين عادوا إلى سورية وتم اعتقالهم،وتصفيتهم، أو اختفاؤهم، دون أن يرفّ طرف للمنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي!، علاوة على احتجاز عشرات الألوف كما نعرف نحن السوريين، وهذا موثّق أيضاً، بحسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، وهي منظمة رصد محلية،أن عدد المختفين قسراً في سوريا يقدر  بـ 90 ألف شخص، معظمهم على يد الحكومة السورية. وأيضاً، قام “مركز توثيق الانتهاكات” وهو مجموعة مراقبة محلية، بتجميع أسماء 60 ألف شخص تحتجزهم الحكومة منذ 2011، ولا يزال مصيرهم مجهولاً.

 

ومن جانب آخر، اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تاريخ (21 مايو/ أيار 2019)، أجهزة الاستخبارات السورية بإخفاء ومضايقة الناس بشكل تعسفي وممنهج  في المناطق التي استعادتها من فصائل المعارضة القريبة من العاصمة دمشق، وخاصةً من الذين قاموا بعمل تسويات مع النظام، أو من الذين عادوا بدعوى مرسوم العفو الأخير!  فضلاً عن ذلك، هنالك آلاف التقارير  والشهادات والفيديوهات المسربة التي تثبت أن النظام السوري وحلفاءه ارتكبوا انتهاكات ضد الإنسانية وجرائم حرب منذ عام 2011.

 

 أخيراً، خلال تسع سنوات من الثورة المتزامنة مع الآلة العسكرية القاتلة للنظام السوري والروس والإيرانيين، والفصائل المتشددة التي تدّعي نصرة الحق، نؤمن نحن السوريين بأن العدالة سوف تنتصر في نهاية المطاف، وأن الباطل لا يدوم حتى إن كسب جولاتٍ عديدة، فالشعب السوري الذي قدّم أكثر من مليون شهيد، ومئات الألوف من المعتقلين مع دمار البلد وملايين المهجّرين والنازحين، سوف تنتصر ثورته حتى لو وقفت كل قوى الأرض الغاشمة ضده، فالحق عالٍ ولا يُعْلى عليه.

 

المزيد للكاتبة