#########

الضحايا

الارتفاع الحاد في “جرائم الشرف” يُشعل فتيل الاحتجاجات المطالبة بالمساءلة في شمال شرق سوريا


في عام 2020، قامت الحكومة السورية بإلغاء المادة 548، غير أن ذلك لم يؤدّ إلى أي تغيير من الناحية العملية في العديد من المناطق. ولا يتم في الغالب إعطاء الأولوية للتحقيق في جرائم الشرف واعتقال الجناة، حيث ينظر إلى جرائم الشرف على أنها مسألة عائلية، وليست جريمةً خطيرةً.

14 / آب / أغسطس / 2021


الارتفاع الحاد في “جرائم الشرف” يُشعل فتيل الاحتجاجات المطالبة بالمساءلة في شمال شرق سوريا

*المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة


من المستحيل تقريباً تحديد النطاق الكامل لجرائم الشرف التي ارتكبت في كل عام في سوريا. وبحسب منظمة هيومان رايتس ووتش، تعرضت أكثر من200 سيدة للقتل في سوريا في العام 2009، لكن ومنذ اندلاع النزاع، أصبحت عملية جمع إحصاءات أكثر دقة حول هذه الجريمة الخفية أكثر صعوبةً. وإن جريمة الشرف التي تُعرّف بشكل عام على أنها جريمة قتل أحد أفراد العائلة، وعادة ما تكون امرأة، رداً على تصرف ينظر إليه على أنه مشين، ويُنظر إليها بشكل تقليدي على أنها غسل العار عن العائلة من أفعال الضحية. رغم ذلك، تثير هذه الجريمة رد فعل شعبيا بشكل متزايد، إذ تطالب المجتمعات المحلية بوضع حد لهذه الممارسة ومحاسبة مرتكبيها. وأدت موجة من جرائم القتل مؤخراً في شمال شرق سوريا إلى اندلاع احتجاجات شعبية والضغط على السلطات المحلية لاتخاذ إجراءات بهذا الصدد. وبينما تعد جرائم الشرف غير قانونية في سوريا، لا تزال هنالك فجوات قانونية ولا يتم من الناحية العملية في الغالب ملاحقة هذه الجرائم من قبل السلطات، مما يعطي الجناة فرصة الإفلات من العقاب ويضع النساء في دائرة الخطر. ويتوجب على كل من الحكومة السورية والسلطات الكردية في شمال شرق سوريا اتخاذ إجراءات لوقف إفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب.

وبغرض فهم الغضب الحالي في شمال شرق سوريا، قام فريق التوثيق لدى المركز السوري للعدالة والمساءلة بالتحقيق في تفاصيل جريمتي شرف فقط ارتكبتا مؤخراً، واللتين أدتا إلى اندلاع الاحتجاجات.

الهروب من المنزل

لم يتجاوز عمر “هـ.أ” 15 سنة عندما هربت من منزلها في حي غويران في مدينة الحسكة مع “أ. س”، وهو شاب في مقتبل العمر تقدّم لخطبتها عدة مرات. لكن، ولسوء الحظ، رفضت عائلتها ذلك كون “أ.س” من عشيرة أخرى. ورداً على ذلك، قام والد “هـ.أ” بعملية بحث واسعة أدت إلى خطف العديد من أفراد عشيرة “أ.س” بقوة السلاح. وفي فيديو صوره الخاطفون، يظهر العديد من أفراد العشيرة على ركبهم يستغيثون عائلاتهم من أجل التقدم بأية معلومات تساعد في العثور على الشاب والفتاة. وفي نهاية الفيديو، يظهر والد “هـ.أ” وهو يصوب سلاح من نوع (AK-47) على رجلين قائلاً، “إني أحذركم، إذا لم يظهرا خلال يومين سأقوم بتفجير رأس هذا الرجل، ثم عمه وابن عمه، ولن ينتهي هذا الأمر”.

ومن أجل تجنب سفك الدماء واحتمالية نشوب نزاع بين العشائر، قامت عائلة“أ.س” باعتقال الزوجين، ونقلت “هـ.أ” إلى منزل سيدة تديره قوات سوريا الديموقراطية، والتي قامت، من خلال جلسة وساطة عشائرية، بإعادة الفتاة إلى عائلتها. وأفادت تقارير بأن “هـ.أ” خضعت للاستجواب من قبل عائلتها، والتي طالبت بمعرفة من قام بمساعدتها على الهرب. ومن غير المعروف ما تم قوله خلال الاستجواب، لكن النتيجة النهائية كانت قيام والدها بإطلاق النار عليها وقتلها في 15 حزيران/يونيو، 2021.

لا مفر من إساءة المعاملة

كانت “أ.س” تبلغ من العمر 18 عاماً وتعيش في حي الزهور في جنوب محافظة الحسكة. ورغبت “أ.س” في الزواج من شاب تقدّم لخطبتها عدة مرات، لكن عائلتها رفضت ذلك، وأرغمتها على الزواج من ابن عمها “أ”. وقد عامل“أ” زوجته بعنف، والتي حاولت العودة إلى عائلتها للحصول على الأمان. ولم تتمكن من العثور على الملجأ الذي كانت تبحث عنه. وبدلاً من ذلك، تم إعادتها بشكل متكرر إلى زوجها وتهديدها بالتعرض للعنف في حال تركته مجدداً. وسعياً وراء النجاة، حاولت “أ.س” والشاب الذي تقدم لخطبتها الهروب إلى العراق، لكنهما لم يستطيعا اجتياز الحدود. واستطاع أحد أفراد عشيرة “أ.س”اعتراض الشاب والفتاة وإعادتها إلى المنزل حيث تم حبسها بدون طعام أو ماء لمدة يومين كي تصبح عبرةً لباقي النساء في عشيرتها.

وفي اليوم الثالث من أسرها، تم اقتياد “أ.س” من منزلها إلى منزل مهجور. حيث قام والدها، وأخوها، وزوجها، وأفراد آخرون من عشيرتها بقتلها بوحشية، بإطلاق النار عليها عدة مرات من مسافة قريبة. ثم تم نشر فيديو لعملية قتلها لاحقاً على الفيسبوك، مما أعطى الجمهور تصوراً مباشراً على قسوة جرائم الشرف.

قوانين بلا عواقب  

بالرغم من التعديلات التي تمت مؤخراً على قانون العقوبات السوري والهادفة إلى تغليظ العقوبة على مرتكبي جرائم الشرف، لا يزال الإفلات من العقاب أمراً شائعاً. ولغاية العام 2020، تعاملت المادة 548 من قانون العقوبات السوري مع “جرائم الشرف” على أنها جريمة بدافع شريف أو قتل غير عمد بحيث لا يكون القاتل في كامل قواه العقلية. ويواجه الجناة في هذه الحالات أحكاماً مخففةً، يصل أقصاها إلى سبعة أعوام. ويتناقض ذلك مع حالات القتل الأخرى، حيث يواجه الجناة في العادة حكماً بالسجن لمدة 20 عاماً مع الأشغال الشاقة. ومن الأهمية بمكان ملاحظة أن المحاكم الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية لم تتعامل مع كل قضايا “جرائم الشرف” على هذا النحو، ولم تصدر أحكاما مخففة نتيجة لذلك، حتى ولو كان القتل مستندا إلى أسباب “جرائم الشرف” من جانب الأسرة.

وفي عام 2020، قامت الحكومة السورية بإلغاء المادة 548، غير أن ذلك لم يؤدّ إلى أي تغيير من الناحية العملية في العديد من المناطق. ولا يتم في الغالب إعطاء الأولوية للتحقيق في جرائم الشرف واعتقال الجناة، حيث ينظر إلى جرائم الشرف على أنها مسألة عائلية، وليست جريمةً خطيرةً. وحتى عندما يتم النظر في هذه الجرائم أمام المحكمة، تسمح المادتان 192 و242 من قانون العقوبات للقضاة بتخفيف الأحكام في حال انطبقت الظروف المخففة، والتي يفسرها القضاة في الغالب على أنها تشمل أحداثاً يمكن أن تؤدي إلى وقوع جرائم الشرف. ومن الممارسات الشائعة الأخرى الادعاء بأن أفرادا صغارا في العائلة، مثل الأطفال بسن ستة أعوام، هم القتلة. ثم يتم اتهامهم بالجريمة ومثولهم أمام المحكمة، لكن بسبب عمرهم، يتم إخلاء سبيلهم على الفور. ومما لا شك فيه، فإن الجاني الحقيقي يسير حراً طليقاً وتستطيع المحكمة “بنجاح” إغلاق ملف القضية.

وفي قضية “أ.س”، قام قاض في الشطر الذي تسيطر عليه الحكومة السورية في الحسكة بإصدار أمر مذكرة جلب للمتورطين في جريمة القتل. وقد عاشت“أ.س” في الشطر الذي تسيطر عليه الحكومة السورية، لكن تم ارتكاب الجريمة من الناحية العملية في منطقة تابعة لقوات سوريا الديموقراطية. وقد فر المتهمون إلى منطقة تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية، لكن وتحت وطأة الضغط الشعبي، قامت السلطات أخيراً بالقبض على الإخوة الثلاثة للقتيلة واثنين من أبناء أعمامها. وبينما شكل ذلك خطوةً إيجابيةً، إلا أن أشخاصاً آخرين متهمين في مقتل “أ.س”، بالإضافة إلى مرتكبي جرائم شرف وقعت مؤخراً، لا يزالون أحراراً طُلقاء.

يترتب على قوات سوريا الديموقراطية، والحكومة السورية، والإدارات العشائرية التزام بحماية الأشخاص الذين يعيشون تحت حكمهم ومنع ارتكاب هذه الجرائم. ويجب إعطاء هذه الجرائم الأولوية من قبل السلطات وإغلاق الفجوات القانونية المتبقية. فضلاً عن ذلك، يتوجب على السلطات الحاكمة إنهاء إعادة النساء إلى عائلاتهن والسماح لهن بدلاً من ذلك بإمكانية الوصول إلى ملاجئ للحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي بحيث يستطعن البقاء طالما شعرن بضرورة ذلك. وفي شمال شرق سوريا، توجد مثل هذه الملاجئ، بالرغم من عدم وضوح ممارساتها الآمنة بدقة.

وبالرغم من استمرارية وجود تحديات خطيرة، تعكس الاحتجاجات الأخيرة تحولاً ثقافياً مهماً، والذي جاء نتيجةً لسنوات من كسب التأييد من قبل منظمات نسائية وناشطين سعياً لتغيير المواقف. وقد قام منسقو التوثيق لدى المركز السوري للعدالة والمساءلة بتسجيل العديد من الأمثلة لذكور تمت مقابلتهم ممن يشجبون جرائم الشرف ويرون أنها جريمة لا ينبغي لأحد أن يفتخر بها. وفي المناطق المحافظة ثقافياً، كان من غير الممكن تخيل هذا الشعور قبل فترة ليست بالطويلة. ويتوجب على السلطات الحاكمة الإحاطة بهذه الجرائم وملاحقتها قانونياً.