#########

الضحايا

الاستعصاء الكبير في سجن حماه المركزي 4


كان للنظام محاولات كثيرة، لاختراق الإعلام الثوري من خلال تسريباتٍ ممنهجة، لتتلقفها بعض الوكالات والإعلاميين المحسوبين على الثورة ويقومون بنشرها وترويجها، مما يضعف مصداقية الإعلام الذي يغطي حقيقة ما يحدث داخل السجن.

30 / تشرين أول / أكتوبر / 2018


الاستعصاء الكبير في سجن حماه المركزي 4

 

الجزء الرابع والأخير: النتائج، بين السياسة والوقائع

 

*عمار حسين الحاج

 

 

ورشة العمل الإعلامية والسياسية

منذ اليوم الثاني من الاستعصاء، وبسبب وجود أجهزة الهواتف المحمولة، ورغم محاولات النظام الكثيرة بواسطة أجهزة التشويش على شبكات الأنترنت والاتصالات، والتي كان النظام قد وضعها في السجن قبل سنتين من تاريخ الاستعصاء، وقام بتدعيمها بتركيب أجهزة جديدة بعد الاستعصاء الذي حدث في الشهر الثامن 2015 ، رغم كل ذلك وفي ظروف استثنائية، استطاع المعتقلون من إنشاء ورشة عمل على مواقع التواصل الاجتماعي، تضم ناشطين وحقوقيين سوريين بالإضافة إلى ممثلين من الائتلاف الوطني لقوى الثورة، ومن الهيئة العليا للمفاوضات، مع  ممثلين من مراكز ومنظمات حقوقية وإنسانية، ومن خلال هذه الورشة تم بناء جسر إعلامي وسياسي وحقوقي مع وزارات الخارجية الدولية، كان أهمها وأكثرها فاعلية، وزارة الخارجية الفرنسية، وكل المعلومات والرسائل الدبلوماسية، كانت تتقاطع في مكتب ديمستورا، المبعوث الأممي إلى سوريا، واعتمد نقل أحداث السجن والمفاوضات مع النظام، بشفافية ومصداقية، ونقل المعاناة كاملةً، إلى أروقة المجتمع الدولي ووضعه عند مسؤولياته أمام احتمال المجزرة، والذي عودنا عليه نظام الأسد الأب والابن، في كل تعاملاتهم مع استعصاءات السجون السورية .

 

فسلسلة عمل الورشة، تبدأ من المعتقلين أنفسهم، بنقل الأخبار والأحداث إلى ورشة العمل، ومن ثمَّ يقوم كل الأشخاص الموجودين بالعمل على هذه الأحداث بحسب عمله واتصالاته وموقعه الجغرافي والسياسي أيضاً، بما يجعل من المجتمع الدولي يعتمد رسائل ضغط سياسية يرسلها للمسؤولين الروس عن الملف السوري ليقوموا بدورهم بالضغط على نظام الأسد لمنعه من اقتحام السجن، والالتزام بالاتفاق مع المعتقلين ..

 

في العودة لمجريات الاستعصاء، في فجر اليوم الرابع انتهت المفاوضات التي استمرت في الأيام الثلاثة الماضية، بعد اشتدادها في اليوم الثالث، إثر محاولة النظام اقتحام السجن لعدة مرات، مستخدماً كل الأساليب التي من شأنها إضعاف شعور المعتقلين بقدرتهم على الاستمرار باستعصائهم المدني والسلمي وتحقيق أهدافه، وبعد طرد منظمة الهلال الأحمر السوري من أمام السجن، والتي جاءت لتكون طرف في المفاوضات مع المعتقلين والإشراف على تنفيذه، كون النظام رفض تدخل أي جهة دولية أو محلية، وبقي المفاوض المباشر للمعتقلين والضامن الوحيد للاتفاق، خيّرت إدارة السجن المعتقلين أحد أمرين، الأول أن يستمر الاستعصاء ويتحمل المعتقلين جميع الخيارات المتاحة، والخيارات مفتوحة، من بينها التصفية الجماعية كما حدث في سجن تدمر العسكري سابقاً على عهد الرئيس السابق المجرم حافظ الأسد، وفي سجن صيدنايا 2008.

 

أما الخيار الثاني فينص على فكّ الاستعصاء سلمياً، مقابل إفراج النظام عن 491 معتقلاً خلال شهر واحد فقط، تتكفل محكمة الإرهاب بالإفراج عن 441 معتقل و 50 معتقلاً بأمر من علي مملوك “رئيس مكتب الأمن القومي في سورية” مستخدماً العبارة السوقية عن الخمسين اسم ” هؤلاء شابوش مني شخصياً ” وهذا على لسان قائد شرطة حماه المدعو أشرف طه، والذي كان المفاوض الرئيسي المفوض رسمياً من وزيري الداخلية محمد الشعار، والعدل نجم الأحمد، والضمانات عبارة عن ضمانات شفهية منقولة من الوزيرين أحدها ” مسكة شارب ” من وزير الداخلية .

 

ومع استمرار الحصار الخانق للسجن بدون ماء، وطعام، ولا كهرباء، وبالتزامن مع هذا الاتفاق تم إخلاء سبيل 46 معتقلاً على دفعتين، كانت الأولى 33 ومع فجر اليوم الرابع خرجت الدفعة الثانية وعددهم 14 معتقلاً، وتم تأمين 14 مخلى سبيلهم من المجموع، لإيصالهم عن طريق قائد الشرطة إلى قلعة المضيق لدخولهم إلى الأراضي السورية الخارجة عن سيطرة النظام وذلك بحسب رغبتهم الشخصية بذلك.

 

كل ما تم الاتفاق عليه فجر اليوم الرابع تم نقضه من قبل النظام بعد ظهيرة اليوم الرابع، وعاد إلى محاولاته في اقتحام السجن مستخدماً، قنابل الغاز، والرصاص الحي والمطاطي، ما أدى إلى وقوع حالات اختناق، وخصوصاً من المعتقلين والسجناء الذين يعانون من أمراض الرئة والضغط الشرياني المرتفع، ومرضى السُكَّري، وأيضاً صغار السن المعتقلين، في ظلِّ التخوف من ارتكاب مجزرة بحقهم .

ثُمَّ قام قائد الشرطة بإعطاء مهلة للمعتقلين تنتهي في الخامسة صباحاً من اليوم التالي، مفادها أنه إذا لم ينهِ المعتقلون استعصاءهم بدون شروط، فإنه سيقوم بتسليم السجن لقوى الجيش والقوات المسلحة، مما يعني انتقال السجن من إدارة وزارة الداخلية إلى وزارة الدفاع، مع استقدام حشود عسكرية إلى محيط السجن، مزودة بقواذف “آر بي جي ” وسيارات دفع رباعي تحمل رشاشات حربية، وسيارات إطفاء مزودة بسلالم طويلة، بمشاركة عناصر من ميليشيا الدفاع الوطني التي يتزعمها الشبيح طلال الدقاق، والمعروف عن هذه الميليشيا وحشيتها في محافظة حماه وريفها، وصعود عدد كبير من هذه العناصر إلى سطح البناء المستعصي .

 

ومع صمود المعتقلين أمام كل ما استخدمه النظام ضدهم نفسياً وجسدياً، كان هناك سباقاً سياسياً، متوازياً مع أحداث السجن، من قبل شخصيات وجهات محسوبة على النظام، وجهات محسوبة على المعارضة، لتحقيق مكسب سياسي ما من خلال الدخول على خط المفاوضات القائمة بين المعتقلين من جهة، وبين النظام من الجهة الأخرى، أذكر من هذه الشخصيات، عضو مجلس الشعب “نواف الملحم” المقرب من موسكو، و”رندة قسيس” من منصة موسكو، وأيضاً وجهاء محافظة حماه وتجارها، وكان آخرها نشر عدة فصائل عسكرية إعلامياً، عن تقديمهم عرض للنظام لحل قضية الاستعصاء، كان أهمها الطرح الذي تحدث عنه جيش الإسلام في الغوطة الشرقية، كان مفاده، تسليم سجناء وجثث من عناصر الجيش السوري، محتجزين لدى جيش الإسلام، مقابل الإفراج عن كافة المعتقلين في سجن حماه، ولكن لم تنطل على المعتقلين أية حيلة من قبل رجال السياسة المختلفين في الانتماء، ولم يقبلوا بأي عرض من أي جهةٍ كانت، سوى العرض الذي أصروا عليه منذ بداية الاستعصاء .

 

وحتى حيلة قائد الشرطة في تهديده بتسليم السجن للجيش والقوات المسلحة، أو للشبيحة، أيضاً لم تكسر همة وإصرار المعتقلين في الاستمرار بما بدأوا به، فتدويل الاستعصاء وأحداثه، أثَّرَ سلبياً على عنجهية النظام وإجرامه، وحمَّلَهُ ضغوط سياسية كبيرة من قِبَلِ الروس العالقين في هدنة حلب، وهذا كان من أهم الأسباب التي منعت النظام من ارتكاب أية حماقة، تُكلِّفه ثمناً باهظاً في حال وضع الحليف الروسي في موقفٍ محرجٍ دولياً، وهذا الجانب كان واضحاً للمعتقلين، واستخدموه بشكلٍ جيِّدٍ في إدارة المفاوضات وامتصاص غضب النظام واستغلال نقط ضعفه .

 

إبداع الحاجة 

ولكن الذي حدث في اليوم السادس من الاستعصاء، كان له وقعاً كارثيَّاً على المعتقلين، فقد كانوا يعتمدون في تغذية أجهزة الهواتف المحمولة من مصدر للطاقة الكهربائية، مأخوذ بشكل سري من مكاتب الضباط إلى داخل المبنى المستعصي، وعند اكتشافه بسبب مخبرين للنظام داخل السجن من السجناء، قاموا بقطع مصدر الطاقة الكهربائية، وكانت هذه الحاثة مثل صاعقةٍ وقعت على رأس المعتقلين، فقاموا بتقنين استخدام الهواتف المحمولة، والتي ستفرغ مدخراتها بعد عدة ساعات على أكثر تقديرٍ، وينقطعون عن العالم الخارجي، وهنا حدث استنفارٌ لكل من لديه إلمامٌ أو معرفة بكيفية إنتاج الطاقة الكهربائية من الأدوات البسيطة الموجودة داخل السجن، وفعلاً وبعد خمس ساعات، استطاع أحد المعتقلين الجامعيين، من أنتاج الطاقة الكهربائية، عن طريق التعديل على اتجاه حركة المروحة السقفية، وعلى الدارة الالكترونية المنظمة لتيارها، والتي تدور يدوياً لتُنتج من الطرف الآخر للدارة، تياراً كهربائياً قادراً على إعادة شحن مدخرات الهواتف المحمولة، مما أعاد الأمل في الاستمرار بالصراع السلمي من طرف المعتقلين مع النظام الوحشي، ومتابعة رصد وتوثيق وتدويل قضيتهم العادلة ونقلها إلى كل المنابر الدولية.

 

الاتفاق النهائي

بعد تدخل الشيخ “نواف الملحم المقري” من روسيا، وبعد إعطائه تفويضاً شفهياً من بشار الأسد، في العمل على إنهاء الاستعصاء بالمفاوضات مع المعتقلين، مع بقاء الحال كما هو في السجن، من تدهور في الحالة الصحية، والنفسية والجسدية، بسبب الجوع والعطش وعدم توفر أدوية لأصحاب الأمراض السارية منذ يوم الاستعصاء الأول، وأيضاً حتى في اليومين الأخيرين من الاستعصاء وأثناء عملية التفاوض، لم يتوقف النظام عن محاولاته لاقتحام السجن بالقوة، للضغط على المعتقلين وإضعافهم في عملية التفاوض، والمعتقلون يعملون على كافة الأصعدة، داخل السجن، يحاولون تقسيم ما هو موجود من ما تبقى من الخبز اليابس والماء، بكميات قليلة تضمن البقاء على حياة المعتقلين والسجناء الجنائيين، وأيضاً على عناصر الشرطة السبعة الذين حوصروا لحظة بدء الاستعصاء، الذين لم يستطيعوا الخروج ولم يستطع المعتقلون إخراجهم، خوفاً من أن يقوم النظام بإيذائهم أثناء تسليمهم، واتهام المعتقلين بذلك كما ادعى في حربه الإعلامية والدبلوماسية أمام المجتمع الدولي، من محاولة الإقناع بأنه يوجد إرهابيون حقيقيون داخل سجن حماه، وحتى أنه حاول  ضربها بقنابل الغاز المسيلة للدموع، وبخراطيم المياه بعد معرفة الغرفة التي خبأ فيها المعتقلون عناصر الشرطة، عن طريق مخبريه من السجناء، لتوريط المعتقلين، ولكنه لم ينجح، وتم تأمين عناصر الشرطة، في مكان سري وآمن حفاظاً على حياتهم .

 

في اليوم التاسع من الاستعصاء، الحادي عشر من شهر أيار، حضر كل من وزير الداخلية والعدل، وبحضور الشيخ نواف الملحم، ورؤساء الأفرع الأمنية في محافظة حماه، وقائد شرطة حماه، كانت أصعب وأطول جولة مفاوضات مع المعتقلين المصرين على مطالبهم، حيث انتهت المفاوضات باعتراف النظام بالمطالب، وأنها محقة، وأنَّ المعتقلين ليسوا سجناء جنائيين، ومن حقهم محاكمات عادلة، وقد نص الاتفاق الشفهي بضمانة ممثلين النظام، على ما يلي:

 

1 -إنهاء الاستعصاء من قبل المعتقلين.

2 -يتم إعادة الكهرباء والمياه والطعام والدواء وكافة مقومات الحياة إلى السجن.

3 -يتم إطلاق سراح كافة المعتقلين سواء الموجودين لصالح المحكمة الميدانية في صيدنايا أو المعتقلين الموجودين لصالح محكمة الإرهاب وبما فيهم الذين صدرت أحكام بحقهم ويتم دراسة كافة الأضابير وإطلاق سراحهم على دفعات يومية بدون مدة زمنية محددة أو تحديد عدد الدفعة المطلق سراحها.

4 -عدم طلب أي معتقل إلى أي فرع أمني أو سركلة (نقل من سجن مركزي إلى آخر) وترحيل أي معتقل إلى أي فرع أمني أو إلى صيدنايا أو أي سجن خارج حماه.

5 -عدم إجراء أي تأمين أو دخول الشرطة إلى جناح الشغب قبل يوم السبت القادم.

6 -عدم سحب الجوالات الموجودة بحوزة المعتقلين.

 

بالرغم من هذا الاتفاق ولأن لا ضمانة لتنفيذه كوجود جهة حيادية دولية كالصليب الأحمر الدولي، فإن المعتقلين بقوا يعيشون حالة الخوف والقلق والترقب، ويخشون من أن النظام قد يعود لاستخدام الأساليب اللاإنسانية القديمة بعد انتهاء الهدنة يوم السبت القادم، وخاصة أنه لم يفرج سوى عن 110 معتقلين منذ بدء الاستعصاء، وحتى الآن. لذلك ظلَّ المعتقلون وعبر القنوات الإعلامية والحقوقية المتوفرة يرسلون رسائل مناشدة خوفاً من غدر نظام الأسد وحليفه الروسي.

وفعلاً قام النظام بإعادة الكهرباء والماء وكل مقومات الحياة إلى السجن، ولكن مع عدم دخول أي شرطي أو ضابط إلى داخل البناء المستعصي.

 

أحداث متفرقة مرَّت خلال الاستعصاء

  • ) على المستوى الإعلامي، كان للنظام محاولات كثيرة، لاختراق الإعلام الثوري من خلال تسريباتٍ ممنهجة، لتتلقفها بعض الوكالات والإعلاميين المحسوبين على الثورة ويقومون بنشرها وترويجها، مما يضعف مصداقية الإعلام الذي يغطي حقيقة ما يحدث داخل السجن، وكان من واجب ورشة الاستعصاء الإعلامية والسياسية، مخاطبة الإعلام الثوري وتصويب عمله بما يخص قضية الاستعصاء، حيث تجاوب البعض من هذه الوسائل الثورية، وامتنع البعض الآخر، مما أدى في كثير من الأوقات إلى تمييع القضية برمتها، وجعل النظام يستخدمها كحجة لمنع الأمم المتحدة ومنظمة الصليب الأحمر الدولي من التدخل في المفاوضات الجارية بينه وبين المعتقلين، وهو الذي كان يسعى جاهداً للتملص من هذا الاتفاق .
  • ) في 11/5/2016 عند تدقيق الأسماء الواردة كدفعة من المعتقلين للإفراج عنهم، تبين بأنَّ أحد المعتقلين الموجودين في القائمة، واسمه ” طارق مسعف الكردي ” متوفٍ في الأفرع الأمنية بتاريخ 16/10/2012 وليس له وجود في سجن حماه.
  • ) في 13/5/2016 عند ورود دفعة جديدة من أسماء بعض من المعتقلين للإفراج عنهم، تبين بأن أحدهم واسمه ” نايف النبهان ” قد أخلي سبيله في عام 2013.

 

نتائج عامة للاستعصاء

كان من أهم النتائج هو إحراج نظام الأسد ولأول مرة في تاريخه ومنذ سيطرة الأسد الأب على السلطة في سوريا وحتى اللحظة، وقدرة المعتقلين على تحرير زملائهم، الذين بلغ عدد المُفرج عنهم كنتيجة للاستعصاء، 365 معتقلاً موقوف لصالح محكمة قضايا الإرهاب في دمشق، و 40 معتقلاً موقوف لصالح محكمة الميدان العسكرية، والأهم من كل هذا، إعادة وضع ملف المعتقلين عموماً على طاولات المحافل الدولية وجعله أولوية في كل عملية سياسية أو تفاوضية، لإيجاد حل سياسي في سوريا، وأيضاً النجاح الإعلامي والدبلوماسي لورشة العمل على وسائل التواصل الاجتماعي، في قدرتها على رصد وتحريك الإعلام العربي والغربي وجعله يتفاعل إيجابياً مع قضية استعصاء سجن حماه المركزي، وهذا دليل على نجاح أي عمل جماعي كفريق، ويعطي الأمل في القدرة للعمل حتى لو كان في أسوأ ظروف الحياة، من أجل إسقاط أقذر نظام في التاريخ.

.

.