عندما أتحدث عن ساعات التعذيب يرتجف جسدي كاملاً؛ لم أكن أتوقع أنني سأخرج على قيد الحياة!
26 / آذار / مارس / 2020
*مع العدالة
“ترافق التحقيق مع الضرب الشديد حتى كدت أفارق الحياة بين أيديهم”
بديعة حاج حسن ” أم محمد” من مواليد1957 – خان العسل جنوبي غربي حلب تروي قصة اعتقالها في فرع أمن الدولة بحلب قائلة:
كنت ذاهبة إلى منطقة الشيخ مقصود في حلب تجاه (المعبر) حيث تم إيقافي بعد تفتيشي ومن ثم أخذوني إلى فرع أمن الدولة، لأجد هناك حينما دخلت إلى السجن خمسين امرأة، في زنزانة تكاد تكفي لعشرين شخصاً.
تركوني في الزنزانة 15 يوماً مع نسوة أغلبهن في عمر الخمسين تقريباً؛ إلى أن بدأوا التحقيق معي بطريقة مخيفة، منها الضرب والإهانة والمعاملة القاسية.
- كانت إحدى المعتقلات فتاة تبلغ من العمر 14 عاماً، وقد علمتُ أنها متزوجة حديثاً !
وتضيف السيدة أم محمد عن مراحل التحقيق: كانوا يقتادوني كل يوم مقيدة، معصوبة العينين إلى غرفة التحقيق، ويقوم المحقق مع أشخاص آخرين باستجوابي حول أولادي، وخاصةً ابني أحمد، مع توجيه الشتائم والكلمات البذيئة، بالإضافة إلى التعذيب والضرب والتهديد باعتقال أولادي الآخرين؛ ثم أخذوا يطلبون مني الاعتراف عن أولاد أخي، كانوا يريدون معرفة من منهم يحمل السلاح ومن منهم خرج في الثورة دون سلاح.
بعد عدة أيام فهمت من الأسئلة الموجهة إلي أن هناك تقريراً مكتوباً (كيدياً) بحقي من أحد الأشخاص؛ وفي كل يوم يزداد التعذيب والضرب أثناء التحقيق، حتى كدت أفارق الحياة بين أيديهم .
- بعد فترة زمنية قصيرة أطلقوا سراح بعض النساء من المعتقل، وبقيت أنا مع أربع أخريات.
بعد ثلاثة أشهر من هذه الحالة المزرية والقاسية، والتعذيب والاستجواب، أخذوني إلى المنفردة، فوجدت هناك سيدة من “دارة عزة” تبلغ من العمر 45 عاماً، مصابة بمرض في القلب، إضافة إلى التهابات في جسمها مع انتشار حبوب على ساقيها؛ بقينا معاً 15 يوماً، إلى أن أعادونا إلى الزنزانة الأولى.
بعض النساء الذين تعرفت إليهن في السجن هنَّ معلمات كن ذاهبات لاستلام الراتب وتم القبض عليهن واعتقالهن في هذه الأثناء، بالإضافة إلى فتيات اعتقلن في الجامعة.
تضيف أم محمد: “كنا نتعرض للضرب والتعذيب جميعنا، مع التجويع الممنهج، فالطعام كان يقدّم مرة واحدة في اليوم الساعة الخامسة مساءً؛ وغالبا كان الطعام الأرز فقط.”
أما المحقق كان يقول لي دائماً “هل تظنين لأنك مسنة لن أضربك، سوف أضربك حتى لو أصبحت تزحفين في النهاية، ولا تستطيعين السير على قدميك.”
عندما أتحدث عن ساعات التعذيب يرتجف جسدي كاملاً؛ لم أكن أتوقع أنني سأخرج على قيد الحياة!
التحقيق مع النساء الأخريات يدور حول أشياء كثيرة، منها تلقي اتصالات من الخارج وخاصة تركيا، حتى لو كانت المكالمة قبل وقت طويل أو حتى سنوات.
بعد ثلاثة أشهر من الاعتقال نادوا باسمي وطلبوا مني تحضير نفسي؛ فأخذوني إلى المنفردة، وبعد فترة أعادونا إلى الزنزانة الأولى. عقبها، استطعنا الاغتسال أخيراً ففي المنفردة ممنوع الاستحمام؛ هكذا، بقينا نحن المعتقلات لمدة 5 أشهر دون اغتسال!
وبعد ذلك، كانوا كل يومين يخرجونا إلى فسحة سماوية فيها شمس، نقف قليلاً ثم نعود إلى الزنزانة. وخلال فترة وجيزة، صاحوا باسمي وطلبوا مني مجدداً أن أتجهّز للخروج؛ ولقد عرفتُ قبل ذلك بيومين أنني وسيدة أخرى سوف نخرج بصفقة تبادل مع ضابط أسير لدى الجيش الحر.
ربطوا معصميّ بقطعة بلاستيك (قيود) وتم عصب عينيّ، ووضعوني في سرفيس (حافلة) فيه عدد من العناصر، أحدهم يحمل سلاحاً يقف بجانبي؛ ومن ثم أجبروني على طأطأة رأسي طوال الطريق.
كنت لا أعلم أين وجهة الحافلة… في منتصف الطريق توقف السرفيس، ونزل العناصر لاحتساء الشاي كما فهمت، وتركوني أنتظرهم وأنا أفكر إلى أين وجهتنا؟!
وصلنا إلى حاجز التبادل بعد ثلاث ساعات تقريباً؛ حينها، فتح باب السرفيس أحدهم، قائلاً: “فك عن يديها القيد”، ففعلوا ذلك.
في هذا الوقت طلبتُ الدخول إلى الحمام فذهب عنصر وأخبر شبّان الهلال الأحمر، الذين يقفون إلى جانب الطريق، فأخذوني إلى مكان بعيد وأزالوا العصبة عن عينيّ، وبعد أن انتهيت أعادوني إلى السرفيس وأعادوا العصبة.
وانتظرنا ساعة إلى أن تم التبادل مع الضابط، وبعدها، أنزلوني من وأزالوا العصبة عن عينيّ، وسلموني لشاب من الهلال الأحمر؛ عندما رأيته ارتحت كثيراً، وكأنني أرى واحداً من أبنائي؛ أخذني من يدي وتحدث معي برأفة وطيبة وقال:”أهلا يا أمي…”
ثم وضعوني في سيارة من الريف الغربي سائقها من عفرين وأخذوني إلى المحامي، الذي أبلغني بأن أبنائي ينتظروني.