#########

الضحايا

العنف الجنسي في سوريا .. والضحايا بلا نوبل


بحسب الشبكة المتوسطية لحقوق الإنسان، واحدة من كل خمس نساء يتعرضنّ للاغتصاب الكامل (هتك غشاء البكارة) داخل الأفرع التابعة للنظام السوري.

22 / تشرين أول / أكتوبر / 2018


العنف الجنسي في سوريا .. والضحايا بلا نوبل

 

*سائد الشخلها

 

قررت لجنة جائزة نوبل منح جائزتها للسلام لعام 2018 لـــ”دينيس مكويغي” و”نادية مراد” لجهودهما في إنهاء استخدام العنف الجنسي كوسيلة في النزاعات المسلحة، ما دفع ناشطي حقوق الإنسان السوريين للانقسام بمواقفهم بين مبتهج بهذه الجائزة كخطوة إيجابية من المجتمع الدولي اتجاه قضايا المطالبين بالحرية في الشرق الأوسط، وبين منزعج لاعتباره هذه الجائزة غربال ليغطوا به شمساً من الانتهاكات ارتكبت ومازالت ترتكب بحق المعتقلين والمعتقلات في أقبية سجون النظام السوري.

 

كسر العظام

من بين جميع تدابير النظام لوأد الثورة كان العنف الجنسي ضد المدنيين ثاني خيار يتخذه بوضوح بعد اعتقال المتظاهرين وزجهم في السجون، وذلك بدى جلياً من خلال رئيس الفرع الذي اعتقل أطفال درعا ( عاطف نجيب) على الوفد الذي شكل لإخراجهم بأن “انسوا أولادكم، وإن لم تستطيعوا انجاب غيرهم، فسننجب من نسائكم بدلاً عنهم”. تهديد واضح لأعيان المدينة بقدرة النظام على اغتصاب النساء أمام ذويهم إن لم يستكينوا،  فكان ولا لمّا يزل الاغتصاب سلاحاً لكسر المناطق التي طالبت بالحرية، والانتقام منها بطريقة لا توصف إلا بالحيوانية وعدم الإنسانية؛ حيث لفت التقرير الذي نشر عام 2013 بمناسبة “اليوم العالمي للقضاء على العنف بحق النساء” لعمليات اغتصاب في سبع محافظات بينها دمشق، وقعت أغلبها أثناء غارات حكومية، وعند نقاط التفتيش، ومراكز الاحتجاز، وأكد التقرير أن الاغتصاب يستخدم في الغالب كسلاح خلال العمليات العسكرية، موثّقاً اغتصاب فتاة في التاسعة  في آذار عام 2102 أمام أهلها في حي باب عمرو بمدينة حمص.

وذكرت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية على لسان المدعو محمود والذي كان مسؤولاً في حمص بين عامي 2011 و2012 سماعه لأمرٍ مباشر من رئيس استخبارات سلاح الجو في المدينة “افعلوا ما يحلوا لكم، ولن يحاسبكم أحد، اغتصبوا نساءهم”، بتوجيه مباشر من النظام لاستخدام العنف الجنسي كسلاح لكسر الثورة في حمص، وهو ما عُمم على جميع أرجاء سورية خلال الثورة.

 

سجلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 7700 حالة لنساء سوريات تعرضن لأعمال عنف أو مضايقات جنسية على أيدي قوات النظام والميليشيات التابعة له منذ عام 2011 حتى عام 2017 ما تزال 800 امرأة منهن قيد الاعتقال رغم أن هذا الرقم لا يقترب حتى من الواقع بسبب خوف الضحايا من التصريح بذلك.

 

وبنفس الاتجاه اتهم تحقيق تدعمه الأمم المتحدة، أواسط آذار من هذا العام -أي قبل عدة أشهر من منح جائزة نوبل للسلام-قوات النظام السوري باستخدام الاغتصاب والعنف الجنسي ضد المدنيين على شكل واسع ومنهجي في فضائع ترقى لجرائم ضد الإنسانية.

 

أقبية الفروع

يستخدم مصطلح “العنف الجنسي” في القانون الدولي لوصف “أعمال ذات طابع جنسي فرضت بالقوة أو الإكراه، كأن ينشأ عن خوف الشخص المعني أو شخص آخر من التعرض لأعمال عنف أو إكراه أو احتجاز أو إيذاء نفسي أو إساءة استخدام السلطة ضد أي ضحية، رجلاً كان أو امرأة أو بنتاً أو صبياً، أو باستغلال بيئة قسرية، أو عجز الشخص أو الأشخاص عن التعبير  حقيقة عن الرضا، هو أيضاً شكل من أشكال الإكراه، ويشمل العنف الجنسي، الاغتصاب، أو الاستعباد الجنسي، أو الإكراه على البغاء، أو الحمل القسري أو التعقيم القسري، أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة.

وعليه نجد أن معظم المعتقلين والمعتقلات إن لم نقل كلهم، تعرضوا لاعتداء جنسي أو أكثر خلال فترة اعتقالهم، ولكن بصور وطرق مختلفة ابتداءً من السب والشتم، مروراً بالتحرش، وصولاً إلى الاغتصاب؛ ولكن معظم التركيز كان على اغتصاب النساء، وبصورة أقل بكثير اغتصاب القُصّر ،وكأنه الجريمة الوحيدة التي ترتكب في الفرع الأمنية والسجون السرية. إذ لم تجر أي دراسة حتى الآن لمعرفة كم العنف الجنسي الممارس في الأفرع الأمنية على الرجال، ولم يذكر هذا الأمر إلا في التقرير المدعوم من الأمم المتحدة آذار 2018 حيث نوّه التقرير “وفيما كانت النساء أكثر الضحايا تعرضاً للاغتصاب، تم توثيق حوادث عنف جنسي ضد الرجال والأطفال، فتياناً وفتيات”.

 

وبحسب الشبكة المتوسطية لحقوق الإنسان، واحدة من كل خمس نساء يتعرضنّ للاغتصاب الكامل (هتك غشاء البكارة) داخل الأفرع التابعة للنظام السوري.

وحدّد تقرير للأمم المتحدة عام 2015 مرافق الاحتجاز التي أبلغ محتجزون من الرجال والنساء عن وقوع تعذيب جنسي فيها،  التي تشمل المخابرات العسكرية فرع 248 وفرع 235 (المعروف بفرع فلسطين) في دمشق، ومقار المخابرات العسكرية في جسر الشغور بإدلب، وحمص، وفرع الأمن السياسي في اللاذقية، وفروع المخابرات الجوية في المزة واللاذقية وحمص، وسجن إدلب المركزي.

وأصدرت منظمة “مشروع جميع الناجين” أواخر عام 2018 بحثاً حذرت فيه من انتشار ظاهرة العنف الجنسي ضد النساء والرجال على حد سواء، وسلّطت الضوء على عدم وجود جهود منتظمة لمنع العنف الجنسي ضد الرجال والفتيان، أو الاستجابة له في سوريا وفي دول اللجوء، مرجعة الأمر إلى أسباب وصفتها بالمعقدة.

 

ترحيل للأزمة

في حين يدير صندوق الأمم المتحدة للسكان 21 مساحة آمنة في سوريا، ووعود بافتتاح أربعة أماكن أخرى في الأشهر المقبلة، تقدم خدمات في مجال الصحة الإنجابية والتمكين والمشورة للمعنفات والمعنفين جنسياً، لم نرَّ  أي قرار أممي جدي لمنع هذه الظاهرة أو حتى الحدّ منها، فكل ما خرجوا به هو الكثير من التقارير والبيانات والتي رغم أهميتها القانونية إلا أنها تفتقد عنصر القوة التنفيذية، التي اتخذت في شبيهاتها من التقارير في كل من العراق والسودان فيما مضى، وهو ما يثير تساؤلاً مهماً عن جدية المجتمع الدولي في التعامل مع تداعيات الملف السوري، ونيته، وترحيل هذه الخطوات للمستقبل آملين أن يكون المناخ الدولي غير ضبابي، والتوافقات السياسية سانحة لاتخاذ هذه التدابير واعطائها صفة القوة التنفيذية والتي بدورها ستجبر جميع الأطراف بما فيهم النظام السوري على تنفيذها ولو بالقوة.

 

كما أشار التقرير العالمي لـ “هيومن رايتس ووتش” المعنون بـ”سوريا أحداث 2016″، بغير مهنيّة، “أنه رغم قلة بلاغات حالات العنف الجنسي بسبب مكابدة الصدمة وخشية الوصم، إلا أنها استطاعت توثيق بعض حالات العنف الجنسي ضد المعتقلين والمعتقلات، ارتكبها مسؤولون حكوميون”، متناسياً مئات الناجين والناجيات الذين تحدثوا عن العنف الجنسي الذي مورس بحقهم وحق معتقلين آخرين، دون أن يصل صدى صوتهم لداخل أروقة الأمم المتحدة، على عكس “نادية مراد” التي تحدثت للعالم كله من المنبر الأممي عن العنف الجنسي التي تعرضت له، لتصبح بعدها سفيرة للسلام، ثم يكافئها العالم بإحدى (أقدس) جوائزه هذا العام.

 

نعلم يقيناً أن أصحاب القضايا الإنسانية لا يهمهم إن توّجوا بجائزة نوبل أم لا، وكل ما يريدونه هو العدالة لقضاياهم، والاقتصاص من المجرم أياً كان، ولكني آمل أن أرى ناجية سورية كافحت وتكافح لقضية هي الحق بعينه، تأحذ حقها وحق جميع المعتقلين، وتصبح أميرة سلام لتنْصفنا جميعاً من قهر هذا النظام المجرم، فهل سنرى هذا الحلم يتحقق، أم أن قذارة السياسة الدولية ستطمس الحقوق، وتمنح تلك الجائزة للنظام عن دوره في تدمير بلد، وتهجير شعب، وتقييد حرية؟!.

 

المزيد للكاتب