#########

الضحايا

الكتم الجنائي: تهمة لرهائن بصفة قانونية!


في سجن عدرا للنساء تعتبر هذه التهمة أمراً لا مفرّ منه، حيث إن أكثر من 70 بالمائة من الموجودات في السجن متهمات بها؛ وغالباً ما تكون فيها المعتقلة قريبة من الدرجة الأولى أو الثانية لأحد الناشطين الثوريين أو أحد عناصر الجيش الحر

26 / آذار / مارس / 2019


الكتم الجنائي: تهمة لرهائن بصفة قانونية!

 

 

 

*منى محمد – مع العدالة

 

ينص القانون السوري بمادته 388 على أن كل سوري يخفي معلومات تمس أمن الدولة واستقرارها هو عُرضة للحبس من شهر إلى ثلاث سنوات، وقد فصّل القانون ذلك من خلال مادته 389 المشيرة إلى أن المعلومات هنا يُقصد بها من يعمل في المشفى ويعلم بحادث ما ولم يبلغ الشرطة، وكذلك من يُخفي الأدلة في جريمة ما، وخصّ بالذكر الموظفين والشرطة.

لكن محكمة الإرهاب، جعلت هذه المواد، وسيلة لاعتقال الكثير من أبناء الثورة السورية، وخاصة النساء، حيث اعتبرهم النظام بأجهزته الأمنية ومحكمته الصورية أنهن يتكتمن على أزواجهن وأولادهن وأقربائهن ممن خرجوا مطالبين بمطالب الثورة ومن حمل سلاحاً ضد النظام أيضاً.

يقول المحامي إبراهيم القاسم أحد محامي محكمة الإرهاب سابقاً وعضو منظمة ملفات قيصر حالياً: إنّ هذه التهمة هي من أكثر التُهم رواجاً في محكمة قضايا الإرهاب، وحكمها يتراوح بين تسعة أشهر وسنة، بالإضافة للغرامة المالية.

ويضيف القاسم: أنّ هذه التهمة جاءت متماشية مع ما قاله بشار الأسد في خطاباته بوجوب معاقبة ومحاسبة البيئة الحاضنة للإرهاب، وهذه البيئة هنا هي الأهل المقربون من المعتقل المتهم بالكتم الجنائي.

 

للنساء حصة الأسد في هذه التهمة:

ففي سجن عدرا للنساء تعتبر هذه التهمة أمراً لا مفرّ منه، حيث إن أكثر من 70 بالمائة من الموجودات في السجن متهمات بها؛ وغالباً ما تكون فيها المعتقلة قريبة من الدرجة الأولى أو الثانية لأحد الناشطين الثوريين أو أحد عناصر الجيش الحر.

وقد تزايدت أعداد النساء المتهمات بهذه التهمة الماثلات أمام محكمة الإرهاب خاصة في المدن التي قامت فيها التسويات والمصالحات، مع النظام، فتلك النساء لم يهاجرن إلى الشمال، وآثرن البقاء في مناطقهن كما في درعا والغوطة وحمص وغيرها، ولكن النظام استغل هذا واعتقل عدداً كبيراً منهن خاصة زوجات وأمهات المقاتلين في صفوف الفصائل المعارضة، أو النشطاء الثوريين، وهن رهائن لدى النظام إلى أن يقوم القريب الذي اعتقلن بسببه بتسليم نفسه.

 

 

ولعل اعتقال زوجة الإعلامي “محمد الشرع” الذي هاجر إلى إدلب تاركاً زوجته وأبناءه في درعا مثالاً قريباً، حيث إنّ النظام يرفض إطلاق سراحها إلى أن يقوم “الشرع” بالعودة إلى دمشق وتسليم نفسه.

وهناك أمثلة أخرى كثيرة، منها المعتقلة المغيبة “قمر العوض” التي اعتقلت بسبب وجود اثنين من أبنائها في صفوف الجيش الحر. وفي حالات مختلفة تقضي المعتقلة وقتاً في السجن يفوق الوقت الذي حكمت به محكمة الإرهاب كعقوبة لهذه الجريمة التي اعتبرت من جنايات الإرهاب وتستوجب أكثر من جلسة للنطق بالحكم والذي هو غالباً، يتراوح بين التسعة أشهر والسنة، بالإضافة لغرامة مالية تتجاوز عشرة آلاف ليرة سورية بحسب ما يراه القاضي.

 

شهادات

اعتقلت “أم نور” التي اعتقلت مع ابنتها، حيث اتهمت بالكتم الجنائي على أنها تخفي معلومات عن شقيقها المقاتل في الجيش الحر، وقد طلب إليها التحدث معه لتسليم نفسه، وحين فعل، أطلق عليه الرصاص مباشرة عند اعتقاله. ورغم ذلك هي لم تخرج من الفرع، وتم تحويلها إلى سجن عدرا المركزي لتمثل أمام القاضي بتهمة التستر على شقيقها المقاتل.

تقول “أم نور”: “هناك الكثير ممن قابلتهن بالسجن اعتقلن بسبب أهلهن وأقربائهن، بعضهم استشهد، لكن النظام يُصر على معاقبة المرأة على ما فعله زوجها أو ابنها.”

وتضيف بحزن وغضب معاً، “لقد أخبرتُ القاضي أن أخي مات، لكن هذا لم يغير في حكمه، حيث استمر اعتقالي لأكثر من سنة.”

في حين يروي لنا الضابط المنشق “عبد الرحمن أسعد” من مدينة دوما أن النظام اعتقل زوجته واثنين من أبنائه، بسببه، وبأنهم لم يبلغوا عن انشقاقه. يقول -أسعد-” اعتقلوا زوجتي منذ أكثر من خمسة أعوام، كان الحل الوحيد المطروح أمامنا لخروجها وأولادي من الاعتقال هو أن أسلم نفسي. ثمّ تمّ نقل زوجتي من فرع الأمن العسكري إلى سجن عدرا، وكان القاضي يصفها بزوجة الإرهابي، لكنه لم يُصدر أي حكم في قضيتها، بل استمر في تأجيلها كل تلك الأعوام، إلى أن تم إخفاء زوجتي في مكان مجهول ربما أحد الأفرع الأمنية. واستمرّ التواصل معي من خلال أقرباء لي كي أُسلم نفسي.

بينما يحدثنا “وائل” وهو حقوقي شارك بالمظاهرات مع بداية الثورة كيف قام النظام باعتقال والده واتهامه بالتكتم على ابنه الهارب خارج البلاد.

يضيف “وائل” أن والده كان كبيراً بالسن، لكن النظام أصرّ على اعتقاله في مدينة حلب، وتحويله إلى محكمة الإرهاب في دمشق ليمثل أمام القاضي الذي اكتفى بالمدة التي قضاها والده معتقلاً والتي تفوق السنة.

يقوم النظام من خلال هذه التهمة بتصفية حسابات بينه وبين الثورة من خلال اعتقال كل من ساهم بها من قريب أو بعيد.

وتشدّد منظمات حقوق الإنسان والعاملة في مجال العدالة والمساءلة على أن ما يحدث هو انتهاك صارخ بحق عدد كبير من النساء، اللائي يُعتقلن لعدة سنوات كرهائن كي يُسلم المطلوب نفسه وأن إسباغ الصفة القانونية على وجود النساء كرهائن لديه هو عمل مخالف للقانون الإنساني الدولي، إذ إن الكتم الجنائي المنصوص عليه في القانون السوري لا يتفق مع ما تحكم به محكمة جنايات الإرهاب

ويذكر المحامي “إبراهيم القاسم” أن هناك نساء لا يخرجن وإن قام المطلوب بتسليم نفسه للنظام، بل يستمر باعتقالهم معاً، فيضيف للمرأة ما يتهم به زوجها أو ابنها.

يضاف إلى ذلك أن من يخرج بعد اعتقاله يعامل كما لوكان مجرماً، فيحرم من حقوقه المدنية، وقد تُصادر ممتلكاته لأنه أخفى معلومات عن الجهات المختصة.

ويقع تحت طائلة المسؤولية وفق هذا القانون كل من يعيش على الأرض السورية، فالنظام لا يكتفي باتهام السوريين فقط، إنما أيضاً غير السوريين الذين يعيشون في سورية.

حيث قام النظام باعتقال عدد من طلاب الجامعات غير السوريين بتهمة التكتم الجنائي لعدم الإبلاغ عن زملائهم المشاركين في المظاهرات أو الحرك الثوري في المدن السورية.

وهناك حالات أيضاً قام فيها النظام باعتقال زوجات غير سوريات بهذه التهمة التي تعتبر شماعة خطرة يُعلق عليها النظام قانونية احتجاز أعداد كبيرة من المعتقلين تعسفياً.

 

المزيد للكاتبة