#########

الضحايا

بعد اعتقالي رأيتُ صورة أخي وهو قتيل أثناء التحقيق: مأساة السيدة “هدى الديري”


عند سؤالي لضابط التحقيق هذه المرة عن أخي، أخرج جهاز اللابتوب وأراني صورة لأخي وهو قتيل.

23 / كانون أول / ديسمبر / 2020


بعد اعتقالي رأيتُ صورة أخي وهو قتيل أثناء التحقيق: مأساة السيدة “هدى الديري”

*مع العدالة | ضحايا 


عن تجربتها في معتقلات النظام تقول المهندسة “هدى الديري”: 

أنا المهندسة “هدى الديري” رئيسة رابطة معتقلات الجنوب، اعتقلت بتاريخ 8/1/2014 وكانت مدة اعتقالي ستة شهور، في ذلك الحين كانت قوات النظام تحاول السيطرة على منطقة الشيخ مسكين بريف درعا.

وفي كل محاولة من النظام كانت تحصل اشتباكات، وفي أخر اشتباك، والذي استمر ما يقارب النصف ساعة، وعندما هدأت الأمور سمعت صوت ضجيج وصراخ قادم من أحد البيوت القريبة فحاولت الخروج للاستفسار عن مصدر الصوت.وفي هذه الأثناء جاءنا اتصال هاتفي وعند إجابتي عليه، فإذا بزوجة أخي تخبرني بأن أخي أصيب نتيجة الاشتباك، فخرجت من بيتي مهرولة، وإذا بعناصر الجيش قد انتشروا في الحي فأمسكوا بي فوراً، وبأبي وزجونا في سيارة عسكرية وأخذونا نحو وجهة مجهولة.

تضيف الديري حول معاملة العناصر لها ولأبيها: 

طيلة الطريق كانوا يضربون أبي الذي يعاني من مشاكل في السمع، ولم أعرف أين أنا إلا بعد مضي أكثر من خمسة أيام حين سألت المحقق عن مكاني الآن فقال أنتِ في فرع الجوية بدرعا.



فور وصولنا إلى الفرع قاموا بتفييش أسمائنا، ووضعوا كلاً منا في منفردة، هكذا إلى أن حل المساء فأعادونا إلى التحقيق في البداية أبي، ثم أنا؛ كان فريق التحقيق مؤلفاً من ضابط وعنصرين.

في البدء، توجّه إلي الضابط بالحديث وقال: تحدثي عن معلوماتك، بما شئتِ ونحن هنا لنسمعكِ.

فأجبته بأنني لا أعرف شيئاً ولن أتحدث بما لا أعرف، وعقّبت: ولماذا أنا هنا لا أعرف وما هي تهمتي ؟

فأعطاني مجموعة من الأوراق وطلب مني أن أكتب عليها كل ما أعرف من معلومات. فعدت إلى المنفردة ومعي الأوراق وحاولت أن أكتب شيئاً لا يجلب لي الضرر ورغم كل محاولاتي لم أستطع، وبقيت عاجزة لمدة أربعة أيام فقاموا بإعادتي إلى التحقيق وهناك قام الضابط بسؤالي عن سبب عدم كتابتي لشيء، فقلت له بأنني لا أعرف شيئاً، كما طلبت منه استجوابي بالطريقة العادية وأنا سأرد على كل الأسئلة بصدق.

  • لم يستجب لطلبي، وأعادوني مرة أخرى إلى المنفردة، ثم قاموا بجلب شباب وقاموا بتعذيبهم في الممر المقابل لزنزانتي كنوع من الضغط النفسي عليّ.

وعندما أعادوني إلى التحقيق قلت لهم: لماذا تعذبون الشباب ببساطة.. قوموا بطرح الأسئلة عليّ وأنا سأجيب بكل ما تريدون أو اكتبوا ما ترغبون وأنا جاهزة للتوقيع على التهم.

فكرر إجابته السابقة بأنهم يريدون أن أكتب أنا كل ما أعرف، فقاموا بإعادتي إلى المنفردة، حينها بدأت بالكتابة، أن المنطقة شهدت انتشاراً للمسلحين وأن هناك أمراً ما على وشك الحدوث.
فطلب مني المحقق معلومات أكثر عن أماكن تواجد المسلحين، ومن هم، وما هي أسماؤهم وأين يجتمعون. وعندما لم أقدم له أجوبة، أعادني مرة أخرى إلى الزنزانة لمدة سبعة أيام وكرروا بعدها التحقيق معي بالطريقة ذاتها.

عندما أخبرته بأن إخوتي في صفوف الجيش الحر، وأنني وأبي لا علاقة لنا بهذا الأمر، قال: غداً سنخلي سبيلكما.

والغد بحسب أعرافهم، استمر أسبوعاً، وبعد مضي الأسبوع أخرجوني للتوقيع على أقوالي وسلموني أوراقي وأخبروني بأنه سيتم تحويلنا إلى فرع الأمن الجوي في دمشق لاستكمال التحقيق، وهذا ما حصل.

إلى فرع الجوية بمطار المزة

في اليوم التالي قاموا بتكبيلي وعصب عيني وتم تحويلنا إلى دمشق. وفور وصولنا إلى مطار المزة، وهناك مقر الأمن الجوي، أنزلونا إلى القبو، وقاموا بتفييش أسمائنا مرة أخرى، وأعطونا أرقاماً بدلاً من الأسماء؛ صار اسمي رقماً ينادوني به.

وكذلك في فترة المساء، اقتادوني للتحقيق، وفي كل مرة كما في درعا كنت في البداية أسألهم عن مصير أخي المصاب وهل استشهد أم ما زال على قيد الحياة؟ وعند سؤالي لضابط التحقيق هذه المرة عن أخي، أخرج جهاز “اللابتوب” وأراني صورة لأخي وهو قتيل.

حينها انهرت وفقدت السيطرة على نفسي فاستغل الضابط انهياري وبدأ بطرح الأسئلة الواحد تلو الآخر، وأنا أجيب؛ تحدثت يومها بأمور لا أذكر ماهي، وعند انتهاء التحقيق قاموا بنقلي إلى غرفة مسبقة الصنع وفيها عدد من المعتقلات، كن قد قضين فترات مختلفة في الاعتقال، وعرفت منهن أن وجودي في هذا المكان يعني أنني لن أعود للتحقيق وبأنهم قد أخذوا أقوالي.

مرحلة أخرى من الشقاء

بقيت في هذا المكان ما يقرب من عشرين يوماً، ثم قاموا بتحويلي إلى سجن عدرا المركزي. بقيت هناك ا لمدة ثلاثة أشهر، وقابلت نساء تم تحويلهن من كل الفروع الأمنية وسمعت قصصاً مهولة.
بعد انقضاء مدة في السجن، قمت بتوكيل محام، وقاموا بعرضي على القضاء، ثم بعد انقضاء شهر آخر قام النظام بعمل تسوية في دمشق، وكان اسمي من بين الذين سويت أوضاعهم وخرجت.

فيما بعد:

بعد التسوية، التي حصلت في محافظة درعا، اضطررنا للانتقال إلى مدينة إدلب، وما زلت مستمرة في النهج الذي عملت لأجله وهو “قضية المعتقلات“.. وسأحاول بكل قواي أن أوصل صوت المعتقلين وخصوصاً في هذه الفترة، لأن النظام يمارس التصفية بحقهم، ولابدّ من إنقاذ ما يمكن إنقاذه منهم، على الأقل أن نعرف مصائرهم.

الحرية لا تعوض..


  

 


مواد شبيهة