#########

الضحايا

تحت التعذيب: مقتل “محمد سعيد العتر” انتهاكات فيلق الشام والفصائل الأخرى مجدّداً


 هُجّرَ محمد العتر من مدينته القصير في حمص، ولم تشفع له البطولات التي قدّمها أثناء الثورة، فزفَّ خبره إلى أمه التي تلجأ في مخيمات عرسال، بعد أن تمّ تسريب صور له على مواقع التواصل الاجتماعي وآثار التعذيب بادية على كافة أنحاء جسمه

27 / كانون الثاني / يناير / 2019


تحت التعذيب: مقتل “محمد سعيد العتر” انتهاكات فيلق الشام والفصائل الأخرى مجدّداً

 

 

 

بلقيس الحلبي ــ مع العدالة 

  

 

 

إن أغلب الشعب السوري خسرَ أحلامه وطموحاته، والأهم من ذلك، خسر وطنه! من أجل أن يعيش حياة تليق به كباقي الشعوب الأخرى. وخصوصاً بعد استيلاء قوات النظام على مدن كثيرة كانت تابعة للمعارضة.  فاختاروا التهجير من بيوتهم وترك مدنهم كي يحظوا بسلام وهدوء بعيداً عن القتل والترهيب ضمن المدن التي نزحوا إليها، ولكن للأسف، بعد مرور بضع سنوات على الثورة السورية، لم يعد هنالك ما يسمى بــ “الثوار” كما كان في السابق فعلاً، فلم تعد هذه الصفة تليق بأغلب من حمل السلاح! باستثناء مجاميع قليلة وأفراد شرفاء تم أقصاؤهم من خلال التصفية الجسدية أو الاعتقال، أو المطاردة من قبل أجهزة النظام السوري الأمنية إضافة إلى الفصائل الإسلامية المتشدّدة المخترقة أصلاً من النظام.

 

لم يكن هذا هدف الثورة السلمية، فالذي اختار مناطق المعارضة ملاذاً لحياته أو خوفاً من الاعتقال في سجون الأسد، لم يجد هذا الملاذ هناك، وإنما ما يحدث في هذه المناطق (الآمنة) من بعض المتنفذين قد يكون قريباً مما يحدث في مناطق سيطرة النظام.

 

أخذت هذه الفصائل تشرع بملاحقة واعتقال المدنيين والقيام بعمليات تصفية بحق قادة في الجيش الحرّ الذين كانوا يعملون على مشروع وطني صرف، علاوة على سياسة التضييق والترهيب تحت حجج واتهامات واهية، باستخدام كافة الوسائل القمعية من بطش وتنكيل بحق أهالي المدن المحرّرة، أو اللاجئين إليها.

ولقد سمعنا كثيراً عن اعتقالات قام بها تنظيم “داعش” الإرهابي وغيره من الفصائل التي تدّعي العمل الثوري لكثير من المعارضين والإعلاميين؛ ومن هذه التصرفات المستبدّة التي ترقى لأن تكون جرائم حرب وليست أخطاء فردية، أن يُقتل الكثير من المدنيين تحت التعذيب في سجون هذه الفصائل المسلحة؛ وكان آخرها، مقتل الشاب “محمد سعيد العتر” مواليد حمص القصير 1997 تحت التعذيب في سجون “فيلق الشام” التابعة لمنطقة “درع الفرات” شمال حلب؛ ما أثار سخط الأهالي هناك، وأصدقاء الضحية الذي كان ينتمي إلى صفوف الفيلق وقد خاض معارك عديدة تحت لوائه منها “معركة الكاستيلو ومعركة شرق السكة ومعركة غصن الزيتون.”

الغريب في الأمر، أنه لقى حتفه من قبل رفاقه في أمنية هذا الفصيل المسلح، بتهم وجّهت إليه قيل إنها سرقة وقيل بتجاوزات جنائية ولم يتم إثباتها حتى الآن.

 

كان من المفترض تقديم “العتر” إلى القضاء المعترف به في منطقة درع الفرات أو غصن الزيتون، لكن العقول الاستبدادية والمريضة التي تشبه إلى حدٍّ كبير عقلية رجالات الأمن لدى النظام السوري، أبتْ إلا أن تظهر ساديتها على جسد الضحية، كمن يترك رسالة لأي معارض لسياساتهم ومنهجهم الدموي الكامن تحت غطاء الإسلام.

“العتر” لم يكن الضحية الوحيدة في عائلته، إذ قضى والده بقصف لطيران النظام على مدينة القصير عام 2013، وأخوه ” سعد الله ” قُتلَ في معركة مدينة القصير ضد النظام السوري.

هُجّرَ محمد العتر من مدينته القصير في حمص، ولم تشفع له البطولات التي قدّمها أثناء الثورة، فزفَّ خبره إلى أمه التي تلجأ في مخيمات عرسال، بعد أن تمّ تسريب صور له على مواقع التواصل الاجتماعي وآثار التعذيب بادية على كافة أنحاء جسمه.

وقد تحدّث أحد أقاربه قائلاً لوسائلَ إعلامية: “إن محمد سعيد استدعي من قبل الأمنية التابعة للفيلق، فذهب بقدميه إليهم، وذلك في الساعة 12 ليلاً، ليتم نقله إلى زوجته جثة هامدة عند الساعة الخامسة فجراً، وأوضح أنه لم يستدعَ للتحقيق، إنما لتصْفيته! إذ لم يستغرق التعذيب بضع ساعات، موضحاً التهم التي اعتقل بسببها، وهي أنه تكلّم عن عناصر الأمنيّة وما يقومون به من فساد علني وانتهاكات وسرقة واغتصاب للأراضي.”

الآراءُ تضاربت، فهناك من يقول غير الذي شاع؛ بحسب بيان صادر عن وجهاء حمص اللاجئين في الشمال السوري إن “محمد العتر” عُلّقَ عارياً لأكثر من خمس عشرة ساعة ما أدّى إلى توقّف قلبه ووفاته بعد ذلك.  

 

 *سؤال برسم الإجابة هل أصبح الاستهتار بالدم السوري إلى هذا الحدّ؟

إذن، ماذا تركوا للنظام السوري وميليشياته وحلفائه الإيرانيين والروس من قذارة وغطرسة وإجرام؟

 

إن  الأفعال التي يقوم بها ممن حسبوا على الثورة، تتطلب إعادة النظر بتسميتهم تلك، وعلينا أن نقف كسوريين سدّاً منيعاً في وجه كل من يسيء إلينا، فانتهاكاتهم لا تختلف عن الجرائم التي قام بها الأسد، وكأنهم أثبتوا بهذه الجرائم أنهم تلاميذه الذين تخرّجوا من طغمته واستبداه!

فهؤلاء الذين جاءوا وركبوا تيار الثورة السورية هم مستعدون أن يفعلوا كل شيء، مقابل مصالحهم التي تخدم ذواتهم أو أجنداتهم الرخيصة التابعة لأجهزة مخابرات إقليمية وعالمية إضافة إلى مخابرات الطاغية بشار.

 هذه الجريمة التي ارتكبها عناصر أمنية فيلق الشام بحق “محمد العتر”، أخذت صدى واسعاً وأثارت غضب الألوف من السوريين وغيرهم ممن ذاق استبداد هذه الفصائل؛ فلا شكّ أنّ هذا الفعل الإجرامي لم يكن الأول بحق ” العتر”، فهذه الفصائل الإسلامية تُقصي أياً كان لا يمشي على (شريعتها)، والأدلة كثيرة، والانتهاكات والجرائم تكاد تكون على غرار أساليب القتل والتعذيب في أقبية طاغية العصر الحديث “الأسد”. ونحن السوريين نعتبرها امتداداً لداعش كما الأخير يعتبر فرعاً من فروع النظام السوري والإيراني.

ولا نقول إلا أن أغلب هذه الفصائل أثبتت على نفسها أنها مرتزقة، وتفعل كل المحرّمات لأجل المكاسب المادية والسلطوية.

 

لقد جعلتم جميع الناس البسطاء يندمون على تقديم التضحيات من خلال أبنائهم وأموالهم وأرواحهم، فعندما خرج السوريون في أول مظاهرة سلمية كانوا يطالبون بتطبيق قوانين حقوق الإنسان والحريات قبل كل شيء، ولكن للأسف لم يلقَ هذا المصطلح رواجه! بعد أن اختطفَ (الإسلاميون) الثورة بمساعدة النظام، واعتبروا هذه القوانين والمصطلحات دخيلة، ومستسقاة من الدول الأوروبية (الكافرة)، وأصبحوا يعملون على تطبيق أحكام الإسلام التي فسّورها كما يليق بهم، وعلى هواهم، وكما يرغبون بتطبيقها.

أما الدول التي تتفرّج على هذه المقتلة أو تشارك فيها، قد تنتفض وتستنفر كل ترساناتها العسكرية لأجل مختطف (من مواطنيها) لدى جهة (رسمية) أو منظمة (إرهابية)؛ مع تصدير الصورة النمطية لشعوبها أنّ ما يحصل في سورية عبارة عن حرب أهلية يخوضها السوريون بين بعضهم البعض!

إن جميع الناس الأحرار داخل سوريا وخارجها يطالبون بقضاء عادل، يحدّ من القتل والتعذيب، إذ لا يوجد إلى الآن من يحاسب المجرمين أو يردّ حق المستضعفين؛ وهذا ما يطمح إليه جميع السوريين الذين ذاقوا الويلات من نظام الأسد وحلفائه وتلك الفصائل الإسلامية. فمن حق كل من تعرّض إلى انتهاكٍ أن يطالب بمحاسبة خصمه، كما طالبَ منذ أيام أهالي حمص في منطقتي غصن الزيتون ودرع الفرات وكل المتواجدين في الشمال السوري من معارضة مدنية أو غيرها من المسلحين المعتدلين بمحاكمة الفاعلين وإنهاء استبداد هذه الفصائل.

 

  • فهل إجراء عزل من أقدمَ على هذا الفعل الإجرامي من منصبه سيرضي أهل “العتر” وأقاربه؟  

 

هذا ما قامت به (المحكمة الشرعية) التابعة لـ “فيلق الشام” أو (مدير الإدارة الأمنية) بحق الجاني، دون العودة إلى قضاء نزيه ليحكم في هذه الجريمة بعيداً عن (الوصفات القضائية الإسلامية) التي يحكمون بها كيفما شاؤوا! 

 فإن لم يتحرك أي قضاء للتحقيق في هذه الجريمة البشعة سوف تزداد الفوضى أكثر من ذي قبل، وتجنح هذه الفصائل نحو الانتهاكات بشكل أكثر وأوسع؛ لذا يجب على المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية والمنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان والأمم المتحدة الضغط بشكل مستمر على الدول الفاعلة في سورية كي يستأصلوا هذه الشراذم مع محاسبة كل من تلطّخت يداه بدماء السوريين وعلى رأسهم نظام الأسد.  

 

وكما ذكرنا سالفاً، أن الجريمة التي ارتكبت بحق ” محمد العتر” تعتبر واحدة من ألوف القضايا الجنائية التي تقبع في أدراج الأمم المتحدة والمنظمات التي توثّق هكذا جرائم ضد الإنسانية ارتكبها النظام السوري وحلفاؤه، وهذه الحركات الراديكالية، التي جاءت من كهوف التاريخ كي تسنَّ شرائعها وقوانينها على الشعب السوري الذي يعرف الإسلام جيداً أكثر من هذه الذقون القذرة والعميلة.

 

 

مواد شبيهة :

 

تسعة أشهر في فرع الجوية بحلب.. معتقلة تروي مأساة أشبه بالخيال

.

.