من حصار مضايا إلى التهجير بين قرى إدلب، رحل "حسام محمود" ورفاقه النشطاء، الذين كانوا صلة الوصل بين تلك البقعة المحاصرة من أرض الغوطة وبين العالم
07 / أيلول / سبتمبر / 2019
منى محمد
قبل حوالي خمس سنوات قامت جبهة النصرة وعدد من الفصائل المتواجدة على الأرض السورية آنذاك بالسيطرة على مدينة إدلب والتي أصبحت مقر لهم ،ومن ضمن القطاعات والمؤسسات التي تم الاستيلاء عليها، كان سجن إدلب المركزي الذي يقع في الجهة الغربية من مدينة إدلب، وتم تحرير السجناء الذين كانوا فيه في ذلك الوقت، ولم يخطر في بال الأهالي والنازحين إلى مدينة إدلب أن الجبهة والتي تحول اسمها فيما بعد إلى “هيئة تحرير الشام”، ستستخدم ذات السجن لتعتقل فيه المدنيين والنشطاء والخارجين عن سلطانها، وأن السجن سيتحول إلى فرع أمني للتحقيق والتعذيب والإخفاء القسري وتنفيذ الإعدامات أيضاً، وقتل المعتقلين تحت التعذيب.
اعتقال تعسفي
من حصار مضايا إلى التهجير بين قرى إدلب، رحل “حسام محمود” ورفاقه النشطاء، الذين كانوا صلة الوصل بين تلك البقعة المحاصرة من أرض الغوطة وبين العالم.
لم يستطع النظام اعتقاله رغم أنه من أوائل المطلوبين في مضايا، لكن مهمة اعتقاله تولاها مقاتلو هيئة تحرير الشام_ جبهة النصرة_ الجماعة الإسلامية التي تنتمي للقاعدة، وقام زعيمها بتغيير اسمها لأكثر من مرة.
وتسيطر على بقعة جغرافية كبيرة، ضمن ما يسمى بالمناطق المحررة. حيث تنشر الحواجز والعناصر وتعتقل المدنيين والعسكريين وتحاكمهم فيما يسمى بالمحاكم الشرعية.
يروي لنا الناشط السلمي حسام محمود كيف تم اعتقاله من قبل عناصر هيئة تحرير الشام، حيث يقول:
كنتُ أنا وأحد أصدقائي نصور الأبنية المتهدمة داخل مدينة إدلب. نوثق فيها ما حدث للمدينة، فجأة توقفت سيارة “فان بيضاء” لينزل منها تسعة عناصر جميعهم من الأطفال المجندين إذ لا يتجاوز عمر أي منهم الثامنة عشر. طلبوا هواتفنا وهوياتنا الشخصية وبعد تفحص جوالاتنا تم اقتيادنا إلى السجن مباشرة.
لم أفهم تلك الحملة التي قامت ضدنا فقد أحضروا كل أصدقائي ومن يسكن معي في نفس البيت. وجهوا لي تهماً شبيهة بما يفعله النظام حين لا يجد ما يتهم به من يقوم باعتقالهم تعسفياً.
كنتُ في بداية التحقيق متهماً بالتشجيع على المصالحة مع النظام، لكنهم اكتشفوا سخافة الأمر فقرر المحقق أن يتهمني بأنني عميل، وأنني أصور المكان لجهات أجنبية، وأنني خالفت القوانين لأنني لم أحصل على تصريح للتصوير.
طرق التحقيق
لا تختلف طرقهم في التحقيق عن أساليب النظام وطرقه، يقول حسام: كنتُ طوال الوقت معصوب العينين؛ تلقيتُ الكثير من الشتائم واللعنات خلال شهري الأول.
ثم فجأة بدأت حفلات التعذيب، يستخدمون “الشبح” لساعات طويلة، وأيضاً الأنبوب الأخضر الذي يسميه معتقلو النظام “بالأخضر الإبراهيمي”، و”الفلقة” والضرب بكل أنحاء الجسم. ففي إحدى المرات قاموا بضربي على رقبتي بطريقة وحشية جداً، كدتُ أن أموت من شدة الألم والضرب، وإلى الآن اتلقى العلاج بسبب الضرر الذي سببوه لرقبتي وفقرات ظهري.
وضعوا صديقي في زنزانة منفردة، وكان التعذيب بشكل شبه يومي له، دون معرفة سبب اعتقالنا، أو ضربنا، وتعذيبنا الذي بدأ فجأة بعد أكثر من شهر على وجودنا في السجن.
يضيف حسام عن مكان السجن وشكل الزنزانة أن عناصر الهيئة قد استخدموا سجناً للنظام وهو السجن المركزي بمدينة إدلب، وحتى أدوات التعذيب المستخدمة هي ذاتها أدوات السجن الموجودة فيه:
زنزانة صغيرة وعدد كبير قد يتجاوز الثمانين في مساحة لا تتعدى الأمتار الخمسة طولاً والمترين عرضاً. بلا تهوية، سوى فتحة صغيرة كانت لجهاز تهوية عطل عن العمل ورفضوا تبديله.
ويكمل: نحمد الله على أن الحمامات كانت ضمن الغرفة رغم انقطاع الماء عنا بشكل دائم، ورغم الروائح التي كانت تعذيباً آخر.
كنا نحصل على نصف سندويشة فقط يومياً، ولا يُسمح لنا بطلب المزيد.
ما يضحك، أن معنا في الزنزانة عناصر أفغان وإيرانيين، وهم من الأسرى الذين يقاتلون مع النظام؛ يكون لهم معاملة خاصة، وزيادة في كل شيء، وهم من يستلم ما يُسمى بالسخرة وتوزيع الطعام على المهاجع.
بالدرجة الثانية يأتي عملاء النظام السوريين ومن يتم اتهامهم بالانتماء لتنظيم داعش. أيضاً هم من المحظوظين بالمعاملة الجيدة في سجون الهيئة.
بينما نحن من المدنيين والنشطاء والإعلاميين، نتلقى التعذيب والشتم والتضييق علينا في كل شيء، وكأننا أعدائهم الأكثر خطورة عليهم.
لم يتم عرضي على أي قاض فيما يسمى بالمحكمة الشرعية؛ قالوا لي إنني وبعد ستة أشهر لم يثبت علي أي تهمة.
أطلقوا سراحي مع مصادرة جهازي الجوال وأوراقي الشخصية التي بقيت لديهم لأكثر من شهرين بحجة التحقق من شخصيتي. وبهذا أصبحتُ أسيراً لديهم مرة أخرى ولكن بشكل آخر، إذ لا يمكنني التحرك خارج منزلي وأنا بلا أي أوراق تثبت شخصيتي، ويمكن لأي حاجز وإن كان من حواجزهم اعتقالي وإعادتي إلى السجن.
وبالإضافة إلى أنهم قاموا بتوقيعي على تعهد لهم أنني سأكون حاضراً في حال تم استدعائي للتحقيق معي مجدداً. وكنتُ أخشى العودة بشدة.
بقي صديقي أمجد معتقلاً لديهم وتم عرضه للقضاء بتهمة الخيانة والتعامل مع أمريكا وإسرائيل.
حاولتُ الهرب من إدلب لكنني لم أستطع، وعادوا لمحاولة استدراجي للقبض علي مجدداً، بخديعة زيارة صديقي الذي بقي معتقلاً لديهم وأنهم أصدروا بحقه حكماً بالإعدام.
حين هربتُ لمدينة عفرين تواصلوا معي أنهم يمكنهم الوصول إلي؛ وحتى وصولي إلى تركيا كنتُ هارباً منهم، تم تهديدي بأني في مرمى سهامهم، كل ذلك بسبب صديقي الذي بقي لديهم ويبدو أنهم قد اتهموه بالتجسس لصالح دول غربية. ويخافون أن أتحدث عنهم وعن أساليبهم التي تشبه أساليب ووسائل النظام في التحقيقات.
أسماء وهمية
وحين سألنا حسام عن أسماء المحققين والسجانين ومن قام بتعذيبه، أجابنا: إنهم يستعملون الأسماء الوهمية. فقد كان السجان يدعى بــ (أبي سمية) وسجان أخر بـ (أبي الهيثم)؛ بينما اسم المحقق (أبو علي اللبناني) والمدعي العام كان شاباً من تونس. بالإضافة لقاض آخر هو (أبو عزام الزرقاوي).
ما يلفت النظر أن بعض هؤلاء لم يتجاوزا العشرين من العمر، ولم أرَ أياً منهم، حيث كنتُ أساق إلى التحقيق معصوب العينين ومكبل اليدين.
وقد التقت -مع العدالة -أيضاً بـ “عبيدة عثمان” من كفرنبل اتهم بأنه شتم الهيئة. حيث يروي عبيدة عن التعذيب الذي تلقاه في سجن الهيئة في مدينته بكفرنبل قائلاً: يستخدم عناصر الهيئة الشتم بالأعراض والكلام الجارح، كما يفعل عناصر النظام تماماً في فروعه الأمنية، وهناك الكرسي المقلوب والشبح حيث تكون اليدين خلف الظهر معلقتين في السقف، لا شيء يختلف، سوى أن في سجون الهيئة يكون السجان ملثماً، مخفياً نصف وجهه حين لا نكون معصوبي الأعين؛ وهم أيضاً بأسماء وهمية كما كانت الأفرع الأمنية لدى النظام.
يضيف عبيدة: أصبت بالجرب وبالتحسس الجلدي بسبب عدم نظافة المكان والبطانيات، وعدم استحمام المعتقلين وتكدسنا فوق بعضنا في مكان ضيق وصغير.
تم عرضي على المحكمة الشرعية في إدلب وحكم علي بدفع غرامة مالية تُقدر ب2000$ بتهمة السب والشتم لعناصر الهيئة.
بعد خروجي من السجن اضطررتُ لتغيير بلدتي التي أسكن فيها. ثم هربتُ إلى إعزاز مع عائلتي وأهلي.
عن سجون الهيئة
يملك تنظيم هيئة تحرير الشام أكثر من سجن في إدلب وريفها، بعضها علني معروف مثل سجن إدلب المركزي، وسجن العقاب الذي يقع في جبل الزاوية في مغارات مخيفة ومظلمة لا ترى نور الشمس أبداً، وغيرها من السجون السرية المختلفة.
هناك رجال كبار في السن وأطفال أيضاً وجميعهم يتلقون التعذيب كأي معتقل. وهناك من تخفيهم الهيئة ولا تعترف باعتقالهم، وهؤلاء هم نشطاء الثورة السورية والإعلاميين في الغالب؛ حيث اتبعت هيئة تحرير الشام نهجاً معيناً ومدروساً في ملاحقة الناشطين وترهيبهم واعتقالهم، وحتى تصفيتهم بالاغتيالات بحسب ما ورد في تقرير تابع للشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وبحسب ما ورد عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان أيضاً، فإن عدد المخفيين قسراً في سجون الهيئة تجاوز 2000 معتقل.
يتم محاكمة بعضهم في محاكم شرعية، والقضاة غير مؤهلين لتولي مثل هذه المناصب.
وقد يتم الحكم على البعض من نشطاء الثورة بالإعدام مثلما حدث مؤخراً مع الناشط سامر صالح السلوم من كفرنبل الذي تواردت أخبار مؤكدة تتحدث عن إعدامه بتهمة العمل ضدهم والتحريض عليهم؛ وقد روى شقيقه الإعلامي محمد السلوم عن شهادات لمعتقلين كانوا مع سامر في سجن الهيئة بأنه تلقى الكثير من التعذيب خلال عام ونصف من الاعتقال إلى أن تم إعدامه مؤخراً.