قصفت طائرات حربية روسية تجمعات سكنية لنازحين في قريتي حاس ومعرة حرمة يومي 7 و 16 آب/أغسطس 2019
28 / آب / أغسطس / 2019
المصدر: سوريون من أجل الحقيقة والعدالة
مايزال القصف الجوي والعمليات العسكرية التي تشنها القوات السورية والروسية على الأجزاء الجنوبية من محافظة إدلب مستمرة؛ حتى بعد سيطرتها العسكرية على مدينة خان شيخون الاستراتيجية في ريف إدلب الجنوبي وكلّ ريف حماه الشمالي، باستنثاء المنطقة التي تتواجد فيها نقطة المراقبة التركية بالقرب من مورك.[1]
وجاءت هذه السيطرة بتاريخ 21 آب/أغسطس 2019، بعد معارك عسكرية شرسة ما بين القوات النظامية السورية والميليشيات التابعة لها من جهة، وفصائل معارضة مثل جيش العزّة وأخرى جهادية من جهة أخرى مثل هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني.
كما استمرت تلك القوات السورية/الروسية بقصف مناطق مأهولة بالسكان وسط المحافظة مسببة وقوع خسائر بشرية في صفوف المدنيين ودمار كبير في البنية التحتية، حيث وثّقت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة مقتل ما لا يقل عن 26 شخصاً بينهم 8 أطفال و 9 نساء بهجومين منفصلين طالا تجمعات سكنية تؤوي نازحين داخلياً/مُهجرين في كل من قريتي حاس ومعرة حرمة.
وكانت القوات النظامية السورية وحلفائها بدأت حملة عسكرية واسعة النطاق على محافظة إدلب والأجزاء الشمالية من ريف محافظة حماه بالتزامن مع انعقاد محادثات “أستانة 12” في نيسان/أبريل 2019 واستمرت هذه العمليات العسكرية والهجمات الجوية على المناطق المأهولة بالسكان على الرغم من وجود اتفاق مؤقت للتهدئة وانعقاد الجولة 13 من محادثات أستانة، والتي انتهت في 2 آب/أغسطس الجاري (2019)، وتزامنت عمليات القصف هذه والعمليات العسكرية مع موجات نزوح كبيرة ومستمرة للسكان من المناطق القريبة من خطوط الجبهات بين طرفي النزاع، حيث قدّر باحثون ميدانيون لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة وناشطون محليون وعاملون في منظمات إغاثية عدد النازحين جراء العمليات العسكرية الأخيرة بحوالي 720 ألف نازح، نزحوا بشكل رئيسي من ريف حماه الشمالي ومنطقة خان شيخون ومناطق أخرى جنوبي إدلب وتوجه معظم نحو الحدود التركية السورية.
-
الأوضاع الميدانية وعمليات النزوح:
رصد الباحثون الميدانيون لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة العمليات العسكرية الجارية جنوبي محافظة إدلب، وتمكنت القوات الحكومية السورية وحلفائها من السيطرة على كامل ريف حماه الشمالي بما في ذلك مدينة خان شيخون، ووصلت إلى قبالة بلدة كفرسجنة في الريف الجنوبي لمحافظة إدلب، وذلك يوم21 آب/أغسطس 2019. وشهدت قرى وبلدات ريف إدلب الجنوبي موجات نزوح متقطعة على مدار أربعة أشهر، حيث قال الناشط الميداني في منطقة معرة النعمان “معاذ العباس” لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة إن عدد المدنيين الذين تركوا مناطقهم بسبب الحملة العسكرية على إدلب منذ بدايتها في نيسان/أبريل وحتى الأن يقدر بنحو 728799 نسمة وفق إحصائيات قامت بها منظمات إغاثية محلية، وإن معظم هؤلاء النازحين توجه نحو الأراضي الزراعية القريبة من الحدود التركية، فيما يعاني النازحون من إرتفاع أسعار آجارات المنازل الأمر الذي أجبر أكثرهم على المكوث في خيم في أراض زراعية في منطقة إطمة وقرب أوتستراد إدلب – باب الهوى.
وأضاف الناشط أن المنظمات الإغاثية قدمت مساعدات عينية شحيحة جداً مقارنة بحجم حركة النزوح، حيث اقصرت على سلل تحوي كميات بسيطة من البقوليات ومياه الشرب.
وأيضاً شهدت مدينة خان شيخون أكبر موجة نزوح خلال هذه العملية العسكرية، حيث قال الناشط الميداني “حميد قطيني” إن 80 ألف شخص من السكان الأصلين و30 ألفاً آخرين من النازحين المقيمين في المدينة كانوا قد أجبروا على النزوح منها على دفعات متفاوتة بسبب القصف المكثف الذي طال المدينة وتسبب بدمار البنى التحتية والمنشآت الطبية بشكل أساسي. كما أضاف “قطيني” أن النازحين يتوزعون على مخيمات عشوائية وفي الأراضي الزراعية ويعانون من ظروف إنسانية مزرية حيث أن معظمهم يعيش تحت خط الفقرقبل النزوح.
من جانبه، أعلن فريق “منسقو الإستجابة” أنه أحصى نزوح أكثر من 197 ألف نسمة خلال الفترة الواقعة بين 11 و 21 آب/أغسطس 2019 من المناطق المتاخمة لخطوط الاشتباك والتي تشهد تصعيداً عسكرياً وقصفاً مكثفاً جنوبي المحافظة.
-
ضحايا مدنيون جراء هجمات جوية:
مجزرة في تجمع سكني لنازحين قرب قرية حاس: في يوم 16 آب/أغسطس 2019، تعرضت “قرية الرحمة السكنية” التي تؤوي نازحين داخلياً/مهجرين وتقع قرب قرية حاس إلى قصف جوي من طائرات حربية أسفرت عن مقتل 20 مدنياً بينهم 6 أطفال وجنين و8 نساء إضافة إلى إصابة أكثر من 50 شخصاً آخرين بينهم نساء وأطفال بجروح متفاوتة.
أوضح شهود عيان وناجون من القصف أن المنطقة التي تم استهدافها هي منطقة مدنية بالكامل وهي عبارة عن تجمعات سكنية أنشأتها جمعية الرحمة الدولية ومقرها الكويت عام 2016، وبحسب تقرير نشرته “منظمة الوفاء” العاملة في المنطقة، فإن التجمع المستهدف يضم 7 مباني اسمنتية وكل مبنى مكون من 24 وحدة سكنية، ويقطن القرية في الوقت الحالي 150 أسرة نازحة ومهجرة (750 نسمة)، إضافة إلى 30 شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة و 20 طفلاً يتيماً، ومعظم النازحين والمهجرين المقيمين هم من مناطق ريف حماة وحلب ودير الزور.
الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة تحدث إلى أحد العاملين في “مرصد محلي” يقوم بمراقبة حركة الطيران بواسطة أجهزة مراقبة، يدعى “أبو بحر”، والذي قال إن الطائرة التي قصفت القرية السكنية كانت قد أقلعت من قاعدة حميميم العسكرية، وقال:
“مساء يوم 16 آب/أغسطس 2019 وعند الساعة 07:02 أقلعت طائرة عسكرية رمز 1001 رقم 270 من قاعدة حميميم العسكرية وأجرت عمليات دوران عدة في ريف إدلب الجنوبي وريف حماه الشمالي، وعند الساعة 07:17 مساءاً نفذت غارتها على القرية السكنية، ونفذت أيضاً غارة أخرى على منطقة الكبينة بريف اللاذقية التي تشهد معارك واشتباكات بين القوات النظامية وفصائل عسكرية وهيئة تحرير الشام.”
من جانبه، تحدث أحمد بكور -ناجٍ من المجزرة- حول ما حدث حيث قال:
“كانت طائرات الاستطلاع في الأجواء قبل وقوع الغارة، وبعد مغادرة الاستطلاع بنحو عشر دقائق وقعت الغارة لقد كان ذلك اليوم مثل يوم القيامة كانت النوافذ والأبواب قد اقتلعت من مكانها، والناس كانوا مقطعين لأشلاء، أسعفنا الكثر من الناس بدارجات نارية رغم أن المراصد كانت تحذر أن الطائرة ستعاود تنفيذ غارة جديدة في المكان ذاته، لقد رأيت امرأة تحمل طفلها وتستنجد وتصرخ ليقوم أحد بإسعافه، ولقد رأيت طفلاً آخر يحمل طفلاً مصاباً وكان يركض والدم يغطي ملابسه، رأيت أيضاً جنيناً لم أعرف كيف خرج من أحشاء والدته، ورأيت جثة لطفل بلا رأس، وعلى بعد 500 متر أيضاً انتشلت جثة طفل آخر، قام الدفاع المدني بانتشال مصابين كثر من تحت الأنقاض، لا أستطيع وصف ما رأيت الكلمات لا تعبر عن الأوقات التي عشتها.”
الباحث الميداني لدى سوريون قال إنه في اليوم ذاته تعرضت مدينة أريحا لقصف من طائرات حربية روسية أيضاً أدت إلى مقتل ثلاثة مدنيين بينهم طفل وإصابة 15 أخرين، كما أصيب أربعة مدنيين بجروح إثر غارات مماثلة على قرية الغدفة جنوب شرق إدلب.
وكذلك تعرضت قرى وبلدات كفرسجنة ومعرة حرمة والشيخ مصطفى والتمانعة والتح لقصف مكثف من الطائرات النظامية الحربية والمروحية والطائرات الروسية بالإضافة لقصف مدفعي وصاروخي استهدف بلدات معرة حرمة وكفرسجنة وحيش من مواقع النظام في بلدة الهبيط وبلدة كفرنبودة.
صورة مأخوذة بواسطة الأقمار الاصطناعية توضّح مكان الهجوم.
-
مجزرة في تجمع سكني لنازحين بقرية معرة حرمة: في يوم 6 آب/أغسطس 2019، وعند الساعة الواحدة ونصف تقريباً استهدف طيران حربي يعتقد أنه روسي مبنى سكنياً للنازحين في منطة مساكن معرة حرمة عند الأطراف الشمالية للقرية، وهذا التجمع مخصص للنازحين داخلياً/المهجرين، وكانت الغارة بصواريخ شديدة الإنفجار أودت بحياة ثلاثة مدنين بينهم متطوع في دفاع مدني -الخوذ البيضاء- إضافة إلى أكثر من عشرة إصابات بينهم أطفال ونساء.
وبحسب الشهود العيان فقد استهدف الطيران الحربي خلال هجومه بخمس غارات على التوالي مبنى للنازحين، حيث قال “عبد الرزاق سامر الحسن” من نازحي مدينة دمشق -وأحد الناجين القاطنين في المبنى المستهدف- للباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة:
“كنت جالساً في المنزل في الساعة الواحدة والنصف في يوم 7 آب/أغسطس 2019 وسمعنا صوتاً قوياً فجأة والسقف بدأ ينهار علينا، لقد قصفت الطائرة البناء الخامس والسادس وكنت مع عائلتي في البناء الخامس، لم أعد أرى سوى غباراً أبيضاً وشطايا الصاروخ تنهال علينا أصحبت أصرخ أين والدي واخواتي. كان والدي قد استشهد جراء القصف وأخي أصيب، فقد نفذ الطيران الحربي أول غارتين مزوجتين على المبنى السكني، هنا أسرعنا بالنزول إلى الملجأ وسارعت الأهالي باللجوء إلى القبو تحت الأرض، لا يستطيع إنسان استيعاب ماحصل وقتها من شدة الخوف الذي انتاب الناس، الرجال والأطفال والنساء تصرخ من هول ذلك المنظر، أسرعت بالنزول إلى الطابق الأرضي وماهي إلا ثوان حتى عادت الطائرة الحربية أصبحت أشعر بقلبي يكاد يتوقف من شدة الخوف، لم نسمع سوى صوت قوي وبعدها انفجار وهنا كانت الضربة مجدداً على البناء الذي نحن فيه والقبو أغلق علينا تماما، صرخات الأطفال النساء تصدح في كل مكان، شعرت أننا سوف نموت ، بعد فترة وجيزة جاءت فرق الدفاع المدني و تم إخراج المدنيين، وبعدها عاد الطيران واستهداف جامع البلدة بغارتين ما سبب دمار الجامع بشكل كامل، لقد كانت فرق الإسعاف نقلت المصابين إلى مشافي مثل دركوش وباب الهوى، لقد كان ذلك اليوم مؤلماً جداً حيث قتل والدي وأصيب أخي فضلاً عن الرعب الذي عشته.”
وفي شهادته حول القصف ذاته، قال “معتز محمد العلي” مدير مركز الدفاع المدني في بلدة معرة النعمان لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة: إن الطائرة الحربية من نوع سيخوي 34 التي نفذت الهجوم كانت قد أقلعت من مطار حميم العسكري واستهداف الوحدات السكنية في بلدة معرة حرمة، وأشار الباحث الميداني لدى سوريون أن القرية باتت خالية حالياً من المدنيين وأصبحت على خطوط التماس المباشر بين الفصائل العسكرية والقوات النظامية.
مبان سكنية عند المدحل الشمالي لقرية معرة حرمة بمحافظة إدلب، بعد تعرضها لقصف جوي يوم 6 آب/أغسطس 2019.
***
[1] “قالن: إغلاق أو نقل نقطة المراقبة التاسعة في إدلب غير وارد”. وكالة الأناضول التركية الرسمية. 21 آب/أغسطس 2019. (آخر زيارة للرابط 26 آب/أغسطس 2019).