#########

الضحايا

ضحايا الألغام في سوريا: مئات ألوف السوريين بين الموت المحقّق أو الإعاقة الدائمة


بعد انتشار الفصائل المسلحة المعارضة وكثرتها وسيطرتها على مناطق شاسعة، باتت الألغام منتشرة بشكل أوسع بسبب ظهور ما تسمى بـ" الدولة الإسلامية"، حيث استولت على أرياف ومدن كثيرة، وعند سيطرتها كانت تحصن مواقعها بالألغام لصدّ أي هجوم مفاجئ

20 / آب / أغسطس / 2019


ضحايا الألغام في سوريا: مئات ألوف السوريين بين الموت المحقّق أو الإعاقة الدائمة

 

 

“الألغام فاكهة الحرب في سورية”
بلقيس الحلبي – مع العدالة

 

 

إن القصف العشوائي والصواريخ وقذائف الهاون، لم يكونوا الخطر الوحيد الذي بات هاجس السوريين أجمع، بل هناك ما هو أكثر خطراً؛ إذ إن أي قذيفة أو صاروخ لم ينفجر، يكون بمثابة لغم؛ حيث يصبح الخطر المؤجل إن لم يُستدرك.  فعادة ما تتم زراعة الألغام في الأراضي الترابية أو المباني المدمرة، وبين المحاصيل الزراعية أو ترمى في الشوارع، بشكل عشوائي، لتترك خلفها ضحايا أو أشخاص ذوي إعاقة دائمة.

في بداية الثورة السورية عام 2011 استخدم نظام الأسد وشبيحته الألغام بغية ترويع الناس. فقاموا بوضع عبوات ناسفة في مناطق تجمع سكنية، أو في “حاويات القمامة” قرب المدارس، ثم يقومون هم ذاتهم بتفكيكها، حيث لا يتعرف أحد على شكلها، أو نوعها، لأنهم سرعان ما ينشرون الأخبار حول وجودها، فلا أحد من المدنيين يستطيع معرفة حقيقة الأمر.  ومع اشتعال الحراك الثوري وتوسعه في المدن السورية، بدأ النظام بقصف المدن التابعة للمعارضة بالألغام البحرية، وهي غالباً تستخدم في تلغيم المناطق البحرية والساحلية لمنع عبور السفن والطوارد الحربية (المعادية)؛ فقام النظام باستخدامها لقصف المدنيين في كثير من المدن السورية في عام 2015 و2016، وبعضها لم تنفجر، لتتحول إلى لغم فتّاك، لا يسلم منه أحد إن اقترب من أدوات الموت تلك.

 

 

ولم يكتفِ النظام السوري فقط بهذا النوع، إذ استخدم سلاحاً محرماً دولياً، بالتعاون مع الاحتلال الروسي، وهي القنابل العنقودية، فبدأ بقصف المدن في الشهر العاشر من عام 2015 إلى هذا اليوم. وهذه القنابل ترمى بحاويات، كل حاوية تحتوي على مئة قنبلة، وتلك القنابل لا تنفجر جميعها، فتتحول بعدها إلى ألغام فردية، ممكن أن تؤذي الأطفال والنساء في أكثر الأحيان، لتسللها داخل المنازل وعلى أسطحة المباني، فتبقى فعالية هذه الألغام لمدة 15سنة، مهما تعرضت لظروف مناخية. وتكون ذات شكل مثير للانتباه، وتلفت أنظار الأطفال، خاصة بلونها الفضي اللامع، فهي أشبه ما تكون بكرة مفلطحة ذات أجنحة، يتمنى الأطفال الاستحواذ عليها، فما إن يمسكها الطفل حتى تنفجر به، لتحدث بتراً في اليد أو القدم، إضافة إلى تشوهات جسدية.

 

 

لم يستطع سكان المناطق التي تتعرض للقصف والعاملون في المساعدات الإنسانية السكوت، أو الوقوف كمتفرجين؛ فالناس المدنيون عليهم مواصلة أعمالهم الزراعية، ومنهم من يعمل في جمع الخردوات والبلاستيك، ومخلفات أخرى لبيعها، حيث هي مصدر الرزق الوحيد للعائلة، فهؤلاء الناس أكثر من يتضرر بالألغام.

وبسبب خطورة هذه الأدوات القاتلة، بدأت المنظمات الإنسانية والجماعات التطوعية بتأسيس فرق تطوّع لمسح المناطق التي تعرضت للقصف بهذه القنابل وتفكيك المخلفات التي لم تنفجر.

ومن بين هذه الفرق المتطوعة كان هناك في مدينة حلب فريق يسمى بالفريق الوطني. يقول “محمد كحيل -أبو جعفر” أحد أعضاء الفريق ومؤسس الطبابة الشرعية في حلب الحرة لـ” مع العدالة: “كنّا نفكك آلاف الألغام، ونزيل القنابل العنقودية لتجنب الحوادث، وفي إحدى المرات خرجنا لمسح منطقة تعرضت للقصف، فانفجرت قنبلة بأحد أعضاء الفريق وابنه. كانت القنبلة قد تفعّل صاعقها الإلكتروني أثناء إلقائها من الجو، وكان قد تبقّى لها دورة واحدة لتنفجر؛ وأثناء رفعها من قبل الرجل اكتملت الدورات وانفجرت به وبولده الذي يعمل معه، ولكن الحمد لله جاءت سليمة، فكانت إصابتهما مجرد شظايا في أنحاء الجسد ولم يبتر شيء من جسدهما”.

بعد انتشار الفصائل المسلحة المعارضة وكثرتها وسيطرتها على مناطق شاسعة، باتت الألغام منتشرة بشكل أوسع بسبب ظهور ما تسمى بـ” الدولة الإسلامية”، حيث استولت على أرياف ومدن كثيرة، وعند سيطرتها كانت تحصن مواقعها بالألغام لصدّ أي هجوم مفاجئ.  

اخترع “الدواعش” ألغام فردية تشابه أشكال الأحجار أو الأباريق، أو الأواني الفخارية، وهناك أنواع عديدة وواسعة غبر التي سبق ذكرها، تم زرعها في البيوت والطرقات لتنفجر بالناس الأبرياء.

  فقبل انسحابهم من المناطق التي تمركزوا فيها يتم تزويد المنطقة بالألغام أكثر، لتنفجر بالناس المدنيين أثناء عودتهم الى منازلهم، وهذا ما فعلوه في ريف حلب وفي كثير من المدن السورية التي كانت تحت سيطرتهم.

 

 

من بين الحالات العديدة المتضررة حالة “محمود الصالح”. العمر 39 عام من مدينة منبج، وهو متزوج ولديه 5 أطفال صغار، يعمل في مجال الإنشاءات عامل عادي، حيث كان يعمل خارج البلد قبل قيام الثورة ولكن بعد أن عام 2011 عاده لأهله وفضّل الوقوف جانبهم والبقاء معهم خوفاً على أولاده وعائلته وأهله.

والجدير بالذكر أنه معيل لعائلتين-أمه وأخواته وعائلته، ولكن عندما دخلت “داعش” مدينه منبج، ازداد الوضع سوءاً، وأصرّ أن يبقى قربهم، ويقاسمهم المأساة. وبعد أن اشتدت المعارك بين الأكراد وداعش، قاموا بإخلاء الأحياء السكنية، وخرج هو وعائلته إلى مكان آخر أكثر أماناً من مكانه السابق، كما يعتقد هو، بناء على طلب الجهة المسيطرة وهي داعش. وبعد مرور فتره من الزمن قام “محمود” بالذهاب إلى منزله الذي خرج منه مرغماً، حيث يوجد في المنزل أثاث وبعض الأمور المهمة له ولعائلته، ولكن لم يدرك أن هذه الزيارة ستودي بحياته نتيجة لغم زرعته داعش في منزله. ذهب هو وخاله وزوجه أخيه، وما إن وصلوا إلى المنزل وإذا بلغم مزروع داخل المنزل انفجر به ومن كان معه، ما أدى إلى استشهاده وتعرض من كان بصحبته لإصابات بالغة.

وهذه الحالة هي واحدة من مئات الحالات التي تعرض لها رجال ونساء وأطفال، منهم من قتل بسبب الألغام، وآخرون تعرضوا لإعاقات دائمة وتشوهات جسدية.

أوضحت الأمم المتحدة في تقرير نشرته أن هناك أكثر من 10 مليون سوري حياتهم مهددة بالخطر بسبب تواجد الألغام المنتشرة في كل مكان والتي يصعب تفكيكها.

وبلغت إحصائيات المنظمة الدولية لحقوق الأنسان في عام 2018 أن هناك 491 شخصاً لقوا مصرعهم بسبب هذه المخلفات من بينهم 15 طفل.

كما حذرت “اليونيسف” من خطورة الألغام الأرضية وطالبت بحماية الأطفال من العنف بكافة أشكاله والاستغلال والإيذاء، وأكدت أن” الألغام الأرضية والذخائر العنقودية تواصل وغيرها من مخلفات الحروب المتفجرة قتل وتشويه الأطفال في جميع أنحاء العالم. وأضافت، أن مخلفات الحروب المتفجرة تؤدي إلى سقوط الكثير من الضحايا المدنيين حتى بعد مرور عقود على انتهاء النزاعات والحروب. ومن أضرارها أيضاً، أنها تحرم الأطفال وعائلاتهم من حاجاتهم اليومية وهي المدارس والأراضي الزراعية وأماكن المياه، وساحات اللعب؛ وغالباً ما يكون الأطفال عرضة للإصابة بتلك الألغام الأرضية والمتفجرات التي تخلفها الحروب. حيث إن الأطفال لا يدركون أخطار هذه الأدوات القاتلة، التي تكون في أغلب أشكالها ملونة، وتجذب الصغار، الذين يظنون أنها لعبة أو غرض للتسلية.

 

 

وعن خطورة هذه الألغام ومخلفات الحرب، أكد منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سورية “بانوس مومتزيس”، -إلى عدم عودة الأهالي لمنازلهم بهذه الفترة لخطورة هذه الأسلحة، مؤكداً أن كل شبر في مدينة الرقة فيه ألغام، تؤدي إلى مقتل قرابة 50 إلى 70 شخصاً أسبوعياً، وهذا العدد بازدياد مستمر. وشهدت أيضاً مدينة الحسكة ومدينة منبج التابعة لمدينة لحلب أمور مشابهة حيث أشارت منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة إلى وجود عشرات الألاف من الألغام في مدينة منبج تهدد حيوات أهالي هذه المدن.

وعليه، فإن من أكثر الصعوبات التي تواجهها الفرق المساهمة في تفكيك الألغام هي عدم وجود فرق مختصة لنزعها، وكما جاء سابقاً، أن هناك بعض المتطوعين في المنظمات الإنسانية يقومون بقدر استطاعتهم لنزعها ولكن ضمن إمكانات محدودة، إذ لا تتوفر المعدات اللازمة، وهناك فقر في خبراء تفيك الألغام، لذلك لم يكن أمامهم سوى أن يخاطر بعض الأشخاص بحياتهم لتقديم يد العون للأهالي البسطاء.

ولإنقاذ آلاف الأمتار الزراعية من خطر موت التربة وتصحرها، فهذا السلاح كما يقال يفتك بالبشر والحجر؛ فكثير من المزارعين انتهت حياتهم بلغم تم الدعس عليه عن طريق الخطأ.   

 

 

لا يمكننا القول إن المنظمات الإنسانية المتطوعة في سورية وأغلبهم من المدنيين، ستعمل على إزالة الألغام.. فهذه العملية تحتاج لكثير من الوقت، إضافة لمعدات وخبراء مختصين. حيث إن ضحايا الألغام يتساقطون باستمرار، والشيء الوحيد الذي بوسعها أن تقوم به على وجه السرعة هو حملات توعية للأهالي عن أشكال وأنواع الألغام وكيفية تجنبها حرصاً على سلامة المدنيين.

***

 

فيديوهات حول الألغام في سوريا:

(https://www.youtube.com/watch?v=OoJs3wO3Vf8)

(https://www.youtube.com/watch?v=dbXm9M4_ZnE)

(https://www.youtube.com/watch?v=5DMW8WQR1UA)

(https://www.youtube.com/watch?v=7uKQDiyfH7s)

(https://www.youtube.com/watch?v=KHDem3Q-yps)

(https://www.youtube.com/watch?v=pyn93-5YxDk)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنواع الألغام السورية ضمن تقرير نشر عبر “زمان الوصل” في تاريخ 2018-08-04:

1-اللغم البحري “RKM” وزنه 300-كغ وهو لغم قديم جداً كان يملك النظام منها حوالي  750 لغم تم رمي معظمها على المناطق الثائرة. 

2-اللغم الطرقي “sadaf”، حيث يملك النظام نموذجين من هذا الطراز أحدها صناعة روسية قديمة وأخرى صناعة إيرانية، حيث قامت إيران بنسخ صناعة اللغم الروسي M-08، والنسخة الإيرانية تزن حوالي 115 كغ، وقد زودت إيران به النظام السوري بعد اندلاع الثورة السورية، بغية التخلص أيضاً من مخزونها من هذه الألغام القديمة، وبذات الطريقة، إسقاطها فوق رؤوس السوريين، وتكشف الدراسة أن النظام يملك حوالي 700 لغم من هذا الطراز.

3-اللغم البحري الروسي “أنتينا” وهو لغم طرقي ينفجر نتيجة الاصطدام بجسم السفينة أو الغواصة، وبالتالي تفجير السفينة أو الغواصة، وهو ذو حجم كبير ويؤدي انفجاره إلى إغراق حتى مدمرة. كان يملك النظام حوالي 200 لغم من هذا الإصدار تم إلقاء القسم الأكبر منها.

4 اللغم “KRM” وعددها بحدود 500 لغم تم إلقاء قسم كبير منها على البلدات والقرى الثائرة ضد النظام.

وتتحدث الدراسة عن أنواع أخرى لم يتم رميها كونها لا تعمل بالنظام الطرقي وهي:

1-اللغم البحري الروسي (AMD-1-500) عددها (400) لغم، يبلغ وزن اللغم الواحد 300 كغ من المواد المتفجرة.

2-اللغم البحري الروسي (UDM) عددها (500) لغم، وهذا اللغم تأثيري ينفجر نتيجة تأثره بمرور السفينة أو الغواصة من جانبه.

3-اللغم البحري اليوغسلافي (M-70) عددها (100) لغم. 

4 اللغم البحري الروسي (K-B) وهو لغم قديم جداً ولدى النظام (500) لغم منه يمكن تمييزها بأنه تحمل خمسة قرون ويبلغ وزن اللغم حوالي 1065 كغ أي حوالي طن من المتفجرات وعددها حوالي 200 لغم.

5- اللغم البحري الروسي (بي3 – يا) عددها (500) لغم/ل أيضا، يمكن تمييزه بأنه يحمل ثلاثة قرون، وهو لغم مغناطيسي ينفجر نتيجة تأثر اللغم بالحقل المغناطيسي للسفينة أو الغواصة.

***

المزيد للكاتبة