طبعاً، كرسي الكهرباء كان من أدوات التعذيب، إذ يربط المعتقل من يديه وقدميه ويمررون الكهرباء عبر عصا كهربائية في أنحاء الجسم حتى يفقد الضحية وعيه أو يموت
20 / أيار / مايو / 2020
*مع العدالة | ضحايا
عبد الرزاق الطويل من “معرة حرنو” وهي قرية تقع في جنوب محافظة إدلب، مقيم في دمشق منذ عام 1987.
يروي السيد “الطويل” قصة اعتقاله التي كانت عن طريق الخديعة، قائلاً” كنت أملك متجراً في دمشق القديمة بمنطقة القشلة تحديداً، فجاء إلي عناصر من الأمن الجنائي وأخبروني بطريقة الخداع أنني مطلوب لتحقيق روتيني لمدة 5 دقائق، وهي عبارة عن استفسار ومن ثم أعود إلى عملي. ولكثرة ما كانوا يعاملوني بطريقة جيدة ودون إهانات، تركتُ متجري مفتوحاً ولم أغلقه.
يكمل السيد الطويل حول معاناته بعد اقتياده من منطقة القشلة، ويقول” تفاجأت بعد ما أخذوني في السيارة مع أشخاص آخرين بساعتين تقريباً أننا في مطار المزة العسكري، وبدأت هناك رحلة العذاب والتحقيق والضرب، بطرق قاسية ودموية؛ لم أكن أعرف ما هي تهمتي! إلا أنني بقيت في المعتقل لمدة سنة كاملة ابتداءً من تاريخ 9/2/2012 لغاية 5/1/2013، وطيلة هذه المدة كنت في مهجع صغير أثناء فترة التحقيق والتعذيب، بعدها، تم نقلي إلى فرع التحقيق 248 في منطقة كفرسوسة، حيث بقيت هناك 25 يوماً تجرعت خلال هذه الأيام كل أصناف التعذيب الجسدي والنفسي، حتى تم اقتيادي إلى فرع آخر، للتحقيق أيضاً، وبقيت هناك مدة ثلاثة شهور و15 يوماً، طبعاً لا تخلو هذه الشهور والأيام من التعذيب والإهانات والابتزاز.
وهكذا.. بقيت بين المجهول وعلى شفير الموت، حتى نقلوني إلى مكان يسمى بــ الصالة الرياضية رقم واحد، وهو مكان إيداع، كنا فيه في الفترة الأخيرة ما يقرب من 730 شخصاً.
بعدها بمدة قصيرة حولوني إلى الشرطة العسكرية في القابون بدمشق، نمت هناك ليلة ومن ثم تم نقلي إلى سجن عدرا المركزي، وهو سجن مدني، ويعتبر منتجعاً وفندقاً مقارنة بالأفرع الأمنية والسجون السرية التي تنقلتُ عبرها، وهناك، لا يوجد تعذيب كما في رحلة اعتقالي السابقة.
بعد مدة لم أحسبها في عدرا، لكنها كانت قصيرة، تم تحويلي إلى محكمة الإرهاب، وهي محكمة أمنية بامتياز.
في تلك الفترة، كان يتحتم علي حضور 42 جلسة، فبقيت في سجن عدرا لمدة أربع سنين وسبعة أشهر..
في النهاية، تم الحكم علي بــ 15 سنة سجن، مع التخفيض ومصطلح الشفقة والرحمة، والعفو، صارت المدة ست سنوات وثمانية أشهر، كنت قد قضيت منها خمس سنوات وثمانية شهور، ورفعت ربع المدة عن طريق المال وبتكلفة باهظة (رشوة) بين القضاة والضباط.
وكانت التهم الموجهة إلي هي تشكيل عصابة وقطع الطرقات ومحاولة اغتيال عناصر من الجيش، وتهم أخرى لا ناقة لي فيها ولا جمل.. !
من المشاهد المؤلمة التي رأيتها في المعتقل، أطفالاً أعمارهم بين الــ 12، و13 عاماً، من فرط الضرب والتعذيب، قاموا بالاعتراف على أمهاتهم وأخواتهم الفتيات بأنهن كنّ يخدعن عناصر الجيش والأمن ويقمن بخطفهم بعد استدراجهم إلى أماكن بعيدة عن سيطرة الأمن والجيش.
طبعاً، كرسي الكهرباء كان من أدوات التعذيب، إذ يربط المعتقل من يديه وقدميه ويمررون الكهرباء عبر عصا كهربائية في أنحاء الجسم حتى يفقد الضحية وعيه أو يموت.
- ومن الطرق الأخرى في التعذيب، هي “الشَبِح” ( ربط الضحية من يديه إلى الأعلى عكس طبيعة الجسم)، وإلى هذه اللحظة هناك آثار تعذيب في جسمي، على ساعديّ وقدميّ.
عندما خرجت من المعتقل، قالوا لي “اذهب..” فقلتُ لهم إلى أين”؟ فقالوا “إلى بيتك”. لم أكن أعرف إلى أين أذهب.. فأمسكني الشرطي من مرفقي وأوصلني حتى الباب، وحينما خرجتُ من المحكمة، رأيتُ أمي تجلسُ على كرسي، تنتظرني، وعندما رأتني فقدت وعيها… أمي، هي الوحيدة التي كانت تركض خلفي من مكان إلى آخر، ومن سجن إلى آخر..
أعمل الآن في مهنتي، وهي الفسيفساء، وأحاول مع زملائي أن ننمي المواهب في هذا البلد، نعم، نحاول أن نفعل شيئاً من لاشيء، لأن المبدأ هو أن نصنع الحياة التي حاولوا أن يسلبونا إياها هؤلاء القتلة.
أنا بعد خروجي من السجن لفترة معينة، بقيت فاقداً للذاكرة، من شدة الضغط النفسي والذكريات المؤلمة.
أتمنى أن يكون ملف المعتقلين هو الملف الأول في سورية على طاولة المفاوضات، ونطالب فيه بجدية ومثابرة، حيث هناك أناس مغيبون، كل يوم، وهناك معتقلون يموتون تحت التعذيب، وأشخاص يموتون من القهر.