#########

الضحايا

عن تكيف اللاجئات السوريات المعيلات في إسطنبول


ترى "كارول كوهن" مديرة اتحاد المساواة بين الجنسين والأمن وحقوق الإنسان، أن الخبرات التي تحملها النساء قبل الحرب تؤثر فيما يحدث لهن أثنائها وبعدها، وهذا يفضي إلى معاناةٍ أكبر لدى اللاجئات السوريات

13 / أيار / مايو / 2020


عن تكيف اللاجئات السوريات المعيلات في إسطنبول

محمد برو – خاص مع العدالة

هموم اللاجئات السوريات، ومعاناتهن أكبر من أن تفيها حقَّها دراسةٌ، أو يغطيها كتاب، وقليلٌ جداً من يعنى بهذه المعاناة.

في كتابها “لاجئات” عن تكيف اللاجئات السوريات المعيلات في إسطنبول، والذي أعدته لنيل درجة الماجستير، تغطي الباحثة “منى هداية” مساحةً مهمةً من هذه المعاناة، ويتُركَّز البحث في دائرة اللاجئات الحضريات، اللّائي يقمن في إسطنبول كمعيلاتٍ لأسرهن، بعد أن غاب المعيل. ويرد هنا تعبير اللاجئ الحضري، كما تعرفه “كارين جاكوبسن” وهي مديرة برامج وباحثة مهتمة بحياة اللاجئين في مخيمات اللجوء، (هو اللاجئ الذي يُوطِّن نفسه بنفسه ذاتياً، سواء أعتُرف به رسمياً أم لا، ويقيم في المناطق الحضرية).

 

وقد تمت الدراسة عبر مقابلات شخصية، جرت مع خمسة عشر سيدة سورية في إسطنبول، إضافة لمجموعة بؤرية ضمت عدداً من اللاجئات، شاركن في نقاشاتٍ حول موضوع البحث. وتهدف هذه الدراسة لتوفير منبرٍ لهذه الأصوات الخافتة، وسط صخب القضايا الأخرى، كما أنها تسهم في تطوير أشكال الدعم المقدم، ليصل إلى مستوى الاستدامة والاعتماد على الذات، كذلك في تبيان ضرورة الاهتمام بالمشاريع المتصلة، في دعم سبل عيش اللاجئات الحضريات.

 

وعبر مسح ميداني تَخلصُ هذه الدراسة، إلى أنَّ نسبة 80% من اللاجئات الحضريات في إسطنبول لا يملكن دخلاً كافياً، وأن 7.3% منهن فقط حصلن على تعليمٍ جامعي، بينما بقيت نسبة 65.9% منهن دون مستوى التحصيل الإعدادي، كون معظمهن آتياتٍ من مجتمعات أبوية لا تتيح لهن فرصة كسب الخبرات، وتأهيلهن للاعتماد على النفس، الأمر الذي يضيق عليهن فرصة الحصول على عمل.

وتفيد التقارير الواردة من الأمم المتحدة أنَّ عشرين بالمئة من الاسر السورية، تعيلها نساء، الأمر الذي يقتضي أن تُولى هذه المسألة مزيداً من الأهمية.

وهنا تبرز الضرورة الملحة لمسألة التكيف، بل ترقى لأن تكون ضرورة قسرية، فبدونها لن تستطيع تلك الأسر التي تعيلها نساء، الاستمرار في العيش الآمن، سواء على الصعيد الغذائي أو الصحي أو الاجتماعي، وليس بالضرورة أن يفضي التكيف الى مسارات إيجابية، فهو يعرِّض النساء، ومعظمهن غير مؤهلاتٍ لسوق العمل، للاستغلال والتحرش والعنف، والسكن الجماعي وعمالة الأطفال، والزواج المبكر للبنات، وربما الانزلاق في سوق الممنوعات.

 

يشير أحد تقارير “الخطة الإقليمية للاجئين وتعزيز القدرات على مواجهة الأزمات”2018-2019” إلى أن أكثر من 64% من السوريين في تركيا، يعيشون تحت خط الفقر، والأمر لدى الأسر التي تعيلها النساء، أكثر سوءً للأسباب آنفة الذكر، الأمر الذي يدفع بشكل قسري إلى القبول بطرقٍ سيئةٍ في تحري سبل العيش، كما يُلجئ الى أنماطٍ سلبيةٍ، في أساليب التكيف مع هذا الوضع الضاغط.

 

 

وفي جانب الخلفيات والتمثلات الثقافية والاجتماعية، فان الشطر الأكبر من النساء اللائي شملهن البحث، يرين أن العمل والنزول للأسواق، أمورٌ منوطةٌ بعالم الرجال، وأن حياتهن السابقة كانت محصورةً بتدبير شؤون البيت، وهذا بلا شك سيكون عامل إعاقةٍ بين تلك النساء، وبين قيامهن بالدور المفروض كَرهاً في إعالة الأسرة.

 

ترى “كارول كوهن” مديرة اتحاد المساواة بين الجنسين والأمن وحقوق الإنسان، أن الخبرات التي تحملها النساء قبل الحرب تؤثر فيما يحدث لهن أثنائها وبعدها، وهذا يفضي إلى معاناةٍ أكبر لدى اللاجئات السوريات، في مواجهة صعوبات التكيف وتحصيل سبل العيش، فالقطاع الأوسع من اللاجئات السوريات، يفتقر إلى أدنى خبرةٍ أو ممارسةٍ سابقة في ميدان العمل، وترى بعضهن، أنهن لا يملكن أدنى خبرة في الحياة، كما أن البعض منهن يعانين إلى الآن، من ضغوطات اجتماعية من أقربائهن، الذين يرون في خروجهن إلى سوق العمل أمراً معيباً، كل هذا يضاف إلى حجم الإعاقة التي يخلقها حاجز اللغة، في الوسط التركي، ورفض القبول الاجتماعي، الذي يلاحظ لدى بعض قطاعات العمل التركية.

 

كذلك غياب الرعاية الاجتماعية، لدى بعض النساء اللائي يرعين أطفالاً مرضى أو معاقين، الأمر الذي يخلق شبه استحالة في التوفيق بين متطلبات تحصيل سبل العيش، وما يحتاجه الأطفال المرضى من رعاية فائقة، كذلك حالة التمييز ضد النساء، والتي تنعكس بشكلٍ كبيرٍ على الفرص والأجور.

 

يضاف إلى تلك المعاناة تعرض العديد منهن إلى العنف الجنسي، وإلى التحرش في سوق العمل، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، ربما يأخذ بعضه شكلاً أقل حدةً، من خلال عروض الزواج العرفي، الذي لا يملك أيَّة وثيقةٍ قانونيةٍ تكفل الحقوق، وهذا الشكل من الاستغلال، يرد من أتراك وسوريين على حدٍ سواء.

 

وتجري عملية التكيف وفق ثلاثة أنماط، فنمط التكيف المنتج يجري في دوائر العمل الرسمي، الذي تؤثر في توفره ثلاث عوامل، وجود شهادات أكاديمية، أو مهنية مصدقة، ووجود العلاقات والشبكات الاجتماعية المؤازرة، وعامل السن، حيث تقل فرص النساء المتقدمات في السن، ونمط التكيف بالاعتماد على المساعدات، والذي يعتمد بشكلٍ أساسيٍ على المساعدات العينية” أغذية ملابس دواء” والمساعدات المالية، ونمط التكيف السلبي الذي يقوم على ضغط النفقات، والاعتماد على عمالة الأطفال، واللجوء إلى الاستدانة، وتزويج القاصرات، وكثيراً ما تتشارك هذه الأنماط الثلاثة، في رسم آلية التكيف التي تعتمدها بعض اللاجئات المعيلات، للوصول إلى حدٍ مقبولٍ في الحياة.

 

  • يخلص الكتاب الى جملة من التوصيات الى المعنيين في الحكومة التركية والمنظمات الإنسانية والحقوقية من أهمها:
  1. أخذ منحى أكثر شمولية في برامج التمكين.
  2. توفير فرص التدريب واكتساب المهارات.
  3. زيادة دورات تعليم اللغة التركية.
  4. دعم المنظمات للمشاريع المنزلية.
  5. رفع الروح المعنوية للاجئات أثناء الدورات التدريبية.
  6. تنظيم آليات منح المساعدات، والتنسيق بين المنظمات الداعمة، ووضع خطة حكومية لتنسيق الدعم الغذائي.
  7. تشكيل لجنة حكومية تتعاون مع منظمات غير حكومية، لرصد قضايا التحرش والاستغلال، وتقديم الدعم القانوني.
  8. إطلاق حملات قانونية واجتماعية تحارب عمالة الأطفال.

خلاصة القول فإن الدراسة تتصدى لجملة من المشكلات، التي تواجه النساء اللاجئات، والتي تنعكس آثارها على أسرهم بشكلٍ عالي السلبية، الأمر الذي يتطلب تحشيداً عالياً للمناصرة وتقديم العون، ومن المهم أن تكون قضية اللاجئات ومعاناتهن، زمن الأزمات في قائمة الأولويات، لما ينتج عن إهمالها من كوارث متتابعة، تبدأ من رغيف الخبز، ولا تنتهي بتسرب جيل من الأطفال إلى الشارع وسوق الجريمة.


  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يقع الكتاب في مئة وستين صفحة من القطع المتوسط

صدر عن دار جسور للترجمة والنشر في بيروت 2020