#########

الضحايا

لم الشمل..ومراهقون بلا أهل!


مرَّ ملفي على جميع القضاة الذين يقطنون في مدينتي الحالية تقريباً دون تغيير، فجميعهم توصلوا إلى حلول عديدة كالموافقة على تبنيّ من عائلات المانية، مروراً ببقائي في مراكز القُصَّر، وتعيين وصي عليَّ

13 / آب / أغسطس / 2019


لم الشمل..ومراهقون بلا أهل!

 

*سائد الشخلها- مع العدالة

 

حينما ركب السوريون غمار البحر هرباً من الموت، حملوا معهم سلال أحلامهم لدولٍ يأملون أن ينعموا فيها بالأمان والطمأنينة، هم وأولادهم. بعضهم من هرب برفقة ذويه ومنهم من هرب وحيداً؛ ومن لازمه سوء الطالع بعث بفلذات كبده القصَّر على أمل أن يستطيعوا اللقاء بهم بلم شملٍ طال حتى بات ضرباً من المحال. فالكثير من القصر لم يستطيعوا لم شمل عائلاتهم، مما جعلهم يتيهون بين دور رعاية القصّر في أوروبا والإجراءات القانونية، ومنهم من تم تبنيه من قبل عائلات أوربية رغم وجود عائلاتهم على قيد الحياة.

اعتبرت القوانين الأوربية “القاصرين غير المصحوبين بذويهم” الفئة الأكثر تعرضاً للأخطار الجسدية والنفسية على طريق رحلتهم. إلا أن كثير من الدول الأوربية -مع أنها لم تعاملهم معاملة البالغين فيما يخص مراكز احتجازهم-عاملتهم كبالغين فيما يخص تسهيل أوراق لجوئهم، وحتى وثائق لم الشمل الخاصة بهم، ليكبر هؤلاء المراهقون دون عائلة.

 

 

وفقاً للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، يحق للشخص الذي حصل على حق اللجوء أن ينقل أفراد عائلته المباشرين إلى البلد الذي هو فيه، ويشمل أفراد الأسرة المباشرين الزوج والزوجة والأطفال، وفي حالة القصّر يمكن لم شمل الأخوة تحت الثامنة عشر أو ولي الأمر. علماً أنه تم تعليق العمل بلم شمل الأسر في عام 2016 لمدة عامين، للأشخاص الذين حصلوا على حماية مؤقتة، وسمح لهم بلمّ شمل أسرهم بدءاً من نهاية تموز 2018، ولكن حتى اللحظة الأمور مازالت تسير ببطء شديد.

وكان للسيد “ماجد علوش -أبي معاوية” نصيب ككل السوريين من هذه المأساة إذ يقول: “أرسلت معاوية لوحده وكان عمره يوم دخوله ألمانيا أربعة عشر عاماً وستة أشهر بالضبط، وذلك لعدم توفر الإمكانات المادية اللازمة لسفر العائلة كلها والبالغة أكثر من ثمانية آلاف دولار أمريكي في حينها، وكان هو الأكثر حاجة للسفر من البقية في ظل انسداد الأفق أمام الشباب في تركيا.

 

 

أما عن معاملة الحكومة الألمانية لمعاوية قال “علوش”: تمت معاملته كقاصر دون وجود أهل، وتم وضعه في سكن مخصص للقاصرين تحت إشراف منظمة اجتماعية، ولكن لم يتم لم الشمل بسبب عدم حصوله على إقامة السنوات الثلاث والتي تؤهله للم الشمل.

وأردف السيد ماجد قائلاً: هناك دعوى في المحكمة الاتحادية الأوروبية لتثبيت حقه في لم الشمل حتى بعد بلوغه السن القانونية، ونأمل أن يكون قرارها إيجابياً رغم تأخر الأمر لقرابة الأربع سنوات.

ورغم أن القوانين في أوروبا تحمي الأقليات، وتنص على حماية الأشخاص دون سن الـ 18 عاماً، نصت اتفاقية “دبلن” التي تؤطر كل ما له علاقة بالحماية الدولية في دول الاتحاد الأوروبي على أن “المصلحة العليا للطفل يجب أن تكون أول اعتبار في الدول الأوروبية، وينبغي لها أن تراعي على النحو الواجب حياته اليومية وتنميته الاجتماعية، والأخذ بعين الاعتبار سلامته وأمنه، ورأي القاصر وفق عمره ونضجه…”.

ولكن على الجانب الآخر هناك من كانت قصتهم مع اللجوء أكثر إيلاماً، وبعيدة عن القوانين، كما حدث مع السيد  “محمد ترميني- أبي جلال” والذي أرسل أصغر أبنائه إبراهيم للنمسا بعد أن أصابته جلطتين دماغيتين، فقد على إثرها قدرته على الرؤية، ولكن بعد وصول ابنه للنمسا  وتقديمه جميع الأوراق التي تثبت حالة والده الصحية، لم يوافق على طلب لم الشمل الخاص به، لتسطر قصتهم فصلها الأسوأ، حينما تم تبني إبراهيم من عائلة نمساوية، وتبت المحكمة النمساوية بعدم أحقية طلب لم الشمل وتغلق القضية، ليغدو أبو جلال وحيداً مع زوجته في تركيا بدون أي معيل لهم.

قص أبو جلال قصته وهو يردد: “الحمد لله المهم لدي أن ابني استطاع أن يكمل دراسته ويضع قدمه على الطريق الصحيح، فأنا تعودت على ظلم الحياة التي لا أريدها أن تظلمه”.

 

 

نص القانون اليوناني صراحة على أنّ “إن كان لدى القاصر قريب في بلد أوروبي عضو آخر (والد أو والدة أو أخ راشد أو أخت راشدة أو عم أو خال أو عمة أو خالة، فيمكن التقدم بطلب لم شمل، تفادياً لمضيعة الوقت) ولكن ما حدث مع “حسام سرور” ذي الـ 13 ربيعاً يناقض كل القوانين تقريباً، فحسام ذهب لليونان مع أخيه البالغ أحمد، وحينما وصلا أمرت السلطات اليونانية بداية بإعادتهم لتركيا، ولكن بعد النقض تم الموافقة على بقاء حسام وترحيل أخيه، ليدخل الأخوين بعدها دوامة من المرافعات والمحاكمات أدت بهم في النهاية للبقاء كأي لاجئ، لحين قبول لجوئهم لدى دولة أخرى، رغم أنهم أثبتوا وجود أختٍ لهم في ألمانيا، ولا يزال حسام بعد سنة ونصف يذوق مرار تجمعات اللاجئين وأكوام من الأوراق المقدمة دون طائل.

في ظل هذه الزوبعة التي يعيشها اللاجئ السوري، كان للمرأة نصيب لا بأس فيه من المعاناة، فكيف لو ذاقت تلك المعاناة فتاة قاصر كـ”ضحى الحسين” التي هربت مع أخيها الوحيد ووالديها إلى تركيا من تدمر عام 2015 ليستقروا بتركيا لعام كامل، حيث قررت العائلة إرسالها لألمانيا مع قريب لهم على أمل أن تستطيع لم شمل والديها على الأقل، حيث قالت ضحى: “استدان والدي مبلغ 800 دولار لإرسالي مع عائلة تقرب لنا، بعد أن قال لنا الناس أني سأستطيع لم شمل والديّ خلال أشهر فقط، وطوال طريقي لألمانيا وأنا أحلم باللحظة التي سأضم فيها أمي لصدري في مطار برلين، ولكن الحكومة الألمانية أول شيء فعلته هو إبعادي عن أقاربي لعدم وجود صلة قرابة من الدرجة الأولى معهم، ووضعتني في دار رعاية خاص بمن هم دون السن القانونية”.

واسترسلت ضحى قائلة: مرَّ ملفي على جميع القضاة الذين يقطنون في مدينتي الحالية تقريباً دون تغيير، فجميعهم توصلوا إلى حلول عديدة كالموافقة على تبنيّ من عائلات المانية، مروراً ببقائي في مراكز القُصَّر، وتعيين وصي عليَّ، دون المرور بالحل الذي أكرره كل مرة وهو جلب والدي لي، وأنا الآن لازلت أتخبط في نفس المكان، وأحس حلمي يغدو بعيداً في كل لحظة حتى أن وجه أمي غداً صورة في الجوال أكلمه ولا أستطيع لمسه.

 

 

مع تزايد أعداد اللاجئين القُصَّر في أوروبا خلال السنوات الماضية، والتي لم تكن حكراً على السوريين فقط، ومع إحصاء المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين حوالي66300 لاجئ قد دخل ألمانيا فقط بين كانون الثاني 2015 وتشرين الأول 2017 ،حاولت معظم الدول تطوير قوانين اللجوء لديها، وخاصة المتعلق بفئة القاصرين غير المصحوبين بذويهم لتتواءم مع الواقع، إذ طال هذا التطور كل من قوانين فرنسا وألمانيا والنمسا وأخيراً إيطاليا، ولكنها لم تكن مرضية لكثير من المنظمات الحقوقية التي نادت بتسهيلات أكثر لهم ولعائلاتهم، واستطاعوا أن يجبروا المجالس الإقليمية على تعيين مربي يرافق القاصر لمساعدته في القيام بجميع الإجراءات سواء المدرسة أو في الحياة اليومية، لأن القاصر بحاجة إلى راشد وصي عليه، يمثله أمام الإدارات عند الضرورة.

وجاء التطور الأكبر في هذه القضية بتاريخ 12 نيسان 2018 عندما قررت محكمة العدل الأوربية -إثر قضية واجهتها فتاة إرتيرية في هولندا-بأحقية اللاجئين القصّر الذين وصلوا أوروبا من دون ذويهم بحقهم في لم شمل الأسرة حتى بعد بلوغهم سن الرشد خلال عملية طلب اللجوء، ومن المتوقع أن يؤثر هذا الحكم على عشرات الآلاف، خاصة وأنه يعتبر قراراً ضد سياسة معظم حكومات أوروبا التي تتعرض لضغوطات كبيرة من قبل الأحزاب اليمينية التي تهدف لوقف عمليات لم الشمل في بلدانهم.

 

 

في ظل تجاذبات سياسية يتعرض لها ملف اللاجئين -ومنهم السوريون- داخل وخارج البلدان التي وصلوا لها، كان ولا يزال ملف اللاجئين دون السن القانوني هو الأكثر تأثراً، وهو ما يضع المراهق بين مطرقة عائلته التي صرفت معظم مدخراتها لتوصله لأوروبا وهي تحيا الأمرّين في البلاد التي تقيم فيها إن كان في لبنان أو الأردن، أو في بلاد، الحياة فيها تعتبر الأغلى والأصعب، كتركيا وكردستان العراق، ما يجعل هذه الأسر تتعرض لضغوط تتعدى قدراتها وإمكانياتها، وسندان مستقبل يريد تأمينه في بلد اللجوء، يضاف إليها تشتت الأسرة التي توجهه ويحيا في ظلها بالأمان والراحة النفسية على أمل أن يكون الغد أجمل.

 

المزيد للكاتب