لا يظهر عليها من آثار التعذيب سوى بضع كدماتٍ فقط، لكنّها دائماً تعيش حالة ذهول وصدمة رهيبة، والشحوب يُسيطر على وجهها، وفاقدة لشهيّة الطعام، وما يُبقيها من "الأحياء الأموات" القليل من السوائل فقط
27 / كانون أول / ديسمبر / 2018
*المصدر: زمان الوصل
تروي هذه الأحداث السجينة السابقة عائدة الحاج يوسف، التي كانت مسجونة مع الفتاة صاحبة القصة…
خمس سيّدات مُعتقلات كان نصيب “جناح الإرهاب” في سجن عدرا المركزي من السيّدات المُحوّلات من فروع الأسد الأمنية لا سيما فرع الأمن السياسي منها. وعادةً ما يتم تحويل السيّدات المُعتقلات إلى القضاء بعد أسبوع أو عشرة أيّام من إيداعهنّ، وهو الوقت الكافي لاختفاء آثار التعذيب والكدمات وحروق السجائر والبقع الزرقاء المطبوعة على أجساد السيّدات.
“فاطمة الزهراء” في السادسة والعشرين من عمرها، تنحدر من مدينة حلب، تُمارس رياضة “اليوغا”، لفتت انتباهي بشدّة نظراً لكوني أدمنت مُجبرةً على تناول “الحبوب المُهدّئة” في المشفى الوطني بمحافظة حماه بفرضٍ من وحوشه، شعرت أنّها هي أيضاً من ضحايا هذا النوع من التعذيب “التخدير”.
تعرض والد “فاطمة” وأخواها الاثنان للقتل على يد عصابات الأسد أمام ناظريها، واقتادوها مع والدتها إلى المعتقل، ثُمّ أُخلي سبيل والدتها، أمّا هي فتنقلت بين الفروع الأمنية عبر سيارة “براد” لنقل الخضراوات “بدءاً بمعتقلات مدينة حلب في الشمال السوري مروراً بطرطوس وحمص وصولاً للعاصمة دمشق.
وأجبروها على تناول حبوب “الكابتيكول” المُنشّطة والمانعة للنوم وحبوب “الترامادول” التي تُعد أقوى أصناف مُسكّنات الآلام وتتسبب بالإدمان، وكانت تحصل عليها في سجن عدرا من المستوصف.
لا يظهر عليها من آثار التعذيب سوى بضع كدماتٍ فقط، لكنّها دائماً تعيش حالة ذهول وصدمة رهيبة، والشحوب يُسيطر على وجهها، وفاقدة لشهيّة الطعام، وما يُبقيها من “الأحياء الأموات” القليل من السوائل فقط.
بالرغم من عدم ورود أيّة زيارة “لفاطمة”، وعدم إجرائها أيّ مكالمات هاتفيّة، وعدم تحويلها للقضاء كنظيراتها اللواتي حُولن معها، واعتقالها في الفروع الأمنيّة لثلاثة شهور ونصف، إلّا أنّها لم تتذمّر ولم تبكِ ولم تصرخ ولم تُبدِ أي تعبير استثنائي كغيرها من السيّدات المُعتقلات اللواتي يُعبرنّ عن القهر والألم والشوق بطريقة وبأخرى، إنّما كانت صامتة، غير مفهومة، واستمرت في مُمارسة رياضة “اليوغا” التي تعلمتها في إحدى النوادي الرياضية بحلب وشجّعت بعض السيّدات المُعتقلات لممارستها.
في عصر اليوم السادس عشر لوجودها في سجن عدرا طلبت أن تُعيرها إحدى السيّدات “كرت الهاتف” لتجري مُكالمة ضرورية، كونها لا تملك المال، أجرت هاتفها وعادت أيضاً دون تذمّر، تفهمت الأمر، لأنّ مُتناولات تلك الأدوية يفقدن الكثير من الأحاسيس وتختلط لديهن المشاعر.
ما أدهشنا جميعنا وفي حادثة لم نسمع بها سابقاً في السجن ولم نتوقع وقوعها، خرجت “فاطمة” مساءً إلى الممر الرئيسي في السجن صارخةً بشتائم كثيرة وقامت بتمزيق صورة المُجرم الأب “حافظ الأسد” المُعلّقة على الجدار، وعادت إلى المهجع جالسةً على أحد الأسرّة مُعبّرةً عن سعادتها بما قامت به دون أن تُفكّر بالعواقب والنتائج.
كُلّ السيّدات مُندهشات صامتات مُنتظرات ومُترقّبات ما سيحدث، ذهبت “مريانا” مُسرعةً إلى غرفة رئيس السجن الّذي شاهد ما حدث عبر الكاميرات، دقائق قليلة واجتمع ضباط السجن، أخرجوها إلى ذات الممر وانهالوا عليها بالضرب المُبرح والعنيف، صُراخها يدوي في كُلّ السجن، كُل السيّدات المُعتقلات في جناح الإرهاب تبكي، لم نستطع حتى استراق النظر إليها من كُثرة الأيادي المُشاركة بالضرب، واختفت من الجناح.
لا نستطيع إلّا أن نسأل “ميريانا” عنها، أجابت أنّهم وضعوها في السجن الانفرادي ونزعوا عنها حجابها ومزّقوا ثيابها وتناوب الضبّاط على ضربها وأفقدوها الوعي لأكثر من مرّة، بعدها حضرت دوريةً من الأمن السياسي واقتادتها معها إلى الفرع بطلب من رئيس السجن الذي قال “خليها تفطس عندهم بلا ما يعملها الإعلام بطلة”.
” فاطمة الزهراء” التي انقطعت أخبارك كُليّاً بعد تمزيق صورة “خالدهم” أيّ فعل اقترفتيه في جحور الجرذان، أهي مُحاولةً ناجحةً للانتحار والهروب من واقعٍ أليمٍ فُرض عليك بعد خسارة عائلتك واعتقالك في الفروع الأمنيّة لثلاثة شهور ونصف؟ أو هي انتقاماً عبر شجاعةً مُميزةً امتلكتيها في تلك اللحظة.
الرابط الأصلي ⇐ هنا
.
.