#########

الضحايا

مبتورو الحرب في سورية من يهتم لأجلهم؟.. إحصائيات وحالات.


ما تزال المقصلة السورية المستمرة تخلف وراءها أعداداً هائلة من الضحايا ومبتوري الأطراف

31 / تموز / يوليو / 2019


مبتورو الحرب في سورية من يهتم لأجلهم؟.. إحصائيات وحالات.

 

*أنصاف نصر- مع العدالة 

 

 

عندما تنجلي غبار هذه الحرب المجنونة ونعود لنلملم جراحنا ونبحث عن أرواح أحبتنا في المقابر الجماعية وعن أشلاء أطفالنا وشبابنا التي بترتها طائرات المجرم نظام الأسد، حتماً سنصاب بالعمى من هول كارثة القرن الملعون الذي صب لعنته على السوريين.

من منا يستطيع أن ينسى صرخة ذلك الطفل السوري عبد الباسط سطوف ” يا بابا شيلني ” عندما أفرغت طائرات الحقد حمولتها وبترت قدميه، كثر هم الأطفال والشباب الذين لاقوا مصير “سطوف” نفسه بسبب حرب شنها نظام مجرم على شعب أعزل أمام أعين العالم المتحضر الذي اختار الصمت على جريمة هذا العصر.

 

  • ما تزال المقصلة السورية المستمرة تخلف وراءها أعداداً هائلة من الضحايا ومبتوري الأطراف.

ملف آخر موجع ليضعه السوريون في مذكرات جراحهم، مئات الآلاف من الضحايا، مدنيون وعسكريون، بدءاً بإصابات خفيفة وصولاً لبتر الأطراف والإعاقات الدائمة، وكان لحصار المدن والمناطق السكنية دوراً كبيراً في زيادة أعداد الضحايا مبتوري الأطراف، حيث إنه بسبب نقص الأدوية والرعاية الطبية، والقصف المستمر للمشافي الميدانية، تحولت الإصابات الطفيفة إلى كوارث يدفع فيها المصاب جزءاً من جسده.

 

إحصائيات وتقارير

تشير الإحصائيات إلى أن عدد الجرحى السوريين منذ بداية الثورة تجاوز 2.23 مليون جريح 9% منهم أطفال و 11% نساء، وأكثر من 22 الف منهم فقد على الأقل طرفاً علوياً أو سفلياً، وهنالك أكثر من 300 ألف مصاب أدى التأخر في علاجه أو نقله إلى المراكز الطبية بشكل خاطئ إلى شلله.

ويصل عدد الأشخاص الذين تعرضوا لبتر في أحد الأطراف جراء الحرب في سورية إلى 86 ألف شخص وفق تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية ومنظمة هانديكاب انترناشونال أن حوالي مليون ونصف المليون سوري يعانون إصابات متنوعة بفعل الحرب مما يجعل مجموع مصابي الحرب السورية خلال الأعوام الستة الأولى يصل إلى 3 ملايين مصاب موثقين ومنهم حوالي 1.5 مليون مصابون بإعاقة دائمة.

وفي تقرير آخر لمنظمة الصحة العالمية بداية العالم 2018 ورد أن هناك 30 ألف مصاب كل شهر نتيجة الأعمال الحربية، وقد خلفت هذه الإصابات مليون ونصف المليون يعانون إعاقات دائمة من أصل 3 مليون شخص أصيبوا منذ العالم 2011.

وأيضاً أكد تقرير صادر عن الأمم المتحدة لعالم 2017 أن 30 ألف شخص يتعرضون لصدمة نفسية جراء الصراع، ويعاني 2.8 مليون شخص من إعاقة، منهم 86 ألف بترت أطرافهم، وكان الأطفال الفئة الأكثر تضرراً بالإعاقة.

وبحسب المدير الإقليمي لليونسيف في الشرق الأوسط “خيرت كابالاري”، هنالك 3.3 مليون طفل يتعرضون لمخاطر المتفجرات على اختلاف أنواعها.

وقد صرح رئيس الأطباء الدوليين “مولود يورت ستيفن” أن نسب إصابات الساق وبترع الأذرع في سورية هي الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية.

أما الدعم المقدم لمراكز الأطراف الصناعية فهو محدود وعملية تصنيع هذه الأطراف تتم بكميات قليلة، كما أن شراء الطرف الصناعي يعتبر معضلة، إذ تبلغ الكلفة بين 800 دولار إلى 1500 دولار.

 

عرض حالات 

الحالة الأولى: “زكريا مشو“، التقيته على كرسيه المتحرك، شاب بوجه جميل كجمال سوريا وضحكة استسلمت لقدرها، وهو من مواليد 1996 من سكان حي “الصاخور” بحلب، وبتاريخ 26/6/2013 كان هنالك موكب لأحد القادة العسكريين من الجيش الحر في المنطقة ، بعد نهاية مراسم الموكب بدأ القصف المدفعي على المدنيين ليكون نصيب “زكريا” إحدى هذه القذائف، حيث سقطت القذيفة الأولى على منزل مأهول بالسكان، أما القذيفة الثانية أسفرت عن استشهاد 7 أشخاص وإصابة “زكريا” وطفل صغير، فقد على إثرها “زكريا” الإحساس بالرؤية والقدرة على الحركة تماماً، لم يكن بإمكانه سوى سماع الأصوات كأنها صدى، ونقل على إثر تلك الإصابة لمشفى ميداني في الصاخور، حيث كانت الإصابة الواضحة في الرأس والساق، أما الشظايا المستقرة في نخاعه الشوكي لم يلحظها أحد… ولانعدام الإمكانيات الطبية في المشفى الميداني كان لا بد من تحويل “زكريا” إلى مشفى “كلس” التركي ومن ثم إلى مدينة غازي عنتاب حيث بقي في المشفى لمدة شهر، ليكتشفوا حينها الإصابة الأخطر في ظهره وتحديداً مكان الشظايا حيث إحداها استقرت بين الفقرة السابعة والثامنة لتؤدي إلى قطع بالنخاع الشوكي وتسبب الشلل السفلي بالكامل لشاب لم يبدأ عمره بعد.

عاد “زكريا” بعدها إلى مدينة حلب لمدة 5 اشهر، ولانعدام الرعاية الصحية وانقطاع الماء والكهرباء وعدم قدرته على الحركة بدأت تظهر على جسده الجروح السريرية، فكان لا بد من العودة إلى تركيا للعلاج، واستحال عليه الدخول من المعابر النظامية فبدأ يصارع قدره برحلة التهريب رغم وضعه الصحي المتردي وهو على كرسيه المتحرك متحملاً جروحه النازفة، وقد باءت محاولتان لعبور الحدود بالفشل، ليفتح جرح آخر في جسده أثناء المحاولة، ويستعد بعدها لتكرار محاولة العبور للمرة الثالثة برفقة أفراد عائلته، لينجح أخيراً بالدخول إلى تركيا، حيث بقي في المشفى لمدة 4 أشهر متواصلة حتى تلتئم جروحه، خرج باستراحة إلى منزله لمدة شهر ثم عاد إلى المشفى لمدة 4 أشهر أخرى أجرى خلالها 6 عمليات، وبعدها عاد “زكريا” إلى بيته ولكنه لم يستطع العودة إلى ذاته، ودخل في حالة من العزلة الكاملة، حيث لم يستطع التقبل أنه أصبح على كرسي متحرك، إذ رسمت تلك الحرب الملعونة قدره الجديد لتتفاقم حالته النفسية إلى دخول في طور الاكتئاب، وبدأ يفكر بالانتحار، خلال هذه المدة لم يهتم لأمره أحد من المنظمات والمراكز التي تتاجر بالسوريين ومعاناتهم، كان الداعمون له أهله فقط، وأثمر دعم الأهل المستمر له بأن استطاع التغلب على وضعه والتسليم أنه من الناحية الطبية ليس هنالك ما يمكن فعله كون الإصابة في النخاع الشوكي، فتأقلم على رفقة الكرسي المتحرك وتحدى حالته الصحية، هو الآن يعمل في منظمة سند لذوي الاحتياجات الخاصة، ويقود هو ومجموعة من زملائه المتشابهين في المعاناة حملات المناصرة لتنبيه المجتمع والمؤسسات المعنية للاهتمام بهذه الشريحة المتأذية جسدياً ونفسياً، حيث تهدف هذه الحملات أن يكون لهم قوانين وتشريعات بالدستور السوري مستقبلاً تحفظ حقوقهم السياسية والمدنية وأن يكون لهم دور فاعل في مستقبل سوريا الجديدة.

 

الحالة الثانية: “يعرب فرج“، ذلك الشاب الأسمر، ابن الثالثة والعشرين ربيعاً، عندما بدأت الثورة السورية كان عمره 15 عاماً، طفل يسابق حلمه، لكن الدكتاتور لم يمهله حتى يعيش ذلك الحلم، حيث كان يعيش في مدينته اعزاز في مدينة حلب، وفي تاريخ 28/12/2012 أمطر النظام المدينة بالقنابل الفراغية نية إحداث أكبر قدر من الإبادة، وكان نصيب ““يعرب”” شظية في يده اليسرى، وبدأت بعدها رحلة الإسعاف إلى تركيا، من أعزاز إلى كلس إلى العثمانية وهو ينزف وإصابة يده خطيرة، وفي مشفى العثمانية بترت يده، وكأن هذا القدر الملعون لازم السوريين على مدار 9 سنوات واغتال أحلامهم وأجسادهم وحقهم في الحياة أمام عالم أصم وأبكم أعطى رخصة القتل لجزار دمشق.

بترت كف “يعرب” من المفصل، وحتى الطبيب لم يهتم بإعطائه تقريراً طبياً، فخرج “يعرب” بعدها للعلاج في دار الشفاء وبقي فيها حوالي السنة، بعد خروجه كانت حالته النفسية منهارة تماماً حيث لم يستطع استيعاب ما حصل له وبقي ملازماً منزله لفترة طويلة، يوهم نفسه بأن كفه ما زالت موجودة فيقوم بحشو كف صوفي بالقطن ويرتديه بيده إذا اضطر للخروج للشارع، أما معاناته الكبرى فكانت بإيجاد عمل يناسب وضعه الجديد، وفي لحظة معينة يقرر تحدي وضعه الخاص فيعود إلى الدراسة ويتقدم لفحص الشهادة الثانوية وينخرط بالمجتمع من جديد، وهو الآن طالب جامعي في السنة الثانية، ولكن عقبته الكبرى ستكون بإيجاد عمل بعد التخرج، خاصة أن سيل المنظمات التي تعمل باسم السوريين وضعت هؤلاء السوريين ومن هم في وضع “يعرب” آخر اهتماماتها.

 

المنظمات المعنية بمساعدتهم

 يعاني مئات الآلاف من مصابي الحرب السورية سواء مقاتلين من قوات النظام أو الفصائل المسلحة المعارضة والمدنيين من تردي الخدمات الصحية والاجتماعية، حيث الغالبية من سكان مناطق النظام فقراء نازحون، فالنظام يبدي تكاليف مواصلة العمليات العسكرية على تكاليف الدعم الصحي والمالي المباشر للجرحى والمصابين.

على الجانب الآخر يتراجع نشاط الجمعيات الخيرية التي تعنى بالمصابين والجرحى من المعارضين والمدنيين في مناطق سيطرة المعارضة جراء شح التمويل والتكاليف المرتفعة التي يستلزمها العلاج الطويل وتعويضات الأطراف الصناعية، حيث تتجاوز تكلفة تركيب طرف صناعي بدائي 1500 دولار، بينما تبلغ تكلفة تركيب طرف صناعي ذكي حوالي 60 ألف دولار، وبحسب مصادر المعارضة هناك العشرات من المراكز الصحية التي تأسست في الشمال السوري للتخفيف من معاناة المصابين وتقديم المعالجة الفيزيائية، لكنها توقفت عن العمل بسبب التمويل، إضافة إلى تردي القطاع الطبي عموماً في المناطق المحررة ونقص الكوادر المتخصصة والمستلزمات المتطورة مما يحرم الكثير من المصابين الشفاء، بل إن الكثير من الإصابات تتفاقم وتتحول إلى إعاقة دائمة، كبتر الأطراف أو حصول التشوهات الخطيرة وشلل أو تعطل وظائف حيوية وإصابات دماغية.

ومن أبرز المنظمات والهيئات التي تقدم خدماتها لمبتوري الحرب السورية “منظمة سند، المشروع الوطني لصناعة الأطراف الصناعية، منظمة بلسم، رابطة مصابي الحرب، منظمة سامز”؛ بالإضافة إلى منظمات إنسانية أخرى خصصت جانباً من عملها للعلاج الفيزيائي.

رغم الخدمات المقدمة للمصابين لا تتوفر المنهجية والبرامج المحددة لتقديمها بالشكل الصحيح، بحسب ما يقول المدير التنفيذي لمنظمة سند “وائل أبو كويت: إن مصابين الحرب يعيشون ظروفاً مأساوية لعدة أسباب بينها غياب البرامج المتخصصة وغياب التعامل العاطفي من قبل بعض المؤسسات والمنظمات، بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من المصابين جراء القصف المستمر من قبل النظام ومخلفات المعارك.

أما المشروع الوطني للأطراف الصناعية فقد بدأ في العام 2013 في مدينة الريحانية التركية بدعم من جمعيات “سيريا ريليف – Syria Relief وسما وايغري سيريا”، وتتبع له العديد من المراكز داخل الأراضي السورية، وبحسب التقارير السنوية أن أعداد الحالات التي يتم تركيب أطراف صناعية لها لا تتجاوز 7 آلاف طرف صناعي مقارنة بمئات الآلاف من الحالات الموجودة، ويؤكد السيد “عبد الرحيم خلوف” مدير المشروع الوطني للأطراف الصناعية في إدلب أن الرعاية الصحية لمصابي الحرب في الشمال السوري غير كافية، حيث يقدم المشروع الوطني لتركيب الأطراف عدة خدمات بينها تركيب أطراف سفلية وعلوية بالإضافة إلى تأهيل كوادر للعمل بمجال الأطراف الصناعية.

وهنالك مراكز منشأة حديثاً منها مركز الخطوات السعيدة في معبر باب السلامة، ورابطة مصابي الحرب التي أنشأتها منظمة بلسم في الشمال السوري.

أما مركز الخطوات الصغيرة في ريف حلب يهتم بتركيب الأطراف الصناعية السفلية فقط، حيث لا توجد الأطراف العلوية ضمن برنامجه كون الدعم الذي يتلقاه لا يغطي هذا النوع من الإصابات.

 

مليون ونصف المليون إعاقة حسب تقارير محلية ودولية، وهي إحصائيات قديمة نوعاً ما لأن الاهتمام بملفهم أصبح شبه معدوم والعدد حتماً في ازدياد نتيجة استمرار قصف المدن والبلدات بالبراميل المتفجرة وكافة أنواع الأسلحة المحرمة دولياً

هذه الكلمات هي صرخة لأصحاب الضمائر، وما هي إلا قشرة على رأس جبل جليد تنذر بكارثة وشيكة، فهذه الكتلة البشرية تحتاج للتأهيل الجسدي والنفسي والاجتماعي حتى تستطيع العمل وممارسة نشاطها وكي لا يبقى أفرادها عالة على المجتمع.

هؤلاء الضحايا هم الدليل الثابت والملموس على بطش وإجرام نظام الأسد، إذ إن ما دمرته الحرب من البنى التحتية يمكن تعويضه، لكن ما دمرته ذات الحرب في نفوس وأجساد الضحايا لا يعوض ولا يقدر بثمن، لذلك يقع على عاتق المنظمات الحقوقية أن تقوم بطرح هذا الملف في المحاكم الدولية وعلى عاتق الأطباء السوريين السعي لتقديم الرعاية الصحية الكافية لتأهيل هؤلاء الضحايا جسدياً ونفسياً كتعويض بسيط ربما عما خسروه في سبيل سوريا.

 

المزيد للكاتبة