قال د. كحيل : قام المتطوعون من أبناء المدينة، بسحب الجثث من النهر، ثم تمّ نقلهم إلى مدرسة اليرموك للتّعرف عليهم من قِبل ذويهم، وهنا كانت المفاجأة، حيث لُوحظ على الضحايا أنّهم مقيّدو الأيدي والأرجل، وأفواههم مكمّمة وأعينهم معصوبة
27 / شباط / فبراير / 2019
*براءة يحيى الحمدو
” الحقُّ أقول لكم: لا حقَّ لحيٍّ، إن ضاعت في الأرض حقوق الأموات” هكذا يقول نجيب سرور؛ ومن القول ننتقل إلى السؤال: وكيف إذا كان الأموات هم ضحايا آلة الإجرام؟ الذين لا ذنب لهم سوى أنّهم أرادوا البقاء في أرضهم والعيش فيها بسلام! لكن أبَى نظام الأسد وحلفاؤه أن يحقق حلمهم وما أرادوا، وكان القتل جزاؤهم ومصيرهم.
ثماني سنوات مرّت على حرب النظام السوري ضدّ الشعب بعمومه، كان ذلك بالتحالف مع الإيرانيين والروس والميليشيات والمرتزقة من كلّ الأصناف -العراقية واللبنانية والباكستانية وغيرها …! ومع الأهمية بمكان – نحاول كأحرار سوريين فضح جرائم النظام وتوثيقها، ليأتي يوم المحاسبة والمساءلة الوطنية والدوليّة، كما لا بُدّ لنا من ذكر مدى الترابط الزمني والمعنوي بمجازر السنوات الماضية والحاصلة في كلِّ يوم، لأنّ الحرب مازالت قائمة بين الخير والشّر، ورأس النظام مازال جاثماً في حكمه، على الرغم من أنّه أصبح أداةً يحركها الروس والإيرانيون كيفما شاؤوا.
وفي الحديث عن سلسلةٍ غَيرَ متناهية من اِنتهاكاتِه وإجرامه بحقّ الشعب السوري، وضمن سياق الحالة المأزومة التي طالت الشعب داخل سوريا وخارجها، منذ بدء المفاوضات والندوات والمؤتمرات الدوليّة والتي لم ينتج عنها، سوى المزيد من الإحباطات والمآلات غير المنشودة والتي لا تصبّ في المصلحة العامة! ارتكبت مئات المجازر بحقّ المدنيين، منذ قيام الثورة السورية على نظام بشار الأسد، التي خرقت القانون الدولي الإنساني وانتهكت حقوق الانسان، ولا تعتبر القواعد القانونيّة المنصوص عليها شرطاً لازماً في تجريم ومحاسبة الطغاة ، بل تكون ملزمة بشكل صوري ودبلوماسي حين الطلب وعظم الحاجة ، ومن المجازر التي حصلت على سبيل الذكر (الحولة، خان شيخون، معرة النعمان، ومجزرة نهر قويق) ولا يسعفنا الوقت في الوقوف على كلّ المجازر، فمثلاً وقعت مجزرة الحولة في مدينة حمص بتاريخ 25 أيار 2012، راح ضحيتها آنذاك أكثر من 100 شخص بإطلاق النار من مسافة قريبة على الضحايا، عدا عن الذبح بالسكاكين.
أمّا عن مجزرة نهر قويق فمن الضروري الحديث عنها لأنها تُعدّ من أفظع المجازر التي مرّت في تاريخ الثورة. ففي صباح تاريخ 29/ يناير/ 2013 تمّ توثيق مجزرة النهر (بـ 240 شهيداً) بينهم نساء، والرقم يومها أكبر بكثير، والسبب أنّ هناك جثثاً مرّت في النهر ولم يستطع أحد اللحاق بها واِنتشالها، وتقول الأخبار إن عدداً من الجثث تمّ سحبها ودفنها دون مرورها على الطبابة الشرعية في منطقة حلب الحرّة، وبالعموم فإن مهمة إخراج الجثث من المهام الصعبة، لأنّها تحتاج إلى كادر كبير من المنقذين وبالإضافة إلى مُعدات وأجهزة ضخمة تفيد عملية الإنقاذ ، لكن جهود أهالي المنطقة كانت جبارة وفعلوا ما بوسعِهم، جنباً إلى جنب الناشطين والإعلامين والمحامين والمدنيين.
“هيومن رايتس ووتش”، أصدرت تقريراً بعد المجزرة ذكرت فيه “أن 147 شخصاً على الأقل كان قد عثر على جثثهم في نهر مدينة حلب فيما بين كانون الثاني (يناير) وآذار (مارس) 2013 قد تم على الأرجح إعدامهم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة”.
المجزرة وقعت تحديداً في مدينة حلب ما بين بستان الزهرة وبستان القصر، مروراً بجسر الحج، حيث بدأت تتوارد الجثث من مناطق النظام في بستان الزهرة – حاجز الحديقة – قرب سوق الهال (وهذه النقاط خاضعة تحت سيطرة النظام)، وصلت تلك الجثث إلى المناطق التي يسيطر عليها المعارضة، أمّا عن الضحايا فهم مدنيون -يعملون في مناطق النظام ويقطنون في مناطق سيطرة المعارضة، يعني: يذهبون إلى عملهم ضمن مناطق سيطرة النظام ويرجعون إلى بيوتهم في مناطق سيطرة المعارضة.
ويؤكد شهود عيان أن أعداداً من الذين قتلوا في المجزرة كانوا معتقلين لدى فرع المخابرات الجوية الذي يترأسه اللواء أديب سلامة، وهو مسؤول عن مجازر كثيرة منذ بداية الثورة في محافظة حلب؛ منها، مجزرة حي صلاح الدين 22/6/2012 ومجزرة حي الشعار 20/7/2012.
وللحديث بالتفصيل سمعنا أحد الشّهود العَيان على مجزرة النهر (نهر قويق)، وهو ” د. محمد كحيل ” مدير الطبابة الشرعيّة بحلب الحرّة والخبير في العلوم الجنائية، قال د. كحيل : قام المتطوعون من أبناء المدينة، بسحب الجثث من النهر، ثم تمّ نقلهم إلى مدرسة اليرموك للتّعرف عليهم من قِبل ذويهم، وهنا كانت المفاجأة، حيث لُوحظ على الضحايا أنّهم مقيّدو الأيدي والأرجل، وأفواههم مكمّمة وأعينهم معصوبة، وفي أثناء الفحص والتّوثيق، عُرِفتْ ماهية التّصفية المُتبعة بطريقة واحدة، وهي كانت عبارة عن طَلق ناري في الرأس من مسافة أقل من متر، أدى إلى ضياع المادة الدماغية وإلى تفجر الجمجمة، وتبيّن أيضاً أنّ الضحايا قد تعرضوا للتّعذيب والتعنيف بشدّة. “انتهت الشهادة “
وفي تاريخ 20/ نوفمبر/ 2018 عمد النظام إلى نبش قبور الضحايا في حديقة القباقيب، التي دفنوا فيها، بحجة فحص مادة DNA لأجل تعرف المواطنين على أولادهم، وهذه الحجة غير صحيحة، لأنّه يريد إخفاء وطمس معالم جريمته، وفعلاً نقل النظام السوري الجثامين إلى غير منطقة، ومن جهة أخرى نفتْ الطبابة الشرعية في مناطق النظام وصول أيّة جثة من جثث شهداء النهر، وهذا النفي أكد للعيان مزاعم النظام السوري.