#########

الضحايا

محمد الشيخ: 220 Volt – فولت من الكهرباء صدموني بها في فرع فلسطين بدمشق!


كنا جميعاً في فرع فلسطين عبارة عن أرقام، بلا أسماء، حيث ألغوا إنسانيتنا؛ فهم لا يعترفون بنا إلا كأرقام عابرة

26 / شباط / فبراير / 2020


محمد الشيخ: 220 Volt – فولت من الكهرباء صدموني بها في فرع فلسطين بدمشق!

 

*مع العدالة

 

محمد أحمد الشيخ من مواليد حلب 1990ــ  طالب هندسة بتروكيميائية في جامعة دير الزور – يروي لــ “مع العدالة” قصة اعتقاله من قبل قوات النظام السوري فيقول: التحقتُ بالثورة السورية منذ انطلاقها، وبدأت بتنسيق المظاهرات في مدينة ديرالزور مع زملائي الطلاب، وخاصة كل يوم جمعة ــ وبعد فترة أخذنا بتطوير عملنا الثوري داخل التنسيقيات، من خلال استخدام كاميرات احترافية وأجهزة كمبيوتر محمولة ( لابتوب)، وكتابة يافطات كبيرة ــ مع تطوير نظام الاتصالات والمسألة الأمنية كيلا يتم اعتقالنا من قبل أجهزة المخابرات.

كنا نبث بشكل مباشر من داخل الجامعة جميع المظاهرات والوقفات الاحتجاجية. حتى اقتحم جيش النظام مدينة دير الزور بعد فترة، فهرب أغلب الشباب نحو الريف، أما أنا فاتجهتُ إلى مدينتي حلب، حيث كانت الأحياء الشرقية محررة بالكامل، وهناك كانت بيئة مناسبة للعمل وتنسيق المظاهرات، فعملتُ بالحقل الطبي من خلال دعم النقاط الطبية بالمعدات والأدوات والأدوية الإسعافية التي كنا نجلبها من تركيا لتلك النقاط الطبية الموجودة في حلب الشرقية، إضافة إلى العمل في نطاق “الميديا” والشأن الإعلامي.

 

 

بعد فترة تطوّر عملي، فأصبحت أعمل مع منظمة ” آكتد ACTED  ”  لإعادة التأهيل والتطوير، وكانت تعمل داخل المخيمات الحدودية مع سورية –  مكتبها الرئيسي في ولاية أنطاكيا التركية. عقب ذلك عملت مع مجموعة العمل البولندية “PAH” ضمن مناطق داخل سوريا مثل ــ كفرنبل – حزارين –  جبل الزاوية – فطّيرة – سرجيلة. حيث كانت المعارك هناك لمّا تزل دائرة بالقرب من وادي الضيف.

ويكمل “الشيخ” حول طريقة اعتقاله مع زملاء آخرين له قائلاً: “بعد عام من عملي هذا، كنا ذاهبين إلى محافظة دير الزور تجاه الريف الشرقي، عام 2014 لإيصال معدات طبية، وفي أثناء مرورنا ليلاً، حيث كان يتحتم علينا الالتفال حول مناطق النظام وهي ــ الجورة ـ القصور ـ ومعسكر الطلائع كي نصل إلى الريف الشرقي عبر الصحراء، وقعنا في كمين لقوات النظام حينما كانوا متقدمين لمسافات لكشف عمليات التسلل كما علمنا لاحقاً.

تم اعتقالي وقتها، بتاريخ 31 / 5 / 2014 واقتادوني إلى معسكر الطلائع في حي الجورة لمدة عشرة أيام، ومن ثم تم تحويلي إلى الأمن العسكري بدير الزور، وبدأ التحقيق معي، إضافة إلى زجّي لمدة شهرين في منفردة، وبعدها وضعوني داخل سجن جماعي؛ وكان أغلب المحققين بأسماء مستعارة، وأذكر المحقق الذي حقق معي اسمه ” مجد عدرا” الملقب (أبو سلسال) من مدينة السلمية برتبة “ملازم أول”، ومحقق آخر اسمه “ورد” معروف جيداً في مدينة دير الزور، إضافة إلى “باسل ولؤي”، فالجميع كانوا مشرفين على ذات الأضابير الخاصة بالمعتقلين والموقوفين، وهم سفاحون بطريقة بشعة، وذلك أن أي معتقل يكون بين أيديهم، سوف يعترف تحت التعذيب بتهم باطلة، أو يقومون هم بكتابة الاعترافات بحسب أمزجتهم!

 

“بيان لمراجعة شعبة التجنيد خاص بالمعتقل محمد الشيخ ” 

 

وكان هنالك سجّان مسؤول عن المنفردات والزنزانات الجماعية، اسمه “محمود” ولا أذكر كنيته؛ هذه الأسماء التي أتذكرها في فرع الأمن العسكري بدير الزور.

في فرع الأمن العسكري عانيت أشد أصناف التعذيب، منها “الشبح” (تقييد المعصمين وتعليق الضحية عبرهما للأعلى)، إضافة إلى السرير الحديدي الذي يقيّد إليه المعتقل ويتم ضربه أو تعذيب ضحية أخرى أمامه، والصدمات الكهربائية أيضاً، والضرب العشوائي. علاوة على سماعنا لأصوات نساء معتقلات في الليل يقومون بتعذيبهن بوحشية، ولا نعرف، لربما كنَّ يتعرضن للاغتصاب!

وعن تحويله من دير الزور إلى العاصمة دمشق يقول السيد “محمد الشيخ”: بعد ثلاثة أشهر نقلوني إلى دمشق عن طريق الطيران إلى مطار “المزّة”، بسبب انقطاع الطريق البري،  ومن بعده “فرع فلسطين”. بقيت هناك لمدة سنة تقريباً، خلال هذه المدة أرسلوني إلى “فرع الدوريات” القريب من فرع فلسطين، الذي عانيت داخله أبشع وأشد أصناف التعذيب، أكثر مما شاهدته ومورس بحقي في فرع الأمن العسكري بدير الزور.

 

“صورة ورقية من الحكم الصادر عن محكمة الإرهاب بدمشق بحق محمد الشيخ”

 

كنت أتمنى الموت في فرع فلسطين، أو بالأحرى أشتهيه إن صح التعبير، حيث عرضوني للصدمات الكهربائية والتي تبلغ استطاعتها “ 220 Volt – فولت“، إضافة إلى الوضع الصحي السيئ جداً، والمحيط القذر، فضلاً عن الأمراض المعدية كالجرب والسل، وغيرهما من أمراض أخرى كالإسهال الحاد أيضاً.

 

  • ويضيف “الشيخ” كنا جميعاً في فرع فلسطين عبارة عن أرقام، بلا أسماء، حيث ألغوا إنسانيتنا؛ فهم لا يعترفون بنا إلا كأرقام عابرة.

وهناك في فرع فلسطين، يكون السجين طي النسيان، لربما يموت بسبب الحالة الصحية المتردية دون التعذيب، وعليه يكون المعتقل الذي يلقى حتفه قد استراح من هذا الألم اليومي والعذاب، وكنا نحسده بأنه ارتاح من هذه التجربة القاسية.

 

“صورة عن بطاقة الزيارة الخاصة بالمعتقل السابق محمد الشيخ  – سجن عدرا المركزي” 

 

لقد كانوا يمارسون علينا منهجية مدروسة كي يجعلوا منّا وحوشاً تصارع من أجل غريزة البقاء، أمام جثث المعتقلين الذين قضوا جراء المرض أو التعذيب، حيث تبقى الجثث أحياناً لأيام داخل الزنزانة المكتظة بأكثر من 100 معتقل، نأكل ونشرب وننام  والجثث بيننا، حتى يقومون بإخراجها بحسب مزاجية السجان أو الأوامر التي يتلقاها من الضباط.

 

بعض أسماء السجّانين في فرع فلسطين التي أذكرها، حيث كانوا حذرين هناك بإشهار أسمائهم الحقيقية،  هم “أبو علي سكر، وسومر، وأبو حيدر”.

 

“صور عن طلب استفسار من سجن عدرا المركزي خاص بالمعتقل السابق محمد الشيخ” 

 

بعد عام تقريباً، حولوني إلى الشرطة العسكرية في منطقة القابون، لمدة أسبوع، ومن ثم إلى سجن عدرا المركزي، كي يتم نقلي بعدها إلى المحكمة، التي تكون عادةً صورية، لا تستند إلى القانون؛ مع الابتزاز المادي الذي تعرض أهلي له كي يخفّف الحكم الذي أصدر بحقي وهو 15 عاماً، لتخفّض المدة بعدها إلى عشر سنوات (شفقة ورحمة)، فحكمت بمدة أقل من خلال ما يسمى (العفو) وكانت ستة سنوات وثمانية أشهر، خصم منها ربع مدة، وبقيت خمس سنوات وستة أشهر، لأخرج بعدها بتاريخ 8/10/2019 إخلاء سبيل، لأواجه الحياة من جديد بعد أن سلبوا مني كباقي المعتقلين جزءاً من عمري تحت القهر والظلم.

 

مواد شبيهة