#########

الضحايا

مخدرات “الأسد”: من المحليّة إلى العالمية!


خلال السنوات الست الفائتة، ضبطت كلّ من جمارك السعودية والأردن وقبرص واليونان عشرات الملايين من حبوب "الكبتاغون" المُعدّة للتهريب من أراضي النظام بعد أن تحوّلت إليها من لبنان عبر حزب الله

19 / آب / أغسطس / 2019


مخدرات “الأسد”: من المحليّة إلى العالمية!

 

 

أحمد طلب الناصر- مع العدالة

 

انتشر خبر استيلاء السلطات اليونانية على سفينة محمّلة بأكثر من خمسة أطنان من حبوب “الكبتاغون” المخدرة، ومصدرها نظام الأسد، ليثير مجدداً ملف الجرائم التي ما زال الأخير يشنّها، ليس بحق الشعب السوري فحسب، بل راح يوجهها إلى مختلف شعوب العالم، سيما وأن الحمولة المهرّبة تعتبر الأكبر في تاريخ جرائم تجارة المخدرات.

الشحنة المضبوطة من قبل خفر السواحل اليوناني في الخامس من تموز/ يوليو الماضي، كانت عبارة عن ثلاث حاويات (كونتنيرات) تحوي ما يقرب من 33 مليون حبة كبتاغون- إم فيتامين، تم شحنها عبر الشواطئ السورية؛ ويقدّر سعرها بنحو 580 مليون يورو.

فما قصة المخدرات التي طغت أخبار صلتها بعصابات الأسد اليوم على عصابات الدول المرتبطة تاريخياً بالمخدرات، كأفغانستان وإيران وكولومبيا وبعض الدول الأخرى.

 


  • المخدرات والقانون السوري:

تعتبر سوريا من أولى الدول التي حاربت زراعة واستخدام المواد المخدرة، وذلك عبر توقيعها لاتفاقية تعود إلى العام 1922. وهي أيضاً من الدول الموقّعة على الاتفاقية الدولية لمكافحة المخدرات التي عقدت في مقرّ الأمم المتحدة عام 1961، وصدّقت على كافة التعديلات اللاحقة في الأعوام 1972 و1987؛ كما أصدرت السلطات السورية قانوناً خاصاً يتعلّق بكافة جرائم المخدرات في العام 1993.

وشدّد قانون المخدرات السوري عقوباته على مرتكبي جرائمها، إذ نصّ على التالي:

 

  • عقوبة زراعة وتهريب وصناعة النباتات المخدرة هي الإعدام .
  • عقوبة حيازة ونقل وشراء وبيع المواد والنباتات المخدرة بقصد الإتجار بها الاعتقال المؤبد وغرامة من 500 ألف إلى مليون ليرة .
  • من يقدم المواد والنباتات المخدرة للغير أو يسهل تعاطيها دون قصد الاتجار الاعتقال لمدة لا تقل عن عشر سنوات إلى خمسة عشرة سنة والغرامة من خمسمئة ألف إلى مليون ليرة .
  • عقوبة من حاز أو نقل أو اشترى أو سلم أو تسلم مواد مخدرة سواء كان بقصد التعاطي أو الاتجار الاعتقال من 3-15 سنة إضافة إلى الغرامة من مئة ألف إلى خمسمئة ألف ليرة سورية.

 يضاف إلى هذه العقوبات الجنائية عقوبة التجريد من الحقوق المدنية.

 

 

وخصصت وزارة الداخلية فرعاً خاصاً في غالبية المحافظات السورية أُطلق عليه “فرع المخدرات”، وهو لا يختلف من ناحية الإجراءات والأساليب المتبعة عن بقية الأفرع الأمنية والمخابراتية الأخرى، بل وتجاوزها رعباً ووحشية في بعض المحافظات عقب انطلاق الثورة السورية، إذ تحوّلت “فروع المخدرات” إلى مراكز اعتقال وتعذيب لعدد كبير من النشطاء والمناهضين لنظام الأسد.

ويذكر أحد القضاة المتواجدين داخل مناطق النظام، في حديثٍ خاص لـ “مع العدالة”: “في منتصف شهر أيار/ مايو 2011، أي بعد اندلاع الثورة بشهرين تقريباً، وصلتنا أوامر من القصر الجمهوري بكفّ البحث عن عشرة أسماء لمطاليب من كبار تجّار ومهربي المخدرات المعروفين في سوريا، صدرت بحق كل واحد منهم العديد من الأحكام الغيابية تصل إلى الإعدام، أذكر اسم شخصين من تلك الأسماء ينتميان لعائلة (برّي) المعروفة بنشاط معظم أفرادها في مجال المخدرات والسلاح في مدينة حلب. وبقية الأسماء توزّعت بين حمص والساحل السوري والمدن المحيطة بوادي بردى”.

ويتابع القاضي “كان من الصعب على السلطات القضائية والأمنية القبض عليهم نظراً لتحصّنهم وحمايتهم من قبل عشرات الأشخاص المسلحين، وغالباً ما كانت تحصل اشتباكات دامية بينهم وبين عناصر الشرطة”.

 

 

ويضيف “كل واحد منهم يمتلك شبكة واسعة من المروجين المنتشرين داخل معظم المدن السورية. وكان قسم منهم داخل السجون المدنية آنذاك، البعض كان يقضي فترة محكوميته والبعض الآخر تحت الحكم. وأولئك أيضاً سرعان ما تم إطلاق سراحهم!”.

 أولى المهمات التي أوكلها النظام لتلك العصابات تمثّلت في قمع التظاهرات وممارسة أساليب “التشبيح” على المتظاهرين والنشطاء مقابل إطلاق سراحهم، ولاحقاً شكّلوا ميليشيات مسلحة منظّمة مدعومة من الأفرع الأمنية، بالتزامن مع مضاعفة أنشطتهم في تجارة وترويج المواد المخدّرة.

 

  • الأراضي السورية من العبور إلى الإنتاج!

صنّفت سوريا، قبل اندلاع الثورة فيها، وفق تقارير منظمة الأمم المتحدة ومكتب منع الجريمة والمخدرات بأنها بلد عبور وليست بلداً منتجاً، مع التنويه بأن موقعها الجغرافي الرابط بين عدة محاور شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً يجعل منها بلد عبور بامتياز.

أما بعد اندلاع الثورة عام 2011، وبالتحديد بعد التدخّل المباشر للميليشيات الإيرانية الطائفية وعلى رأسها “حزب الله” اللبناني، تجاوزت سوريا تصنيف الـ “عبور” إلى تصنيف الدولة الـ “منتجة” وبامتياز.

فـ”حزب الله”، الذي لا يخفي على أحد نشاطه المعلن في زراعة وتصنيع غالبية المواد المخدرة ضمن مناطق سيطرته داخل لبنان، قام بنقل ذلك النشاط إلى داخل الأراضي السورية بمجرد سيطرته على المناطق الحدودية المحاذية للحدود اللبنانية، كالقصير والقلمون والزبداني وغيرها.

وبفضل تلك المناطق أضحى حزب الله يمتلك أكثر من 3 أضعاف الأراضي التي كان يسيطر عليها في لبنان، لزراعة وإنتاج المواد المخدرة، بالإضافة إلى إطلاق يده وامتلاكه مطلق الحرية في حركة نقلها وتجارتها داخل الأراضي السورية، التابعة للنظام وللمعارضة على حدّ سواء؛ وتهريبها كذلك إلى خارج سوريا عبر الموانئ البحرية أو المعابر الحدودية البريّة، تحت دراية وإشراف النظام السوري المُدار أصلاً من قبل إيران.

وبالطبع لا يمكن لـ “تجّار” حزب الله احتكار سوق المخدرات داخل أراضي النظام دون مشاركة كبار “شبيحة آل الأسد” وأقربائهم واقتسام الأرباح معهم، مقابل تسهيل الترويج والتجارة والتهريب، وتحديداً عبر مدن الساحل السوري والموانئ المسيطرين عليها.

دلّ على ذلك انتشار العديد من الصور والمشاهد المصوّرة التي جمعت أحد أكبر رموز تجارة المخدرات التابعين لحزب الله والمطلوب لدى “الإنتربول” الدولي بتهمة زراعة وترويج وتهريب المخدرات، “نوح زعيتر”، بأفراد من عائلة الأسد، كابن عم رأس النظام “وسيم بديع الأسد” على سبيل المثال، وكذلك لقاء “زعيتر” بضباط ومقاتلين من الحزب ومن قوات النظام في مناطق القلمون وريف حمص.

 

 

أمّا صهر (آل الأسد)، “أيمن الجابر”، فيعتبر المنفذ الرئيسي لتهريب مخدرات حزب الله إلى دول العالم، كونه كان يشغل مدير ميناء اللاذقية الذي تسلّمه عقب استبعاد “فواز الأسد” عنه.

إذ تمكّن “الجابر” من جمع مبالغ طائلة جراء فتح الميناء أمام تهريب مخدرات الحزب، واستطاع من خلالها تشكيل ما يسمّى ميليشيا “صقور الصحراء” و”مغاوير البحر” من أموال المخدرات بذريعة محاربة “الإرهاب” إلا أن الميليشيتين كانتا تعملان في الحقيقة بنقل المخدرات وتوزيعها في بعض مناطق الساحل والداخل السوري وكذلك لتأمين حراستها وتهريبها عبر الميناء.

وأثار ازدياد نفوذ “الجابر” في الساحل بدعم مباشر من الحزب وإيران قلق كلّ من الروس والنظام السوري الذي صادر أملاكه واصطدم معه بغرض إيقافه، ليقوم صهر عائلة الأسد بقصف معقلها “القرداحة”، وكادت الأمور أن تصل لحرب بين الحليفين ضمن الطائفة في قلب الساحل السوري، معقلهما، قبل اقتسام الحصص وإنهاء الصدام.

 

  • المنشطات تجتاح العسكر والمخدرات تقضي على المدنيين!

التقارير الصادرة من وزارة عدل النظام تؤكد بأن متعاطي المخدرات تتراوح أعمارهم بين 15 و30 سنة. أما وزارة الداخلية فغالباً ما تعلن عن ضبط صغار مروجي المخدرات، للتغطية على التجار الكبار الذين يشاركون النظام بجني أرباح ملايين الدولارات من بيع المخدرات.

وبين هذا وذاك يضيع الشباب السوري، بذكوره وإناثه، وخاصة من يتعاطون المواد المخدرة الرخيصة التي غالباً ما تتسبب في مشكلات صحية واجتماعية بالغة، وتتعاطاها شرائح من الطبقات الفقيرة. وبالمقابل فإنها تؤمن عائدات هائلة للمستورد الأساسي وللباعة الفرعيين، وللكثير من الحواجز والنقاط العسكرية التي تمر عبرها.

وزارة صحة النظام تتحدث عن ضبط حالات لتعاطي المخدرات في مدارس دمشق وريفها، وكذلك داخل الجامعات، وأشارت إلى انتشار كبير للحشيش وإلى ازدياد ظاهرة الإدمان بصورة مستمرة بسبب ظروف الحرب التي سهّلت تهريب مادة الحشيش بالدرجة الأولى والترويج لها بين فئة الشباب واليافعين، إضافة إلى انتشار شمّ مادة “الشّعلة” بين الأطفال .

أما القاضي المتحدّث لـ “مع العدالة” فيشير إلى أن نسبة الدعاوى المتعلقة بجرائم المخدرات تجاوزت الـ 20% من نسبة الدعاوى المنظورة في المحاكم الجنائية.

 

 

يضاف إلى ذلك كله بأن إعلام النظام نفسه يتحدث عن حالات وفيات وقعت بين تلاميذ المدارس بسبب تناول جرعات زائدة من الحبوب المخدرة، علاوة على انتشار ظاهرة تعاطي حبوب البالتان، والترامادول، وهي مصنّفة من الأدوية المسكنة ولا تعطى إلا بوصفة طبية خاصة في الحالات العادية، أما اليوم فأصبحت تباع، هي والحبوب المخدرة الأخرى، في الأكشاك القريبة من المدارس وعلى بسطات الأرصفة، التي غالباً ما يديرها عناصر من مختلف الفروع الأمنية.

وتنتشر حبوب “الكبتاغون” في أوساط الجيش السوري والميليشيات “الرديفة” بين العناصر بنسبة تتجاوز 90%. إذ أغرق مسؤولو ميلشيات حزب الله والنظام القطع العسكرية بتلك الحبوب إضافة إلى الحشيش أيضاً. ووجدوا شركاء لهم من بعض فصائل المعارضة المسلحة، حيث لعبت المكاسب المالية الكبيرة دوراً محورياً في إجراء اتفاقيات المصالحة والهدن، فتحول العمل العسكري ضد النظام إلى تجارة ممنوعات؛ وحاول بعض من المقاتلين تبرير الأمر بانقطاع المساعدات المالية لهم، ما دفعهم إلى التورّط في العمل بهذه التجارة بذريعة تأمين الذخائر واحتياجات المقاتلين، لا سيما التابعين للفصائل المتشددة الذين يقارنون تجارتهم تلك بما كان يحصل عند (مجاهدي القاعدة) وعملهم بزراعة وبيع المخدرات في أفغانستان.

فانتشر بذلك تعاطي المخدرات داخل مناطق المعارضة على نطاق واسع أيضاً دون رقيب أو حسيب، إلا أن جريمة التجارة أو التهريب عادة ما يتم إلصاقها بعناصر وقادة يُراد التخلّص منهم في أغلب الحالات.

 

  • وجهات تهريب النظام وعائدات المخدرات:

خلال السنوات الست الفائتة، ضبطت كلّ من جمارك السعودية والأردن وقبرص واليونان عشرات الملايين من حبوب “الكبتاغون” المُعدّة للتهريب من أراضي النظام بعد أن تحوّلت إليها من لبنان عبر حزب الله كما أسلفنا.

ففي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 أحبطت الجمارك الأردنية محاولة لتهريب أربعة ملايين حبة مخدر من معبر نصيب. كذلك ضبط خفر السواحل اليوناني في كانون الأول/ ديسمبر 2018 سفينة شحن في البحر المتوسط ترفع علم سورية، تحمل أكثر من 6 أطنان من الحشيشة ونحو 3 ملايين حبة كبتاغون متجهة إلى بنغازي في ليبيا. كما ضبطت الجمارك السعودية نهاية العام الماضي 25 مليون حبة كبتاغون قادمة من سورية.

 

 

إلا أن عشرات الشحنات تمكنت من العبور دون أن تكشفها سلطات الدول المذكورة وغيرها من الدول الأخرى.

وتحتلّ إيرادات النظام السوري من تهريب المخدرات المرتبة الأولى بين العائدات المالية المباشرة، إذ تشكّل ما يفوق 75% من بين جميع العائدات الأخرى، ويتم تقاسم هذه النسبة بينه وبين ميليشيا حزب الله، وخصوصاً بعد الأزمة الاقتصادية المحيطة بإيران جراء العقوبات والحصار الدولي عليها.

 

المزيد للكاتب