#########

الضحايا

نساء أمام بنادق النظام السوري و”قسد”: امرأة سورية تروي مأساة عائلتها


وصلنا مدينة الحسكة في بداية الشهر الثالث عام 2018، وكأنني خرجتُ من معتقل حقاً، أو من مقبرة جماعية فيها جثث تتحرك، وأشباه بشر وظلال لأناس تتحرك في غمرة اليأس والحزن!

29 / أيلول / سبتمبر / 2019


نساء أمام بنادق النظام السوري و”قسد”: امرأة سورية تروي مأساة عائلتها
 *مع العدالة – آشين العلي

 

“لم يبقَ لدي أحد من عائلتي، سوى طفلة صغيرة أصبح عمرها أربع سنوات تقريباً. زوجي “خالد السليمان” 58 عاماً قتل في بداية 2017 بغارة جوية يقال إنها من قبل التحالف الدولي، أثناء عودته من العمل في الأرض مع مزارعين من قرية “الكسرة” في ريف دير الزور الغربي”.

 

-هكذا تقول أم “عامر”  52 سنة نازحة حالياً في محافظة الحسكة مع طفلتها، بعد هروبها وعائلتها من حي “هرابش” في مدينة دير الزور نحو الريف خوفاً من بطش النظام والميليشيات الإيرانية والعراقية الطائفية.

 

“صورة للميليشيات العراقية الطائفية في دير الزور” 

 

وتضيف: “أن ولديها عامر 25 عاماً ومحمد 22 عاماً تم اعتقالهما من قبل قوات النظام في مدينة دير الزور عام 2016 من داخل حي الجورة – شارع الوادي خلال حملة اعتقالات عشوائية طالت الكثير من سكان الحي والعابرين.

 

بين التهجير والنزوح القسريين” عوائل كحشود النمل تسير نحو الموت”:
  • تروي “أم عامر ” قصة خروجها وعوائل كثيرة من مدينة دير الزور نحو الريف خوفاً من القصف والاعتقال والاعتداء من قبل وحوش تضع أقنعة تشبه وجوه الناس يحملون سيوفاً وبنادق ورايات طائفية باسم الحسين والزهراء وعلي :

 

بعد المجازر التي ارتكتبها النظام السوري في مدينة دير الزور، وخاصةً داخل حيي “الجورة والقصور” عام 2012، أصبحنا نتخوف من اقتحام الأحياء الأخرى، وفعلاً بدأ النظام مع قوات الجيش والأمن والميليشيات بتقسيم المدينة واقتحامها من عدة محاور، مع القصف المكثف، وكنا نحن في حي “هرابش” رغم تواجد قوات النظام، وبالأخص على أطراف الحي، نخاف من أن تصلنا تلك القوات التي لا ترحم طفلاً أو امرأة أو شيخاً مسناً.

 

“العقيد علي خزام أحد القادة الذين قاموا بتنفيذ مجزرة حيي الجورة والقصور” 

 

واستمرت الحال هكذا لمدة أشهر، بين قصف واعتقالات ومعارك بين الجيش الحر وما تسمى “جبهة النصرة” وقوات النظام؛ إلى أن ظهر تنظيم”داعش” وبدأت المعارك تزداد بوتيرة أعلى، ودموية أكثر. فهربنا مع عوائل كثيرة نحو الريف الغربي، وهناك من غادر إلى دمشق عن طريق دفع مبالغ طائلة لقوات النظام.

في عام 2014 تنقلنا عبر الريف من قرية إلى أخرى، وكانت أولها قرية” خشام”، بقينا أسبوعين فقط، بسبب القصف الشديد هناك، والمعارك بين الثوار وتنظيم داعش، والتضييق من قبل الأخير  على النازحين، والمعاملة السيئة بعد سيطرته على قرى كثيرة.

 

وتكمل “أم عامر”: لم يكن الوضع جيداً في قرى ريف دير الزور، فالتنظيم يبطش على الأرض، وطائرات التحالف الدولي تقصف أهدافاً مدنية يميناً وشمالاً بذريعة تواجد إرهابيي داعش، الذين يعرفون أماكنهم، فيقتل الكثير من المدنيين في تلك الغارات، ومن بينهم زوجي في وقت لاحق.

 

 

وأيضاً، خسرتُ ولديّ حينما عادا إلى المدينة عن طريق التهريب ليجلبا أختي  النازحة من حي الجورة، عام 2016 الشهر السابع؛ حيث تم اعتقالهما دون أي تهمة، وإلى الآن لا نعرف سوى أنهما في أحد سجون مدينة دمشق؛ بعد أن دفعتُ لمحامٍ في القامشلي مبلغ 150 ألف ليرة سورية، حيث قال لي المحامي بعد عودته من العاصمة إن ولديّ تم نقلهما من سجن عدرا المركزي، إلى سجن السويداء؛ ولا أدري إن كان كلامه صحيحاً، أم هما ميتان بعد الاعتقال!. أدعو من ربي أن يكونا بخير ويعودا إليّ؛ فأنا في كل لحظة أتذكرهما، أبكي.

 

وعن عملها في بيع الخضار والنباتات العطرية، تقول أم عامر:” بعد خسارة ولديّ ومقتل زوجي في تلك الغارة اللعينة، بقيت أكثر من شهر غير متوازنة؛ طفلتي الصغيرة تنادي ببراءة “بابا”، وأنا أحتضنها وأبكي، وأتذكر مصير أخويها. كنت أقطن في بيت من الطين والقش، في قرية “الكسرة”، وبعد استقرارنا جزئياً، اضطررتُ للعمل في الفلاحة، ونقل الخضروات مع المزارعين، وقد ساعدني الكثير من الأهالي هناك، وأنا ممتنة لهم. بقيت هكذا أعمل في بيع الخضروات، حتى نزحتُ مع أسر من تلك القرية إلى مخيّم “الهول” شرقي الحسكة، نهاية عام 2017، لقسوة الحياة هناك، وتعامل قوات “قسد” مع الأهالي بطرق فظيعة، مع نهب أرزاق البشر والتعرض للنساء النازحات وأهاليهن بشتى أنواع الأساليب القذرة؛ علاوة على ذلك، قد نصحتني إحدى الجارات بأن ننتقل إلى هناك، ومن ثم ندخل إلى محافظة الحسكة.

 

  • ابتزاز وتحرش جنسي في مخيم “الهول”:
  • مخيم “الهول” يقع شرقي محافظة الحسكة ويحتوي على ما يقرب من 70 ألف نسمة بينهم عوائل سورية نازحة من أرياف دير الزور  والرقة، إضافة إلى عائلات من تنظيم داعش.

 

تصف ” أم عامر” الوضع المزري في مخيم “الهول”، وحال القاطنين هناك، من سوريين وعراقيين وعوائل تابعة لتنظيم “داعش”، فتقول: “بعد وصولنا إلى المخيم، وعبر رحلة قاسية، وخطرة، تم التحقيق معنا من قبل عناصر “قسد”، وأخذ أقوالنا، كل شخص على حدة، مع توجيه الاتهامات الباطلة بأننا نتعامل مع “داعش”، أو استخدام ألفاظ نابية بحقنا منها – أنتنَ داعشيات سبايا، وأنتنَ تعملن بالدعارة لإرضاء رغبات المقاتلين، وأنتنَ حثالة المجتمع الإسلامي.. إلخ، من تهم وأباطيل لا تمت إلى العقل بصلة!”

 

في البداية، وخلال أسبوع تقريباً، كانوا يأتون بي وبنساء أخريات- سوريات ومن جنسيات أخرى معظمهن صغيرات في السن، إلى محارسهم، للتحقيق معنا، وأغلب الأحيان، يستخدمون معنا _لعبة الأعصاب- أي أنهم يطلبوننا مع التهديد والشتائم، ومن ثم يقولون لنا” غداً سوف نرى الصادقة من الكاذبة”؛ ويرافق ذلك تهكم وضحك، ومحاولات تحرش عبر مدّ كفوفهم إلى أجسام الفتيات، ونحن نصرخ وندافع عن أنفسنا، لكن، لا جدوى… فهم ذئاب تتجمع على فرائس ضعيفة!

 

“صورة من مخيم الهول”

 

بقيت في مخيم “الهول” مع طفلتي لمدة شهرين ونصف، وخلال هذه الفترة تعرضنا لمعاملة سيئة كباقي سكان المخيّم، علاوة على افتقار المخيم للرعاية الطبية، حيث كل يومين أو ثلاثة يموت طفل بسبب الإهمال الغذائي أوالطبي من قبل المسؤولين عن المخيم، وفضلاً عن ذلك، تتعامل قوات “قسد” مع سماسرة ضمن المخيم، كي يقوموا بابتزاز النساء والرجال، من الناحية المادية، أو في أغلب الأحيان يقوم هؤلاء الذين يتعاملون مع قوات “الأشايس- الجناح الأمني لقسد” وغيرهم من مسؤولي المخيم باستدراج النساء أو مفاوضتهن كي يحصلن على حصة غذائية كبيرة وتسهيلات ضمن المخيم مقابل أفعال شنيعة؛ وأغلب النساء اللائي يتعرضن للتحرش الجنسي هنَّ من الأجنبيات، زوجات مقاتلي داعش، وإذا رفضن تلك المساومة، يقوم بعض من عناصر “قسد” بإزعاجهن، أو حتى أحياناً تصل تصرفاتهم إلى مرحلة الإيذاء الجسدي والتعدي بالضرب.

 

“صورة لأطفال من داخل مخيم الهول”

وعن حالات خطف الأطفال من مخيم “الهول” تحكي “أم عامر” :

لقد تم اختفاء أكثر من طفلة وطفل خلال فترة تواجدي، وقد سمعتُ من نسوة كنت أجلس معهن، أن أكثر من عشرة أطفال بين أنثى وذكر اختفوا في نهاية عام 2017، وكنَّ يتهامسن عن تجارة الأعضاء البشرية التي تقوم بها قوات “الأشايس” مع أطراف خارجية! فجنّ جنوني، وخفتُ على طفلتي الصغيرة، ومن بعد ذلك اليوم قررت الخروج تجاه الحسكة حتى لو كلفني ذلك خسارة حياتي بعد كل الخسارات التي لحقت بي.

 

  • محافظة الحسكة: وطن مؤقت ومنفى قاسٍ:
  • لم تكفكف “أم عامر” دموعها في أغلب أوقات الحديث، فهي كما تقول إن الذي حصل معها ومع عائلتها يعتبر من الأمور البسيطة أمام هول ما شاهدته، وما سمعته، من قصص نساء أخريات وعوائل تمت إبادتها بشكل كامل، أو اغتصاب  أفرادها واعتقال أبنائها ونحرهم من قبل داعش أو النظام، أو تعذيبهم وقتلهم على أيدي عناصر “قسد” !

 

“صورة من الحياة اليومية القاسية في مخيم الهول”

 

تقطن الآن أم “عامر” في أحد الأحياء النائية ضمن مدينة القامشلي، ولاتستطيع ذكر اسمها الكامل مخافة من اعتقالها أو تسليمها للنظام السوري من قبل قوات “الأشايس”، فتقول:

 

بعتُ في المخيم إسوارتين من الذهب وسلسال طفلتي الذي اشتراه زوجي بعد ولادتها، وبقي في حوزتي بضع من القطع الذهبية الصغيرة، ومبلغ من المال قد يكفيني لشهرين أو أقل؛ وبعد عناء واستفسار ومحاولات عديدة للتواصل مع بعض المعارف في الحسكة، تمكنتُ من الخروج بكفالة عائلة كردية عن طريق أقاربي.. فدفعتُ رُشىً للعناصر في المخيم الذين بدورهم أوصلوها كما قالوا للمسؤولين، وخرجتُ مع عائلتين كانوا يتجهزون قبلي للخروج من المخيم.

 

وصلنا مدينة الحسكة في بداية الشهر الثالث عام 2018، وكأنني خرجتُ من معتقل حقاً، أو من مقبرة جماعية فيها جثث تتحرك، وأشباه بشر وظلال لأناس تتحرك في غمرة اليأس والحزن!

 

“صورة لفتيات أزيديات في مخيم الهول”

 

في القامشلي، تلاقفتني الكفوف الجشعة، منها يبتزني كي أدفع أكثر- سماسرة ومكاتب عقارية، رغم أنني كنت مع أحد الرجال وزوجته من معارفي، إلا أنهم لم يرحموا حالي، الكل يريد المال، ومنهم من يدّعي أنني مخالفة، مع أنني أحمل ورقة الكفالة؛ وهكذا حتى استأجرتُ منزلاً صغيراً، غرفة واحدة ومطبخ وحمام، قريب من بيت معارفنا، وقد ساعدوني ببعض الأثاث والأغطية والأواني المنزلية. وإلى الآن أجلسُ مع طفلتي في هذا المنفى الصغير داخل وطن مؤقت، أنتظر عودة ولديّ إليّ، وعودة سوريا بلا طغاة وتجار دماء، إلا أنني أعرف أن مصيري مرتهنٌ بالمجهول، كباقي نساء سوريا وشبابها وأطفالها!

 

نحن لم نرتكب جريمة كي نقتل ونعذب ونُهجّر ونُعتقل.. ويتاجر بنا شذاذ الآفاق! لكن، الجريمة الكبرى التي ارتكبناها في نظر الطاغية بشار الأسد وأسياده الصهاينة ودول (الديمقراطية الغربية) هي _الحرية_ التي طالبنا بها منذ عام 2011.

 

المزيد للكاتبة