#########

الضحايا

يوسف الحاج: ” أقفُ على ساقٍ من عظم، والأخرى من حديد.. الحديد أقوى، وإرادتي أقوى من الحديد”


الموت يمشي في كل مكان، وله ساقان طويلتان، يجمع دمى الأطفال والجثث المتثائبة

27 / أيلول / سبتمبر / 2019


يوسف الحاج: ” أقفُ على ساقٍ من عظم، والأخرى من حديد.. الحديد أقوى، وإرادتي أقوى من الحديد”

 

 

  • مع العدالة

 

يقول – يوسف الحاج، أحد مصابي الحرب السورية:

إن العجز هو عجز الفكر وليس عجز الجسد؛ نحن معجزة ولسنا عجزاً، حتى لو لم يكن لدينا أطراف.

***

 

يوسف الحاج، شاب من حلب مواليد 1996 الشهر الرابع، تعرض لإصابة بتاريخ 22/8/2016 من خلال صاروخ فراغي -روسي، مع أصدقائه التسعة وهم يستقلون حافلة في أحياء حلب، ما أدى إلى استشهاد أربعة من أصدقائه وتم بتر ذراعه وساقه.

 

يسرد “الحاج” بداية قصته لمنظمة مع العدالة، فيقول: “تركت الدراسة بسبب الوضع المادي، وقمت بالعمل حتى بدأت الثورة؛ فشاركتُ بالمظاهرات السلمية والعمل الإغاثي والتنسيق بين الأحياء، إلى أن صارت المواجهة بالسلاح، وقامت المعارك، فدخلت إلى تركيا في الشهر الثالث عام 2013 وبقيت لغاية الشهر السابع 2016، فعدتُ إلى سورية وكان وقتها حصار حلب الأول. عملت بعدها مع النشطاء والتنسيق مع غرف الجيش الحر، كي ندافع عن مدينتنا. وفي عام 2016 الشهر الثامن، تم رصدنا من قبل طيران روسي ونحن نستقل الحافلة، فتعرضنا للقصف وتمت إصابتي وبتر طرفي الأيمن “ذراع وساق”، إضافة إلى إصابات في أنحاء الجسم، وكما ذكرت، قد استشهد أربعة من أصدقائي.”

 

 

ويضيف : بقيت في المشفى لمدة شهرين تقريباً أتلقى العلاج في حلب، وهو مشفى ميداني، يفتقر للمعدات الطبية اللازمة للعمليات الصعبة، ما أسفر عن عدم التئام جرحي السفلي لأكثر من شهر، وكنت أتلقى التخدير بشكل يومي لإجراء عمليات في جسمي، وتم تقصير البتر كي يخلصوا من الالتهابات.

في مراحل العلاج الأولى، بقيت على أجهزة التنفس الصناعي، بسبب إطباق رئتي، بعدها لجؤوا لفتح رئتي، وحقني بمسكنات كي يخففوا الألم الذي يمشي في كل جسمي.

 

“الموت يمشي في كل مكان، وله ساقان طويلتان، يجمع دمى الأطفال والجثث المتثائبة”

 

ويكمل “الحاج” مأساته ورحلة النزوح والتهجير: “بقيت في حصار حلب لتاريخ 15 /12 /2016 وكان هذا اليوم سيئاً جداً بالنسبة لي، حيث إنني خرجتُ من حلب، ونصف جسمي مدفون في الداخل السوري!

وصلتُ إلى تركيا في الشهر الأول من عام 2017، وبعد شهرين قمتُ بتركيب طرف سفلي اصطناعي – هيدروليك Hydraulic –  على نفقة منظمة خطوات الإرادة و مركز الساير للإطراف الصناعية في ولاية غازي عنتاب.”  

 

بقيت هكذا لمدة عام دون أي تفاعل مع الآخرين، بسبب وضعي النفسي وحالتي الجديدة التي شكلت لي صدمة كبيرة.

تعرفت على بعض الأصدقاء النشطاء والمختصين في مجال التنمية الإنسانية والدعم النفسي لكافة الأعمار، وخاصةً الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة. ومن بينهم الأستاذ “عمر عجلوني” الذي كان يعمل على مسلسل “يوتيوب” بعنوان “غرفة المرابع“؛ يدور حول  النقد الاجتماعي بقالب فانتازيا من كل العصور، ويتحدث عن نشأة المنصات الإلكترونية في العالم، وقد شاركت فيه من خلال دور – المراسل مصطفى.

 

ومن بعد ذلك، عملت بشكل تطوّعي مع “إذاعة روزنا” أتدرب على تقديم البرامج الإذاعية؛ علاوة على انضمامي إلى منتدى مشاركة لذوي الاحتياجات الخاصة. وشاركت أيضاً في مسابقة _سينما موبايل- وكنت أنا من كتب النص وأخرجه، وعملت على مونتاجه، فحصلت على المركز الثاني، وكان الفيلم “ثقافياً” حول آلة العود، مع مواطن تركي يصنع آلة العود، في كل مراحلها، ومن ثم قمت بتصوير شخص سوري يعزف على العود، كمحاولة لإيصال رسالة الاندماج الثقافي بين السوريين والأتراك.

 

 

وأنا حالياً أتدرب على التصوير، وقد تبنتني منظمة وطن من خلال ورشة تعليمية على “الفوتوشوب” وصناعة الأفلام المتحركة ” الأنيميشن “، مع دعم معدات ومستلزمات العمل، إضافة إلى دورات لغة إنكليزية.

أيضاً، شاركت في عرض مسرحي ” مونودراما – شخصية وحدة” خلال مؤتمر منظمة وطن السابع، أنا من كتب نصّه وقام بتعديله الأستاذ إياد السباعي، يدور حول إصابتي ومراحل علاجي، وتطوعي مع منظمات وجهات أخرى تعنى بمصابي الحرب.

يختم “الحاج” حديثه: حاولتُ الهجرة إلى كندا وقد قابلت السفير الكندي في أنقرة، لكن دون فائدة؛ فنحن هنا في تركيا ليس لدينا حقوق معترف بها كباقي البشر حول العالم؛ إذ إنني بقيتُ متطوعاً لمدة عامين وأكثر، دون دخل مادي، فأنا أعمل مع والدي في دكانه، وأحياناً أخرج للترجمة مع السوريين في المشافي.. حيث لغتي التركية أصبحت جيدة، أو أعمل في دلالة البيوت والشقق السكنية كي أحصل على مدخول يسير لا يكفي شخص واحد، وأنا متزوج منذ فترة ولدي طفلة.

 

أوجه من خلال منظمة مع العدالة رسالة للمنظمات الحقوقية وأعضاء الأمم المتحدة ومجلس الأمن الشرفاء باسمي وباسم كل السوريين بأننا قد تعبنا وقد نفد صبرنا خلال تسع سنوات من القتل والتهجير والاعتقالات والمنافي والألم والحزن؛ ونرجو أن تتوقف هذه المقتلة ويتم تقديم المجرمين والقتلة إلى المحاكم لتتحقق العدالة لكل السوريين.


***