#########

الضحايا

الراقصة والإرهاب..حكاية من سجن عدرا


وسط الضّوضاء وعند قدوم النّزيلات الجُدد كان علينا الحفاظ على نظافة المهجع الذي نعيش فيه، ولحسن الحظ لم يتم نقلي بين المهاجع كما حصل مع أغلب الفتيات والنّساء

12 / تشرين ثاني / نوفمبر / 2018


الراقصة والإرهاب..حكاية من سجن عدرا

 

 

   *عن السجينة السابقة عائدة حاج يوسف – المصدر : زمان الوصل 

 

خلال مدّة اعتقالي لثمانية شهور في جناح الإرهاب بسجن عدرا المركزي لم يكن الاعتياد على واقع السجن الأليم وظروفه المأساوية بالأمر السهل.
تستيقظ السيّدة المُعتقلة صباح كُلّ يومٍ مُتأمّلةً أنّها تعيش كابوساً لا واقعاً مفروضاً رغماً عنها بحكم سطوة الجلّاد.

كنت أتمنّى سماع أصوات أطفالي عوضاً عن الأصوات الصادرة عن ضرب أبواب المهاجع بعصا الشرطي “أبو تيمور” لإيقاظ الجميع قبل تناول وجبة الفطور المُكوّن من رغيف خبز وقليل جداً من الزيت والزعتر لكل سيّدةٍ معتقلة.

تلك الفترة كانت الأكثر غرابةً، فقد بدأت حملة من الاعتقالات الهمجيّة تطال عددا كبيرا من النساء السوريات دون تمييزٍ بين بلدٍ وملّةٍ وطائفة، وحتى من أيّد الحراك الشعبي الثوري من سيّدات الطائفتين المسيحية والعلوية.

المعدّل اليومي لإحضار السيّدات المُعتقلات من فروع بشار الأسد الأمنيّة الإجراميّة يتزايد بشكل ملحوظ خاصّةً من فرع الأمن القومي حتّى بات الطعام لا يكفي لأعداد السيّدات الموجودات، يزيد على ذلك مشكلة النوم، حيث تضّطر السيّدات المُعتقلات إلى النوم على أحد جانبي الجسد مع عدم القدرة على التحرّك أو ثني الأقدام بتاتاً، أو النوم تحت الأسرّة المُأجّرة.

وسط الضّوضاء وعند قدوم النّزيلات الجُدد كان علينا الحفاظ على نظافة المهجع الذي نعيش فيه، ولحسن الحظ لم يتم نقلي بين المهاجع كما حصل مع أغلب الفتيات والنّساء.

أضّطررنا حينها لقص شعر أغلب السيّدات المُحضرات من الفروع الأمنيّة وحرق ثيابهن لتدارك وباء الجرب والقمل بعد أن انتشر في كافّة أجنحة وأقسام السجن باستثناء النّزيلات في غرفة “ميريانا” بسبب تخصيص باحة خاصّة لهنّ يستخدمونها في تنشيف ملابسهنّ دون اختلاطها مع ملابس سيّدات مُعتقلات أخريات.

من بين المُحضرات لفت انتباهنا امرأة في سن السادسة والثلاثين عاما تحمل الجنسية المغربية، وبعد محاولات يائسة لتهدئتها صرخت السيّدة المُعتقلة “سميرة النجّار” في وجهها بقسوةٍ بغية إسكاتها، حينها حبست تلك المرأة صوتها رغماً عنها.

بعد حوالي العشرة دقائق من الصمت نطقت بلهجتها المغربية “أجميعكم إرهاب مثلي”؟ فاقتربت منها إحدى الفتيات قائلةً بشكل مازح “لا لا جميعنا دعارة، فقط أنت إرهاب” لتستأنف صراخها لاطمةً خديها بشكلٍ قاس وسط دهشة الجميع ودون معرفة السبب.

كما العادّة وللاستئناس نستمع للسيّدات المُحضرات، وخلال الحديث تبيّن لنا أنّ السيّدة المغربية تعمل في مجال الرقص بإحدى الملاهي الّليلية بمنطقة “السيّدة زينب” قرب العاصمة دمشق، وهي منطقة تخضع لسيطرة فصائل طائفية مُساندة لنظام الأسد، وكانت تقطن في ذات المنطقة بالقرب من الملهى الليلي.

وعن سبب اعتقالها قالت إنّه لقرب منزلها من حاجز أمني تعرّض لعملية تفجير، يُضاف إلى ذلك استقبالها في منزلها عناصر مُسلّحة تابعة للميليشيات الطائفية.

تلك السيّدة المغربية التي زُجّت في فرع الأمن القومي لمدة ثلاثة وثلاثين يوماً لم تلقَ فيها إلّا الدلال والرفاهية حسب قولها لم تُكلّف نفسها بسماع ما يحدث من مُتغيّرات في أحوال البلد أو حتى فهم ما يدور حولها من أحداث دامية، وكُل ما كانت تُفكّر به هو المال الذي توفّره من مهنتها “الرقص”.
لم تخرج السيّدة المغربية من سوريا خلال فترة الحرب الدائرة وبحسب كلامها لم تتأثر مهنتها ولم يتأثر عملها إطلاقاً.

كانت في الأيّام الثلاثة الأولى تعتقد أنّ سفارة بلادها في سوريا ستكلّف محاميا يتابع أمرها، وسرعان ما خاب ظنّها حين لم تتقَّ أيّ جوابٍ منهم.
رئيس سجن عدرا وحين علم أنّ السيّدة المغربية تملك مالاً وفيراً قرر إكرامها على طريقته المضيافة، فأرسل دجاجته الذهبيّة “ميريانا”، لإقناعها بصلته الوثيقة مع القُضاة وأنّه قادر على إخراجها من السجن منذ المحاكمة الأولى وذلك مقابل 275 ألف ليرة سورية كانت بحوزتها بالإضافة لجهازها الجوّال، ونجحت “ميريانا” بكل سهولة، كما قدّمت لها التسهيلات في الحصول على القهوة الفاخرة ووجبات الطعام الجاهز “كالشاورما والمعجنات” والعصائر بعكس ما تحصل عليه السيّدات المُعتقلات من “الشوربات والمجدرة المخلوطة بالحصو” وكلّفت من يُغسل لها ثيابها ويُسخّن لها مياه الاستحمام ويعتني بشؤونها.

بعد عشرة أيام قضتها السيّدة المغربية في جناح الإرهاب بسجن عدرا عُرضت على القاضي، وحصلت على ورقة إخلاء سبيل دون عناء يُذكر، وعادت لسجن عدرا حتى تأخذ أغراضها، قبّلت “ميريانا” شاكرةً لها ظنّاً منها أنّها ساعدتها بإقناع مدير السجن بالتدخل لإخراجها مقابل المال.

أمام جميع السيّدات المُعتقلات غادرت السيّدة المغربية السجن بكل تفاخر، كيف لا، وهنا سوريا الأسد، التي فيها الراقصة تتكرّم والحرّة تتألّم.