يشعر أصحاب الممتلكات في المناطق التي دمرتها الحرب بالقلق من أن القانون 10 ليس سوى غطاء قانوني لمصادرة الملكية من قبل النظام السوري كي يمحو أي أثر للمعارضة
09 / نيسان / أبريل / 2019
*مع العدالة
نشر موقع “ميدل إيست آي – “Middle East Eye تقريراً للكاتب “زهير الشمالي” حول مصادرة النظام السوري لمنازل السوريين المعارضين له والفلسطينيين، من خلال التستر تحت غطاء القانون رقم 10، بهدف حرمان كل من عارضه وخرج منتفضاً ضده منذ عام 2011 من ملكية عقاراتهم وأراضيهم الزراعية، كي يمحو أي أثر للمعارضة.
يقول كاتب التقرير، لقد فقدت عائلة “حسن” منزلها خلال النكبة، “كارثة” النزوح القسري للفلسطينيين أثناء قيام (دولة إسرائيل) في عام 1948، وانتهى الأمر بالعيش في مخيم اليرموك جنوب دمشق.
أما الأن، بعد مرور 70 عاماً، من المؤكد أن تفقد العوائل الفلسطينية منازلها مرة أخرى، لكن هذه المرة من قبل الحكومة السورية، بموجب قانون لا يهدد اللاجئين فحسب، بل حتى السوريين الذين شردتهم الحرب، وهم بالملايين.
ويضيف، يعيش حسن البالغ من العمر 37 عاماً مع أسرته في ممتلكات أحد أقاربه داخل الغوطة الشرقية، بعد أن تدمّر منزله بشكل شبه كامل في “مخيم اليرموك”. والحكومة السورية لم تسمح له بالبدء في إصلاح المنزل. لكن الآن، كما يقول حسن” تم إخبار العديد من النازحين من “المخيّم” أنهم سيفقدون منازلهم إلى الأبد، وذلك بسبب القانون 10، الذي يعدُّ قانوناً مثيراً للجدل أصدرته حكومة النظام السوري، يسمح للسلطات المحلية بالاستيلاء على الممتلكات في المناطق المتضررة من الحرب.
وبسحب ما يقول حسن لــ MEE – ميدل إيست آي ” لقد أخبروني بعدم القيام بأي صيانة لمنزلي في المخيم، لأن المهندسين المعماريين سيقومون بتقييم مخيم اليرموك بأكمله”.
ويضيف، “بعض من موظفي الحكومة السورية نصحوا الكثير من الجيران بإيجاد أماكن أخرى للعيش فيها، لأن انتظارنا هو مضيعة للوقت، فمعظمنا سوف يكون بلا منازل، وهذا ما يقوله الجميع.”
“نحن نعلم أن المنطقة ستكون خاضعة بالكامل لسيطرة الحكومة، لكن من الذي سيعوضنا، أين سنبقى، هل سنعود إلى المخيم؟”
يذكر التقرير انتقاد السوريين للقانون رقم 10 تحت عنوان فرعي بــ” مهمة مستحيلة”؛ مشيراً إلى أن هذا القانون لم يمنح المواطنين في المناطق المتضررة سوى شهر واحد لإثبات ملكية منازلهم؛ ما أثار سخط الناس، ليصدر بعد ذلك تعديلاً للقانون 10 من قبل “بشار الأسد” يمدّد الموعد النهائي لأصحاب المنازل إلى سنة واحدة. والمخاوف مستمرة من قبل المتضررين بشأن الطريقة التي يتم بها تطبيق القانون، حيث بات الكثيرون مقتنعين بأن هدف هذا القانون هو عدم إعادة البناء بعد سنوات من الحرب، ولكن محو أي أثر للمعارضة السياسية.
وبحسب الأهالي المتضررين الذين أخبروا MEE أن التمديد إلى الموعد النهائي هي مدة زمنية قصيرة، لأن الأوراق التي تثبت ملكيتهم قد فقدت أو أتلفت خلال الحرب، وقد يواجهون بيروقراطية مستعصية لإنهاء هذه الأوراق إن تم العمل على منح وكالات من الخارج.
وكما يقول آخرون إنهم يعتقدون بأن هذا القانون يستخدم من قبل النظام السوري لمعاقبة الذين ساندوا المعارضة السورية.
حيث يقول “معاذ” 52 عاماً من حلب، طلب التحدّث إلى الموقع” أنا أبحث عن حلّ لما يبدو أنه مهمة مستحيلة”. ويضيف، أنا أمتلك منزلين ومتجر للبقالة، ورثتهما عن عائلتي، في “حي صلاح الدين” بحلب، الذي سيطر عليه مقاتلو المعارضة لسنوات، وقصفته قوات النظام السوري وميليشياته بشدّة.
ويقول أيضاً إنه قد غادر سورية مع والدته وزوجته وثلاثة أطفال إلى “قونيا” في تركيا خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2012، بعد أن اعتقلتهم وعذبتهم قوات الأمن السوري بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات.
وأضاف أن العديد من أقاربه قاتلوا في صفوف الجيش الحر.
وينقل التقرير عن “معاذ” أيضاً، أنه تمكّن من تأجير ممتلكاته في غيابه، لكنها الآن تتعرض مرة أخرى للتهديد، وهذه المرة ليس بسبب القنابل والمتفجرات والقذائف، إنما من القانون 10.
وقال: “على الرغم من أن النظام لم يعلن بعد عن جميع المناطق التي ستتأثر بالقانون 10، فمن المؤكد أنه سيتم إدراج منزلي، الواقع في واحدة من أكثر المناطق تضرراً”.
في عجلة من أمره لمغادرة حلب مع اشتداد القتال، قال معاذ إنه ترك وراءه سندات الملكية لممتلكاته.
ويختم معاذ” إنه لا يعتزم العودة إلى سورية لمتابعة قضيته خشية انتقام قوات النظام السوري منه.”
“مثل العديد من السوريين، لا يمكنني العودة خوفاً من القمع أو التعذيب أو الموت.
لا ملكية ولا عودة
المدنيون الذين مازالوا يحتفظون بأوراق الملكية والمستندات، قالوا إنهم لا يستطيعون العودة إلى منازلهم، فالأمل لديهم ضئيل، بسبب انتماءاتهم السياسية المعارضة للنظام السوري.
يقول رضا، البالغ من العمر 35 عاماً” منذ الإعلان عن هذا القانون، أصبحت ممتلكاتنا في دمشق على وشك الضياع.”
رضا، الذي يعيش الآن في “هاتاي” جنوب تركيا، ينتمي إلى عائلة معروفة بمعارضتها للأسد في حي الغوطة.
قال إنه كان يبحث عن محامين لمساعدته في بيع منزله.
“بمجرد أن يعرفوا خلفيتي يقولون:” حتى دفع رشوة لن يحلّ هذا “. النظام يريد القضاء على وجودنا من السجلات السورية.
“لا ملكية، لا عودة إلى الوراء. ربما (الأسد) سوف يسحب جنسيتنا منا. لا أحد يستطيع أن يمنعه “.
وفي سياق الموضوع ذاته، يقول المحامي “غزوان قرنفل” رئيس مجلس المحامين السوريين الأحرار الذي يتخذ من تركيا مقراً له، ويقدّم الاستشارات القانونية للسوريين” يبدو أنّ القانون 10 يستخدم لمحو المعارضة في المناطق التي ثارت ضد النظام السوري.
ويضيف، الغرض المعلن من القانون هو إعادة تنظيم المناطق المدمرة وإعادة بنائها، والهدف الرئيسي للحكومة هو “إضفاء الشرعية على التغييرات الديموغرافية”.
وقال “لا بدّ أن يحدث هذا، لأنه لا توجد قوة دولية حقيقية أو عقوبات يمكن أن توقف حكومة الأسد”.
لا أمل ولا تعويض
يشكو آخرون من أن منازلهم مهددة رغم أنهم اختاروا البقاء في سورية، وبغض النظر عن انتماءاتهم السياسية.
“تحسين” أحد سكان “حرستا” وهي ضاحية شمال شرق دمشق. وقد فرّ من المدينة في عام 2013 وسط قتال بين قوات النظام السوري والميليشيات الموالية له وجيش الإسلام، وانتقل مع أقربائه إلى مساكن برزة القريبة.
استعادت قوات النظام ومن يقاتل إلى جانبها السيطرة على الغوطة والمناطق المجاورة مثل حرستا في آذار/ مارس 2018.
وقال “عندما عدت، كان منزلي متضرراً جزئياً، ولكنه قابل للإصلاح”.
“بعد دخول القانون حيز التنفيذ، وبما أن حرستا تم تصنيفها ضمن المناطق المدمرة والمتأثرة، فقد ناشدت المحكمة أن تأتي لترى أن منزلي لم يتضرر، وأني أعمل على تسجيل الأوراق الثبوتية الخاصة بمنزلي.
“بعد أسابيع، لم يأتِ أحد ورُفض طلبي. طلبت من المحامين أن يتعاملوا مع قضيتي، لكنهم قالوا إن هذه المناطق استولت عليها الحكومة. وبالفعل ليس هناك أمل “.
ويضيف تحسين بأن أفضل ما يأمل في الحصول عليه هو الإيجار لمدة ستة أشهر كتعويض، أو المشاركة في أي مشروع لإعادة البناء حيث لا يزال منزله قائماً.
وقال “لم يتم ترتيب أي تعويض بعد”. “لم أتوقع أبداً من -الحكومة-أن تطعنني في ظهري “.
يعتقد المحامي “قرنفل”، أن القانون 10 ينتهك الدستور السوري -الذي يحظر مصادرة الممتلكات دون حكم من المحكمة ودفع “تعويض عادل”.
وقال “لقد أدى (القانون رقم 10) إلى تغيير جذري في حقوق المالكين، وتحويلهم من مالكين فعليين لمنازلهم إلى مالكي حقوق ملكية لا يستحقها المنزل نفسه”.
“هذه الخطة ستجبر أصحابها على بيع أسهمهم إلى الشركات الكبرى التي ستحصل على حقوق مساحات شاسعة من الأراضي بأسعار تقل كثيراً عن القيمة السوقية.”
وأشار قرنفل إلى أن أولئك الذين يستعدون للربح هم رجال أعمال “مثل رامي مخلوف وسامر الفوز”، الذين كانوا منذ فترة طويلة أعضاء في الدائرة المقرّبة لعائلة الأسد، والذين حققوا ثروات هائلة من صفقات تجارية خلال الحرب.
ويستشهد بقضية “بساتين الرازي”، حينما أجبر أمر رئاسي السكان على مغادرة منازلهم في عام 2012، حيث قدّم للمتضررين الذين تشرّدوا تعويضاً قدره 15000 ليرة سورية فقط (29 دولاراً) شهرياً لمدة ستة أشهر لمساعدتهم في دفع الإيجار في أماكن أخرى.
منذ ذلك الحين تم هدم مباني بساتين الرازي ومزارعه لإفساح المجال أمام حي فخم جديد، يعرف باسم مدينة “ماروتا”، يكتمل بمراكز التسوق الكبيرة والمنطقة الصناعية المبنية بتمويل ومشاركة من “مخلوف وفوز”.
“قرنفل” يقارن أيضاً أوجه الشبه بين القانون 10 وإعادة تطوير وسط بيروت بعد الحرب الأهلية اللبنانية.
في تسعينيات القرن الماضي، اشترت شركة سوليدير -وهي شركة مملوكة جزئياً لرئيس الوزراء آنذاك “رفيق الحريري” وعائلته وشركائه المقربين -بثمن بخس أغلبية المركز المدمّر في العاصمة اللبنانية، لتحويل المنطقة إلى واحدة من أغلى المناطق ضمن المدينة.
وأشار “قرنفل” إلى أن الشيء الوحيد المحتمل لإعاقة بناء هذه الأحياء الجديدة هي العقوبات الدولية المستمرة التي تمنع بيع مواد البناء إلى سورية.