يشير أبو معاذ إلى اعتقال ما لا يقل عن عشرة شبان من حي العدوية في ذلك اليوم وهم في عداد المختفين قسرياً، إضافة إلى تأكيده على عدم توثيق حالات اغتصاب بحقّ النساء، فالغاية كانت القتل والتهجير.
14 / آذار / مارس / 2022
*مع العدالة | المصدر: تلفزيون سوريا- عائشة صبري
يصادف يوم الثاني عشر من آذار، الذكرى العاشرة لارتكاب نظام الأسد مجزرة من أشنع المجازر الميدانية بحق أهالي أحياء العدوية وكرم الزيتون (الرفاعي)، إضافة إلى كمين تعرض له الثوار بحي عشيرة في مدينة حمص وسط غربي البلاد، فكان حدثاً مفصلياً في تاريخ خطّه الثائرون بدمائهم.
يوثّق موقع تلفزيون سوريا في هذا التقرير تفاصيل دقيقة للمجزرة التي وقعت بعد حصار للأحياء وقصف مدفعي ضمن خطة اجتياح لكامل أحياء حمص التي سيطر عليها الثوار، بدأها النظام في التاسع من آذار 2012، إضافة إلى سرد وقائع مجزرة حي السبيل المماثلة في القتل الوحشي (حرقاً وذبحاً) التي لم يسلم منها أحد من العوائل المستهدفة.
تفاصيل مجزرة العدوية
أحد أبناء حي العدوية وأول من شاهد الضحايا، أبو صالح الحمصي، يروي لحظات مرعبة عاشها في تلك الليلة، فيقول: “حي العدوية يسكنه نحو أربعة آلاف نسمة من مختلف الطوائف السورية (سنّة، علوية، مراشدة، مسيحية…)، وبعد مجزرة كرم الزيتون –الأولى- نزحت عائلات سنّية خوفاً من عمليات انتقام مماثلة، لكن هناك عائلات آثرت البقاء في بيتها على النزوح فكانت ضحية ذلك”.
ويضيف الشاهد (الذي فضل عدم ذكر اسمه لمخاوف أمنية) لـ موقع تلفزيون سوريا أنَّ “قوات النظام دخلت إلى الحي قرابة الساعة الثانية ظهر يوم 11 آذار 2012 بغرض التفتيش وأخذ البطاقات الشخصية للسكان، وقرابة الساعة الـ12 من منتصف ليلة 12 آذار، دخل أشخاص من سكان الحي جنّدهم الأمن العسكري (لجان شعبية) عبر حافلات تتبع للأمن، وارتكبوا مجزرة بحقّ عشرات العوائل بكامل أفرادها ذبحاً بالسكاكين، ورمياً بالرصاص وحرقاً بالنار”.
ويردف: “كنتُ أول من دخل إلى مكان الفاجعة لأنها حارتي وأعرف مداخلها، وصلتُ إلى منزل لعائلة القاضي فرأيتُ أناساً يحترقون فيه يُقدر عددهم بـ 15 شخصاً، وتبيَّن أنَّ الشبيحة جمعوا بعض الجثث وحرقوها في ذلك المنزل بهدف إخفاء ملامح الضحايا وأسمائهم من بينهم عائلة من آل المصري فُقدت جثثهم في الحرق”، لافتاً إلى دفن الجثث المحروقة والجثث التي ليس لها أقارب بمقبرة جماعية في حي دير بعلبة.
ويشير أبو صالح إلى أنَّه عند وصوله لمنزل أبي علي الفلسطيني سمع صوت أولاد، ويقول: “كان باب المنزل مفتوحاً فدخلت ورأيتُ أربعة إخوة مقتولين، وطرقت باب غرفة أغلقته خمس نساء بخزانة، فسألتهنَّ وأخبروني بأنَّ الشبيحة تركتهنَّ وأولادهنّ أحياء ولم يقتربوا منهنَّ بعد أن أخبرنَهم بجنسيتهم الفلسطينية”.
ويتابع: “تواصلتُ مع الثوار لإحضار سيّارات لإخراج الضحايا وكانت الحارة فارغة سوى من هذه العائلة الفلسطينية وبينهنَّ امرأة تعمل ممرضة بمركز عيادات، وفي أثناء ذهابها لعملها قبل وقوع المجزرة رأت الأشخاص الذين قاموا بالمجزرة وهم من سكان الحي من بينهم: وائل سلامة، أبو علي الزيوت، شادي الزيوت، وصاحب محل ألمنيوم في حي النزهة أبو حيدر، وآخرون من عائلة الملحم، وعائلة حمود وغيرهم من الشبيحة”.
أهوال إخراج الضحايا
أحد الناشطين الإعلاميين الذين غطّوا المجزرة من تنسيقية كرم الزيتون، تيسير أبو معاذ، يُوضح لـ تلفزيون سوريا، أنَّ الشبيحة ارتكبوا المجزرة بحقّ عائلات السنّة والدليل رؤية عدد من الرجال والهويات بأيديهم في أثناء قتلهم، والثوار حفروا جدران المنازل للوصول إلى مكان الضحايا كون الطرقات مكشوفة للنظام والقناصات تُلاحق المارة، مشيراً إلى أنَّ طريقة إخراجهم من الجدران مماثلة لمجزرة حي السبيل التي وقعت قبلها بشهر.
فيديو يوثق كيفية خرق الجيش الحر الجدران لسحب شهداء المجزرة
ويؤكد الناشط أنَّه لا يوجد عدد محدد للضحايا لكن من تم انتشالهم على دفعتين، الأولى: من الساعة الواحدة ليلاً حتى الخامسة فجراً كان قرابة الخمسين قتيلاً، وهنا تم نقل بعض الجثث لحي باب السباع كي يتم نقل الواقعة ببث مباشر على قناة الجزيرة، والدفعة الثانية: من الساعة السادسة صباحاً حتى الثانية عشرة ظهراً كان العدد قرابة الـ25 ضحية، تم دفنهم في أحياء منها الخالدية ودير بعلبة من دون أيّ إجراءات تشييع للجنازة بسبب استمرار القصف.
آثار حرق المنازل بعد المجزرة 13/3/ 2012
ويشير أبو معاذ إلى اعتقال ما لا يقل عن عشرة شبان من حي العدوية في ذلك اليوم وهم في عداد المختفين قسرياً، إضافة إلى تأكيده على عدم توثيق حالات اغتصاب بحقّ النساء، فالغاية كانت القتل والتهجير.
مكان المجزرة في حي العدوية بعد انتشال الضحايا وسرد أبو معاذ للواقعة 12/ 3 /2012
ويوضح أن الجيش الحرّ عمل على تأمين العوائل المختبئة، واصفاً طريقة إخراجهم بـ”الصعبة جداً” لأنَّهم خرجوا من أمام منازل الشبيحة الذين ارتكبوا المجزرة، ويُوضح أنَّ النظام فتح ثغرة لبقية العوائل حتى يخرجوا منها باتجاه حي جب الجندلي، ومن يخرج من غير هذه النقطة يتم استهدافه من قبل الدبابات والقناصات المحاصرة للحي.
هروب ناجين من النساء والأطفال من حي العدوية بعد قتل رجالهم فور رؤية هوياتهم
من عائلات الضحايا، محمد عدنان الأسعد (أب وأم وأولادهم وزوجاتهم)، أبو مروان الفقش وعائلته، عائلة العابد كان الأب هارباً من حي كرم الزيتون لحي العدوية، الشقيقان عمار وعبد الجليل الجمال، عمر العجل وابنه عبدو، مازن عطية، عائلة زمو (أب وأم وثلاثة أطفال) وهناك عوائل أخرى. بحسب شاهد العيان.
مجزرة حي الرفاعي الكبرى
يشرح أبو معاذ جغرافية المنطقة التي وقعت بها ثلاث مجازر في آنٍ واحدٍ، فبالتزامن مع حي العدوية (الملاصق لحي باب السباع ويفصله شارع واحد عن حي كرم الزيتون جنوبه، وتقع أحياء عكرمة والنزهة الموالية شماله)، وقعت مجزرة مماثلة في حي الرفاعي (كرم الزيتون) المجاور.
يقول أبو معاذ: “إنَّ حي كرم الزيتون يقطنه سبعون ألف نسمة، انقسم شطرين منذ بداية الثورة خلال المظاهرات، حيث سُمّي القسم الثائر نسبةً لمسجد الرفاعي الذي كان يتجمهر أمامه المتظاهرون، وفي هذا الحي بلغ عدد القتلى ما بين الـ200 و450 شخصاً، من دون وجود إحصائية دقيقة، والرقم المذكور استناداً إلى أبناء الحي الذين كانوا خارج الحي حيث قال جميعهم إنَّهم: “فقدوا عائلاتهم”.
وفي تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، قالت إنّ فريقها وعبر العمل الدقيق والزيارات الميدانية لعدد كبير من العائلات، تمكّنت من توثيق 224 قتيلاً بمجزرة كرم الزيتون، بينهم 44 طفلاً و48 امرأة.
وفي هذا الحي (الرفاعي/ كرم الزيتون) نشرت قناة الدنيا التابعة للنظام تقريراً عن مجزرة الرفاعي اتهمت فيه الجيش الحرّ بذبح النساء والأطفال، وركّز التقرير الذي أظهر عشرات الجثث من نساء وأطفال إضافة إلى شبان مكبلي الأيدي والأرجل كما أظهر حرق المنازل، على “تكذيب قناة الجزيرة القطرية” التي غطّت المجزرة بصدقيّةٍ حينئذ.
وقوع الثوار بكمين بحي عشيرة
في السياق ذاته، يذكر أبو معاذ أنَّه قبل وقوع مجزرة الرفاعي، كان هناك مفاوضات بين ثوار الحي ويُقدر عددهم بـ105 شباب، اتفقوا مع النظام على أن يخرجوا من الحي ليدخل النظام إلى المنازل بهدف التفتيش، لكن عند خروج الثوار عبر طريق شارع الستين باتجاه حي عشيرة الذي سيطر عليه النظام، تم إيقاعهم بكمين قُتل خلاله نحو سبعين ثائراً منهم، بالتزامن مع ارتكاب المجزرة بحقّ سكان الحي ثم تصويرهم عبر إعلام النظام لاتهام الثوار وتشويه صورتهم.
نزوح الأهالي تحت القصف في حي عشيرة 9/ 3/ 2012
ويوضح الناشط أنَّ النظام بدأ بالتخطيط للمجازر في 9 آذار ضمن خطة اجتياح كامل لحمص بعد سيطرته على حي بابا عمرو، وكانت البداية حملات تفتيش بحي عشيرة الذي أطلق عليه اسم “حي الشهداء” نتيجة القصف ونزوح سكانه لوسط حي كرم الزيتون بطريقة خطرة كون طريقهم مستهدفاً بالقناصات والقذائف المدفعية، وفي هذا اليوم اجتمع وجهاء حي كرم الزيتون وقرروا إخراج كامل المدنيين منه، وتم نقلهم خلال ساعات من العصر لمنتصف الليل إلى أحياء تحت سيطرة الثوار في حمص.
حمص حي عشيرة احتراق المنازل بسبب القصف العنيف 9/ 3/ 2012
مجزرة حي السبيل
في 6 شباط 2012 ارتكب نظام الأسد مجزرة ميدانية بحقّ ما لا يقل عن 16 مدنياً معظمهم نساء وأطفال في حي السبيل الذي يتوسط من الجهة الشرقية والجنوبية حيي الزهراء والأرمن المواليين للأسد، في حين يحدّه من الشمال والغرب أحياء البياضة وكرم شمشم والخالدية الثائرة.
ويقول الناشط الإعلامي يوسف بيرقدار شقيق الضحية (ريم) لـ موقع تلفزيون سوريا إنَّ “حي السبيل لم يشهد مظاهرات وكان يُعد آمناً، ويوم السادس من شباط اتصلت أختي بنا في الساعة 12 ظهراً وكانت مرعوبة بسبب هجوم على الحي وحرق الشبيحة لبنائين سكنيين أصحابهما نزحوا منهما وهي تتخوف من وصول الشبيحة إلى بنائهم”.
ويضيف: “أمي اتصلت بجارتها وطلبت الوقوف إلى جانبها حيث تجمّع الجيران كلّهم في منزل ريم الواقع بالطابق الثالث والأخير، وعند الساعة الرابعة و30 دقيقة جاءنا اتصال هاتفي من دون أن يتكلم أحد وعلمنا أنَّ هناك حدثاً وقع مع أختي، لم نستطع الوصول لسحب الجثث رغم تدخل الصليب الأحمر الدولي وأحد الخوارنة من المسيحيين، حتى تمكّن الثوار من الدخول بعد خمسة أيام، وتسلّمنا جثة أختي من مستشفى الخالدية الميداني صباح 11 شباط”.
بدوره، الناشط أبو علاء الحمصي، يؤكد لـ موقع تلفزيون سوريا أنَّ الثوار بقيادة الشهيد خليل مشهدي أبو إبراهيم، لم يصلوا إلى مكان الضحايا إلا بعد حفر طريق في جدران نحو 23 منزلاً من خارج الحي المحاط بأحياء موالية، وعند وصولهم فوجئوا بطفل مختبئ خلف عمود في سقيفة منزله هرباً من الموت يُدعى نبيل الغنطاوي (5 سنوات) حيث ظلَّ فيها لمدة خمسة أيام وكان شقيقه بجانبه لكنّه وجد مقتولاً برصاصة”.
والطفل، بحسب الناشط، أرسله الثوار إلى الميتم في حي الوعر وآخر مرة تم التواصل معه منذ خمس سنوات كان موجوداً مع أعمامه بمنطقة في غوطة دمشق الغربية، ويشير أبو علاء إلى أنَّ الثوار في حيالخالدية علموا بالمجزرة من خلال طفل من عائلة الزامل (14 عاماً) استطاع الهرب لينجو بنفسه لكنّه أصيب بصدمة نفسية جعلته لفترة يستصعب النطق، وسكن مع أقاربه بحي الخالدية ثم في حي الوعر.
المادة من المصدر