حين يزمجر الشعب مريداً إسقاط النظام لا يفضح الخطأ فحسب، بل ينزع عنه سمة "الطبيعيّ" أيضاً، السّمة التي طالما برّر النظام الأسدي من خلالها الخطأ الكارثيّ.
07 / أيار / مايو / 2021
*مع العدالة | علا شيب الدين
نشرت فصول هذا الكتاب بموافقة الكاتبة
(3)
مفهوم الجامع
في كلّ مرّة كان الناس يخرجون فيها من الجوامع محتجّين في بدايات الثورة السورية، كانت ثمة سمة تُضاف إلى ما قبلها، فيتعمّق تصوّر جديد لـ”الجامع”، وقد حال تجذُّر التصوّر القديم له في ذهن “العَلمانيّين الطائفيين” الذين تبيّن أن بعضهم يعاني أزمة مغالاة وتشدُّد، دون إمكان استيعابهم أي تصوّر جديد للجامع. استنكروا خروجَ بعض التظاهرات منه، مثلما استنكر أيضاً بعض رجال الدين من مثل محمد سعيد رمضان البوطي الذي طالما تحدث عن أن “الذين يريدون أن يوظفوا المسجد للخروج لا تعرف جباههم السجود”. لكن هل كان لزاماً على المتظاهرين أن يتجشّموا عناء إقناع أولئك بأنّ الجامع اليوم هو بؤرة تحرير روحيّ وجسديّ يهيئ المرء للخروج منه محتجّاً معترِضاً لا ذليلاً؟ وبأنّ الجامع سهّل خروج التظاهرات إلى الشوارع بعدما مكَّن الناس من التجمّع؛ لأنه في “مملكة الرعب الأمني” يصعب اجتماع حتى ثلاثة أو أربعة أشخاص؟ وبأن بعضاً من اليساريين والدروز والمسيحيين وغيرهم، ومن مختلف المناهِل الثقافيّة والإيديولوجية، كانوا يذهبون إلى الجوامع بقصد التظاهر؟ وبأنهم ببساطة شديدة “مسلمون”؟ يبدو أنه ما كان هناك وقت لإضاعته في “الإقناع”، ولا كانت المجازفة في أي التفاتة إلى الخلف من شأنها عرقلة جريان سيل الثورة الجارف الهادر، واردة أو مطروحة.
بيد أن السلطة الأسدية، كانت أدهى من ذاك “العَلمانيّ المتطرف المسكين”، فقد كانت تدرك أن الجامع ما عاد مؤسسة أمنيّة لديها، وأنه صار حرّاً من خطبها وخطاباتها، ومن عظات رجال الدين “المعيَّنين” عندها. إذ الجسد الذي طالما كان راكعاً في الصلاة، كان على ما يبدو يأخذ جرعة معنويّة تؤهِّله للخروج إلى الشارع حرَّاً، منتصب القامة، مرفوع الرأس. حتى أن الأصحّ، الحديث عن الناس الخارجين من الجوامع كـ”جماعات ثوريّة” لا كـ”حشود”. هكذا؛ سارعت السلطة المذكورة إلى تقويض انتصاب الجسد، عبر إجبار الناس على السجود لصورة بشار الأسد كسيِّد أعظم، أو أب خالق فاطر، أو إله. على هذا، يمكن فهم دلالة الشعار الثوريّ: “ما رح نركع/ غير لله ما رح نركع”، الذي طالما مثّل رداً سياسياً وأخلاقيّاً على سلطة تريد تركيع الناس، وإجهاض ثورة تعتبرها كُفراً وتجديفاً.
عمدت السلطة الأسدية إلى التعاطي مع الجامع، عبر الخيار العسكريّ/ الأمنيّ نفسه الذي اختارته لـ”تأديب” المتظاهرين السلميِّين. بمعنى أنها تعاطت مع الجامع الذي هو مادة صمَّاء من حجر وإسمنت، كأنه كائن بشريّ يعقل ويفكِّر ويشعر، يثور عليها ويهدِّد وجودها. هكذا؛ يصبح تعبيرنا، “الجامع الثائر”، ابتكاراً لغويّاً يعكس تعامل السلطة مع الجامع كثائر “سنّي، أصوليّ، إرهابيّ، وقتله فرضٌ وواجب”. ما يجدر ذكره هنا، أن جنود السلطة وشبّيحتها الطائفيين، لم يكتفوا بقتل الناس في المناطق الثائرة وارتكاب أبشع المجازر في حق الأطفال والنساء والشباب والشيوخ؛ بل راحوا ينهبون ممتلكاتهم وأثاث بيوتهم من ثلاّجات وغسالات وغير ذلك، ثم يبيعونها في مناطق أخرى، بسوق خاص أطلقوا عليه اسم “سوق السنّة” بأسعار ربما تقلّ عن ربع قيمتها الأصلية، في إشارة رمزية إلى أن “السنّة” مجرّد سلع، وأن ثمنهم زهيد رخيص!.
استهدفت قوات النظام الأسدي جوامع أثرية عمرها أكثر من ألف عام، ناهيك بالكنائس، فهل يختلف النظام السوري في تدميره الجوامع والمقدسات الإسلامية وغير الإسلامية، عن أولئك الذين هدموا الأضرحة في تمبكتو بشمال مالي، أو الذين حطّموا تماثيل بوذا في أفغانستان؟!
1-“الجامع الثائر” من منظور سيكولوجي:
على إثر تظاهرات سلمية دامت شهوراً طويلة. تظاهرات وصل عدد المشاركين فيها في جمعة “أطفال الحرية” في 3حزيران2011، على سبيل المثال، حوالي نصف مليون متظاهر ومتظاهرة في ساحة العاصي بمدينة حماة؛ اقتحمت دبابات “الجيش العربي السوري” المدينة في شهر آب/ رمضان 2011. ما يصعب ربما على كل سوريّة وسوري نسيانه، هو مَشاهد قصف الجوامع، ولاسيّما مآذنها، كقصف مآذن جوامع السرجاوي، والصحن، والرحمة، والحسنيات… وغيرها الكثير مما وثّق قصْفَها ناشطون بواسطة كاميرات هواتفهم المحمولة.
يُحيل قصف المآذن على سؤال أساسيّ: لماذا تعمّد النظام قصف المآذن آنذاك، وما الدلالة السيكولوجية لذلك؟ إن المئذنة المتجهة صوب السماء، قد توحي بالتوق والانشداد إلى شيء ما عالٍ ورفيع، والرغبة في الصعود إليه، وهذا ما لا يريده نظام استبداديّ، سعى دوماً إلى الاقتصاص من كل ما من شأنه ارتقاء الإنسان. هكذا، فإن قصف المئذنة قد يعني كذلك قصف الشموخ والطموح والجموح لدى الثائر. ثم إن مئذنة الجامع فيها مكبِّرات للصوت، وهي مصدر الصوت العالي، والرأي الذي يمكن سماعه، وهذا ما لا يطيقه نظامٌ لطالما تعيَّش على كمّ الأفواه، وقمع الرأي من خلال “تربية أطفاله”، أي الشعب، على التكلّم همساً، والعزوف عن التعبير إلا ضمن ما يشرعنه النظام ويسمح به. وحيث إن المئذنة سابقاً كانت مكبِّرة لصوته هو، أي النظام، فهي في زمن الثورة، باتت مكبِّرة لصوت آخر. صوت ثائر يريد الانعتاق من صوت النظام الواحد الأحد. ذلك كله، وأكثر، قد يجيب عن سؤال السيكولوجيا المطروح آنفاً، ويدفع تالياً آليّة اللغة بكليّتها إلى الحركة لتعميق مفهوم جديد للجامع، يساهم في صوغ لغة جديدة من شأنها إعادة تشكيل الذهن، وما يحمله من تصوّرات ومفاهيم ما عادت تنسجم مع الراهن، لأنه: “يمكن لكلمة أن تكون فجراً/ وأكثر من هذا أن تكون ملجأ أميناً”، كما يقول إدموند فاندر كامن في هذا البيت من الشعر.
2–“الجامع الثائر” من منظور مفاهيمي:
يبدو الجامع في مفهومه المرتبط بالثورة، كأنه بات متّصلاً بالجسد بمقدار اتصاله بالروح، وربما لم يعد مكاناً للتعبّد يتغرّب فيه الشخص عن حياته اليوميّة وهمومه السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة لصالح السماء؛ لذا، ربما يكون هناك ما يسمح بالحديث عن “جدل الداخل والخارج”، فالدخول إلى الجامع وقد تحرَّر من “المأسسة”، بعد خرقِ السطوة الاستبداديّة/ الأمنيّة التي لوّثت جوانب الحياة الإنسانيّة كافة في سوريا، بما فيها الجانب الدينيّ، صار يعني تفتّحاً للروح، وإطلالة المرء على نفسه وعلى العالم، فتغدو مهمّة الجامع، مهمة أنطولوجيّة يصبح المرء معها ممتلئاً بإيمان حقيقيّ صادق، بعدما كان مجرَّد إطار خاوٍ، ويعاني أزمة روحيّة. إذ ثقافة الاستبداد هي ثقافة ” أُطُر”، وشعارات فارغة، مثلما هي ثقافة دين مسيَّس، وإيمان مسيَّس يعتقل الروح. في داخل “الجامع الثائِر” سوف يتمّ تحضير القاع الحميم لدى الداخل إليه، ما يعني عودة المرء إلى ذاك السلام الداخليّ الذي يُحيي تواصل المؤمن مع ربِّه على أساسٍ من الحبّ ينتفي فيه الخوف، كما تنتفي فيه المصلحة والنفعيّة التي تشوّه العلاقة الإيمانيّة الروحانيّة الخالصة مع الله. لعلّ الشعار الذي ردَّده المتظاهرون السوريون مراراً “هي لله هي لله/ لا للسلطة ولا للجاه”، هو شعار تبدّت فيه تلك الروحيّة المنعتقة من النفعيّة، كونه شعاراً يُفصِح عن جانب مشبع بروح صوفيّة لديهم، فيغدون معه أشبه بالمتصوِّفة الذين وصفهم ذو النون المصري بقوله: “هم قوم آثروا الله على كل شيء، فآثرهم الله على كل شيء”.
****
يبدأ الجدل مع “الداخل” عند “خروج” الناس من “الجامع الثائر”؛ فالإيمان الخالص الذي كان عليه المرء في داخل الجامع، سيستحيل نضالاً من أجل حياة حرّة كريمة بعد خروجه منه، وسيبدأ الناس في تظاهرات يهتفون فيها للعدالة الاجتماعيّة، وللحرية والكرامة، مندِّدين بالفساد والإفساد، والاستبداد والاستعباد. ما يعني أن “الجدل بين دخول الجامع والخروج منه”، هو حوار منتِج بين الروح والجسد، وبين العاطفة والعقل، وبين الإيمان والبرهان. فـ”الجامع الثائر” هنا هزّ الوعي بالشكل الذي دفع الناس إلى تحويل ما كانوا عليه في داخل الجامع من “لطافة روحيّة” إلى “كثافة جسديّة” بعد الخروج منه. يشرح هذا الكلام ما ذكرناه آنفاً حول اتصال الجامع بالجسد، في مفهومه المرتبط بالثورة، بمقدار اتصاله بالروح، إذ يجعل الاغتراب بين الجسد والروح ينكمش ويتقلَّص. وعلى هذا يكون “الجامع الثائر” ممرّاً لتأسيس “إنسانيّة عيانيّة”، لأنه “جَمَع” بين الروح والجسد، وبين الحياة الروحانيّة التأمليّة الخالصة والحياة العمليّة. لذا تبدو مفردة “جَامِع” أكثر انسجاماً ربما مع ثورة الحرية والكرامة من مفردة “مسجد”.
***
اللغة بين نظام جائر وشعب ثائر
– عن إخماد النار بالنار وزلزلة الأبد بالأبد:
1
“لا تُوقِف السلطة إلا سلطة مماثلة”، جملة كان غرض مونتسكيو منها سياسياً، يتماهى والغرض نفسه في عموم كتابه (روح القوانين 1734- 1748)، إذ يميل الإنسان – إن مُنِحَ سلطة مطلقة – إلى أن يسيء استخدامها، ومن ثم وجب فصل السلطات الثلاث (التنفيذية، التشريعية، والقضائية) بعضها عن بعض، حتى تتوافر الحرية للأمة. الجملة نفسها، قد تفسح المجال لقراءتها في اتجاهات ومجالات عدة ومتعدِّدة، فقراءتها في “عالَم اللغة” مثلاً، قد تفضي إلى كشفٍ كان غائباً عن الأذهان. أنْ تكون اللغة “عالَماً”، يعني أنها واسعة وشاسعة إلى الدرجة التي يصعب عندها اختزالها إلى مجرد وظيفة نقل تقوم بدور الوصل والتواصل، أو إلى مجرد أداة للتعبير عن الأفكار والتصوّرات، كونها الكائن الحيّ الذي يولد، يموت، ينمو، يتطوّر، ينبثق، يعيد تشكيل الذهن، يتجلى، يعقل، يفكّر، يشعر، يحدس، يستدلّ، يغامر، يثور، ينتصر، يَهزم ويُهزم، يدمِّر ويدمَّر. هكذا، فإن اللغة المتسلِّطة، سياسية كانت، أم دينية، أم اجتماعية ثقافية، أم فكرية، تبدو كأنها تمضي، عبر تسلُّطها، إلى حتفها، وتسير صوب تدمير ذاتها من خلال تأجيج لغة مضادّة، مماثِلة لها في القوة والسلطة، توقفها عن حد تسلّطها وربما تدمّرها، وهذا ما يمكن تسميته “انتحاراً لغوياً” قد تُقدِم عليه السلطة. انتحار على مستوى اللغة، يسبق موتها الواقعيّ المحتَّم بفعل الثورة الشعبية عليها.
2
إنْ أردنا أن نفهم في زمن “الربيع العربي”، كيف تدمِّر اللغة ذاتها، عبر تأجيج لغة ثائرة عليها، فقد يكون السبيل إلى ذلك، هو التفكُّر مليّاً في شعارات الشعوب الثائرة باعتبارها شعارات مثَّلت لغة مقابِلة، في قوتها وسلطانها، للغة الأنظمة الحاكمة المتسلِّطة. في هذا المعنى ربما تكون الثورة السورية، على وجه الخصوص، ثورة لغة بامتياز، إضافة إلى كونها ثورة جسد انعَتَق. فمن بئر بضع كلمات خطَّها أطفال من درعا في جنوب البلاد، على جدران مدرستهم، “الشعب يريد إسقاط النظام”، فاضت ثورة شعبية طالت شرق البلاد وغربها، وجنوبها وشمالها. للمرة الأولى، بعد عقود غربة واغتراب، وجد السوريّ نفسه متحدّثاً بلغته الخاصة وبمنطقه الخاص، من قلب الشارع، كفضاء عام في دولة سُلِبَت منه حتى أمسى فيها غريب الديار، ليبدأ بعدها رحلة تبديد لغة السلطة أو لغة العائلة التي حكمته بحديد اللغة ونارها. إنها اللغة “الرسمية/ الأمنية” التي لم يكن ليتعرّف المجتمع السوري فيها إلى أحلامه بل إلى مناهجه. فهي اللغة المتعجرفة، التامة الانغلاق، اللئيمة الحاقدة، المتآمرة، الباعثة على العبوس والتجهّم والخوف، والمحمَّلة إيديولوجيا طوباوية أثقلت كاهل العقل والنفس والوجدان بكل أنواع الفصام والشروخ والتناقض المريض. كان لا بدَّ، في مقابل لغة السلطة تلك، من لغة توازيها قوة وتحدِّياً. إنها لغة الثورة، لغة “الشعب يريد…”. فالنار، على ما يبدو، لا تطفئها إلا النار، ففي حين جابهت السلطة الأسدية الثائرين عليها بلغة حرْق ودماء، كتعبير “شبّيحة([1])” السلطة وجنودها ورجال أمنها: “الأسد أو نحرق البلد”، “يا بشار لا تِهْتَمْ عِنْدَكْ شعب بيشرب دم”، فإن الذكاء اللغوي الثوري واجهها بنيران لغةٍ من شأنها الإنارة لا الحرق، فأن يكون “الشعب يريد إسقاط النظام” لغة مقابِلة للغة الحرق والدم، معناه أن ثمة مَن يريد الحرية والعدالة والكرامة، عبر إسقاط مَن يريد حرق البلد وإراقة الدماء فيه. بدت لغة السلطة كأنها تدمِّر ذاتها، عبر تشبُّعها بمفردات من شأنها الإضرام وشرب الدماء. مفردات عملت على توليد لغة مضادة من شأنها تحدِّيها والعزم على إسقاطها. ما حدَثَ على الصعيد اللغوي، انتقل إلى الأرض، فاستحال الحرق والدم فعلاً، بعدما كانا لغة. في المقابل، استحال سقوط النظام وتهاويه فعلاً تدرّجيَّاً، بعدما كان لغةً.
3
مثلما ساهمت لغة السلطة في تشكيل لغة ثائرة عليها، فإن لغة الثورة ساهمت أيضاً في تشكيل لغة سلطة متأثِّرة بالثورة، فتطايرت قدرات اللغة بحيث أصبحت الكلمة تُنتِج وتَستَهلِك. لكن الفارق بين الحالين قد توضحه استعارة قوات النظام بعض كلمات الثورة، أو جُمَلها، أو أسلوب طرحها ولحنها وإيقاعها، كما يبدو، مثلاً، في الشطر الأول من عبارة: “الشعب يريد/ ترباية من جديد” التي كتبها جنود الأسد على الجدران في منطقتَي كفرسوسة وداريا الثائرتَين مثلاً، في دمشق وريفها بعد الانتهاء من المجازر “الباسلة”. تشي العبارة بالطريقة التي طالما فكِّرت السلطة من خلالها في “شعبها”، أي اعتبار الناس، أطفالاً غير مؤدَّبين تلزمهم تربية، ووصاية دائمة عليهم، وهي نظرة تتطابق، على كل حال، مع نظرة المستعمِر للشعوب الأصليّة، الذي يعمل على “تَذْويت([2])” الشعوب المستَعْمَرة بأنْ يسمّيهم همجاً، أطفالاً، برّيين، غير متحضّرين، غير عقلانيّين. إذ تُظهِر العبارة السابقة، بوضوح تام، التعالي الأريستوقراطي حيال كل ما هو “شعبيّ”. بيد أنها تشير، في الآن عينه، إلى تأثُّر السلطة بالثورة، سواء وَعَتْ ذلك أم لم تعِ، ويُرجَّح عدم الوعي. فالجملة نفسها تبيِّن أن الثورة باتت من القوة بحيث فرضت على السلطة لغتها، وحضورها اللغوي. هذا من جهة. وتُفصِح، من جهة أخرى، عن تناقض السلطة، وضعفها، وتفسّخها، حين يستعمل جنودها لغة الثورة، كون العبارة تعترف، في الشق الأول منها، بإرادة الشعب الذي صار “يريد” (الشعب يريد…)، ويظهر في الشق الثاني (ترباية من جديد)، نَهَم السلطة إلى تركيع الشعب، وترجيعه إلى ما كان عليه قبل أن “يريد”، وعبر هذا التناقض بين شقّي الجملة نفسها، تكون لغة السلطة قد دمَّرت ذاتها.
غير أن الشعب، اعتبر أن السلطة التي تحكمه منذ عقود، ليست سوى استعماراً أو احتلالاً، وقد عبَّر عن ذلك بلغته الخاصة: “سوريا لِينَا وما هِي لَبيت الأسد”، وهي لغة ثائرة على لغة جعلت من سوريا، “سورية الأسد”، ما يعني، إمعان لغة السلطة في تدمير ذاتها، عبر تشكيل لغة مضادة تخلخلُها، كلمة بكلمة، وعبارة بعبارة، وأسلوباً بأسلوب، ونهجاً بنهج، ونظرة بنظرة، وفكرة بفكرة.
كانت للكلمات المستعمَلة في كتابة تاريخ جديد، يكتبه بين الشعار والتظاهر، شعبٌ طامحٌ إلى استعادة دولته وتحريرها من قبضة المُحتَل “سوريا لِينا..”، كانت لها ذاكرة أخرى تغوص في عمق الدلالات الجديدة بطريقة عجيبة. فما كان عَرَضاً أصبح جوهراً، وغدت “الكتابة الثورية”، كأنها مصالحة بين الحرية والذكرى. إنها تلك الحرية المتذكِّرة التي لا تكون حرية إلا في حركة الاختيار الشعبي. وعليه، فإن لغة “الله سوريا حرية وبَس” و”ما مِنْحِبَّكْ”، قد تفتّحت من وسط الدمار الذي ألحقته بنفسها لغة “الله سورية بشار وبَس” و”مِنْحِبَّكْ”. لقد ضعضعت لغة الثورة، لغة السلطة، التي اختصرت الوطن بـ”شخص”، ووضعته في موازاة ماهيَّة روحيَّة كليَّة، أي في موازاة “الله”، وبدت اللغة الثائرة كأنها قد لغَّمَت اللغة، حين أحلَّت “الحرية” مكان “شخص” (بشار)، ما يعني تحطيم الغاية العلائقيّة في اللغة، ليحلَّ محلّها تفجُّر الكلمات.
وحيث إن اللسان واللغة هما نتاج طبيعيّ للزمان وللشخص البيولوجيّ، فإن الهوية الشكلية للثائر السوري المتمثلة في لغته، أو في “الكتابة الثورية لتاريخ جديد”، توطّدت بعيداً من المعايير اللغوية للسلطة وثوابتها ومطلقاتها. بذلك، حدث أخطر أنواع القطيعة مع السلطة، أي القطيعة اللغوية. وبدأ الفرز بين الحقيقي والزائف في اللغة، كما لو أن الفعل الثوري الواضح الجليّ، لم يكن ليولّد إبداعاً يكرّسه المجتمع السوري، إلا عندما نجح في تبديد الترسّب اللغوي لديمومةٍ ظلّت حتى لحظة اندلاع الثورة السورية من دون دلالة.
4
لكي نفهم دلالة شعار “قائِدْنا للأبد/ سيِّدْنا محمّد”، يبدو أنه علينا أن نفهم كيف يُستنتَج ما يؤسّس الأنطولوجيا على السيكولوجيا، ويمضي من واحدتهما إلى الأخرى بمساعدة مَلَكَة سيكولوجية وأنطولوجية، ذاتية وموضوعية في آنٍ واحد، تتبدّى في الثائر من دون أن تتبع له حصراً. فاللجوء إلى لغة أنطولوجية (وجوديّة)، تجلّت في تعبيرات “أبدية غيبية دينيّة روحيَّة”، كان بمثابة رد فعل أسَّسَ أنطولوجيا اللغة على حال الثائر السيكولوجية (النفسية)، الساخطة على لغة “الأبدية” في السلطة، أي اللغة التي جعلت من الرئيس، “قائداً أبدياً”. فقد وُرِّثت “الأبدية في اللغة” من الأب (حافظ الأسد) الذي فرض وجوده، كوجود أبدي، إلى الابن (بشار) ليكمل من بعده “مسيرة الأبدية”، حتى أن تسمية الحفيد (حافظ)، بدت كأنها من أدوات “سياسة الأبد” تلك.
إن في استبدال قائد “أبدي”، حيّ ذهنياً (الأسد الأب)، وحيّ واقعياً (الأسد الابن)، بقائد “أبدي”، ميّت واقعيّاً، وحيّ ذهنيّاً (النبي محمد)، دلالة مفادها: إن “لغة الأبد”، لا تبدِّدها ربما إلا “لغة أبدٍ” مماثِلة. على أنه يتعيَّن، من هذا المنظور، التمييز بدقة بين طرح الشعار نفسه على أساس دينيّ بحت، وطرحه على أساس سيكولوجي نفسي. إذ المجتمع السوري معتدل في تديّنه، وتاريخه لا يشكّل تربة خصبة للتطرّف الديني. لذا ينبغي، عند محاولة تفسير الشعار، عدم تجاهل زمنه، فهو لم يُطرَح إلا بعد مرور أشهر طويلة على اندلاع الثورة، بعدما أوغلت السلطة في القتل، وأمعنت في المجازر والتدمير، والتعنيف على أساس طائفي. ما يعني أن لغة شعار “قائدنا للأبد/ سيدنا محمد” ليست داخلة في تكوين الثورة وماهيتها، بل نجمت عن ضغط انفعالي. فمن طبيعة الإنسان، حين يمرّ بظروف عصيبة وبتجارب مأسوية، اللجوء إلى شخصية رمزية يعتبرها قدوة، ويستمدّ منها القوة، والصبر الذي قد يعينه على الخلاص من المأساة أو حتى احتمالها، فاللجوء إلى شخصية مثل شخصية النبي محمد، يُعتبر بمثابة حاجة إلى “الامتلاء” في مواجهة “الخواء” اللازم عن الرعب. في أوقات المِحَن، غالباً ما ينتعش المخيال الديني الذي قد يكون عوناً وهَدْياً يساهم ربما في التخفيف من هول الهول.
5
يمكن، استناداً إلى التحليل اللغوي ذاته، تفسير شعارات أخرى من مثل: “حرية للأبد/ غَصِبْ عَنَّكْ يا أسد”. إذ في الشعار نفسه ووجهَتْ “العبودية الأبدية لشخص”، بـ”نزوع أبدي إلى الحرية”. أي أن لغة السلطة، ساهمت في تشكيل لغة مقابِلة، مماثِلة، ثائرة عليها، مزلزِلة أبديتها العبدة بأبدية حرة. بذلك تكون لغة السلطة قد دمَّرت ذاتَها بذاتها.
– اللغة الثائرة و”التَّعرِيَة”:
1
حين يزمجر الشعب مريداً إسقاط النظام لا يفضح الخطأ فحسب، بل ينزع عنه سمة “الطبيعيّ” أيضاً، السّمة التي طالما برّر النظام الأسدي من خلالها الخطأ الكارثيّ. يخبرنا رولان بارت بأنّ ثمة “تعمية” حاصلة، وهي نوع من الخداع يمارسه البعض في خطبهم السلطوية التآمرية، كأن يُقال: “طبيعييّ” أن تحصل أخطاء، والغرض اللاأخلاقي هنا، هو إعطاء الظواهر التاريخية أو الثقافية مظهر الظواهر الطبيعية، والردّ الوحيد على التعمَية، هو فضحها([3]). و”الفضح” أو “التعرية” ربما تكون الدور الأهم الذي مارسته اللغة في الثورة السورية، فقد عرّت “الطبيعية” التي أسبغها النظام السوري على “أخطائه” في محاولة منه لتبريرها، واحتواء غضب الشارع وامتصاصه، والتفلّت تالياً من المسؤولية، والتهرّب من الملاحقة والمحاسبة، على اعتبار أن ما حصل من جرائم هو مجرّد “أخطاء طبيعية”، وهذا ما رمى إليه بشار الأسد حين صرّح في 18 أيار 2011 بكلام قدّمه على أنه إقرار بأن “قوات الأمن ارتكبت بعض الأخطاء في تعاملها مع المحتجّين، وأن ذلك مردّه إلى ضعف التدريب”. لكن الشعب الثائر قالها صراحة: “إللي بيقتل شعبو خاين”، وكانت اللغة في هذا الشعار، وسيلة من وسائل التنوير الاجتماعي والسياسي؛ كونها بيّنت أنه لا يجوز منطقياً، وواقعياً، وأخلاقياً وإنسانياً أن يكون “الخطأ” توصيفاً للجرائم التي ارتُكِبَت في حق الشعب الثائر، والتي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية. وقد بَدَت اللغة المتجلّية في عبارةٍ تخوِّن مَن يقتل شعبه، كأنها تطال كل أنواع القتل وأزمنته. فقتل السلطة الأسدية لشعبها ليس حديث العهد، ولم يبدأ مع اندلاع الثورة الشعبية في أواسط آذار 2011، بل هو قديم قِدَمَ تبوِّئها مقاليد الحكم المطلق في سوريا، إذ كان هناك قتلٌ يوميّ طال العقل، والنفس، والأخلاق، والقيم، والجمال، وكل ما يمكن أن يمنح الحياة الإنسانية الفردية والاجتماعية معنى. هكذا، فإن لغة شعار”إللي بيقتل شعبو خاين” مارَسَتْ أدواراً عدّة في آنٍ واحد، فهي أخذت على عاتقها أولاً: القيام بدور تذكيريّ يعود بالأذهان إلى الماضي القمعي للسلطة الأسدية، خصوصاً أن الذاكرة لا تزال نشطة في ما يخصّ الجرائم التي ارتكبتها السلطة نفسها في حق السوريين في محافظة حماة مثلاً، في زمن الأسد الأب في بدايات الثمانينات من القرن المنصرم. وثانياً: لعبت دوراً احترازياً يأخذ في الاعتبار مستقبل البلاد، ويتخذ من الماضي درساً للتعلّم منه. فما كان في السابق يتم تصنيفه على أنه “خطأ طبيعيّ”، لن يكون كذلك في المستقبل. وكل تجاوز للقانون في سوريا الثورة والحرية سوف تتم محاسبته ومعاقبته، ولن يكون مجرّد “خطأ طبيعي”.
2
لقد شكّل لغةَ الثورة، عناءٌ مزمنٌ من الكذب والضعة المتستّرة وراء كبرياء من عاثوا بالبلاد فساداً ولصوصية، وازدراء المواطن والفزع منه إن كان فاضلاً ومتنوّراً، مع الاستهزاء الدائم من الفضيلة ومعتنقيها. وشكّلها شعورٌ عارم بالسخط على أن يكون “أكابر” الدولة فاقدي الأمانة، وذوو الصلاح أصاغرها، ومنبوذيها ومهمَّشيها. وشكَّلها إحساس بالنقمة تعاظمَ طوال عقود، حيال خيانة النظام ممثَّلاً بالعائلة الحاكمة/المالكة. النظام ورئيسه الذي نسَبَ إلى نفسه دور البطل المقاوِم الممانِع، وخَدَعَ شعبه، وحاكَ المؤامرات، وتخلّى عن الوعود، وباع الأرض والعرض. إن ذلك الواقع هو الذي ساهم ربما في تشكيل لغة من مثل: “إبن الحرام باع الجولان”، وفي هذا الشعار مارست اللغة دور التعرية بجدارة، بعدما بيَّنت أن نضال الشعب السوري الثائر قد أنتج أنماط اللغة الأكثر صفاء، حتى بدا كأنه حَدَث لفظيّ صرف يجتثُّ التجربة الوجودية من جذورها. من المعلوم أن “ابن الحرام”، هو ابن علاقة جنسيّة غير شرعية، ما يعني أن الشعب الثائر لا يعتبر رئيساً باع الأرض ابناً شرعياً للبلاد، على اعتبار أن ابن البلد لا يبيع الأرض. عدا ذلك، فإن لغة الشعار التي أشارت إلى الرئيس كـ”ابن حرام” تنطوي على رسائل مفادها: إن رئاسة الابن الذي لم يأتِ إلى السلطة بانتخابات شعبية “شرعية”، إنما ورث حكم “الجمهورية” السورية عن أبيه، هي رئاسة “غير شرعية”، ومثلها رئاسة الأب الذي وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري. على هذا، فإن قَتْل الشعب، وبيع الأرض، ليسا “خطأين طبيعيَّين”، بل هما “جريمة” و”خيانة” بكل ما تنطوي عليه المفردتان من معانِ.
3
إن الكلمة الثائرة باعتبارها حرية قد لا تدوم سوى لحظة، لكن هذه اللحظة من أكثر لحظات التاريخ جلاء، خصوصاً أنها قد تحرّض على التفكّر في بعض المفاهيم، وتعيد بعضها إلى نصابه، وتساهم في نحت بعضها الآخر. مفهوم “الخطأ” هو أحد المفاهيم الذي أعادته اللغة الثائرة إلى نصابه، خصوصاً أنه ينطوي على إيجابيات تتّصل بكونه مؤسِّساً للصح ويسبقه زمنياً، وهذا ما عناه فيلسوف الخطأ (غاستون باشلار 1884-1962) حين اعتبر أن “ماضي العلم هو دائماً عبارة عن أخطاء العلم”. كلّنا على دراية بالمحتوى القمعي الدائم لكلمة نظام System، فكيف لنظام من مثل النظام الأسدي أن يسمح بخطأ من شأنه التحريض على التفكّر، والتأسيس للعلم والصح بالمعنى الذي ذهب إليه باشلار؟!. إذ النظام الأسدي أشاع الخوف من كل إشكاليَّة، وعلى الأخص إن كانت إشكالية ثورية من شأنها الانهيار النهائي للأوهام. في هذا المعنى، كان النظام على الدوام يسمح بارتكاب الجريمة بمختلف أنواعها، ولا يسمح بالخطأ. وما وَصْفه لجرائمه وجرائم أجهزته بأنها “خطأ”، إلا مراوغة لغوية. لعل ذاك المرسوم([4])، الذي منح حصانة لعناصر الأمن والاستخبارات من كل محاسبة أو ملاحقة قانونية، دليل دامغ على تشجيع النظام على الجريمة، وتجريمه للخطأ المثير للإشكاليّات المهمّة التي قد تنقل الناس من مران الفكر الذي يعرف، إلى مران الإرادة التي تفعل. عبر اللغة التي كانت ملحمة ثورية عرّت النظام الأسدي، ومفاهيمه، وحذلقاته اللفظية، يكون الشعب السوري الثائر قد أكّد إذاً: أن مَن يبيع الأرض ويدمّر البلاد، ويقتل شعبه، هو “خاين” و”إبن حرام” لا مخطئ، وتنبغي محاكمته كمجرم حرب ومرتكب جرائم ضد الإنسانية.
هوامش:
[1]– الشَبِّيحَة: مصطلح وُلِدَ قبل اندلاع الثورة. يُروى أنه أُطلقِ على عصابات التهريب التابعة لأحد أفراد عائلة الأسد في اللاذقية. جاءت التسمية من كونهم مشهورين في قيادة سيارات مرسيدس من النوع الذي يُسمّى في العامّية “الشبَح”. بعد اشتعال الثورة، تحوّل أولئك وغيرهم إلى ميليشيات حكومية مسلّحة ومأجورة، هدفها الرئيسيّ قمع التظاهرات الشعبية المدنية السلمية، المناوئة للنظام ورئيسه. أصبح السوريون يطلقون اصطلاح “شبّيح” على كل شخص يبطش أو يتكلم بلسان النظام وعائلة الأسد أو يدافع عنهم ويتبنّى مواقفهم من كل شيء.
[2] – مفهوم التَّذْويت Subjectification)) من المفاهيم الأساسية فيما سُمِّي بالدِّراسات ما بعد الكولونيالية، وقد نَظّرَ له لوي ألتوسير حيث اعتبر أنّ استدخال السلطة في الذات يعني ألا يغدو أعضاء المجتمع الأفراد “ذواتاً” قبل أن “تستدعيهم” قوى المجتمع الحاكمة أو ما يدعوه ألتوسير (بأجهزة الدولة الإيديولوجية)، فالشخص لا يُولَد “ذاتاً” بل المجتمع هو الذي يحوِّل الشخص إلى “ذات”، هكذا، فإنّ مفهوم التَّذْويت عند ألتوسير يشتمل على كلّ من دَفْعِ الشخص إلى إدراكٍ واعٍ ومكتمل، ومُسَيْطَر عليه في آنٍ واحد، فيغدو الشخص في كلا المعنيين “موضوعاً”. وهكذا أيضاً، يُذَوِّت المُسْتَعْمِر الشعوب الأصليّة بأنْ يسمِّيهم همجاً، برّيين، غير متحضِّرين، غير عقلانيّين…إلخ وبهذا يغدون خاضعين للمُسْتَعْمِر بوصفهم “ذواتاً” همجيّة، وهذا هو بالضبط ما فعله المستعمرون الأوروبيّون، كسلطة خارجية، حين كرَّسوا كلَّ جهودهم كي يبقى المحليّون في الأماكن التي استعمروها “أطفالاً” بالمقارنة مع حكّامهم الأوروبيّين العقلانيّين، الرّاشدين. من دراسة دوغلاس روبنسون (الترجمة والإمبراطورية: الدراسات ما بعد الكولونيالية، دراسات الترجمة) المنشورة في مجلة “نزوى”، العدد الخامس والأربعون.
[3]– يمكن مراجعة الموضوع الأول في هذا الفصل (الشعب يريد إسقاط النظام). وتجدر الإشارة إلى أن هناك شعارات وهتافات أخرى في الثورة السورية سوف يتم التطرق إليها في موضوعات لاحقة. من مثل:(يلعن روحك يا حافظ)، (واحد واحد واحد/الشعب السوري واحد)، (الموت ولا المذلة)، (عالجنة رايحين/ شهداء بالملايين)، (هي لله هي لله/لا للسلطة ولا للجاه)، (مارح نركع/غير لله ما رح نركع)، (يا الله ما إلنا غيرك يا الله).
[4]– المرسوم التشريعي رقم (64) لعام 2008 المتضمِّن مَنْحَ الحصانة لكافة العاملين في إدارات أمن الدولة المختلفة من الملاحقة القضائية.