طرحت مؤسسات تابعة للحكومة السورية السورية مجموعة جديدة من الأراضي الزراعية للمزاد العلني بغية "الاستثمار" في مناطق ريف حماه: صوران ومورك وكفرزيتا واللطامنة واللحايا بهدف استثمارها بعد حجزها ووضع اليد عليها بعد نزوح أصحابها.
13 / تشرين أول / أكتوبر / 2021
*المصدر: سوريون من أجل العدالة والمساءلة
ماتزال الحكومة السورية المركزية في دمشق، تستمر في عمليات الاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في ريف محافظة حماه، وتقوم بوضع يدها على تلك الأراضي (حجز لفترة محددة)، بسبب عدم قدرة مالكيها الأصليين[1] إلى الوصول إليها لأسباب عديدة، منها عملية التشريد والنزوح القسري نفسها، ولكون أنّ العديد منهم مطلوبين للأجهزة الأمنية السورية بقضايا “إرهابية”. ومنها أنّ جزء من مالكي تلك الأراضي هم من المغتربين.
وكانت العمليات العسكرية الدائرة في المناطق المشمولة بهذا التقرير، قد أدت إلى موجة نزوح قسرية واسعة، أعقب ذلك سيطرة الجيش السوري/الحكومة السورية على مساحات واسعة بمساندة من القوات الروسية، ثم قامت بالاستيلاء على أرض زراعية ومن ثم تأجيرها وطرحها في مزادات علنية من قبل اللجنة الأمنية في حماه[2] لاستثمارها منذ منتصف العام 2020.
بدأت الموجة الثانية من عمليات الاستيلاء على الأراضي، موضوع هذا التقرير، في بداية شهر تموز/يوليو 2021، وتحديداً في مناطق: صوران ومورك وكفرزيتا واللطامنة ولحايا. خصوصاً تلك المزرعة بأشجار الفستق الحلبي والزيتون، وذلك بهدف طرحها مجدداً في مزاد علني لاستثمارها.
صورة رقم (1) – خارطة توضح المناطق حيث استولت الحكومة السورية على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في ريف محافظة حماه. المصدر: سوريون من أجل الحقيقة والعدالة.
وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدلة قد نشرت تقريراً مفصلاً يوثق عمليات الاستيلاء التي قامت بها قوات الحكومة السورية في محافظتي حماة وإدلب في العام 2020، وآلية طرح الأراضي في المزاد العلني، وكشف التقرير معلومات حول الاستيلاء على 60 ألف دونم (6000 هكتار) تضرر على إثرها مئات المزارعين.
يرصد هذا التقرير جزء من المزادات/المزايدات الجديدة التي وقعت في المناطق المذكورة آنفاً، والتي كان المستفيد منها في معظم الأحيان شخصيات عسكرية/قادة ميليشيات موالية للحكومة السورية أو أشخاص مقربون من مسؤولين محليين، ولأجل هذا التقرير التقت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بمجموعة من الشهود والمصادر، قاموا بتزويد المنظمة بمجموعة من المعلومات حول تفاصيل عمليات الاستيلاء والمزادات والاستثمار لاحقاً.
الإعلان عن المزايدات/المزادات:
بتاريخ 1 تموز/يوليو 2021، اجتمعت اللجنة الأمنية في محافظة حماه وقررت إعادة الاستيلاء على الأراضي الزراعية المشجرة بمحصول الفستق الحلبي والزيتون في منطقة ريف حماه الشمالي، وأقرت تشكيل لجان فرعية لجرد مساحات وطاقة الإنتاج المتوقعة لحقول الفستق الحلبي التي سيتم الاستيلاء عليها، كما حددت أن موعد القطاف سيبدأ في 20 تموز/يوليو 2021. وكان القرار يستهدف الأراضي الزراعية التي يملكها في معظم الأحيان النازحون قسراً من مناطقهم، وأيضاً مغتربون كانوا قد غادروا البلاد قبل بدء النزاع السوري.
بتاريخ 5 تموز/يوليو نشرت اللجنة الأمنية في حماه إعلاناً رسمياً موقعاً من محافظة حماه/حماة (محمد طارق كريشاتي)، تضمن المناطق التي وقعت فيها عمليات الاستثمار العلنية لأراضي المشجرة بالفستق الحلبي، وكانت في مناطق: لطمين – اللطامنة – القسم الخارجي – الحمرا – صوران طيبة الامام – معردس – كوكب – مورك – معان – لحايا – قصر المخرم – كفرزيتا – الحماميات. إضافة إلى تواريخ تقديم طلبات الاستثمار ومكان عقد المزاد. على أن تجري المزايدات في قصر المحافظة بحماة، كما ألزم الإعلان المستثمرين جميعا دفع مبلغ تأمين قدره 70 ألف ليرة سورية عن كل دونم لموسم زراعي واحد.
صورة رقم (2) – نسخة عن إعلان استثمار أراض ضمن مزاد علني.
وبتاريخ 8 تموز/يوليو 2021، نشر الحساب الرسمي لمحافظة حماه، معلومات عن اجتماع عقده محافظ حماه “محمد طارق كريشاني”، وقائد شرطة حما اللواء “جاسم الحمد”، وعضو قيادة فرع حزب البعث العربي الاشتراكي “مخزوم حيدر”، اجتماعاً في قصر المحافظة بحماة من أجل متابعة آلية عمل جلسات المزاد العلني التي سيتم عقدها لاستثمار الأراضي المزروعة بالفستق الحلبي.
الشروع بالمزايدات:
في يوم 10 تموز/يوليو 2021، وفي قصر المحافظة بمدينة حماه، بدأت جلسات المزايدات العلنية لاستثمار الأراضي التي تمّ الاستيلاء من قبل الحكومة السورية والتي تعود ملكيتها لنازحين، وفي يوم 18 تموز أعلنت محافظة حماه عن استكمال عقد المزادات، وفي يوم 19 تموز زار وزير الزراعة والإصلاح الزراعي في الحكومة السورية “محمد قطنا” محافظة حماة للاطلاع على سير المزادات.
صورة رقم (3) – صورة مأخوذة من الصفحة الرسمية لمحافظة حماه، تُظهر سير عمليات جلسة المزاد العلني المقامة في مبنى المحافظة الخاصة باستثمار الأراضي المزروعة بالفستق الحلبي في محافظة حماه.
وكلفت اللجنة الأمنية في المحافظة لجان فرعية لتنفيذ القرارات حيث تقوم اللجنة الأمنية في المحافظة بتشكيل لجان تنفيذية خاصة، تساهم في عمليات تقدير المساحات وتنظيم المزادات، وتقوم أيضاً بتشكيل لجان إحصاء وكشف ومزادات في القرى والبلدات. وتكون هذه “اللجان التنفيذية الخاصة” بمثابة صلة الوصل بين اللجنة الأمنية المركزية واللجان المتواجدة على الأرض.
الشاهد الأول، وهو مصدر تمكّن من المشاركة في إحدى المزادات، قال “لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة” مشاهداته التالية:
“جلسات المزادات كانت صورية، إذ عملت اللجنة المختصة الصغيرة على اختيار أسماء معينة تعمل بقيادة ميليشيات موالية لقوات الحكومة السورية مثل قادة الدفاع الوطني ونسور الزوبعة والفيلق الخامس وعدد كبير من المتنفذين.”
وتابع:
“أما بالنسبة للأشخاص العاديين الذين يريدون الاستثمار فيتوجب عليهم الدخول وتسجيل اسمهم في المزاد عبر وسيط إمّا من الأمن العسكري/جهاز الاستخبارات العسكرية أو الأمن السياسي ودفع مبلغ نحو 300 دولار أمريكي لحضور المزاد مع عدم ضمان اختياره بالقرعة.”
الشاهد الثاني، وهو مصدر آخر شارك في مزاد علني بهدف استثمار أرض يملكها عمّه، سبق أن استولت عليها الحكومة السورية، حيث قال “لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة” حول ما رآه:
“كان يجب أيضاً على مشارك دفع رسوم تأمين تقدر ب 70 ألف ليرة سورية لكل دونم.. وأنا دفعت 280 ألف ليرة سورية في مديرية المالية بمحافظة حماة لأتمكن من المشاركة في مزاد على أرض عمي التي تبلغ مساحتها نحو 40 دونم، إلا أن لجنة المزايدات لم تمنحني إلا 20 دونماً والباقي أعطته لأحد المتنفذين في الميليشيات الموالية للحكومة”.
ولم تكتفِ اللجنة الأمنية في حماه بمصادرة أراضي النازحين جراء العملية العسكرية فقط، بل شملت في بعض الحالات أراضي مغتربين كانوا قد غادرو البلاد قبل عام 2011، حيث لم تخول القرارات الصادرة من اللجنة الأمنية المركزية، الأقرباء من الدرجة الأولى والثانية بالتصرف بأراضي الأشخاص غير الموجودين ضمن مناطق سيطرة الحكومة السورية، وألزمت حضور مالك العقار الأساسي (الذي تم تقييد العقار باسمه في سجلات الدولة).
الشاهد الثالث، وهو مزارع في مدينة كفرزيتا، قال “لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة” ما يلي:
“في مدينة كفرزيتا قامت اللجنة المحلية المكلفة بإحصاء أراضي المصادرات بضم أكثر من 300 دونم تعود ملكيتها لعدد من المغتربين الذين غادروا سوريا بشكل قانوني، وعندما طالب المغتربون بشطب أراضيهم طلبت اللجنة المحلية مبالغ مالية مقابل ذلك (..) إن وجود الأخ بمناطق سيطرة الحكومة السورية لا يغني عن مصادرة أرض أخيه أو أي من اقربائه سيما إذا كان مطلوبا لقوات الحكومة السورية .. إذ عمدت اللجان إلى مصادرة مساحات لأشخاص مهجرين قسرياً على الرغم من وجود أقربائهم بالدرجة الأولى في مناطق سيطرة الحكومة السورية حيث يضطر قريب المهجر قسرياً إلى المشاركة بالمزاد لإبقاء أرض قريبه بيده مقابل أن يدفع مبلغ مالي لبعض الوسطاء من الضباط لتبقى قرعة الارض عليه”.
أتشتري ما تملكه؟
لجأ بعض المزارعين ممن استولت الحكومة السورية على أراضيهم ومحاصيلهم وعرضتها للاستثمار، إلى الدخول إلى تلك المزايدات، عبر وسطاء أو عبر أقرباء لهم من الدرجة الأولى والثانية، وذلك من أجل ضمان استثمارها من قبل أشخاص يعرفونهم (على الأقل)، وضمان عدم ضياعها، ومنع استعصاء الغرباء في تلك الأراضي في المستقبل.
الشاهد الرابع، وهو نازح من منطقة محردة ويملك أرضاً تمت مصادرتها بغية الاستثمار، قال “لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة” ما يلي:
“كنت أملك 33 دونماً مزروعة بالفستق الحلبي كانت تعود على وأسرتي بالنفع الكبير، تلك الأرض ورثتها عن والدي واعتنيت بها وبذلت عليها بمالغ طائلة، وكانت تؤمن لي ولأسرتي مصروف المعيشة وبعض المشاريع الصغيرة وفي كل عام كان لدينا أمل جديد في المحصول .. لكن هجوم قوات الحكومة السورية على قريتنا دفعنا للفرار من المنطقة خصوصا بعدما قتلت شقيقتي نتيجة قصف قوات الحكومة، هجرنا أرضنا على أمل أن نعود قريبا لكن الحال انتهى بنا في خيمة لا تقي الحر والبرد”.
وتابع:
“تهجرنا من قريتنا قبل موسم جني المحصول الذي تكلفت عليه أكثر من 7 آلاف دولار أمريكي، إلا أن المحصول أصبح من نصيب الميليشيات المحلّية الموالية لقوات الحكومة.. هذا العام كنت آمل أن أتمكن من العودة والعمل بالأرض لكن تفاجئنا بقرار الحكومة بإعادة وضع يدها على الأراضي الزراعية للنازحين.. قمت بإرسال أحد أقاربي للمشاركة بالمزاد من أجل أن استأجر أرضي التي هي ملكي.. لكن قريبي فشل في المشاركة لأننا لم ندفع رشاوى لضباط قوات الحكومة”.
الشاهد الخامس، وهو أحد المزارعين الذين فروا من منطقة اللطامنة، قال “لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة” ما يلي:
“حاصرت قوات الحكومة السورية منطقتنا في شهر آب/أغسطس 2019 لدفعنا إلى الرحيل .. خرجت مع عائلتي دون أن نتمكن من اصطحاب الآلات الزراعية غالية الثمن التي كنا نستخدمها للعناية بأشجار الفستق الحلبي، حيث كنا نملك 26 دونما (26000 متر مربع )، كانت تدخل علينا نحو 30 آلاف دولار سنوياً، لم نتخيل أن نحرم من أرضنا التي تعبنا من أجلها أكثر من 20 عاماً، لذلك أرسلنا أحد أقربائنا ودفع 240 ألف ليرة سورية كرشوة لضابط من أجل إدراج اسمه ضمن المزايدات، واستأجرنا أرضنا بـ 9 مليون ليرة سورية، عدا مبلغ التأمين”.
___
[1] انتقلت ملكيات معظم هذه الأراضي إلى السكان الحاليين بعد قوانين الاستصلاح الزراعي في ستينيات القرن المنصرم وتحديد سقف الملكيات في سوريا بعد قيام الوحدة ما بين سوريا ومصر.
[2] هي أعلى سلطة سياسية وعسكرية وأمنية في المحافظة، وتتبع مباشرة إلى “مكتب الأمن الوطني”. أمّا هيكلية اللجنة الأمنية في كل محافظة فتتكون من:
رئيس اللجنة: وعادة ما يشغل هذا المنصب أعلى رتبة عسكرية متواجدة في المحافظة – المحافظة – أمين فرع حزب البعث العربي الاشتراكي – ممثل عن الجبهة الوطنية التقدمية في المحافظة – النائب العام/المحامي العام – قائد شرطة المحافظة – قائد الشرطة العسكرية في المحافظة – رؤساء الأفرع الأمنية التالية: جهاز المخابرات العامة وجهاز الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن السياسي وجهاز المخابرات الجوية – قائد ميليشيات الدفاع الوطني – قيادة الفرق والألوية العسكرية.