في العام 2019، كان 55% من اللاجئين السورين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر. واليوم، يعيش 91% من السوريين في الفقر، بالمقارنة مع 55%من اللبنانيين. ولا يتوفر لدى 99% من الأسر السورية طعام كاف ويتوجب على 100% من الأسر السورية شراء الطعام عن طريق اقتراض المال.
10 / آب / أغسطس / 2021
*المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة
عقب مرور عام واحد على انفجار بيروت والذي حصد أرواح أكثر من 200 شخص، من ضمنهم لاجئون سوريون، لا يزال لبنان يعاني من عدم وجود حكومة اتحادية فعالة، ويواجه معدلات تضخم حادة، وهو بحسب رئيس وزرائه السابق، “على مسافة أيام من انفجار اجتماعي” يُعد لبنان، والذي يبلغ عدد سكانه 6 ملايين نسمة، موطناً لأكبر عدد من اللاجئين بالنسبة للفرد الواحد، ويقدر ذلك بنحو 1.5 مليون لاجئ يعانون جنباً إلى جنب مع المجتمعات اللبنانية المستضيفة. وبالإضافة إلى المسائل الخطيرة التي تواجه كافة القاطنين في لبنان، يعتبر السوريون الذين فروا من النزاع في بلادهم أكثر الفئات هشاشة على وجه الخصوص.
رغم ذلك، أدت القيود المشددة على الإقامة، إلى جعل نحو 86% من هولاء السوريين بدون وثائق إقامة قانونية. حيث تدفع العراقيل من أجل الحصول على الإقامة، بما في ذلك الرسوم ومتطلبات إثبات الهويات، العديد من السوريين للعمل في قطاعات استغلالية وعدم التمكن من إرسال أطفالهم إلى المدرسة. ففي عام 2015، قامت الحكومة اللبنانية بمنع مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين من تسجيل لاجئين سوريين، مما أدى إلى حرمان السوريين القادمين حديثاً من التسجيل بصورة قانونية. وبدون الحصول على الإقامة القانونية، يكافح السوريون في سبيل الوصول إلى الخدمات الأساسية، والحصول على الوثائق الثبوتية، ويواجهون خطر الاعتقال والترحيل إلى سوريا. وفي الآونة الأخيرة، تردد اللاجئون السوريون من غير المسجلين في إجراء الفحص، والحصول على العلاج، وتلقي لقاح كوفيد-19 خوفاً من التعرض للترحيل. وفي ظل الدوّامة التي يعيشها الاقتصاد اللبناني، يعتبر اللاجئون السوريون على وجه الخصوص الفئة الأكثر هشاشة ويواجهون حالات متفاقمة من انعدام الأمن، والتي تهدّد كرامتهم وتواجدهم في لبنان.
الأزمة الاقتصادية في لبنان
عقب انفجار مرفأ بيروت، قدّمت الحكومة اللبنانية استقالتها، لكن لم تحل مكانها حكومة أخرى بسبب حالة الجمود السياسي وتفشّي الفساد. وعلى الصعيد السياسي، يواجه لبنان حالياً عقوبات اقتصادية فرضها الاتحاد الأوروبي والتي تستهدف عدداً من الساسة مع وجود حكومة تصريف أعمال، والتي تؤكد عدم قدرتها على التفاوض مع صندوق النقد الدولي في سبيل معالجة الأزمة الاقتصادية. وعلى الرغم من مواصلة جهود إعادة بناء بيروت عقب انفجار المرفأ وعدم حصول عائلات الضحايا على إجابات، إلا أن الدوامة الاقتصادية في لبنان بدأت حتى ما قبل الانفجار. فما بين الأعوام 2018-2020، انخفض الناتج المحلي الإجمالي في لبنان بمقدار 40% من 55 مليار دولار أمريكي إلى 33 مليار دولار أمريكي. وبحلول العام 2021، فقدت العملة الوطنية90% من قيمتها منذ العام 2019 وذلك حين قامت الحكومة بربط الليرة اللبنانية بالدولار الأمريكي لإيجاد استقرار نسبي في العملة. وأدى النقص الناتج في العملة إلى ارتفاع معدلات التضخم وازدياد أسعار الغذاء والوقود بشكل متواصل. وأصبح انقطاع الكهرباء وشح الأدوية أمراً اعتيادياً، وتعرضت المدخرات التقاعدية لدى الكثير للاندثار مع انهيار الليرة اللبنانية ووقف الدعم. وقد توصّل البنك الدولي إلى أن التراجع المالي والاقتصادي الذي يمر به لبنان يُعدّ واحداً من أسوأ الأزمات الاقتصادية على الصعيد العالمي منذ القرن التاسع عشر.
الأثر على السوريين
بينما يؤثر الوضع الاقتصادي على البلاد ككل، يواجه اللاجئون السوريون في لبنان على وجه الخصوص حالات من انعدام الأمن وجملةً من التحديات. ففي ظل عدم وجود تسجيل بصورة قانونية، يواجه العديد من اللاجئين بالفعل ظروف عمل خطرة أو تمييزاً عند محاولة العمل في الوظائف الشحيحة المتاحة لهم. ومع تزايد شح الوظائف والموارد، وازدياد الحاجة للحصول على المساعدات، تتصاعد التوترات بين المجتمعين اللبناني والسوري. وأشارت العديد من التقارير إلى وقوع أعمال عنف ضد السوريين في لبنان خلالالانتخابات الرئاسية في سوريا على نطاق واسع وأصبحت التقارير حول عمليات صد اللاجئين وترحيلهم إلى سوريا شائعةً. وبينما لا يُعدّ لبنان من الدول الأطراف في اتفاقية اللاجئين للعام 1951، إلا أنه يبقى ملزماً بالقانون العرفي الدولي فيما يخص الإعادة القسرية للأشخاص الفارين من الملاحقة القانونية إلى أوطانهم (مبدأ عدم الإعادة القسرية). وعقب انفجار بيروت، تم إعطاء الأولوية في تقديم المساعدات إلى المواطنين، وليس اللاجئين، بالرغم من المشاركة الفاعلة للعديد من السوريين في جهود التعافي وتعرضهم لخسائر بفعل الانفجار.
في العام 2019، كان 55% من اللاجئين السورين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر. واليوم، يعيش 91% من السوريين في الفقر، بالمقارنة مع 55%من اللبنانيين. ولا يتوفر لدى 99% من الأسر السورية طعام كاف ويتوجب على 100% من الأسر السورية شراء الطعام عن طريق اقتراض المال. ولا توجد قوة شرائية كبيرة للقدر القليل من المال الذي يحصل عليه السوريون من خلال برامج المساعدات الإنسانية والعمل. حيث أصبحت تكلفة السلع الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء، أعلى بمتوسط يصل إلى خمسة أضعاف مما كانت عليه في العام 2019. وبالرغم من حصول اللاجئين الذين يتلقون المساعدات النقدية من برنامج الغذاء العالمي على زيادة بمقدار 40% من الإغاثة الشهريةمقارنةً مع ما قبل الأزمة، إلا أن قيمة ذلك انخفضت بصورة ملحوظة. فقبل الأزمة الاقتصادية، كانت قيمة المدفوعات تعادل 27 دولاراً أمريكياً. أما اليوم، تبلغ قيمتها 7 دولار أمريكي فقط. كما تأثر مبلغ المساعدات النقدية المقدمة من الأمم المتحدة للاجئين بصورة أكبر من خلال قيام مصرف لبنان المركزي بإعطاء وكالات الأمم المتحدة سعر تحويل عملات متدنيا، مما كلف برنامج الغذاء العالمي 250 مليون دولار أمريكي وفي تموز 2021، أعلنت منظمة اليونيسيف عن أنها ستقوم بتقديم مساعدات نقدية إلى عائلات اللاجئين بالدولار الأمريكي لتجنب سعر الصرف غير المناسب.
تؤدي عدم القدرة على التسجيل بصورة قانونية إلى وضع اللاجئين السوريين في حالة من التيه – حيث ليس باستطاعتهم العودة إلى سوريا، بينما لا يتم الترحيب بهم أو قبولهم كلاجئين في لبنان. كما لا يستطيع العديد منهم مغادرة لبنان، حيث يلجؤون عوضاً عن ذلك إلى المهربين في محاولة منهم للسفر إلى أوروبا. وقد أدى انعدام الخيارات إلى تولد مشاعر باليأس وقامت العديد من وسائل الإعلام بنشر قصص لسوريين قاموا بمغادرة لبنان للعودة إلى سوريا، بالرغم من المخاطر المحيطة بذلك. إلا أنه، وعند عودتهم، يتعرض اللاجئون للاشتباه، والاستجواب، والاعتقال. وقد أدى الانهيار الاقتصادي إلى حدوث معضلة لدى اللاجئين السوريين: العودة إلى سوريا ومواجهة الاختفاء أو التعذيب، أو البقاء في لبنان ومواجهة احتمالية الجوع واليأس.
لا ينبغي إجبار اللاجئين السوريين على الاختيار ما بين العودة المبكرة أو البقاء كلاجئين في لبنان. وبالرغم من العلاقة المتوترة أصلاً، يتوجب على الحكومة اللبنانية أن تشرك السوريين واللاجئين في مشاريع المساعدات الاقتصادية. وعندما يتعلق الأمر ببرامج توزيع الغذاء والتعافي الاقتصادي، يجب إدراج اللاجئين، خصوصاً كونهم يساهمون في عملية تعافي بيروت. كما ينبغي على لبنان تقليل العراقيل أمام تسجيل اللاجئين بصورة قانونية والسماح لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين بإعادة البدء في التسجيل المباشر للاجئين وحصر أعدادهم. حيث سيؤدي ذلك إلى توحيد المساعدات الإنسانية وإعادة التوطين المحتمل.
وفي الوقت الحالي، لا يزال الوضع السياسي والفساد يقفان عائقاً في وجه وجود حكومة لبنانية فاعلة. وينبغي على الساسة في لبنان إعطاء الأولوية لتشكيل الحكومة والتفاوض للحصول على المساعدات من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. رغم ذلك، يجب أن يضمن الصندوق والبنك، بالإضافة إلى المجتمع الدولي، حصول اللاجئين السوريين على المساعدات ضمن أي حزمة وإصلاحات على مستوى السياسات. وينبغي أن تكون جهود التعافي الاقتصادي شاملةً لجميع السكان لا أن تعمل على زيادة مكامن الضعف لدى اللاجئين السوريين.