يجب على قادة الفصائل المختلفة تقديم خطاب متوازن يهدف إلى تخفيف حدة التوتر ودعم جهود السلام.
21 / أيلول / سبتمبر / 2021
*مع العدالة | رأي- ترجمات
المصدر: Middle East Eye
في حين يمكن قياس الدمار المادي الناجم عن الحرب وتقييمه، فإن الأشكال الأخرى من الأضرار أقل واقعية، وربما يكون إصلاحها أكثر صعوبة بكثير. وفي سوريا، التي تخوض حرباً منذ أكثر من عقد، يهدد فقدان الثقة الاجتماعية المصاحب مسار البلاد نحو إعادة الإعمار.
تشير دراسة حديثة أجراها مركز الحوار السوري بعنوان “تصورات في بناء الثقة الاجتماعية بين السوريين” إلى أربع فئات من الثقة الاجتماعية: الثقة في الناس، وفي المجموعات، وفي المؤسسات السياسية، وفي المجتمع الدولي.
ويتمثل التحدي الرئيسي الذي يواجه السوريين في إعادة بناء الثقة الاجتماعية، التي يمكن أن تبدأ على مستوى المجتمع المحلي، مع تركيز المناهج الدراسية على تعلم كيفية التعامل مع الاختلافات بموضوعية. وفي الوقت نفسه، يجب على زعماء مختلف الفصائل الدينية والإثنية أن يقدموا خطاباً متوازناً يهدف إلى تخفيف حدّة التوتر ودعم جهود السلام المدني.
وجاء في الدراسة أن الحل السياسي الذي يشمل نظام الأسد وقوات المعارضة لا يمكن أن ينجح من دون الثقة الاجتماعية، محذرة من أن “فقدان الثقة يعني في الأساس غياب البيئة المناسبة التي يمكن من خلالها الانخراط في هذا المسار”. والواقع أن الثقة الاجتماعية “تمثل أرضية أساسية لأي حل يمكن تصوره في القضية السورية … إنها “أساس المجتمع“.
المشاركة العامة
وقد بحثت إحدى الدراسات القليلة الأخرى حول هذا الموضوع، تحت عنوان “التصدّع الاجتماعي في سوريا“، والتي نشرت في عام 2017، واستناداً إلى البيانات التي تم جمعها قبل عدة سنوات، في “مؤشر رأس المال الاجتماعي” داخل سوريا، الذي يأخذ في الاعتبار عدداً من العوامل، بما في ذلك مشاركة الجمهور في عمليات صنع القرار و”مدى الاتفاق بين أفراد المجتمع على رؤية مشتركة على المستويين الإقليمي والوطني”.
ووجدت الدراسة أن مؤشر رأس المال الاجتماعي في سوريا قد انخفض بنحو 30 في المائة منذ بداية الأزمة في عام 2011. انخفض مؤشر الثقة المتبادلة بين الأفراد بنسبة 31 في المائة، بينما انخفض شعور الناس بالأمن بنسبة 59 في المائة وسط العمليات العسكرية المستمرة والقصف والتدمير والاعتقالات.
أطفال سوريون يستمعون إلى حكواتي قصص شعبية في مخيم للنازحين بمحافظة إدلب الشمالية الغربية في 29 نيسان 2021 (أ ف ب)
ومنذ نشر هذه الدراسة، انخفضت مستويات الثقة الاجتماعية مرة أخرى بلا شك، ويمكن أن تكون في أدنى مستوياتها على الإطلاق. وفي خضم العمليات العسكرية المطولة والانهيار الاقتصادي والتهجير القسري، تعرضت الثقة الاجتماعية – التي كانت بالفعل قضية قبل عام 2011، مع انقسامات عميقة على أسس طائفية – لسلسلة من الضربات الإضافية.
وقد عززت سياسات حكومة نظام الأسد هذه الانقسامات، حيث فضلت بعض الجماعات وأهملت مجموعات أخرى، مما أدى إلى تصدعات بين المناطق الحضرية والريفية وقضايا أخرى. كما أدت السياسات الأمنية للنظام إلى تأجيج الشقاق الاجتماعي، حيث استهدف المعارضون لأسباب سياسية من قبل الموالين للأسد الساعين لزيادة سلطتهم. كما أن الفساد والكسب غير المشروع والتدابير خارج نطاق القضاء التي تتخذها قوات النظام قد أضرت أكثر بالتماسك المجتمعي. وبدون أي مساءلة عن هذه الجرائم، حرم المواطنون السوريون من حقوق الإنسان الأساسية.
انقسامات صارخة
ضربت الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في عام 2011 المجتمع السوري بعمق، مع انقسامات صارخة بين أولئك الذين يدعمون التغيير والإصلاحات، وأولئك الذين يدعمون نظام الأسد على الرغم من جرائمه الهائلة، ومجموعة ثالثة راقبت في صمت، دون إعلان موقف.
كان الموالون للنظام والمعارضون ينظرون إلى بعضهم بعضاً على أنهم أعداء، بينما تم إلقاء اللوم على الأحزاب المحايدة لفشلها في الانحياز إلى جانب. مزقت الانقسامات المدن والقرى والشركات وحتى العائلات. كما ظهرت انقسامات داخلية بين مختلف الأطراف؛ على سبيل المثال، أدى فشل المعارضة السورية في إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى اقتتال داخلي بين أولئك الذين يشتركون في نفس الأهداف السياسية.
كما أدت التدخلات الدولية إلى تأجيج الاستقطاب، مع انقسامات حول الموالين لروسيا أو إيران أو تركيا أو الولايات المتحدة.
يمكن القول إن تضرر الثقة الاجتماعية في سوريا كان أحد الأسباب الرئيسية لاحتجاجات عام 2011 في المقام الأول، حيث افتقد الناس الثقة في “الحكومة السورية” وقدرتها على تحسين حياتهم أو إجراء إصلاحات. سيكون حل النزاع الحالي وإعادة بناء البلد مستحيلاً حتى يتم اتخاذ خطوات حقيقية لاستعادة ثقة المجتمع ومعالجة الانقسامات الداخلية.