#########

العدالة والمساءلة

سياحة “ما بعد الحرب”: كيف تدعم السياحة الحكومة السورية


إن أحد المخاطر الكامنة وراء سياح مثل لاوكايتيس وبنسكي هو قدرتهم على جلب العملة الصعبة إلى سوريا وتشجيع الآخرين على فعل الشيء نفسه، مما يؤدي إلى تمويل حملات الأسد العسكرية بشكل فعال، بما في ذلك ضد المدنيين في إدلب ودرعا.

28 / تموز / يوليو / 2021


سياحة “ما بعد الحرب”: كيف تدعم السياحة الحكومة السورية

*المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة 


ترسم الميزانية الوطنية الأخيرة للحكومة السورية صورة قاتمة للأوضاع المالية للبلد. مع تصاعد ديون الحرب وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 400%، تواجه الحكومة أزمة غذاء حادة وقد تكون غير قادرة على دفع أجور الجيش بحلول عام 2022. وإن حكومة بشار الأسد في حاجة شديدة لفتح مصادر دخل جديدة يمكنها تجاوز العقوبات وبناء نوايا حسنة دولية. ويأتي أحد شرايين الحياة المحتملة من مصدر غير معتاد، ألا وهو السياحة.

قبل بدء النزاع، كانت السياحة في سوريا مزدهرة. حيث كانت تساهم بما يقرب من 14% من الناتج المحلي الإجمالي للبلد ووظفت 8.3% من القوة العاملة. وإن تاريخ سوريا الغني، والجغرافيا المذهلة والمتنوعة، والهندسة المعمارية الجميلة، تعني أن السياحة كانت مهيّأة بشكل مثالي لتصبح مصدراً رئيسياً لدخل ومقام الحكومة. غير أن أحداث الربيع العربي قضت على سوق السياحة الإقليمية، وأدى النزاع الناتج إلى ثني معظم المسافرين عن قضاء الإجازات في سوريا. مع ذلك، بذلت الحكومة السورية مؤخراً جهوداً لإعادة بناء هذا القطاع وجذب “المسافرين الجريئين”. وفي الواقع، حضرت الحكومة السورية معرض السياحة الدولي المنعقد في الأعوام 2018 و2019 و2020 حيث ادّعى معاون وزير السياحة غياث الفراح أن “مشاركة سوريا في المعرض رسالة من الشعب السوري إلى جميع دول العالم تعكس انتهاء الحرب الإرهابية التي عانوا منها منذ عام 2011 والتي دمرت البنية التحتية الحيوية في سوريا، بما في ذلك قطاع السياحة.”

هناك مؤشرات على أن هذه الحملة للسفر إلى سوريا تنجح على الرغم من الأزمة الإنسانية المستمرة وواسعة النطاق في سوريا. ومنذ عام 2018، نمى قطاع السياحة في سوريا بشكل مطرد، حيث يمثل الآن 11.4% من الناتج المحلي الإجمالي. وشهد السفر انخفاضاً حاداً خلال جائحة كوفيد-19، حيث فُرضت قيود مشددة على معظم السفر إلى سوريا، لكن البلد تستعد للاستفادة من الطفرة المتوقعة في السفر الدولي مع رفع القيود المرتبطة بالجائحة. وإنالإعلان الأخير عن قيام شركة الخطوط الجوية السورية، الناقل الوطني السوري الخاضع للعقوبات، بتسيير رحلات منتظمة من الشارقة ودبي هو أحدث إشارة إلى تطبيع العلاقات وانبعاث السياحة من جديد.



قبل الجائحة، كان المؤثرون الأمريكيون والأوروبيون في مجال السفر ممن لديهم ملايين المعجبين مثل درو بنسكي، وجاكوب لاوكايتيس، وإيفا زو بيك، يروجون للسياحة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في سوريا بينما أغفلوا عن نقاش انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الحكومة. في مقطع فيديو نشره درو بنسكي، الذي “استخدم علاقاته” لدخول البلد، حيث يقضي يوماً مع “منظمة إغاثة مسيحيي الشرق،” وهي منظمة مساعدات فرنسية، والتي في أحد مقاطع الفيديو يشيد،  بما يسميه “إعادة إحياء حلب.” وما غفل الفيديو عن ذكره هو أن منظمة إغاثة مسيحيي الشرق معروفة بنشر دعاية موالية للأسد وجهودتطبيع مقابل الحصول على تمويل من جمعيات خيرية سورية ترتبط ارتباطا وثيقا بالرئيس نفسه. ولعبت منظمة إغاثة مسيحيي الشرق دوراً أساسياً في تسهيل زيارة بنسكي إلى حلب ورتّبت عدة محادثات مع السكان المحليين. حيث وصف أحد السوريين اللذين تمت مقابلتهم بأن النزاع في حلب هو معركة بين القوات الحكومية والقاعدة وجبهة النصرة، دون أن يأتي على أي ذكر للجيش السوري الحر أو هجمات الحكومة على البنية التحتية المدنية، بما في ذلك على المستشفيات والمدارس، والتي أدت إلى مقتل ونزوح عشرات الآلاف بشكل عشوائي، بهدف معاقبة سكان حلب بشكل جماعي لمشاركتهم في الاحتجاجات السلمية. وفي نهاية الفيديو، يدعو المتحدث الرسمي باسم منظمة إغاثة مسيحيي الشرق المشاهدين للتبرع بالمال ويشجعهم على السفر إلى سوريا والتطوع في جهود إعادة الإعمار. وتُكرِّر مثل هذه الحيل الدعائية تأكيدات الحكومة بأن سوريا آمنة للجميع وأنها انتصرت في النزاع، على الرغم من استمرار العنف وانتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء البلد.



في فيديو  حول رحلاته عبر سوريا يسلط جاكوب لاوكايتيس الضوء دون قصد على الاعتقال التعسفي في البلد. إذ أثناء القيادة في منطقة ريفية في سوريا، يتم إيقاف جاكوب وسائقه ومرشده السياحي عند نقطة تفتيش ويتم أخذ السائق لاتهامات بالتورط مع جماعة إرهابية، وهي تهمة عامة تُستخدم غالباً لتبرير الاعتقال، ويحل محله شخص آخر يبدو أنه جندي حكومي. وأجاب لاوكايتيس بقوله “لقد أخذوا سائقي، مجرد يوم عادي في حياة جاكوب.” لسوء الحظ، هذا النوع من الاعتقال التعسفي هو أيضاً جزء كبير من الحياة اليومية للسوريين. إن حقيقة أن آلاف السوريين متهمون بارتكاب جرائم غامضة ويختفون في معتقلات حكومية يتم تجاهلها كما لو كانت مجرد ملاحظة على الهامش، بينما يواصل لاوكايتيس رحلته على الطريق.

إن أحد المخاطر الكامنة وراء سياح مثل لاوكايتيس وبنسكي هو قدرتهم على جلب العملة الصعبة إلى سوريا وتشجيع الآخرين على فعل الشيء نفسه، مما يؤدي إلى تمويل حملات الأسد العسكرية بشكل فعال، بما في ذلك ضد المدنيين في إدلب ودرعا. وبفضل العقوبات الأمريكية إلى حد كبير، توقف تماماً تحويل الاحتياطيات الأجنبية، مثل الدولار، إلى الحكومة السورية. ولقد أدى التضخم وانخفاض قيمة العملة إلى انخفاض كبير في القوة الشرائية لليرة السورية، مما يعني أن أي تجارة مع العالم الخارجي، لا سيما من خلال القنوات غير المشروعة، تتطلب عملات مثل الدولار أو اليورو. ونظراً لأنه من المستحيل على السياح استبدال أموالهم بالليرة السورية خارج البلد، يمكن للحكومة الاعتماد على المسافرين لنقل الأموال إلى البلد. ويُحظر حالياً استخدام الدولار الأمريكي داخل البلد، لكن يمكن للمسافرين استبدال أموالهم بسهولة بالليرة السورية عند نقاط الوصول في المنافذ الحدودية. حتى أن أحد مدوّني السفر أشار إلى أنه يجب على الزوار “أن يدركوا أن مكاتب الصرافة لا يمكنها استبدال الليرة السورية بالدولار الأمريكي/اليورو، لذا ينبغي “أن يحرص الزوار على عدم استبدال الكثير من النقد قبل أيام من مغادرة البلد”، وهي تفاصيل معبّرة تشير إلى أهمية الاحتفاظ بالعملات الأجنبية داخل البلد.

وعلاوة على ذلك، من المتوقع أن يدفع السياح مقابل التصاريح الأمنية وتأشيرات الدخول إلى سوريا. ولا يمكن الحصول على التصاريح الأمنية إلا عن طريق حجز الرحلات من خلال وكالة سياحة وسفر معتمدة من الدولة والتي ستفرض بدورها أن يكون السائح مصحوباً بمرشد سياحي في جميع الأوقات. وغالباً ما تكون رسوم هذه التصاريح مبهمة نظراً لأن منظمي الرحلات السياحية يمكنهم بسهولة اقتطاع رسوم إضافية، ولكن تشير تقارير إلى أن التأشيرات وحدها تكلّف ما بين 72 إلى 160 دولاراً أمريكياًللأوروبيين أو الأمريكيين، على التوالي.

وفي حين أن السياحة يمكن أن تساعد بعض السكان المحليين في سوريا، إلا أن الترويج الجماعي دون معرفة الفروق الدقيقة أو دون فهم لواقع الأمور هو أمر غير مسؤول في أحسن الأحوال وقد يكون فتاكاً للعديد من الذين ما زالوا يعيشون كل يوم في ظل العنف والفقر والقمع. وتماماً كما في حالة كوبا، لا يمكن حظر السفر إلى سوريا تماماً. حيث سيجد المسافرون دائماً طريقة للدخول، ولكن يجب فعل المزيد لتثبيط “السياح المغامرين”، الذين يشجعون إنفاق الأموال التي تدعم الحكومة في نهاية المطاف. ويجب أن تشمل الإجراءات إبعاد سوريا عن منتديات مثل معرض السياحة الدولي، الذي يمنح الحكومة منصة لمشاركة دعايتها، فضلاً عن الضغط على شركات الطيران لعدم تسيير رحلات جوية إلى البلد. ولا ينبغي تشجيع السياحة إلا بعد التوصل إلى اتفاق سلام عادل وبعد ضمان عودة كريمة لمئات الآلاف من السوريين الذين نزحوا قسراً. كما يجب إجراء مزيد من التدقيق على الأفراد الذين يروجون للسياحة في سوريا؛ هل تم تصميم هذه الرحلات بمبادرة ذاتية منهم، أم أنهم يتلقون تمويلاً من مصادر خارجية، وإذا كان الأمر كذلك، فمن هي تلك المصادر؟ يتحمل المؤثرون في مجال السفر أيضاً مسؤولية الوعي بالتأثير المجتمعي لعملهم في تشجيع السفر إلى مناطق مزقتها الحرب ومناطق خطيرة، لا سيما عندما يعمل ذلك على إضفاء الشرعية على حكومة متورطة في انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان.