#########

العدالة والمساءلة

“قانون الكبتاغون” الأميركي.. يقوّض النظام لكن لا يوقف الاتجار


يعتبر النظام أنّ العقوبات الأميركية هدفها فرض المزيد من العزلة على سوريا ومحاصرة كبار رجال الأعمال والحدّ من حركة الاستيراد والتصدير، لكنّه لا ينفي اللجوء إلى تجارة المخدرات من أجل تمويل النظام وآلته العسكرية، بل يكتفي بالصمت.

07 / حزيران / يونيو / 2023


“قانون الكبتاغون” الأميركي.. يقوّض النظام لكن لا يوقف الاتجار

*مع العدالة: المصدر”تلفزيون سوريا”

يدخل منتصف الشهر الحالي قانون “الكبتاغون” الأميركي الذي أقره الكونغرس في أيلول الفائت، حيز التنفيذ (يقال سبدأ العمل به فعلياً في تموز). هذا القانون ينصّ على تطوير التنسيق بين المؤسسات الأميركية المعنية بمكافحة المخدرات المرتبطة بنظام بشار الأسد، كما يفرض على الإدارة الأميركية تقديم استراتيجيتها وعرضها على الكونغرس للاطلاع عليها في فترة زمنية لا تتجاوز 180 يوماً.

القانون يحمل توقيع السيناتور الجمهوري فرينش هيل، صاحب الاقتراح الذي اعتبر أنّ قانونه سيحدّ من قدرة النظام على ممارسة الإرهاب ضد المواطنين السوريين، وسيوقف تهريب المخدرات التي يشرف عليها النظام، كاشفاً أنّ واشنطن ستضع استراتيجية مشتركة مع الدول الحليفة في الخليج العربي وأوروبا للقيام بذلك.

وأشار السيناتور الأميركي إلى أنّ الهدف من القانون هو قطع الطريق أمام ملايين الدولارات التي تأتي إلى الأسد من تلك التجارة التي يستخدمها في جرائم الحرب والإرهاب ضد شعبه.

القانون يطلب من وزير الدفاع، ووزير الخارجية، ووزير الخزانة الأميركيين، ومن مدير وكالة مكافحة المخدرات، والاستخبارات القومية إضافة إلى رؤساء الوكالات الفيدرالية، أن يقدّموا إلى اللجان المعنية في الكونغرس، استراتيجية مكتوبة لتعطيل إنتاج المخدرات وتهريبها.

كما يستهدف تعطيل وإضعاف الشبكات التابعة للأسد التي تدعم بشكل مباشر أو غير مباشر عملية تصنيع تلك المخدرات، من خلال مساعدة وتدريب الأجهزة الأمنية في الدول التي تتلقى أو تُعتبر نقطة عبور لكميات كبيرة من “الكبتاغون”، مثل لبنان والأردن والعراق.

ما قيمة هذه التجارة؟

يكشف “المجلس الأطلسي” البحثي في أميركا أنّ تلك التجارة حولت النظام السوري إلى أحد أكبر المنتجين والمصدرين للمخدرات والمواد الممنوعة في الشرق الأوسط. وتقدر المؤسسة القيمة السوقية لـ”الكبتاغون” السوري منذ العام 2020 بنحو 3.5 مليارات دولار، أي 5 أضعاف قيمة الصادرات المشروعة للبلاد، وهي عائدات يستحوذ عليها الموالون لنظام الأسد وأفراد من عائلته الذين يسيطرون على مصانعها. أما بريطانيا تؤكد أنّ 80% من إنتاج “الكبتاغون” حول العالم يُصدّر من سوريا.

المعلومات المستقاة من التقارير الاستقصائية والبحثية، تشير إلى أنّ شبكة من الميليشيات السورية واللبنانية تدير تلك العمليات بإشراف مجموعات مقربة من نظام الأسد مثل منذر جميل الأسد (مسجون)، وحافظ منذر الأسد حفيد عمّ الرّئيس السّوري جميل الأسد، وكلاهما في اللاذقية. وكذلك سليمان هلال الأسد (مسجون أيضاً).

أما المواد الأولية التي تُسمى “الكريستال”، فتشير المعلومات إلى أنّها تأتي من إيران عبر معبر البوكمال وثم عبر خطوط تهريب حدوديّة بين العراق وسوريا في شمال وجنوب منطقة البوكمال أيضاً.

وبعد دخولها الأراضي السّوريّة، تتمركز شحنات “الكريستال” في بلدة الجلاء شمال غربي مدينة البوكمال، ثم من هذه البلدة، تتوزّع المواد على المصانع.

خريطة انتشار المصانع

تنتشر مصانع “الكبتاغون” في معظم المناطق التي يُسيطر عليها النّظام، ولكن تُعدّ منطقة الجنوب السّوريّ (درعا والسّويداء) واللاذقيّة (السّاحل) أهمّ نقاط لقربها من الحدود مع الأردن، ومرفأ اللاذقيّة الذي تُسيطر عليه الفرقة الرّابعة، وكذلك بعض بلدات القلمون المُقابلة لسلسلة جبال لبنان الشّرقيّة ومنطقة القصير، إلا أنّ ثقل الإنتاج يتركّز في منطقتي درعا واللاذقيّة بحسب ما تؤكد التقارير.

لبنان

لبنان يُعد بمنزلة امتداد لتجارة “الكبتاغون” السوري، ونقطة عبور رئيسية لتدفقات تلك المادة. تستفيد شخصيات مرتبطة بالنظام السوري من مجموعات مسلحة متنوعة تنشط على الأراضي السورية واللبنانية، لتنظيم تلك التجارة وبين هذه المجموعات عناصر مقربون من “حزب الله” الذي ينفي علاقته بها وبهم.

أبرز المعابر موجودة في جبال القلمون، وهي غير مؤهلة رسمياً لكنّها مسارات حدودية بين لبنان وسوريا، يطلق عليها تسمية المعابر غير الشرعية.

والمسيطر الأول في لبنان وسوريا على هذا الإنتاج هم جماعات موالية لـ “حزب الله”، التي ترعى التصنيع والتوضيب والتصدير من سوريا إلى لبنان أو العكس، ثم إلى الخارج.

بعد مداهمات عدّة من الاجهزة الأمنية اللبنانية، أصبحت العمليات مركزة في الداخل السوري، وتكشف التقارير أنّ أغلبها تُدار برعاية من عناصر الحزب، ويُعتبر المصنع الأبرز من بينها ذاك الموجود في جبال القلمون ضمن بلدة عسّال الورد المُقابلة لبلدة الطفيل اللبنانيّة. وهذا المصنع تديره عناصر من الفرقة الرّابعة بمعاونة بعض اللبنانيين حسبما تكشف الاستقصاءات.

الأردن

أما من الجانب الأردني، فكان المُهرّبون يعتمدون على المعبر الرّسميّ (جابر – نصيب) بين الأردن وسوريا لتهريب الكبتاغون، إلّا أنّ تشديد الإجراءات من الجانب الأردنيّ جعل المُهرّبين يعتمدون على نقاط حديثة “غير رسميّة” في عمليات للتهريب، وأبرزها المعابر الآتية: نقطة الرّكبان أقصى شرق الحدود مع الأردن، ونقطة خربة عوّاد – السّويداء الُمقابلة لأم القطيْن الأردنيّة، وكذلك نقطة نصيب المُجاورة للمعبر الرّسميّ بين سوريا والأردن، ونقطة خراب الشّحم المُقابلة لبلدة طُرّة الأردينيّة، إضافة إلى نقطة تلّ شهاب المُقابلة لبلدة الشّجرة الأردنيّة، ونقطة بيت آرة المُقابلة للرفيد، ونقطة كويّا المُقابلة لبلدة عقربا الأردنيّة.

اللاذقية

وفي اللاذقيّة، فإن أبرز المصانع يقع خلف مدرسة جول جمّال في شارع القوّتلي في المدينة. وهنا مصنع في بلدة الشّلفاطيّة، وهي بلدة صغيرة تبعد نحو 13 كلم على طريق حلب – اللاذقية الرئيسية. وكذلك مصنع عين البيضاء، وهي بلدة صغيرة في ريف اللاذقيّة، تبعد نحو 20 كلم عند شمال شرق مركز المدينة.

كيف يدافع النظام عن نفسه؟

يعتبر النظام أنّ العقوبات الأميركية هدفها فرض المزيد من العزلة على سوريا ومحاصرة كبار رجال الأعمال والحدّ من حركة الاستيراد والتصدير، لكنّه لا ينفي اللجوء إلى تجارة المخدرات من أجل تمويل النظام وآلته العسكرية، بل يكتفي بالصمت.

بمعنى آخر يحاول النظام أن يحوّر ارتكاباته في مجال المخدرات نحو “السياسة”، محاولاً خلق ما يعتب أنّه “مظلومية” أمام الرأي العام، فيحاول بذلك أن يصوّر المجتمع الدولي والولايات المتحدة على أنها تستهدفه أو تتبلّى عليه.

هل سيحدّ القانون من تهريب الـ “كبتاغون”؟

الجواب السريع على هذا السؤال يقول: لا. بل بشكل أدقّ “ليس كثيراً”. فمكافحة المخدرات لا تحصل بواسطة سنّ القوانين أو فرض العقوبات، لانّها بحاجة إلى عمل قمعي ميداني، يحصل عن طريق مداهمات الأجهزة الأمنية والترصد والمتابعة.

أمّا إذا اقتصر العمل به على الإجراءات الإدارية، مثل فرض العقوبات على الخارجين عن القانون، فهولاء لا علاقات لهم أصلاً بالنظام المصرفي المحلي أو العالم وبكل ما هو نظامي ورسمي، وعملياتهم كلّها ممنوعة وغير مصرح بها.

في المقابل، يمكن القول إنّ هذا القانون سيضع “آلية” أو يخلق مساراً لتطويق النظام السوري وأذياله بمزيد من التهم الجرمية، باعتباره “نظاماً” غير قابل للتعويم أو للحياة، فيؤكد القانون بذلك، أن لا أمل في بقائه، لأن بنيته جرمية ولا تشبه مفهوم قيامة الدول المتعارف عليها حول العالم، بل هو عبارة عصابة وظيفتها التصنيع والاتجار بالمخدرات، و”تسطو على دولة”.. وهذا أقل ما يقال عنه أو يوصف فيه.