دفعت وحشية التدابير الأمنية وشدتها بالمعارضة إلى تعزيز ردها، ما أفضى بدوره إلى تشكيل فصائل المعارضة المسلحة والسيطرة على المناطق والاشتباك العسكري مع قوى أمن النظام.
27 / كانون الثاني / يناير / 2024
*مع العدالة: المصدر”لجنة العدالة والمساءلة الدولية (CIJA)”
منذ الإضطرابات الأولى التي شهدها مطلع العام 2011، حينما تجرّأ السوريون على الانتفاض بوجه قبضة نظام الأسد الحديدية،حيث تيقّنوا أنّهم يواجهون جهاز دولة خطير لن يتردّد في مراقبتهم واعتقالهم و تعذيبهم.
وبينما نمت الثورة، انطلق محققو لجنة العدالة الدولية والمحاسبة (CIJA)، في الظلّ، في مهمةٍ سريةٍ مضنيةٍ ألا وهي جمع أدلّة تسمح بتحديد مرتكبي جرائم الحرب رفيعي المستوى في النظام السوري. وقد تمكّن المحقّقون من الحصول على أكثر من ذلك بكثير؛ فعلى مدار عقد من الزمن، تحدّوا الصعاب كافة، ونقبوا عن كنزٍ ثمينٍ من الوثائق الصادرة عن النظام بلغ عددها أكثر من 1.3 مليون صفحة. ولم تكن تلك الصفحات مجرّد حبرٍ مخطوطٍ على ورقٍ، بل كانت تسرد ما تمخّض عن سلطة عدوانية وشبكة معقدة من الأوامر والتعليمات والتعاميم والتقارير والدراسات التي تدفقت عبر سلسلة القيادة، وكشفت عن الإجراءات المتطرّفة التي سيلجأ إليها النظام ليحافظ على قبضته الحديدية على الدولة.
نفى النظام السوري التقارير الأوّلية عن التعذيب والاعتقالات الجماعية والقتل. ونسبت الحكومة أعمال العنف التي تمّ الإبلاغ عنها في العام 2011 إلى ما وصفته “بالجماعات الإرهابية المسلّحة”، وزعمت أنّ تلك الجماعات هي من بدأت أعمال العنف وزعزعت استقرار البلد. فتبنّت الحكومة هذه السردية لتبرّر استخدام القوّة كوسيلة لإرساء النظام والمحافظة على الأمن القومي. وفي حال تمّ الإقرار بأيّ جريمةٍ، فكانت عادةً ما تُنسَب إلى أفراد متمرّدين لا إلى سياسة تنتهجها الدولة.
ولكنّ وثائق النظام نفسها رسمت صورةً مختلفةً تمامًا. وكما يظهر هذا التقرير، فإنّ النظام السوري كان يعلم أنّ المتظاهرين يطالبون بالحرية والديمقراطية، ومع ذلك، لم يتوانَ منذ بداية العام 2011، بوضع و تنفيذ سياسات تهدف إلى قمع المعارضة بالقوّة . وبهذه الطريقة، كان النظام، على أعلى مستوياته، يعلم أنّه يستهدف مدنيين أغلبهم من الأطفال، في مختلف المحافظات التي تشهد مظاهرات. كان النظام يعلم أنّ ردّ فعله عنيفٌ جدًا لدرجة دفعت بيروقراطيّته إلى الاشتكاء من تزايد عدد القتلى، إلّا أنّه لم يحرّك ساكنًا لتوقيف المسؤولين أو منعهم أو معاقبتهم. يركز هذا التقرير على ثلاثة تغييرات محدّدة في استراتيجية النظام لسحق المظاهرات. في ثلاثة فصول مختلفة نفّذها النظام في كل من شهر نيسان/ أبريل وآب/أغسطس وتشرين الثاني/نوفمبر من العام 2011، حيث صعّد النظام تكتيكاته إلى مستويات يعجز العقل عن تخيّلها، ما ألقى بظلاله القاتمة على تطلّعات السوريين التوّاقين إلى الحرية.
وعلى وقع موجة من الاحتجاجات والمظاهرات والانقلابات التي أطاحت بأنظمة استبدادية في عددٍ من دول الشرق الأوسط، تطوّرت الأزمة السورية. ففي الأسابيع الأولى من العام 2011، انطلقت أولى المظاهرات في سوريا.
في البداية، أشرف مكتب الأمن القومي على استجابة الحكومة؛ ويعتبر هذا المكتب جهازًا أمنيًا تابعًا للدولة يعمل منذ فترة طويلة ويتولّى مهمّة التنسيق بين أجهزة المخابرات الأربع، وتتألّف عضويته من رئيس مكتب الأمن القومي ورؤساء كلّ من الأجهزة الأربعة (المخابرات العسكرية والمخابرات الجوية والمخابرات العامة والأمن السياسي).
واعتمد [النظام] على الشرطة والجيش وحزب البعث والجماعات الموالية الأخرى من أجل مراقبة المتظاهرين وأعضاء مجموعات المعارضة والداعمين لهم، والتصدّي لهم، واحتجازهم والتحقيق معهم. وكان الهدف من تلك الإجراءات تفكيك المعارضة وقمعها والحؤول دون انتشار أي نشاط معادٍ للنظام. ومن خلال ذلك، ظنّ النظام أنّه قادرٌ على الحفاظ على سيطرته الحصرية على الدولة والبقاء في السلطة.
كانت القرارات الصادرة عن مكتب الأمن القومي تمرّ عبر رؤساء الأجهزة الأمنية إلى كل مستويات سلسلة القيادة في البلاد. وتتطرّق وثيقة صادرة عن المخابرات العسكرية مرسلة إلى كافة المفارز، إلى اجتماع عقده مكتب الأمن القومي في بداية شهر آذار/مارس تمّت الإشارة فيه إلى أن مطالب المتظاهرين بالحرية والديمقراطية ووضع حدّ للفساد هي بمثابة تهديد لا بدّ أن تتصدّى له أجهزة المخابرات على الفور.
- الوثائق:
“استنادًا لما جاء في اجتماعات مكتب الأمن القومي حول الاضطرابات والأحداث التي شهدتها وتشهدها بعض البلدان العربية التي انفجرت فيها ثورات شبابية تطالب بالتغيير وإرساء الديمقراطية والحريات وإجراء إصلاحات لتوفير فرص العمل للشباب وتحسين مستوى المعيشة ومكافحة الفساد ومحاولة جر سوريا إلى هذه المشاهد خلال ما تقوم به المعارضة في سوريا ولجان المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان في الداخل والخارج مع جهات أخرى مشبوهة من سعي حثيث ومستمر لتعبئة وتحريض الشباب داخل سورية ضد السلطة باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي في الإنترنت والكتابات على الجدران وتوزيع البيانات والمنشورات وآليات أخرى سرية لزج الشباب في تظاهرات واعتصامات”
وتكثّفت عملية البحث عن المعلومات والمعلومات الاستخباراتية. فقد أنشأ رئيس شعبة الأمن السياسي في دمشق نظام إبلاغ وطني، حيث طُلب من رؤساء فروع الأمن السياسي بالمحافظات تقديم بيانٍ مفصل كل يوم بحلول الساعة (18:00). وكان لا بد أن تتضمّن التقارير “أسماء الأشخاص الذين تم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم وتوقيفهم من المشاغبين والناشطين والمحرّضين بالدعوة إلى التظاهر”
ومع ذلك، انتشرت المظاهرات في سوريا كالنار في الهشيم، فتضاعف حجمها ووتيرتها وانتشارها الجغرافي وإنّما أيضًا حدّتها.
وعلى ما يبدو كان الرئيس السوري بشار الأسد غير راضٍ عن فعالية جهود مكتب الأمن القومي في تنسيق عملية الردّ على المظاهرات، فقد قام في 27 آذار/مارس من العام 2011 بتوجيه القيادة القطرية لحزب البعث لإنشاء خلية إدارة أزمات مركزية. وكان كلّ من رؤساء أجهزة الأمن وأجهزة المخابرات ووزير الداخلية ووزير الدفاع من الأعضاء الأساسيين، وقد تمّ تكليفهم بالتخطيط للردّ الذي سينفذه النظام إزاء المظاهرات على الصعيد الوطني، بينما كان مكتب الأمن القومي هو من يوزّع التعليمات والقرارات ويشرف عليها.
بعد خمسة أيّام، أي 31 آذار/مارس 2011، أدلى الأسد أمام مجلس الشعب بخطابه العلني الأوّل بعد انطلاق المظاهرات؛ وقد وصف الرئيس المظاهرات على أنّها جزءٌ من مؤامرة دولية تُحاك ضد سوريا وأنّ قمعها واجبٌ وطني:
كان الأسد كقائد يتمتّع بصلاحيات واسعة وغير محدودة، فجاء خطابه أمام مجلس الشعب بمثابة تعريف علني للسياسة التي تنتهجها الدولة إزاء المظاهرات، سياسة صقلتها بعد أشهر من المراقبة والتحقيقات والتحليلات على يد أجهزة المخابرات . وكانت خلية إدارة الأزمات المركزية (الخلية المركزية) هي الهيئة التي تشرف على ذلك، على أن تكون الموافقة النهائية للأسد
وتُظهر الأدلة التي جمعتها وحلّلتها لجنة العدالة الدولية والمحاسبة ، أنّ الخلية المركزية كانت تجتمع يوميًا، من أجل جمع المعلومات من المحافظات والاحتفاظ بها مركزيًا، ومن أجل معالجة الأحداث، وصياغة السياسات، وإصدار التعليمات ومراجعة عملية تنفيذها من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية. وكانت القرارات كافةً تُسجّل في محضر كل اجتماع الذي كان يُرفع إلى الأسد للموافقة، ومن ثمّ تقوم الأجهزة الأمنية والعسكرية بنشر تلك القرارات. ومن ثمّ كانت تُرفع التقارير المرتبطة بتنفيذها بعد تصفيتها، [إلى المستويات الأعلى]، بسرعة قصوى في أغلب الأحيان وذلك عن طريق التسلسل القيادي الذي يتبعه كل جهاز.
وتلّقت الخلية المركزية معلومات (صاغت بالاستناد إليها ردّ النظام الأمني عمومًا) من أجهزة المخابرات ، والشرطة العسكرية، والأجهزة الأمنية المشتركة على مستوى المحافظات (المعروفة باسم اللجان الأمنية). ومن ثمّ نشرت تلك القرارات والتوجيهات من خلال سلاسل القيادة المختلفة، ولاسيّما مكتب الأمن القومي، والقيادة القطرية لحزب البعث، و وزير الداخلية، و وزير الدفاع.
في منتصف شهر نيسان/آبريل من العام 2011، طوّرت الخلية المركزية سياسة أكثر عدوانية من أجل قمع المتظاهرين ورموز المعارضة. فقد أظهرت وثائق حصلت عليها لجنة العدالة الدولية والمحاسبة تعود إلى الفترة ما بين 18و 20 نيسان/آبريل، أنّ اجتماعين أساسيَّين للخلية المركزية قد انعقدا. فقد ذكرت تلك الوثائق إلى أنّ تلك السياسة اعتبرت المتظاهرين والطلبة أهدافها الأساسيين وكان لا بدّ للدولة أن تتحرّك بكامل قوّتها ضدهم. وتمّ تكليف كل من أجهزة حزب البعث والنقابات ومدراء الجامعات والإعلام بأدوار مختلفة، بينما وافقت الخلية المركزية على أن تقوم اللجان الأمنية في المحافظات بنشر الشرطة والأجهزة الأمنية. وكان من المقرر تعزيز الرد من قبل المجموعات شبه العسكرية الموالية للنظام وكذلك القوات العسكرية؛ ما مهّد الأرضية للرد العسكري المستقبلي والانزلاق إلى نزاع مسلح.
وتكرّر تطبيق تلك السياسة الجديدة أوّلاً في 18 نيسان/آبريل 2011، عندما أظهر قرار الخلية المركزية “انتهاء مرحلة التسامح وتلبية المطالب”. فقد دعت إلى “المواجهة المتعددة الجوانب للمتظاهرين”، ما انطوى على عدم الإفراج لفترة طويلة عن الموقوفين، وإلقاء القبض على “المرتكبين” المعروفين، والسماح باستخدام الأسلحة في حالات معينة بالإضافة إلى مصادرة الدراجات النارية. وتمّ تطبيق آلية متعددة الجوانب لمواجهة المظاهرات: تقوم الشرطة المجهزة بصد المظاهرات، ومن خلفها قوات الأمن، على الأرجح لاعتقال أولئك الذين تواجههم الشرطة؛ وينبغي إعداد مظاهرات مضادة لمواجهة المتظاهرين، وأن تتعاون عدّة جهات لضمان الردّ الدقيق والمحدّد؛ ويُسمح أخيرًا للقوات المسلحة بالتدخّل في مهام محدّدة وفي الحالات “الاضطرارية”.
2 وئائق
“انتهاء مرحلة التسامح وتلبية المطالب، نظرًا لإمعان المخربين والمتآمرين في الاعتماد على سياستنا ورفع سقف مطالبهم وممارساتهم العدائية واستخدام كافة وسائل التجييش وكذلك السلاح وإثارة الفتنة الطائفية.
المواجهة المتعددة الجوانب للمتظاهرين والعابثين بالأمن والمخربين بما في ذلك:
عدم الإفراج عن أي موقوف وإحالة الموقوفين للقضاء
التصدي بالسلاح لمن يحملون السلاح في وجه الدولة مع الحرص على عدم إيذاء المدنيين.
«تعميم من القيادة العامة للجيش، كتاب عن تعليمات صدرت عن اجتماع خلية إدارة الأزمات المركزية في 18 نيسان/آبريل 2011، وتم توزيعه في 20 نيسان/آبريل 2011»التُمِسَ أثر ذلك التعميم مباشرةً إذ تعرّض المتظاهرون في اليوم التالي في ساحة الساعة في حمص للهجوم العنيف الذي بات معروفًا الآن، في الوقت الذي كان التقرير اليومي للخلية المركزية يذكر أنّ عددًا من المتظاهرين قتلوا رميًا بالرصاص.
العودة إلى تقرير لجنة العدالة الدولية والمحاسبة بعنوان “خنق حمص” The Strangulation of Homs، للاطلاع على كيفية قيام النظام بالتصعيد للردّ على المتظاهرين والمعارضة المنظّمة، ما أدّى إلى حصار حمص وتدميرها.بعد يومين، في 20 نيسان/أبريل، أصدرت الخلية المركزية تعليمات أخرى تتضمّن استخدام القوة على الفور لمواجهة “المتآمرين”، لأنّ ذلك من شأنه “إبراز قوة الدولة وقدرتها”. وتمّت إزالة القيود الرئيسية التي نصّ عليها الأمر الذي صدر قبل يومين. فقد تم تحريك الوحدات العسكرية وأعطيت توجيهات؛ وطُلِب من القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة وضع خططٍ شاملة لمواجهة المظاهرات المنتشرة على نطاق واسع في كافة المحافظات. أصبح مسموحًا تنفيذ المداهمات والقيام بعمليات اعتقال واسعة النطاق “للمشبوهين”. وما تقشعر له الأبدان هو أنّه طلب من ذوي المقتولين قبل تسليمهم جثامين أحبائهم أن يتعهدوا بدفن موتاهم بدون تظاهر أو تجمعات.
- 3 وثائق
لا بدّ من بدء مرحلة جديدة لمواجهة المتآمرين بالمبادرة إلى استخدام القوة ضدهم اعتبارًا من تاريخه، ومن الضروري حسم المعركة وإبراز قوة الدولة وقدرتها.
وضع خطط مفصلة لمواجهة احتمالات التظاهر المسلح وغير المسلح والاعتصام، وخاصة في مناطق درعا- دمشق وريفها- حمص، يتم وضع الخطط بإشراف مكتب الأمن القومي اليوم وغدًا، وتطلب المساعدة الضرورية من القوات المسلحة بالتنسيق مع قيادة الجيش (حسب التوجيهات المعطاة).
تضع القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة خططًا شاملة استنادًا لسيناريو احتمال انتشار التظاهرات والأعمال العدائية على نحو واسع في المحافظات كافة، وتتخذ الإجراءات، وينظّم التعاون مع الجهات المنفذة، وذلك لتنفيذ قسم منها، أو كلها حسب الموقف المتشكل.
تحريك بعض الوحدات العسكرية حسب التوجيهات المعطاة.
استخدام كل الأساليب والوسائل التفصيلية حسب الموقف عند محاصرة منطقة، أو مداهمة مشبوهين، أو التصدي لتظاهرة معادية. (وفق التوجيهات التي أعطيت في الاجتماع).
توقيف المطلوبين من المشتبه بتورطهم في أعمال التخريب والقتل والتخطيط لأعمال إجرامية وخلق الفتن بإيعاز من الجهات الخارجية.
يتم دفن المتوفين دون تظاهر أو تجمعات ويتعهّد ذوو المتوفين بذلك قبل تسليمهم الجثامين.
«مقتطفات من محضر اجتماع خلية إدارة الأزمات المركزية، 20 نيسان/أبريل 2011»
لم تنجح هذه الإجراءات في إخماد المظاهرات التي اندلعت في جميع أنحاء البلاد. ففي يوم الجمعة 22 أبريل/نيسان 2011، اليوم الذي أطلق عليه المتظاهرون اسم “الجمعة العظيمة”، تظاهر الآلاف في جميع أنحاء البلاد. وردّ النظام مستخدمًا القوّة المميتة؛ وقد أفادت قناة الجزيرة عن مقتل ما لا يقل عن 100 متظاهر في درعا وحدها ، في حين ذكر التقرير اليومي للخلية المركزية مقتل ما لا يقل عن 107 شخص.
وأظهر محضر اجتماع الخلية المركزية المنعقد في اليوم التالي، أعضاء الخلية، بما في ذلك الأمين القطري المساعد، ووزير الدفاع، ووزير الداخلية، ووزير الإعلام، ورئيس مكتب الأمن القومي، ورؤساء الأجهزة الأمنية الأربعة، ونائب رئيس الأركان، يعاينون بالتفصيل حوادث “الجمعة العظيمة”، ويصدرون طلبات، ويشاركون جميعًا في عملية اتّخاذ القرارات.
إنّ هذه السياسات التي طوّرتها الخلية المركزية ووقّع عليها الأسد، مهّدت الطريق لموجة من عمليات القتل التي نفّذتها الدولة في المظاهرات، ولتسونامي الاعتقالات الجماعية. وبغية التأكيد من تنفيذ تلك السياسات بفعالية، اعتمد النظام على مجموعة كبيرة من الهياكل الوطنية والمحلية، القديمة والجديدة على حدّ سواء.
الفاصلهيكلية القيادة والسيطرة
تُبين وثائق جمعها محققو لجنة العدالة الدولية والمحاسبة أنّ الخلية المركزية كانت تمارس القيادة والسيطرة الفعلية على عددٍ كبيرٍ من هيكليات الدولة، من مكتب الأمن القومي الرفيع المستوى نزولًا إلى الفروع والوحدات المحلّية التابعة لها، وأنّها حافظت على سيطرتها عليها من خلال استعمال التوجيهات والتعاميم والتعليمات والتقارير والزيارات التي قامت بها شخصيات رفيعة إلى المحافظات.
مكتب الأمن القومي
تشير مراجع موثّقة إلى أنّ مكتب الأمن القومي كان حلقة وصل بين الخلية المركزية وفروع المخابرات/الفروع الأمنية في المحافظات، فأشرف على تنفيذ تعليمات الخلية المركزية وقراراتها. فكانت تُنقل المعلومات والتعليمات الصادرة عن الخلية المركزية عبر مكتب الأمن القومي إلى مختلف شعب المخابرات، من خلال سلاسل القيادة المختلفة، إلى الفروع والمفارز والأقسام على مستوى المحافظات والمناطق والنواحي.
وكان بوسع أجهزة المخابرات كذلك أن ترسل المعلومات صعودًا إلى مكتب الأمن القومي من خلال السلاسل الاستخباراتية/الأمنية نفسها.
الجهاز الأمني
يدير النظام جهازًا استخباراتيًا وأمنيًا ضخمًا ومتغلغلًا ينقسم إلى أربعة كيانات أساسية هي: المخابرات العسكرية، والمخابرات الجوية، والمخابرات العامة (وتُعرف أيضًا باسم ’أمن الدولة‘) والأمن السياسي. اتسمت الأجهزة من حيث تنظيمها وهيكليتها بأوجه شبه كثيرة. فتملك جميعها شعبة (أو إدارة) مقرها في دمشق وتتبع لها فروع تعمل في مختلف المحافظات السورية.
نفّذت شبكة التشكيلات والفروع والأقسام والوحدات الاستخباراتية والأمنية جملة واسعة من المهام. بشكل عام، عملت جميعها على جمع المعلومات الأمنية والاستخباراتية ونشرها، فكانت تنقلها من المرؤوسين إلى الرؤساء وبالاتّجاه المعاكس أيضًا ضمن سلسلة تبعية كل منها ومن ثم إلى الأجهزة الأمنية الأخرى. أما المعلومات التي جمعتها وتبادلتها، فقد غطت فئة كبيرة من الأشخاص، أفرادًا وجماعات، اعتبرت أنّهم يشكلون خطرًا على النظام، كما أنّها تطرّقت إلى التهديدات الخارجية ومعلومات عن المواطنين والمنظمات داخل سوريا. منذ لحظات الأزمة الحالية الأولى، كان نطاق المعلومات المجمّعة واسعًا جدًا؛ إذ تمّ استهداف الأشخاص الذين اشتُبه باضطلاعهم بأدوار محددة، بينهم أشخاص اشتُبه بانتمائهم إلى المعارضة أو ارتباطهم بها، ومتظاهرين، وأعضاء تنسيقيات المعارضة، وناشطين إعلاميين، وأشخاص يرسلون موادًا إلى القنوات الإعلامية أو يتواصلون مع وسائل إعلامية اعتبرها النظام معادية له. أَولى النظام أهمية خاصة للنشاط الإعلامي، وبرز مثال على ذلك بعد أشهر قليلة من بدء النزاع عندما تبيَّن إنشاء ’فرقة عمل خاصة‘ في المخابرات العسكرية لاستهداف مستخدمي فيسبوك بهدف جمع المعلومات عن نشاط المعارضة على وجه الخصوص.
اللجان الأمنية
بما أنّ مكتب الأمن القومي كان ضمن القيادة القطرية لحزب البعث فقد استطاع من خلال اللجان الأمنية الموجودة في كل محافظة، أن يصل إلى كل الأجهزة الأمنية على مستوى المحافظات كافة.
وفّرت اللجان الأمنية آليةً مهمة استطاع النظام من خلالها أن يضمن إرسال المعلومات إلى المحافظات وتوزيعها عليها، وإرسال الخطط والتوجيهات من القيادة الوطنية (الخلية المركزية ومكتب الأمن القومي)، وكانت جميع الأجهزة الأمنية المعنية على مستوى المحافظة تتولّى تنفيذ تلك الخطط والقرارات. وسهّلت اللجان الأمنية أيضًا تدفق المعلومات بين مختلف الأجهزة الاستخباراتية و الأمنية والسياسية والعسكرية ضمن المحافظة حيث أدت تلك اللجان دور هيئة التنسيق الأساسية في جميع المسائل الأمنية.
تشير أدلة وثائقية إلى أنّ اللجان الأمنية في مختلف المحافظات تشابهت في آلية عملها. فكان أمين حزب البعث في المحافظة عادةً ما يشغل منصب رئيس اللجنة الأمنية، وكان المحافظ يمثّل القيادة السياسية عمومًا، أمّا العضوية فكانت تتمثّل برؤساء مختلف فروع الأمن في المحافظة وقائد شرطة المحافظة، مع وجود تمثيل عسكري ما في غالب الأحيان.
على الرغم من كل ما قامت به الخلية المركزية ومكتب الأمن القومي واللجان الأمنية لقمع المعارضة في خلال ربيع وصيف العام 2011، لم يُعالَج الوضع الأمني في سوريا، بل شهد تراجعًا ملحوظًا. فما كان من الاعتداءات على المتظاهرين، والاعتقالات الموسّعة التي طالت المعارضين والناشطين الإعلاميين وأعضاء التنسيقيات، فضلًا عن العمليات العسكرية والأمنية العنيفة، إلّا أن قوّت الدعم للمعارضة وأدت إلى النمو التدريجي للمعارضة المسلحة وإلى تصعيد نشاطها دفاعًا عن مناطقها والهجوم على عناصر الأمن ما حدا بالنظام إلى زيادة حدة رده.
لجان التحقيق المشتركة
في شهر آب/أغسطس من العام 2011، أصدرت الخلية المركزية تعليمات بإنشاء لجان تحقيق مشتركة في المحافظات “الساخنة”، وذلك من أجل إرسال جميع الأشخاص المعتقلين في الحملات الأمنية المكثفة إلى لجان التحقيق المشتركة لاستجوابهم، مع تعميم المعلومات التي يتم الحصول عليها على جميع الفروع الأمنية. تألفت اللجان من ممثل عن كل من أجهزة المخابرات الأمنية الأربعة إلى جانب ممثل عن فرع الأمن الجنائي في الشرطة. شكلت لجان التحقيق المشتركة شبكةً واسعةً رمى فيها جهاز الأمن السوري عشرات آلاف السوريين الذين تعرضوا لمختلف أنواع التعذيب وسوء المعاملة، ما أدى إلى موت أعداد هائلة من المعتقلين واختفاءهم.
المسؤولون العسكريون والأمنيون
سجّل تغيير رئيس الخلية المركزية لإدارة الأزمات في تشرين الأول/أكتوبر 2011 نقطة تحوّل أخرى في سياسة الدولة القمعية. في المناطق “الساخنة” في إدلب وحمص وحماة ودرعا، التي شهدت أقوى نشاط للمعارضة، تغيّر دور اللجنة الأمنية الاعتيادي في المحافظة في خريف العام 2011 تقريبًا مع تعيين مسؤولين عسكريين رفيعي المستوى لقيادة القوى الأمنية في المحافظة. يبدو أنّ القيادة العليا للنظام اعتبرت أنّ اللجان الأمنية فشلت في السيطرة بالكامل على الوضع الأمني المتدهور وبات من الضروري تعزيز عسكرة الرد. فجرى تعيين هؤلاء المسؤولين العسكريين والأمنيين الجدد بغية محاولة تحسين تنسيق العمليات الأمنية كافة في المحافظة، وبالأخص كرد على تنامي فصائل المعارضة المسلحة ونشاطها. كُلف المسؤول العسكري والأمني بدراسة التوصيات المقدمة من فروع المخابرات/الفروع الأمنية قبل الموافقة على اتخاذ الإجراءات.
المشهد الثان آب/أغسطس 2011“معالجة حالات سوء التنسيق وضعف التنسيق”أصبحت هذه الهيكلية العمود الفقري لرد النظام الأمني عمومًا إلى جانب القوات المسلحة السورية وحزب البعث والميليشيات الأخرى. على مدى الأشهر التي تلت، ترأس كل من الأسد والخلية المركزية تلك الهيكلية وعملوا على تطبيقها وصقلها أكثر فأكثر فيما سعوا إلى استعادة سيطرتهم على البلاد.
على الرغم من التدابير الأمنية المشددة، وعمليات التوقيف المتواصلة، واستنفار البعثيين وغيرهم من المواليين والاستعانة بهم، ونشر الجيش، شهد الصيف استمرار تدهور الوضع في المحافظات. ردًا على ذلك، باشر النظام في شهر آب/أغسطس 2011، استعراض رده الأمني وتعزيزه أكثر. وقد قام بذلك من خلال السعي إلى تصويب نقاط الضعف المتصورة، وإعادة تنظيم الجهاز الأمني وهيكليات القيادة التي يعتمدها، بالإضافة إلى صياغة خطط أوضح على نطاق البلاد ونشرها وتنفيذها لاستهداف مجموعات محددة ضمن المعارضة.
يتجلى دليل واضح على ذلك في تعليمات صادرة عن رئيس مكتب الأمن القومي إثر اجتماع للخلية المركزية. في 5 آب/أغسطس، اجتمعت الخلية المركزية وناقشت خطورة الأزمة في سوريا وخلصت إلى أنّ “التراخي في معالجة الأزمة” و”ضعف التنسيق والتعاون بين الأجهزة الأمنية في تبادل المعلومات ونتائج التحقيقات الجارية” يساهمان في إطالة النزاع.
نتيجة هذا الاجتماع، أصدر رئيس مكتب الأمن القومي في اليوم التالي تعليمات لأمناء حزب البعث (أي رؤساء اللجان الأمنية) في محافظات حماة وريف دمشق ودير الزور وحمص وإدلب ودرعا لتنفيذ سلسلة من المهام.
حدد الأمر بوضوح المجموعات التي يتوجب على العمليات العسكرية/الأمنية المشتركة استهدافها:
- 4 وثائق
تنظيم حملات يومية أمنية-عسكرية مشتركة لقطاعات أمنية هامة تختارونها حسب الأولوية الأمنية تشارك بها كافة الفروع الأمنية لمداهمة أماكن تواجد المطلوبين بجرائم التخريب والقتل والاعتداء على المواطنين وممتلكاتهم، والمؤسسات الحكومية وتوقيفهم وبخاصة المحرضين على التظاهر والممولين للمتظاهرين، وأعضاء التنسيقيات الذين ينظمون التظاهرات، والعملاء الذين يتواصلون مع الخارج للاستمرار بالتظاهر، وتشويه صورة سورية في الإعلام الخارجي والمؤسسات الدولية.
«تعميم الخلية المركزية لإدارة الأزمات في 6 آب/أغسطس 2011، وزّعه فرع المخابرات العسكرية 294 في 17 آب/أغسطس 2011»
أرسى الأمر بنية تحتية لما سيصبح ماكينة بيروقراطية تشرف على عملية التوقيف الجماعي والتعذيب للأشخاص المستهدفين ضمن المجموعات المحددة على نطاق ضخم، حيث سيقوم بتوقيفهم واستجوابهم أعضاء هيئات تحقيقية متخصصة أنشئت في المحافظات وتتألف من عناصر من كل جهاز من أجهزة الأمن/المخابرات ومن الأمن الجنائي، على أن تحدد محاضر الاستجواب أهدافًا جديدة ضمن المجموعة محط الاهتمام يتعرضون على أثرها للملاحقة بدورهم:
تشكيل لجنة تحقيق مشتركة في المحافظة تضم ممثلين عن الفروع الأمنية، وفرع الأمن الجنائي يُحال إليها كافة الموقوفين في الحملات الأمنية للتحقيق معهم وتعميم نتائج التحقيق على كافة الفروع الأمنية لاستثمارها في توزيع الأهداف الجديدة والجدية في ملاحقتهم، مع الاهتمام بالتحقيقات للتوصل إلى أعضاء التنسيقيات المحلّية وتوقيفهم.
«تعميم الخلية المركزية لإدارة الأزمات في 6 آب/أغسطس 2011، وزّعه فرع المخابرات العسكرية 294 في 17 آب/أغسطس 2011»
تُرِك للمحافظات قرار تحديد طبيعة العمليات الأمنية المشتركة ومكان تنفيذها، وكان التواجد الأمني ’والحزبي‘ فيها (أي الجماعات شبه العسكرية الموالية/البعثية)، يضمن السيطرة على المناطق وأمنها بعد “تنظيفها”. وكان لا بدّ من نقل المعلومات التي يتم جمعها إلى كافة الأجهزة وموافاة رئيس مكتب الأمن القومي (وبالتالي الخلية المركزية لإدارة الأزمات) بالنتائج عبر تقارير منتظمة.
في غضون أيام من صدور تعليمات الخلية المركزية، و التي تمّ نشرها على نحو واسع من قبل أجهزة أمن النظام في أرجاء البلاد. مع أنّ تعميم مكتب الأمن القومي الصادر في 6 آب/أغسطس 2011 (المتضمن تعليمات الخلية المركزية) توجه إلى ست محافظات فحسب، إلاّ أنّ التعليمات وزّعت فعليًا على المحافظات كافة:
الجدول 1: خط زمني يبيّن نشر تعليمات الخلية المركزية الصادرة في 5 آب/أغسطس 2011 عبر مكتب الأمن القومي والأجهزة الأمنية واللجان الأمنية في محافظات محددة.
تُظهر وثائق كثيرة أخرى الامتثال التام لرغبات الخلية المركزية والإذعان إلى لغتها، ويُستشَفّ ذلك من الأوامر التي نقلت التعليمات من الرؤساء إلى المرؤوسين وحتى التقارير المقدمة من المرؤوسين لرؤسائهم. من الأمثلة على ذلك التعليمات التالية الصادرة عن رئيس الفرع 243 إلى مفارز الفرع في دير الزور والرقة في 8 آب/أغسطس 2011:
تنفيذ الحملات الأمنية-العسكرية المشتركة يوميًا لأحياء مدينتَي (دير الزور والرقة) كل ضمن قطاع عمله لتوقيف كافة المسلحين المطلوبين بجرائم التخريب والقتل والاعتداء على المواطنين وممتلكاتهم والمؤسسات الحكومية وتوقيفهم وخاصة المحرضين على التظاهر والممولين للمتظاهرين وأعضاء التنسيقيات الذين ينظمون التظاهرات والعملاء الذين يتواصلون مع الخارج للاستمرار بالتظاهر وتشويه صورة سورية في الإعلام الخارجي والمؤسسات الدولية.
بعد تنظيف كل قطاع من المطلوبين يجب استمرار السيطرة عليه بتنظيم التواجد الأمني والحزبي فيه بالتعاون مع لجنة الحي والمنظمات الشعبية والوجهاء والمتنفذين المؤيدين لكي لا يأوي إليه أيّ مطلوب مجددًا.
موافاة رئيس الفرع يوميًا بتقرير عن نتائج التفتيش يتضمن أسماء المطلوبين الذين يتم توقيفهم والأسلحة المصادرة والخسائر الناجمة عن الحملة الأمنية والتقييم العام لنتائج العمل.
موافاة رئاسة الفرع يوميًا عن أسماء العناصر المتخاذلين في مواجهة العصابات المسلحة.
«تعليمات فرع المخابرات العسكرية 243، بتاريخ 8 آب/أغسطس 2011»فكانت النتيجة فورية ومخيفة.
تُبين سجلات التوقيف التي جمعتها لجنة العدالة الدولية والمحاسبة أنّ تعميم تعليمات الخلية المركزية عبر مكتب الأمن القومي والأجهزة الأمنية أدى إلى حملة ممنهجة ومنسقة من التوقيفات والاعتقالات قامت بها كل من الأجهزة الأمنية المذكورة أعلاه. وعلى نحو مماثل، قامت لجان التحقيق بتقديم محاضر الاستجواب، التي حصلت عليها لجنة العدالة الدولية والمحاسبة، من أسفل هرم القيادة إلى أعلاه عملًا بتعليمات الخلية المركزية. هذه المحاضر تملأها عشرات آلاف الأسماء لأشخاص حولهم شبهات مزعومة، مرفقة بتفاصيل تم الحصول عليها من الاستجوابات. في حالات كثيرة، لا تتضمن القوائم أيّ إشارة إلى جرائم يُزعَم بأنّ الموقوف قد ارتكبها، فيما شملت التوقيفات عددًا كبيرًا من الأطفال والمسنين أيضًا. في بعض الحالات، يظهر الشخص عينه في عدد من قوائم المعتقلين المعدة على مدى فترة من الزمن.
استهداف وسائل الإعلام
إلى جانب قادة المعارضة وأعضاء التنسيقيات، واصل عناصر أمن النظام تركيزهم على الناشطين الإعلاميين المعارضين، أولئك الذين “يتآمرون مع الخارج”، في الوقت الذي استمرّت فيه وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام التقليدي بتغطية الأزمة. في شهر أيار/مايو، أرسل رئيس مكتب الأمن القومي كتابًا إلى رئيس شعبة الأمن السياسي طالبًا تزويد مكتبالأمن السياسي بما يلي:
“يرجى موافاتنا بالمعلومات المتوفرة من خلال تحقيقاتكم مع الموقوفين الذين حرضوا على التظاهر ولديهم اتصالات مع الخارج سواء بجهات إعلامية أو جهات مخططة، وشاركوا بتمويل المتظاهرين وتسليحهم، وحجم التمويل والتسليح ومصادره.”
NSB Instruction to the Head of the Political Security Department, 23 May 2011من الواضح أنّ الرئيس الأسد أيّد هذه السياسة شخصيًا. فقد وزّعت القيادة القطرية لحزب البعث ملخصًا لكلمة ألقاها في مأدبة إفطار حضرها علماء ورجال دين في 24 آب/أغسطس 2011 جاء فيها:
- 5 وثائق
“إنّ استخدام وسائل الإعلام للرسائل الصوتية، ومقاطع الفيديو، وشهود العيان المنافقين، هو حرب نفسية تهدف إلى خلق فوضى داخلية، والتأثير في معنويات المواطن السوري، وإنّ الوحدة الوطنية وحدها هي التي تحصن سورية وشعبها تجاه المخططات الحاقدة والعميلة، وهي كفيلة بحقن دماء السوريين، وضمان لإعادة الأمن والاستقرار، وعلى العلماء ورجال الدين أن يسهموا في تحقيق ذلك.”
«تقرير القيادة القطرية لحزب البعث، بتاريخ 3 أيلول/سبتمبر 2011، نُشر في 11 أيلول/سبتمبر 2011»
بُعيد صدور سياسة 6 آب/أغسطس، أنشئت سلسلة من الوحدات المتخصصة لرصد المحتوى الإعلامي ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وإعداد الردود المناسبة. في منتصف شهر آب/أغسطس، كلفت الخلية المركزية وزير الإعلام بتشكيل ’خلية رصد إعلامي‘، فيما تَبيَّن بعد أسابيع معدودة تفعيل “فرقة عمل خاصة” في المخابرات العسكرية لمراقبة المعارضين وتحديد هويتهم عبر فيسبوك.
- 6 وثائق
تشكيل خلية إدارة أزمة وخلية رصد إعلامي في وزارة الإعلام تكلف بمهمة: – جمع وتحليل المعلومات. – إعداد الإجراءات والردود المناسبة. – تزويد الخلية المركزية لإدارة الأزمات بنتائج الرصد الإعلامي وتحليله واستخلاص – النتائج والمقترحات، وذلك برفع تقرير يومي إلى الخلية المركزية.
استثمار نشاط رجال الصحافة والإعلام والأصدقاء وتسهيل مهامهم على الأرض
«تعليمات الخلية المركزية لإدارة الأزمات إلى وزير الإعلام، بتاريخ 16 آب/أغسطس 2011.»
ويظهر مثالٌ آخر ألا وهو تقرير استخباراتي من فرع المخابرات العسكرية في حلب و المعروف بالفرع 290، ما كانت تقوم به الفروع الأمنية بعد تزويدها بتلك المعلومات؛ فقد كانت غالبًا ما تقوم بتوقيف الأشخاص الذين ترد أسماؤهم وباستجوابهم. قدّم التقرير المعلومات عن 12 شخصًا تم توقيفهم في اليوم السابق، بمن فيهم أشخاص نشروا تعليقات مسيئة للنظام أو بثوا المظاهرات على وسائل التواصل الاجتماعي:
- 7 وثائق
2- والدته… تولد 1990 الكويت (أصلًا من حلب). (طالب سنة ثانية معهد كهرباء بجامعة حلب). مطلوب إلينا بموضوع التحريض على التظاهر وتدوين تعليقات مسيئة للقيادة السياسية العليا عبر موقع الفيسبوك (قيد التحقيق).
5- …والدته… تولد 1984 حلب. ورد اسمه بأقوال أحد المحالين إلى لجنة التحقيق بالفرع 291 أنه كان يحضر اجتماعات بقصد التحريض على التظاهر وأنه طلب من المُحال تأمين كاميرا بث مباشر من أجل إعطائها للمتظاهرين في بلدة عندان (أحيل إلى الفرع 291).
8- …والدته… تولد 1987 الرقة. للاشتباه بوضعه الأمني ومصادرتنا منه سيارة تكسي نوع فرنا تحمل اللوحة رقم /660243 – الرقة/ بداخلها جهاز كمبيوتر محمول يحتوي مقاطع لتظاهرات في مدينة حماة ودرعا ومقاطع مسيئة للقيادة العليا وكاميرا ديجيتال وجهازين خليويين (أحيل إلى المحامي العام الأول بحلب ع/ط فرع الأمن الجنائي بحلب).
«تقرير فرع المخابرات العسكرية 290 إلى رئيس المخابرات العسكرية (عبر الفرع 291)، بتاريخ 20 أيلول/سبتمبر 2011»
الفاصل الثانيزوّار رفيعو المستوى
دفعت وحشية التدابير الأمنية وشدتها بالمعارضة إلى تعزيز ردها، ما أفضى بدوره إلى تشكيل فصائل المعارضة المسلحة والسيطرة على المناطق والاشتباك العسكري مع قوى أمن النظام. في كل مرحلة، عمل النظام على زيادة عسكرة رده، عبر تشديد سياسته أولًا، ومن ثم إرسال قادة عسكريين وأمنيين رفيعي المستوى لقيادة العمليات في المحافظات “الساخنة”.
في موازاة ذلك، واصلت الخلية المركزية تصعيد سيطرتها المباشرة على المحافظات “الساخنة”. بحلول نهاية شهر أيلول/سبتمبر، أصبحت قيادات النظام العليا تقود عمليات خاصة ضد المدنيين في مناطق ومحافظات عديدة، منها جبل الزاوية (إحدى مناطق محافظة إدلب)، وقلعة المضيق (إحدى مناطق محافظة حماة)، وحمص، ودير الزور، والغوطة.
تكشف وثائق في حوزة لجنة العدالة الدولية والمحاسبة أنّ الخلية المركزية أمرت رؤساء الأجهزة الأمنية والوزراء في الحكومة والقادة العسكريين بزيارة مناطق مهمة أو الانتقال إليها، حيث كلفتهم بتنسيق عمليات خاصة ومداهمات أو الإشراف عليها أو تنفيذها، واقتراح تدابير لفرض السيطرة على المناطق على أثر العمليات العسكرية المخططة مسبقًا من الميدان.
يَظهر مثال مبكر على ذلك في 13 آب/أغسطس 2011 عندما أصدرت الخلية المركزية أوامر لرؤساء الأجهزة الأمنية بزيارة المناطق المضطربة، وقيادة فروعهم في تنفيذ أوامر الخلية المركزية، واقتراح تدابير لفرض السيطرة على المناطق التي قام الجيش بتأمينها “بعد تنفيذ الجيش لمهمته”، مع الطلب من الوزراء أن يزوروا المناطق ويقدموا المساعدة:
تكليف رؤساء الأجهزة الأمنية بالذهاب إلى المناطقة الأكثر سخونة لتولي قيادة عمل الفروع الأمنية على الأرض واقتراح التدابير للسيطرة على الموقف في المحافظات بعد تنفيذ الجيش لمهمته. تكليف وزراء بالذهاب إلى المحافظات الساخنة بحسب الأولوية ولقاء الناس وتقديم المساعدة […]
لمتابعة ملاحقة الإرهابيين والمحرضين والمخالفين وتوقيف أصحاب السوابق وإبقاء السيطرة عليهم
«محضر اجتماع الخلية المركزية لإدارة الأزمات، بتاريخ 13 آب أغسطس 2011»بعد إثني عشر يومًا، كررت الخلية المركزية أمرها، فأرسلت الوزراء برفقة رؤساء الأجهزة الأمنية لزيارة “المناطق الأكثر سخونة” لقيادة الموقف “على الأرض”. حيث كُلف وزير الدفاع ووزير الداخلية بالإشراف على العمليات المشتركة الخاصة التي تم تخطيطها وتنفيذها في إدلب وحماة، مع إرسال رئيس الامن السياسي والمخابرات العامة لقيادة العمليات الأمنية في إدلب وحمص:
- 8 وثائق
2- إجراء التنسيق اللازم بين الرفيق العماد نائب القائد العام-وزير الدفاع والرفيق وزير الداخلية، لتنفيذ الخطة الخاصة بالعملية المشتركة التي ستنفذ في المنطقتَين المتجاورتَين لمحافظتَي إدلب وحماة.
4- تكليف الرفيق رئيس شعبة الأمن السياسي بالذهاب إلى محافظة حمص لتولي قيادة عمل الفروع الأمنية فيها على الأرض، والمساهمة في نجاح تنفيذ الخطة الموضوعة للسيطرة على الموقف في محافظة حمص.
5- تكليف الرفيق مدير إدارة أمن الدولة بالذهاب إلى محافظة إدلب ليتولى قيادة الفروع الأمنية فيها على الأرض.
6- تكليف الرفيق وزير الداخلية بالإشراف على استكمال الإجراءات الأمنية في محافظة حماة.
«محضر اجتماع الخلية المركزية لإدارة الأزمات في 24 آب/أغسطس 2011، نُشر في 25 آب/أغسطس 2011»
بعد أقل من أسبوعَين، وسّعت الخلية المركزية نطاق أوامرها لتقوم بتكليف القيادات العليا بالذهاب إلى المناطق التي تشهد اضطرابات متزايدة، بما فيها دير الزور وجبل الزاوية وقلعة المضيق والغوطة، مع الإيعاز بتنفيذ مزيد من الزيارات أو المتابعة من القادة المكلفين في حمص وإدلب وحماة للإشراف على تنفيذ عناصر الأمن للعمليات واللقاء مع القادة المحلّيين في إدلب وحماة من أجل “تدقيق خطة المداهمة والتفتيش” التي وضعوها.
- 9 وثائق
1- تكليف الرفيق رئيس شعبة المخابرات بالإشراف على تنفيذ العناصر الأمنية للمهام المكلفين بها في محافظة دير الزور، ومتابعة الرفيق رئيس شعبة الأمن السياسي المهمة المكلف بتنفيذها في محافظة حمص.
2- تكليف الرفيق مدير إدارة المخابرات العامة بالذهاب إلى محافظة إدلب بدءًا من 4/9/2011 للإشراف على تنفيذ العناصر الأمنية للمهام في محافظة إدلب، وإعطاء أهمية خاصة لمنطقة جبل الزاوية.
4- تكليف الرفيق العماد وزير الدفاع والرفيق اللواء وزير الداخلية بتدقيق خطة المداهمة والتفتيش الموضوعة من قبل القادة في منطقة جبل الزاوية في محافظة إدلب، ومنطقة قلعة المضيق في محافظة حماة، وبالذهاب إلى المنطقة بدءًا من 6/9/2011 والاجتماع مع القادة المعنيين، والإشراف على التنفيذ بدءًا من 7/9/2011، وتكليف الرفيق وزير الداخلية بمهمة الإشراف من منطقة حماة.
7- تكليف الرفيق رئيس مكتب الأمن القومي بوضع خطة بالتعاون مع رؤساء الأجهزة الأمنية المختصة، وأمين فرع محافظة ريف دمشق لمعالجة الموقف المتردي في الغوطة الشرقية، والتحقيق في وقوع عدد كبير من القتلى والمصابين في أحداث يوم الجمعة 2/9/2011 وتحديد المسؤولية.
«محضر اجتماع الخلية المركزية لإدارة الأزمات في 3 أيلول/سبتمبر، نُشر في 4 أيلول/سبتمبر 2011»
بحلول منتصف الخريف، زاد النظام عسكرة هيكلية القيادة والسيطرة لديه. فتم تسليم رئاسة الخلية المركزية إلى العماد حسن تركماني، وزير الدفاع السابق وعضو القيادة القطرية في حزب البعث. قام تركماني بدوره بزيادة عسكرة هيكليات القيادة ضمن محافظات أساسية، وذلك عبر إرسال أعضاء من الخلية المركزية للإشراف على عمليات محددة أولًا، ومن ثم تعيين مسؤولين عسكريين رفيعي المستوى لقيادة اللجان الأمنية في المحافظات “الساخنة” وإطلاق عمليات عسكرية ضخمة.
المشهد الثالثتضييق الخناقيفصّل محضر اجتماع الخلية المركزية في 22 تشرين الأول/أكتوبر البحث في سلسلة من المواضيع منها تعليمات مفصّلة لتخطيط “العمل في المرحلة القادمة”، إذ شدد تركماني على دراسة المشاكل بدقة وموضوعية، وتحليل كل مسألة “بشكل صحيح”، والخروج باستنتاجات تؤدي إلى حلول، واتخاذ القرارات ورفع التوصيات لرئيس الجمهورية لإقرارها.
كما دعا الاجتماع إلى استعراض آلية العمل الجديدة على أن يتبع تنفيذ القرارات والخطط “تدخل” عند الشعور بوجود خلل. كما ناقش أهمية السعي “لخلق بيئة حاضنة تنشط فيها العناصر المنفذة”، واستخدام أساليب “لاستمالة الرأي العام” و”كسب تعاون السكان”.
تمحور النقاش في هذا الاجتماع كذلك على نقاط ضعف الجهاز الأمني و”أهمية إلزام الأجهزة الأمنية بتنفيذ المهام” الموكلة إليها من قبل الخلية المركزية “بشكل كامل وبالجدية المطلوبة”. كما درس الأثر الإيجابي للعمل الميداني على الأرض وضرورة انتقال الخلية المركزية إلى بعض المناطق التي تشهد توترات “لمدة يومٍ أو يومين للتدقيق الميداني ومعالجة الموقف الماثل بشكل جذري
اتخذت الخلية المركزية عدة قرارات في هذا الاجتماع المهم، منها: قيام عناصر الخلية المركزية بزيارات ميدانية للإشراف على تنفيذ المهام؛ وعدم الاكتفاء بالتعاميم والأوامر الخطية في تنفيذ التعليمات؛ وتحديد ما المطلوب تنفيذه بوضوح؛ ومطالبة المنفذين بتحديد آلية العمل، ورفع تقارير دورية للمتابعة، ومراقبة تنفيذ الخطط.
فكانت رسالة هذا الاجتماع واضحة: مع استلام رئيس جديد لرئاسة الخلية المركزية سعت هذه الأخيرة إلى السيطرة على الوضع الأمني المتدهور من خلال تشديد الإجراءات وإحكام قبضتها على الرد الأمني.
«محضر اجتماع الخلية المركزية لإدارة الأزمات في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2011، نُشر في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011»
بعد أربعة أيام، جاء قرار بتسمية قادة للإشراف على القرارات التي تتخذها اللجان الأمنية، بما فيها إرسال رئيس شعبة الأمن السياسي لقيادة الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة في حمص:
- 10 وثائق
– دراسة دور وأهمية تنفيذ القرارات المتخذة في اللجان الأمنية، وتحديد قائد مسؤول بتولي الإشراف على تلك القرارات من قبل الأجهزة الأمنية والوحدات العسكرية وفقًا لمضمون كل قرار.
[…] في نهاية الاجتماع تقرر ما يلي:
2- تكليف الرفيق اللواء رئيس شعبة الأمن السياسي بقيادة الأجهزة الأمنية ووحدات القوات المسلحة الموجودة في محافظة حمص، وتزويده بالصلاحيات الكاملة لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل مخطئ أو متهاون.
«محضر اجتماع الخلية المركزية في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2011، نُشر في 27 تشرين الأول/أكتوبر 2011»
كُلف قادة عسكريون رفيعو المستوى بالتوجه إلى محافظات إدلب وحماة وحمص اللتين تشهدان توترات، بغية تنسيق الردود العسكرية والأمنية فيها، وأنشئت غرف عمليات في الوزارات والمحافظات، وتم تحريك الآليات والوحدات العسكرية إلى المناطق التي تشهد الاضطرابات الأسوأ.
في تشرين الثاني/نوفمبر، أوضحت سلسلة من النقاشات والقرارات المهمة في الخلية المركزية شعور القيادة بضرورة اتخاذ تدابير إضافية لتعزيز القيادة والسيطرة على الأجهزة الأمنية في المحافظات الأساسية. يكشف محضر اجتماع الخلية المركزية المنعقد في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2011 جزءًا من هذا التحوّل السياسي الأوسع نطاقًا، حيث بحثت الخلية المركزية في حصر كافة العناصر المدنيين والعسكريين والأمنيين العاملين في المحافظات “الساخنة” تحت إمرة قادة عسكريين، وأوعزت بتعيين عسكريين مطّلعين رفيعي المستوى في تلك المناصب:
- 11 وثائق
“ودارت وقائع الاجتماع على النحو التالي: […] دراسة الأثر الإيجابي لتعيين قادة عسكريين مشهود لهم بالكفاءة والخبرة لقيادة العمليات وخاصة في المحافظات الساخنة، يزودون بصلاحيات لقيادة جميع المسؤولين ورؤساء الأجهزة المدنية والعسكرية والأمنية الموجودة في المنطقة، وأهمية التفكير بابتكار الحلول التي تساعد في إنهاء الأزمة.”
في نهاية الاجتماع تقرر ما يلي: […]
10- يُكلف الرفيق نائب القائد العام-وزير الدفاع باقتراح القادة المناسبين لتولي قيادة الأعمال في المحافظات الساخنة: (إدلب – حماة – حمص – … إلخ).
«محضر اجتماع الخلية المركزية لإدارة الأزمات في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، نُشر في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2011»
بعد يومَين، طُلب من وزير الدفاع “إصدار أوامر خاصة بتكليف قادة مزودين بصلاحيات قيادة العمليات في المحافظات التي تشهد توترات.”
اتسم هذا القرار بأهمية بالغة من ناحية قيادة العمليات الأمنية والتحكم بها من الأجهزة المدنية/الاستخباراتية/الأمنية إلى الجيش (أقله في المحافظات التي تشهد زعزعة في استقرارها وتواجه مشاكل أمنية ملحوظة). من الواضح أنّ القيادة الوطنية اعتبرت أنّ التدابير المتخذة في الأشهر السابقة لم تكن ناجحة تمامًا وأنّ الأجهزة المكلفة بضبط الموقف فشلت في تحقيق الهدف المتمثل في قمع المعارضة وإحباط نشاطها. وكان واضحًا بأنّ الوضع تردّى ما استوجب تسليم زمام الأمور إلى قادة عسكريين مخضرمين.
يُبيّن أمر إداري صادر في 26 تشرين الثاني/نوفمبر قيام الأسد بتعيين قائد القوات الخاصة في الجيش السوري اللواء فؤاد أحمد حمودة في منصب المسؤول العسكري والأمني في محافظة إدلب، وهي إحدى معاقل المعارضة:
يُكلف اللواء فؤاد أحمد حمودة – قائد القوات الخاصة بقيادة كافة الوحدات والقطاعات والتشكيلات العسكرية، والقوى الأمنية المختلفة، وقوى الأمن الداخلي، والفعاليات الحكومية والحزبية في محافظة إدلب ويُعتبر رئيسًا للجنة الأمنية.
يُطلب من كافة الجهات المذكورة التقيّد التام بالأوامر والتعليمات الصادرة عن اللواء فؤاد أحمد حمودة – قائد القوات الخاصة، والتعاون والتنسيق التام بين جميع المعنيين لتنفيذ العمليات النوعية المنظمة لتحقيق النجاح التام، وتأمين الأمن والاستقرار في المحافظة وتعزيز ثقة المواطنين بجيشهم وقواه الأمنية.
«يتم رفع تقرير يومي إلى القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة – هيئة العمليات يشمل كافة الأعمال المنفذة في المحافظة.
الفريق بشار الأسد
القائد العام للجيش والقوات المسلحة
أمر إداري، بتاريخ 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2011»
جرت تعيينات مشابهة في حمص، حيث أنشئ منصب المسؤول العسكري والأمني وسُلم لأحد نوّاب رئيس هيئة أركان الجيش ما أسفر عن نتائج وخيمة، وكذلك في درعا وحماة
العودة إلى تقرير لجنة العدالة الدولية والمحاسبة بعنوا “خنق حمص”
تبعت ذلك موجة من الهجمات العنيفة. تفصّل وثائق في حوزة لجنة العدالة الدولية والمحاسبة مداهمات البحث والتوقيف التي نفذتها قوات النظام في بلدات وقرى في مختلف أنحاء سوريا. لمدة ثمانية أيام في شهر كانون الأول/ديسمبر، وفي أثناء توقيع خطة السلام الثالثة للجامعة العربية، استلمت الخلية المركزية تقارير أشارت إلى “عمليات بحث وتمشيط” منتظمة قام بها عناصر الجيش والشرطة والأمن في مواقع في حمص ودرعا.
يوضّح كتابٌ وجهه رئيس لجنة التحقيق المشتركة في حماة إلى المسؤول العسكري والأمني، برتبة لواء في القوات المسلحة المعاملة الوحشية التي تعرض لها المعتقلون إثر توقيفهم:
“يتعذر علينا الدقة بالتحقيق مع بعض المواقيف بسبب حالتهم الصحية السيئة لتعرضهم للضرب المبرح المقضي إلى عاهة دائمة أحيانًا أثناء احتجازهم لدى بعض الجهات الأمنية لمدد طويلة قبل تقديمهم إلينا.”
الخاتمةكانت كل العناصر جاهزة والأجواء مهيأة لخنق المعارضة. أطلق النظام السوري من خلال سلسلة القرارات المتخذة على أعلى المستويات، وبموافقة الرئيس الأسد شخصيًا، العنان لجهاز [أمني] ذو أبعاد هائلة؛ جهاز سيبتلع مئات الآلاف من المتظاهرين والمدنيين والثوار عن غير قصد الذين سيختفون في دهاليز غرف التعذيب أو سينتهي بهم المطاف قتلى في شوارع سوريا وميادينها.