تجدر الإشارة إلى أن الدنمارك لا تنفّذ حالياً عمليات ترحيل إلى سوريا لعدم وجود اتفاقية إعادة إلى الوطن بين البلدين. وبدلاً من ذلك، يتم وضع الأفراد في مراكز المغادرة التي تعرّضت لانتقادات بسبب ظروفها الشبيهة بالسجن.
14 / تشرين ثاني / نوفمبر / 2020
المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة
في الصيف الماضي، أكد المجلس الدنماركي لطعون اللاجئين وهو هيئة شبه قضائية تتعامل مع الشكاوى المتعلقة بقرارات اللجوء في الدنمارك، قرار دائرة الهجرة الدنماركية (DIS) بإلغاء تصاريح الإقامة ورفض تمديدها للعديد من اللاجئين السوريين من دمشق. وتعكس هذه القرارات سوء فهم أساسي في أوروبا مفاده أن العاصمة السورية هي مكان آمن للعائدين، وهو موضوع سبق أن نوقش في تقرير صادر عن المركز السوري للعدالة والمساءلة. وقد تعزّزت هذه السابقة الخطيرة بإعلان الحكومة الدنماركية في تموز/يوليو أنها ستسرع في مراجعتها لما يقرب من 900 لاجئ سوري من دمشق بحلول نهاية عام 2020. ومنذ ذلك الحين، استمرت كل من دائرة الهجرة الدنماركية والمجلس في إلغاء تصاريح الإقامة ورفض تمديدها. ووفقاً للمجلس الدنماركي لطعون اللاجئين، رفضت مصلحة الهجرة الدنماركية أيضاً طلبات اللجوء الجديدة ووسّعت نطاق تركيزها ليشمل السوريين من ريف دمشق. ولم يستمع المجلس إلى هذه الحالات بعد، لذلك لا يزال من غير الواضح ما إذا كان المجلس سيوافق على تقييم مصلحة الهجرة الدنماركية للوضع الأمني في المناطق الريفية المحيطة بالعاصمة السورية.
وإن الوضع الذي يواجه اللاجئين في الدنمارك ودول أوروبية أخرى هو جزء من نقاش أوسع حول العائدين السوريين، وهو محور تركيز مؤتمر يُعقد في دمشق هذا الأسبوع تنظّمه الحكومة السورية وروسيا. وبحسب الوكالة العربية السورية للأنباء، سيسهم المؤتمر في “تخفيف معاناة اللاجئين السوريين وإتاحة المجال لعودتهم إلى وطنهم وحياتهم الطبيعية، خاصة في ظل ما تم تحقيقه على صعيد عودة الأمن والاستقرار إلى معظم الأراضي السورية”. غير أن البلدان التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين، مثل تركيا، لن تحضر هذا المؤتمر. ولن تحضره الولايات المتحدة أو الدول الأوربية التي “لا تعتقد أن الجيش الروسي يتمتع بالمصداقية لعقد نقاشات مجدية بشأن عودة اللاجئين”.
وعلى الرغم من الدعاية الروسية والسورية التي تشير إلى عكس ذلك، تظهرالأدلة أن المرحّلين لديهم خوف مبرر من التعرّض للاضطهاد في حالة إعادتهم إلى سوريا. وعلى هذا النحو، يجب على الدنمارك والدول الأخرى أن تأخذ في الاعتبار بشكل شمولي معلومات عن البلد الأصلي، بالإضافة إلى التزاماتها بموجب القانون الدولي وقانون الاتحاد الأوروبي، ودعم حق اللاجئين في الحماية، بما في ذلك أولئك القادمين من منطقة دمشق. وسيساعد تقييم الحالة في توضيح السبب الذي يدعو الدول إلى إعادة النظر في مقاربتها الحالية. حيث أن الأمر يتعلق بالأفراد الذين رفضت مصلحة الهجرة الدنماركية منحهم تصاريح إقامة. ثم نظر مجلس طعون اللاجئين في شكواهم.
القضية المنظورة أمام المجلس الدنماركي لطعون اللاجئين
في هذه القضية، ادّعى زوجان وجود سببين لتعرّض حياتهما للخطر في حال عودتهما إلى سوريا. أولاً، هما ينحدران من منطقة خاضعة رسمياً للمعارضة في دمشق حيث يتم استهداف السكان بسبب انتماءاتهم السياسية. ثانياً، تهرّب أبنائهما من الخدمة العسكرية، لذلك يخشى الزوجان أن تتم معاقبتهما على الجرائم الجنائية لأبنائهما. وأشار المجلس إلى أن الزوجين مُنحا جوازي سفر سوريَّين في عام 2012 مما مكنهما من مغادرة البلد بشكل قانوني. وبالتالي، لم يتم “تحديد ملف تعريفي لهما بشكل فردي من قبل السلطات السورية وقت مغادرتهما”. وعلاوة على ذلك، رأى المجلس أن الزوجين لم يُظهرا أنهما سيكونان مستهدفين بسبب انتماءاتهما الإقليمية لأن “الظروف الحالية في دمشق لم تعد ذات طبيعة توحي بأن هناك أساساً لافتراض أنهما سيكونان في خطر حقيقي” لسوء المعاملة ببساطة بسبب وجودهم في تلك المنطقة. وبالتالي، فقد حُرما من وضع الحماية المؤقت (TPS)، على الرغم من أن ذلك ظل لأسباب غير مذكورة في القرار، مما يعني أن وضع الحماية المؤقت الخاص بهما لا يزال سارياً. وكانت الابنة البالغة للزوجين موضوع قضية ثانية اتخذ المجلس نفس القرار بشأنها.
أهمية قرارات المجلس
تُعتبر قرارات المجلس مثيرة للقلق بسبب العدسة الضيقة التي ينظرون من خلالها إلى المخاوف الأمنية في دمشق. وفيما يتعلق بالادّعاء الأول للزوجين أنهما سيتم استهدافهما بسبب انتمائهما الإقليمي، تظهر الأدلة أن الحكومة السورية تربط الأفراد الذين يقيمون في مناطق تسيطر عليها المعارضة رسمياً أو ينتمون إلى تلك المناطق بالمعارضة المسلحة. ويواجه هؤلاء المدنيون وابلاً من الانتهاكات، بما في ذلك: التعذيب، والعنف الجنسي، والإعدام خارج نطاق القضاء، وتفتيش المنازل، وعمليات التفتيش على نقاط التفتيش، والقصف المدفعي، والقصف الجوي، والحصار. وحتى في المناطق التي أبرمت فيها اتفاقات المصالحة بين الأطراف، تنتهك الشروط “حقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك الحق في التجمع السلمي”. وعلاوة على ذلك، لا تزال هناك تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة السورية ستنظر إلى الفرار على أنه أحد أفعال المعارضة. وإن الادّعاء الثاني للزوجين، بأنه سيتم معاقبتهما على تهرّب أبنائهما من الخدمة العسكرية، فهو مدعوم أيضاً بتوثيق يفيد بأن أفراد عائلات المتهربين من الخدمة العسكرية غالباً ما يتعرضون للضغط من قبل السلطات، بل ويتم اعتقالهم، كطريقة للحكومة لممارسة ضغط غير مباشر على المتهرّبين أنفسهم. وبشكل عام، تُظهر مجموعة كبيرة من الأدلة أن العائدين إلى سوريا يواجهون انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان وآفاقاً اقتصادية سيئة، مما يجعل معظم عمليات العودة غير آمنة وغير مستدامة.
وتجدر الإشارة إلى أن الدنمارك لا تنفّذ حالياً عمليات ترحيل إلى سوريا لعدم وجود اتفاقية إعادة إلى الوطن بين البلدين. وبدلاً من ذلك، يتم وضع الأفراد في مراكز المغادرة التي تعرّضت لانتقادات بسبب ظروفها الشبيهة بالسجن. ولكن نهجها في عمليات تقييم السلامة والأمان – والمقاربات المماثلة من الدول الأوروبية الأخرى وممّن حضر مؤتمر دمشق – تعكس فهماً خاطئاً للغاية لسلامة عودة اللاجئين والذي قد يُعرّض الآلاف للخطر مع استمرار ضعف سُبل حماية اللاجئين في أوروبا والشرق الأوسط. وعلاوة على ذلك، فهو يقوّض المبادئ الأساسية المنصوص عليها في الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951 والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والتي يتمتع اللاجئون بموجبها بما يلي: عدم الإعادة القسرية والحرية والأمن، ولا عقوبة بدون قانون، وحظر التعذيب، وحظر التمييز.
وفقاً لذلك، يجب على الدول التخلّي عن هذه المقاربة ومراعاة اعتبارات الحماية الدولية. وينبغي عليهم التأكد من أن ممارساتهم تتماشى مع معايير تحديد وضع اللاجئين وإعادة التوطين التي وضعها المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وينبغي لتلك الممارسات أن تراعي المبادئ التوجيهية التي وضعتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لبلد المنشأ. وبذلك، ستجني البلدان فوائد مجتمعات اللاجئين المتكاملة، بدلاً من طرد الأشخاص المستضعفين واستمرار دورات النزوح.