" ما يجري وصفه باعتباره انتصاراً عسكرياً كبيراً، لم يترجم إلى تحسين الحياة التي كانت متوقعة". فلدينا 3 إلى 4 في المائة من الناس الذين يمتلكون ثروات كبيرة، أما الباقي، فحياتهم مجرد صراع."
27 / آذار / مارس / 2019
*مع العدالة
نشرت صحيفة _ واشنطن بوست_ تقريراً حول مستويات المعيشة داخل سورية وامتعاض السوريين من الحالة المزرية التي وصلت إليها البلاد، مع استمرار الصراع الذي يحاول نظام الأسد وحلفاؤه تحويره إلى نصرٍ لصالحهم.
توصف كاتبة التقرير “ليز سلاي” بأن الظروف قاسية بالنسبة للسوريين، البالغ عددهم 19 مليون، يتوزعون في جميع أنحاء البلاد التي مزقتها الحرب، بما في ذلك ما يقرب من الثلث منهم لما يزل خارج سيطرة نظام الأسد. حيث تم تهجير وتدمير المدن والقرى بأكملها، ويعيش قرابة 89 % من السكان في فقر مدقع ويعتمدون على المساعدات الغذائية الدولية، وفقاً للأمم المتحدة.
وتضيف، أن أولئك الذين يعيشون في المناطق الموالية للنظام، التي تمتاز بأسوأ أعمال العنف والفساد، يعانون من أقسى أشكال الحرمان، بما في ذلك في العاصمة دمشق. إذ يقول أغلب السكان إن الحياة أصبحت صعبة في الأشهر الأخيرة، أكثر من أي وقت مضى في السنوات الثماني الماضية، هذا ما يؤكد أنه لن يكون هناك تعافٍ سريع من الأضرار الهائلة التي ألحقتها الحرب بالاقتصاد السوري والنسيج الاجتماعي.
وبحسب وصفها على لسان كاتب يقيم في دمشق تحدث إليها بشريطة عدم ذكر اسمه ” إن الضواحي التي يسيطر عليها المسلحون وتم استعادتها من قبل النظام وحلفائه، كانت القذائف تأتي منها على شوارع العاصمة بشكل منتظم، مما أدّى إلى تخوف الناس هناك؛ وخاصة ضاحية الغوطة الشرقية التي تمت السيطرة عليها، وتم إنهاء حالات إطلاق الصواريخ والقذائف نحو العاصمة، لكن هذا لم يجلب الراحة التي كان ينتظرها السكان. وقال أيضاً” بالكاد يستطيع الناس البقاء على قيد الحياة، والنسبة المئوية للفقراء تتزايد مع مرور الوقت.”
كما أدّى النقص الحادّ في الوقود والغاز والكهرباء إلى تعرض المواطنين للبرد القارس والظلام خلال فصل الشتاء بشكل غير عادي. وإن العملة السورية التي انخفضت، ثم استقرت بعد اندلاع الحرب، تنخفض مرة أخرى، مما أدّى إلى ارتفاع الأسعار.
وتقول الكاتبة، إن آلاف الرجال الذين قاتلوا على الخطوط الأمامية يعودون إلى ديارهم دون أمل في العثور على وظائف. حيث تطوّر الفساد الاقتصادي في زمن الحرب على نطاق غير مسبوق، مما يضاعف ذلك التحدي اليومي المتمثل في الوقوف ساعات طويلة لتأمين الاحتياجات الأساسية مع اضطرار الناس إلى دفع رشاوى متعددة لجهات رسمية، وفقاً لسكان العاصمة دمشق.
وفي سياق التقرير تشير الكاتبة إلى أنّ هنالك توقعات واسعة النطاق، بتشجيع من الحكومة بأن المستثمرين العرب الأثرياء سوف يتدفقون إلى دمشق، وأن التمويل الصيني لمشاريع إعادة الإعمار سوف يتدفق أيضاً، وأن العقوبات الأمريكية ستخف وتيرتها. ولقد خاب أمل الناس، ومن غير المرجح أن يتم الوفاء بهذه الوعود في أي وقت قريب.
وتضيف، المقاهي والحانات في دمشق تمتلئ في الليل، مما يخلق انطباعاً عن وجود مدينة منتعشة. إلا أنّ هؤلاء المحتفلين يمثلون نخبة قليلة، استفادت من الحرب، حيث استهلاكهم للمال واضح، ومصاريفهم كثيرة، ما يثير استياء الغالبية العظمى من المواطنين الذين تتمثل حياتهم اليومية في الكفاح من أجل البقاء، على حدّ قول السكان.
يقول “داني مكي” محلل وصحافي بريطاني سوري يعيش في دمشق:” ما يجري وصفه باعتباره انتصاراً عسكرياً كبيراً، لم يترجم إلى تحسين الحياة التي كانت متوقعة”. فلدينا 3 إلى 4 في المائة من الناس الذين يمتلكون ثروات كبيرة، أما الباقي، فحياتهم مجرد صراع.”
ويكمل، “الوضع كئيب، وكان الشتاء قاسياً جداً، فحينما كانت المجموعات المسلحة قريبة من دمشق، لم يكن لدينا مثل هذه القضايا من منظور نوع الحياة الاقتصادية.” وينعكس هذا الاستياء من خلال سيل غير مسبوق من الشكاوى على وسائل التواصل الاجتماعي أحدثه موالون للأسد، بما في ذلك مشاهير وشخصيات تلفزيونية استخدموا سابقاً مكانتهم لحشد الدعم لنظامه.
ومن الممثلين البارزين تقول الكاتبة إن “أيمن زيدان” كتب في منشور عام على صفحته في “فيسبوك” _ لقد فزنا، ولكن ليس هناك معنى لتحقيق النصر إذا لم يعد لدينا وطن عرفناه_ مما يعكس الشعور بخيبة الأمل من انتصار الأسد العسكري على بلده.
وأيضاً، أدرجت الكاتبة شكوى الممثلة “شكران مرتجى”؛ بحسب قول الأخيرة” لقد سئمنا من الوعود والتعهدات من قبل قنوات التلفزة والراديو”، وذلك أيضاً في منشور عام على صفحتها موجهٌ إلى بشار الأسد.
إذ تتساءل “مرتجى” مستنكرةً ” هل سنسمح حقاً لمن يموتون في الحرب بالموت من البؤس والأسعار الباهظة والمرتفعة؟”
وتشير الكاتبة إلى الخطاب الأخير لرأس النظام -الأسد ” أنه قد سمع الشكاوى، وكان دفاعياً على نحو غير اعتيادي، عندما أقرّ بأن بعضاً من الأشخاص يعانون حقاً، وأن الفساد بين المسؤولين المحليين قد ساهم في المصاعب التي يواجهها الناس. لكنه لم يتجاهل مسؤولية المغتربين السوريين، حيث اتهمهم بتوجيه أقوى الانتقادات لحكومته، وقد نسب النقص الحاد في المنتجات الحيويّة إلى العقوبات الأمريكية.
وبحسب خبراء اقتصاديين ودبلوماسيين غربيين، قالوا إن النقص الحادّ غير المتوقع في منتجات الطاقة ضمن الأشهر الأخيرة، سببها العقوبات الجديدة التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية في نوفمبر/ تشرين الثاني.
وتنقل “ليز سلاي” كاتبة التقرير على لسان “جهاد يازجي، وهو محرر في صحيفة _سوريا ريبورت_ الإخبارية، التي تركز على الأعمال والاقتصاد” إن تأثير العقوبات الأمريكية والأوروبية المحدودة على الناس العاديين في الأيام الأولى للحرب ضد الأفراد المرتبطين بنظام الأسد، كان ضئيلاً للغاية. وقال إنه بصرف النظر عن فترة نفاد إمدادات الوقود والغاز قبل عامين بسبب النزاع بين الحكومة وإيران، فإن معظم المنتجات كانت متاحة على نطاق واسع، في المناطق التي تسيطر عليها حكومة النظام طيلة سنوات النزاع.
ويضيف، العقوبات التي استهدفت شركات الشحن التي تقدّم الوقود والغاز إلى سورية، أدّت بشكل مفاجئ إلى ردع أولئك الذين ينقلون الوقود إلى سورية من الاستمرار في القيام بذلك، خشية تعريض أعمالهم للخطر في مناطق أخرى.
أما عن الكاتب الذي يقيم في دمشق، الذي طلب عدم ذكر اسمه، يقول” الناس لا يلومون أمريكا، أو على الأقل لا يتحملون المسؤولية الرئيسة عن أمريكا. فهم يعرفون أن الحكومة السورية عاجزة وفاسدة.” والأسد نفسه، لما يزل خارج حدود الانتقاد، بحسب وجهة النظر التي تم التعبير عنها بشكل عام، وأن رأس النظام _ الأسد _ غير متورّط في الإدارة اليومية للبلاد. فالمسؤولون الفاسدون وعديمو الكفاءة وأمراء الحرب المحليين الذين يدعمون النزاع، هم الذين يتحملون كافة الإخفاقات.
تستنتج الكاتبة بأن لا أحد يتوقع تمرداً آخرَ ضد “الأسد” في الوقت الحالي، على الأقل في المناطق الموالية، كما يقول السوريون. فاحتجاجات عام 2011، التي خرج فيها ملايين الناس إلى الشوارع مطالبين الأسد بالتنحّي عن الحكم، أشعلت حرباً كلفت أرواح ما يقرب من نصف مليون شخص، وألحقت الأذى بأكثر من 6 ملايين لاجئ. كما قيمة الأضرار التي لحقت بالاقتصاد السوري والبنية التحتية وصلت إلى 388 مليار دولار، وفقاً للأمم المتحدة.
“لقد فقد الناس إرادتهم، فلا توجد أسرة واحدة في سورية إلا وقد فقدت واحداً منها.” هكذا عبّر الكاتب من دمشق. “إنهم يريدون فقط أن ينتهي الأمر، وهم يحاولون تغطية احتياجاتهم.”
أما تغلغل أجهزة المخابرات السورية، قد فرضَ حدوداً على الانتقادات المتفشية؛ ومن تبعات القبضة الأمنية كما يرى مؤيدو النظام السوري، هو اعتقال واختفاء “وسام الطير” هذا العام، من مؤيدي النظام البارزين؛ إذ كان يدير شبكة إخبارية مؤيدة للحكومة السورية تحت اسم ” دمشق الآن”؛ وحتى هذه اللحظات لم يعرف الجميع سبب اعتقاله، ومكان وجوده الحالي غير معروف، وفقاً لمقربين منه.
حيث يناقش السوريون ما إذا كانت حكومة النظام قد قررت التسامح مع الانتقادات النادرة من مؤيديها، أو ما إذا كانت تفتقر إلى القدرة على اعتقال جميع المشتكين. فلقد اختفى أكثر من 100.000 سوري في السجون السورية منذ عام 2011، وتم إعدام عشرات الألوف، أو قتلوا تحت التعذيب، كما وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي تحتفظ بقاعدة بيانات لضحايا الحرب المدنيين.
ويقول “اليازجي” إن معظم الضحايا كانوا من الذين طالبوا الأسد بالرحيل عن منصبه، وبما إن التحدي يكمن في المعارضة التي تضمنت مجموعة واسعة من وجهات النظر، أغلبهم نشطاء يبحثون عن الديمقراطية، ووصولاً إلى المتطرفين الجهاديين، فإن أولئك الذين يقفون إلى جانب النظام السوري، يشعرون بأن لهم الحق في التعبير عن آرائهم.
ويضيف،” أن شعورهم لمواجهة عدوٍ مشترك أصبح غير موجود.” حيث يقول الناس: _لقد هزمنا العدو المشترك، لذا دعونا ننظر الآن ونعرف من المسؤول عن الكوارث التي نحن فيها.”
ووفقاً لمسؤول حكومي سوري متقاعد عن منصبه، طلب أيضاً عدم الكشف عن هويته لأسباب تتعلق بسلامته” إن هذا الشعور يثير أيضاً تساؤلات حول الاتجاه المستقبلي لسورية، واستدامة حكم القبضة الحديدية لعائلة الأسد.”!
وتختم الكاتبة تقريرها” بأن الكثير من الموالين لنظام الأسد يعوّلون على (عملية السلام) التي تقودها روسيا، والتي تدعمها الأمم المتحدة. حيث إن الخطة الروسية تشمل إجراء إصلاحات على الدستور السوري، وضم أعضاء من المعارضة السورية إلى الحكومة… ولربما تضعف روسيا من سلطة النظام السوري المطلقة.
وأن أمريكا وأوروبا سوف توافقان على مثل هذه التسوية، ما يفتح الطريق أمام تمويل إعادة الإعمار والاستثمار الأجنبي وإعادة تأهيل سورية من قبل المجتمع الدولي. ورغم ذلك، فإن الأسد قد أعربَ مراراً وتكراراً عن معارضته لأية تغييرات دستورية يتم التفاوض عليها من قبل القوى الأجنبية.
وأخيراً، يقول المسؤول المتقاعد” إنه لا يدعم المعارضة، لكنه يشكّك في جدوى نظام الأسد الذي لا يظهر أي استعداد للتسوية في مواجهة التحديات الهائلة.” وينهي، ” الناس، لديهم شعور بأن الحرب لم تنتهِ بعد.”