مي سكاف تحولت إلى رمز لشجاعة مئات السوريين المجهولين، الذين بذلوا حياتهم خلال الثورة لتعبيد طريق الحرية للأجيال القادمة
24 / تموز / يوليو / 2018
كان آخر منشور خطته أحد أهم رموز الثورة السورية، الفنانة مي سكاف، ومع تداول خبر وفاتها خيّم حزن عميق على الحالمين بالحرية، أضيف إلى رصيد حزنهم الشخصي والعام للواقع الأليم لأكثر من سبع سنوات سارت فيها الأشرعة بما لم تشتهي السفن.
حزن عظيم غطى على العالم الإفتراضي الذي جمع السوريين المتناثرين في جميع دول العالم والذي تسبب به هذا النظام الفاشي، وتلون بصور الثائرة مي سكاف وكلماتها وعباراتها وملامحها الغاضبة الرافضة للظلم تارة، والحالمة بالحرية المنشودة تارة أخرى، لتتحول صور مي كنوع آخر من تجديد الحلم وتأكيد أن الثورة مازالت مستمرة، واستمدوا من آخر كلماتها عزاء العاجز، وحلم الحالم، وقدوة الثائر.
ومن وحي كلمات مي الأخيرة “إنها سوريا العظيمة وليست سوريا الأسد” أعادتنا مي إلى سبع سنوات عندما انفجر الشعب بصوت واحد في الساحات “سوريا لينا وما هي لبيت الأسد”.
مي الفنانة الجميلة منذ اليوم الأول بالثورة اختارت مسرح الواقع لتجسد أجمل وأعقد دور يتمناه أي ممثل بالعالم، الحلم والواقع، القوة والضعف، العقل والجنون، الصواب والخطأ، مع أو ضد، اتضاح الرؤية وضبابية المشاعر، ودافعت عن قناعتها بشجاعة صاحب الحق وصلابة الثائر وعنفوان الإنسان، ولم تندم على هذا الطريق يوماً ولم تبدل جلدها تبعاً إلى حسابات مادية أو مكاسب شخصية.
لم تكن مي تتردد بأن تظهر على أي منبر إعلامي بوجهها الجميل بدون أي مساحيق تجميل، من باريس وهي بعيدة آلاف الكيلومترات عن سوريا، بوجه مرهق من أخبار السوريين اليومية، عيون متعبة بهالات سوداء من قلة النوم وكثرة البكاء، وشعرها الأبيض الذي نسيت صبغه أو تمشيطه وكأنها تعيش معاناة نساء سوريا في المخيمات، تتحدث بحرقة قلب وصوت شجاع عفوي عن ما يتعرض له الشعب، تبكي وتنفعل وتتلعثم بعض الأحيان بالكلمات، أصابت في كثير من الأحيان، وأخطأت أحياناً أخرى، كانت صورة عن فئة كبيرة منا، ضد الطائفية ليست عنصرية، وطنية وكل أحلامها تنتهي عند سوريا العظيمة التي حلمنا بها سوريا لنا وليست سوريا الأسد.
أنتِ تحولت لرمز عن شجاعة مئات السوريين المجهولين، الذين بذلوا حياتهم خلال الثورة لتعبيد طريق الحرية للأجيال القادمة ، صوتك العالي بالحق تحول رمز لكل الأصوات التي اعتقلت بسبب كلمة ورأي، رفضك للظلم تحول رمز لعشرات الآلاف الذين دفعوا أثمانا باهظة بسبب موقف إنساني صائب في الوقت الصحيح.
لستِ نبيّة يا مي ولا قديسة، أنتِ كنت إنسانة بكل ما تحمل مشاعر الإنسان من تخبط، ولكن روحك وقلبك إلى جانب المظلوم وضد الظالم، وهذا كافٍ لتكوني أيقونة يا مي، من لحم ودم، تعيش وتموت، تخطئ وتصيب، ولكنها تملك إرادة الحياة الحرة، ربما قلبك لم يتحمل كل هذه الخسارات، غادرتِ يا مي قبل أن يتحقق حلمك بالحرية التي كنت وفية طوال الطريق لدربها، ولكن ارقدي بسلام لأنه لم يعد الأسد حكراً على بشار الأسد فكل أسد يفرخ أجيالاً من الأسود وخلال سبع سنوات اكتشفنا أسداً وراء أسد وإحباط هنا وفشل هناك وحفرة هنا وحفر هناك، لم يكن طريقك وطريقنا يا مي كما كنا نتأمل، وكثر هم من قرروا العودة لحظيرة الأسد الواحدة أفضل من عشرات الحظائر الاخرى، أو بأفضل الحالات قرروا جلد ذاتهم لأنهم دعموا ومشوا وراء باقي الأسود، منهم من توقف في منتصف الطريق ولعن الطريق من أوله، وهناك من أكمل حياته في الدنيا الواسعة بعيداً عن دروب كل حيوانات الغابة، إلا أنتِ يا مي حتى اللحظة الأخيرة لم تخفضي نبرة صوتك رغم كل الخسارات، لم تعودي إلى الحظيرة الأولى ولم تنضمي لأي حظيرة غيرها، شجاعة أنت يا مي بحياتك وموتك، ويكفيك فخراً يا جميلة أنك بقيت شامخة بعيوننا جميعا كجبل قاسيون… يوماً ما يا ميّ سينقل الأحرار رفاتك حيث تمنيت يوماً.. يوماً ما سيكتب على شاهدة قبرك في دمشق “إنها سوريا العظيمة وليست سوريا الأسد”.
هدى أبو نبوت – حرية برس
.
.