يجب على المنظمات الدولية أن تبذل جهداً مجدياً لجلب الناشطين المحليين إلى الطاولة، ليس فقط للتعبير عن مخاوفهم وتبادل المعلومات، بل لتشكيل السياسات أيضاً.
23 / تموز / يوليو / 2018
قدم مركز بروكنغز مدخلا قيّما لمسألة العدالة الانتقالية في سوريا بعنوان: ” توثيق الأعمال الوحشية: المجتمع المدني السوري والعدالة الانتقالية”. فيما يلي ملخص لهذا الدليل.
***
من خلال التوثيق، يقوم ممثلو المجتمع المدني السوري بتحويل دور العدالة الانتقالية في النزاع المستمر من خلال استعادة مركزية الضحايا في العمليات القضائية. وقد عزز التوثيق السوري للانتهاكات مركزية الجهات الفاعلة المحلية، حتى وإن كانت الطريقة التي تتبعها العدالة الانتقالية لا تزال مدوّلة إلى حد كبير.
يجادل بحث توثيق الأعمال الوحشية: المجتمع المدني السوري والعدالة الانتقالية بأنه في الصراعات المستعرة كما هو الحال في سوريا، يجب اعتبار توثيق الانتهاكات آلية قائمة بذاتها للعدالة الانتقالية وكوسيلة لوضع الأساس لمجموعة متنوعة من أهداف العدالة المستقبلية في مرحلة ما بعد الصراع. هذا لسببين رئيسيين. أولاً، الوثائق هي شكل قوي من أشكال المقاومة اللاعنفية للصراع المستمر والعنيف. إنها تشكل سعيًا حاسمًا للعدالة دون الاضطرار إلى انتظار حدوث انتقال سياسي أو لتهدئة الصراع. التوثيق يقاوم اختطاف السرديات وتدمير الأدلة والتاريخ والذاكرة. وهي تحافظ على وتحمي قاعدة بيانات تحتوي على مواد حاسمة للملاحقات النهائية ولجان الحقيقة. وبذلك، تبقى الوثائق قضية العدالة في سوريا على قيد الحياة، حتى لو تم تهميشها أو رفضها تماما في محادثات السلام الرسمية. وهذا يجعل التوثيق، في حد ذاته، شكلاً من أشكال المقاومة.
علاوة على ذلك، لا تكتسب الوثائق فقط الأساس الضروري لتأسيس آليات العدالة الانتقالية المستقبلية، ولكنها تساعد أيضًا في ضمان مسار للعدالة الانتقالية تقودها فكرة إنصاف الضحايا. ومن المفارقات، أن العدالة الانتقالية غالباً ما تتجاهل سبل معالجة توقعات الضحايا بشكل هادف. وبدلاً من ذلك، فإن مسارها تحدده النخب التي لا تتفق أولوياتها دائمًا مع أولويات الضحايا. وبالتالي، فإن أولئك الذين تأثروا بشكل مباشر بالفظائع التي ارتكبت في الماضي والمستمرة إلى اليوم يجدون أنفسهم يصارعون من أجل مطالبة مطالبهم بالعدالة الانتقالية التي تلبي احتياجاتهم وتوقعاتهم بصورة كافية. غير أن صحافة المواطن والمعلومات المفتوحة المصدر عززت بشكل كبير الطبيعة الشاملة للوثائق، فضلاً عن سهولة الوصول إليها. وأدى ذلك إلى تعزيز احتمالات إقامة عدالة انتقالية أكثر شرعية وعضوية وقيادة بقيادة المجتمع المدني.
وبينما يُنظر إلى الوثائق في كثير من الأحيان على أنها خطوة نحو تطبيق آليات العدالة الانتقالية، فإنها تمثل وظيفة للملاحقة التنفيذية للعدالة الانتقالية في حد ذاتها. إحدى ميزات الوثائق السورية هي حاملوها أنفسهم، حيث يجد عدد لا يحصى من النشطاء والمحامين والمواطنين العاديين والضحايا وشهود العيان منخرطون في العمل الدؤوب لضمان تسجيل حقيقة الانتهاكات وعرضها. إن كتابة الفظائع هي، في حد ذاتها، عملية شفاء، حيث أنها تضمن الاعتراف بالاعتداء على الضحية وتسجيله وتذكره. وبالنظر إلى القيود المفروضة على الموارد التي يواجهها المجتمع المدني السوري بشكل مستمر، ينبغي على المانحين توجيه المزيد من الأموال نحو جهود التوثيق، ليس أقلها أنها توفر وسيلة فعالة للعدالة الانتقالية التي يقودها الضحية.
ويجب أن تؤخذ على محمل الجد المخاوف المتعلقة بجهود الجهات الفاعلة الدولية الضعيفة لإشراك المجتمع المدني السوري بشكل جاد في صياغة القرارات المتعلقة بالعدالة الانتقالية. ومن خلال تشجيع مساهمة الجهات الفاعلة في المجتمع المدني السوري في صنع السياسة، ستكون مبادرات المساءلة في سوريا أكثر قابلية للتحقيق وتفضي إلى رغبات العدالة في المجتمع السوري. يجب إشراكهم كشركاء رائدين، وليس مجرد متلقين لسياسات العدالة الانتقالية. لذلك، يجب على المنظمات الدولية أن تبذل جهداً مجدياً لجلب الناشطين المحليين إلى الطاولة، ليس فقط للتعبير عن مخاوفهم وتبادل المعلومات، بل لتشكيل السياسات أيضاً.