فرضت على السوريين استغلالاً الرسوم والضرائب والأتاوات التي باتت مصادر رئيسة لتمويل بعض الجماعات في سوريا، حيث زادت من تسليحهم وغطت رواتب مقاتليهم وموظفيهم وخدمت مصالحهم بالمنطقة
26 / أيلول / سبتمبر / 2019
مع العدالة – فراس العلي
أطلق عليهم أسماء كثيرة مثل أمراء الحرب وتجار الأزمة ومستغلي الظروف، وغيرها من المصطلحات التي باتت متداولة بين السوريين خلال السنوات الثماني الماضية، ووصف بهذه المصطلحات كل رجال الأعمال وأصحاب الأموال الذين استغلوا ظروفاً معينة بهدف جني المال وتحقيق أرباح مضاعفة.
كما شملت المصطلحات الأشخاص الذين أصبحوا رجال أعمال خلال هذه المدة مستغلين ظروفاً معينة ليبنوا ثروتهم على أساسها، وبعضهم ذهب إلى امتهان أعمال غير قانونية بغرض جمع المال، ولم تكن القصة تقتصر على الأشخاص فقط، بل شملت جماعات وتنظيمات باتت تجمع أموالها بسبب نشاطات معينة.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، أسست هيئة تحرير الشام في إدلب وريفها ما يعرف بمكاتب “أمن الحدود” التي تفرض رسوماً على المهربين مقابل أن تسمح لهم بالعمل في المنطقة، وجمعت كميات ضخمة من الأموال لقاء هذا النشاط الذي يعتبر انتهاكاً واضحاً لحقوق الإنسان بما يخص محاولة اللجوء لدولة أخرى بسبب خطر أو حرب قائمة ببلاده.
لكن محاسبة ما يعرفون بتجار الحرب من أكبر التحديات التي ستكون على طاولة المحاكم في المستقبل خاصة أن مثل هؤلاء لديهم القدرة على التخفي والانتقال بين دول العالم واختيار أي مكان للعيش في محاولة للابتعاد عن خطر إلقاء القبض عليهم، بل إنهم قادرون على تغيير أسمائهم وشخصياتهم.
انتهاكات بالجملة
سلبت أرقام لا يمكن إحصاؤها من أموال المدنيين في سوريا من قبل رجال أعمال استغلوا ظروفاً معينة فحققوا ثراءً فاحشاً جعل البعض منهم يدرج على لوائح العقوبات الأمريكية بسبب دعم نشاطات إرهابية.
وتنوعت طرق استغلال ظروف السوريين بين إدخال أغذية منتهية الصلاحية وشراء العقارات بأسعار بخسة والاحتيال في بعض الأحيان لامتلاكها دون أن يعلم صاحبها الحقيقي بالإضافة إلى التعاون مع جماعات إرهابية بهدف تحقيق الربح، حتى وصلت إلى الإتجار ببيع وشراء “السبايا” أيام وجود تنظيم داعش.
ويذكر مواطن سوري طلب عدم الكشف عن اسمه، أن رجل أعمال كان يتنقل بين سوريا وتركيا وحقق ثروة من خلال الإتجار بالنساء التي حولهن التنظيم إلى “سبايا” لديه.
ومن الأمثلة، اعتياد شبيحة نظام الأسد على نهب ممتلكات المدنيين وبيعها في الأسواق بأسعار بخسة وهذا ما أدى لانتشار أسواق جديدة معظم بضائعها مسروقة مثل سوق السنّة بحمص.
ولم يواجه قسم كبير من تجار الحرب أية مشكلة في التعامل مع جميع الأطراف في سوريا طالما أن الهدف الوحيد هو جمع المال من كل حدب وصوب وانتظار أية فرصة مواتية تسمح لهم بتنفيذ نشاطات تجارية، بينما حصر تجار حرب آخرين نشاطاتهم مع جهة معينة.
وبدأ تظهر طبقة جديدة من أصحاب المال في سوريا منذ حوالي ثماني سنوات، ولعل حصار المدن من قبل نظام الأسد كما حصل بريف دمشق خلق فرصة لمستغلي الأزمات من أجل الإتجار بمعاناة الناس، وباتت السلعة تباع بالمدن المحاصرة عشرة أضعاف سعرها، أما عن إدخالها فيتم بالاتفاق مع الأطراف العسكرية ودفع جزء من المال لهم.
وخلقت جميع أطراف الصراع في سوريا طرقاً جديدة من أجل نهب المدنيين بحجة تنظيم إدارة المدن وضبط الفوضى، فعلى سبيل المثال في مناطق سيطرة قسد هناك غرامة مالية على كل من يزاول مهنة معينة وفرضت رسوم على تسجيل السيارات وخلقت عدة طرق من أجل جمع المال من المدنيين، وذات الحال لدى نظام الأسد الذي لم يترك مجالاً ولم يستغله محاولاً جمع الأموال من المدنيين لدعم وجوده، وهذا ما فعله كل من هيئة تحرير الشام وتنظيم داعش وبعض فصائل المعارضة.
رسوم وضرائب
فرضت على السوريين استغلالاً الرسوم والضرائب والأتاوات التي باتت مصادر رئيسة لتمويل بعض الجماعات في سوريا، حيث زادت من تسليحهم وغطت رواتب مقاتليهم وموظفيهم وخدمت مصالحهم بالمنطقة.
ولعل أبرز هذه الانتهاكات التي نهشت الاقتصاد السوري استغلال الموارد الطبيعية كحقول النفط التي سيطرت عليها عدة فصائل عسكرية على مر السنوات القليلة الماضية واستنزفوا مواردها من أجل خلق مصادر دخل لهم.
أما حول الانتهاكات التي تعرض لها الأفراد بشكل مباشر فمن بينها الأتاوات التي فرضت عليهم من قبل الحواجز العسكرية، ليصبح المسافر داخل سوريا يختزن مبلغاً للحواجز وآخراً لأجرة سفره.
ويقول “أبو حمزة” أحد الذين تعرضت لهم الحواجز أثناء السفر بين المدن السورية عدة مرات: “باتت الحواجز مصدر النهب والسرقة ناهيك عن إذلال المسافرين، أينما اتجهت في سوريا ستعترضك الحواجز العسكرية ومعظمها لنظام الأسد وشبيحته، وفي حال لم تدفع المال سيتم إذلالك أو تهديدك بالاعتقال”.
ويتابع، أنا من الناس الذين اضطروا في العديد من رحلات السفر أن يدفعوا المال للحواجز، ولأن العادة باتت منتشرة أصبح السائق يجمع المال من الركاب من أجل تقديمه للقائمين على الحواجز بحيث ينتهي من الأمر سريعاً، وإن لم يحصل ذلك فالركاب معرضون للاعتقال بتهم وبلا تهم.
وتعتبر المبالغ التي تسلبها الحواجز العسكرية في سوريا من المسافرين ضئيلة جداً مقابل تلك التي تفرض على التجار الذين ينقلون بضائعهم بين المدن السورية، فهؤلاء يتعرضون لضريبة أكبر.
ولعل أكبر الأمثلة على استغلال شبيحة النظام للمدنيين والتجار، حواجز “الغوار” العائدة لخضر طاهر بن علي وهو من شبيحة النظام الذين تحولوا لرجال أعمال بسبب شخصيته المافيوية التي عرفت بين التجار وأصحاب النقليات قرب حلب.
وتحول الغوار وهو لقب يطلق عليه من عنصر في الفرقة الرابعة التابعة لنظام الأسد إلى رجل أعمال لديه عدة مشاريع منها شركة أمنية وأخرى بالاستيراد والتصدير كما دخل مجال السياحة والإتجار بالهواتف المحمولة، واعتمد في تكوين ثروته على “معابر الترسيم” التي تتبع له قرب حلب حيث يفرض من خلالها ضرائب ورسوم على الشاحنات والنقليات ليسمح لها بالمرور.
كيف ستتم محاسبتهم؟
لعل من أبرز الصعوبات إيجاد الوسائل والأدوات اللازمة من أجل حصر عدد تجار الحرب الذي استنزفوا اقتصاد سوريا واستغلوا المدنيين ليفرضوا عليهم إتاوات ورسوم وضرائب كي تتم محاسبتهم في المستقبل.
ويبدو الأمر يسيراً عندما يتم تحديد هوية هؤلاء إن كانوا قد استغلوا المدنيين لوقت طويل وعُرفوا بين الناس، لكن هناك الكثير من تجار الحرب والأزمات اقتصر نشاطهم على نهب أو سرقة جمعت لهم مبالغ كبيرة في وقت قصير ومن ثم غيروا نشاطاتهم.
لكن لا يزال الحديث عن محاسبة “تجار الحرب” مبكراً في ظل وجود ملفات لها أهمية أكبر من ذلك ومتعلقة بانتهاكات مباشرة تعرض لها مدنيون في سوريا، كعمليات القتل الجماعي والاعتقالات العشوائية والاختفاء القسري لعشرات آلاف السوريين.
ووفق حقوقيين، لا يمكن أن يتم تجاهل موضوع تجار الحروب بوقت يتم فيه تفعيل المحاسبة والمحاكمة وملاحقة هؤلاء الذين كانوا من أطراف الصراع المستفيدة بسوريا، فلابد من توثيق نشاطات تجار الحروب بدءاً من الأعلى نزولاً إلى المستفيدين من الحواجز العسكرية على سبيل المثال.
ويبدو أن المحاكم السورية ستواجه لاحقاً الكثير من الدعاوى ذات الطابع الاقتصادي إن تم تفعيل دورها بشكل حقيقي، بينما ستمتد ملاحقة هؤلاء الجناة إلى خارج حدود سوريا بحكم أن الكثير منهم خرجوا من سوريا بعد أن جمعوا مالاً يكفيهم للعيش لمدة عقود دون عمل وهذا ما سيفرض على المحاكم السورية مستقبلاً أن تتعاون مع محاكم بدول أخرى.
وتبقى محاسبة تجار الحرب من المتطلبات الأساسية التي يدعو إليها المدنيون في سوريا خاصة أن هؤلاء استغلوا ظروف السوريين في أصعب اللحظات من أجل جمع المال بعيداً عن مدى قانونية وشرعية أعمالهم.