النازحون المقيمون داخل المخيمات في إدلب ومناطق درع الفرات ليسوا بأفضل حال من السابقين، رغم أن المنظمات الأممية والأهلية هي من يشرف على تقديم الخدمات بداخل مناطق المخيمات
17 / أيلول / سبتمبر / 2019
أحمد طلب الناصر- مع العدالة
خلّفت الحرب التي شنّها نظام الأسد على السوريين طيلة السنوات التسع الماضية، جميع أشكال وأصناف الكوارث الإنسانية، ومنها ما لا يخطر على بال بشر.
تلك الكوارث دفعت الكثيرين للهروب من مدنهم وبلداتهم طلباً للأمان، منهم من هاجر خارج الحدود السورية إلى دول الجوار ومنهم من غامر بحياته وركب البحر طالباً الدول الأوروبية، ومنهم من عجز عن ذلك فكان أسير النزوح المتكرر من مكان إلى آخر داخل مناطق الصراع والدمار في سوريا.
ويقدّر المرصد السوري لحقوق الإنسان أعداد النازحين في الداخل السوري بنحو 6,6 مليون شخص، نصفهم تقريباً يقطنون اليوم في مناطق الشمال السوري (محافظة إدلب- مناطق درع الفرات- عفرين- مناطق سيطرة “قسد”) نظراً لخروجها عن سيطرة نظام الأسد.
يتوزّع النازحون الذين تشكّل العائلات غالبيتهم، في المناطق المذكورة إما بداخل المدن والبلدات، وإما في المخيمات التي وصل عددها اليوم إلى ما يقرب من 1200 مخيّم، ربعها تقريباً يفتقر لأدنى متطلبات العيش،. وجزء آخر يعيش في العراء لعدم تمكّنه من الحصول على مأوى بداخل المخيمات أو البلدات.
وتعتبر أزمة السكن إحدى أكبر المشاكل التي تعاني منها مناطق الشمال السوري عموماً، بعد أن بات يغصّ بمئات الآلاف من النازحين من مختلف المناطق السورية، فمعظم النازحين يحارون بين السكن في المخيمات أو في بيوت الآجار، بسبب الفروق الكبيرة من حيث التكلفة المادية والظروف المعيشية.
-
أزمة السكن خارج مناطق سيطرة النظام:
-
في المدن والبلدات:
معظم القاطنين في المناطق الحضرية كانوا من النازحين خلال السنوات الأربع الأولى من الثورة السورية، حيث لاذوا بالمدن والبلدات التي ينتشر فيها البعض من أقاربهم ومعارفهم ما جعلهم أوفر حظّاً ممّن لحقهم في السنوات التالية؛ إذ اكتظت تلك المناطق بالنازحين وتجاوزت حدود الاستيعاب الطبيعي، ليتراوح آجار المنزل المتواضع ما بين 150 إلى 300 دولار أمريكي، فضلًا عن مصاريف الماء والكهرباء والوقود في الشتاء. وغالبية النازحين لا يملكون تلك النقود أصلاً ويعتمدون على ما يصلهم من أقارب ومعارف عبر الحوالات الخارجية.
وبدل أن تساعد الظروف الكارثية المحيطة بالنازحين في دفع أهالي مناطق النزوح إلى احتضانهم وتقدير ظروفهم الإنسانية، برزت فئة منهم لتستغل حاجة العائلات النازحة وتزيد من قيمة آجارات البيوت والغرف، ما دفع الكثير من العائلات للبحث عن بدائل وإيجاد الحلول المتوفرة لتأمين السكن، وتضمّن ذلك السكن بالمدارس والبيوت المُدمرة والمهجورة والكهوف والمدافن القديمة، بالإضافة إلى الخيام وصولاً إلى العراء.
ففي مدينة “الباب” الواقعة ضمن مناطق درع الفرات، يقول عدنان شعبو (64 عامًا) النازح من أحياء حلب الشرقية “بعد أن بدأ النظام باجتياح حلب الشرقية تمكنّا من الهروب والوصول إلى مدينة الباب، فنحن لم نعتد العيش ضمن المخيمات لأننا لم نمر بمثل هذه الظروف، فأبنائي معلمين وأطفالهم في المدارس وأنا مريض بالسكري والضغط، وأوضاع المخيمات سيئة من النواحي الطبية والخدمية”.
وأضاف شعبو “ندفع آجار المنزل (300 دولار) وثمن المياه والأمبيرات طوال الفترة الماضية إلى الآن، وكلفنا الكثير من المال، عدا عن المصروف الكبير دون أن يلتفت أحد لحالتنا وحالة من هم أسوأ منا، خاصة وأن الوضع يبدو بأنه سيطول أكثر”.
وفي مدينة القامشلي الواقعة تحت سلطة “الإدارة الذاتية” فمعاناة النازحين تتفاقم يوماً بعد يوم بسبب زيادة الطلب على المنازل مقابل تقلص العرض ناهيك عن ارتفاع الأسعار بصورة غير مسبوقة.
ويذكر مصدر من الأهالي لـ “مع العدالة” بعض الأسباب ومنها “عزوف بعض مالكي البيوت عن تأجير منازلهم لأناس لا يعرفونهم تحسباً لمشاكل اجتماعية قد يتعرضون لها مستقبلاً”.
والمقصود بـ “المشاكل الاجتماعية” هنا هي ما ينتج من تضييق من عناصر “الإدارة الذاتية” على أصحاب المنازل من أبناء المكوّن الكردي وعدم السماح لهم بتأجيرها للنازحين من أبناء المكوّن العربي.
وأضاف المصدر بأن أحد ملاك المنازل تعرض لـ “مشاكل اجتماعية” أثناء تأجير بعض المنازل لعوائل نازحة إضافة لتأخر تلك العوائل في دفع ما ترتب عليها من إيجار.
ويقول نازح من ريف الرقة بأنه استأجر شقة متواضعة في شرقي المدينة بسبب حاجته الماسة إلى السكن، ونتيجة جهله بأسعار المدينة قام صاحب المنزل باستغلاله وتأجيره المنزل بمبلغ 100 ألف ليرة سورية (نحو 200 دولار) في الشهر، مع دفع إيجار المنزل لستة أشهر سلفاً.
أما في عفرين فانعكست الآية، حيث نزح عشرات الآلاف من سكانها من أبناء المكوّن الكردي تاركين بيوتهم، عقب بدء عملية “غصن الزيتون” في مطلع العام 2017، وفقاً للأمم المتحدة. نتيجة المعارك بين فصائل المعارضة السورية والجيش التركي من جهة وبين قوات “وحدات حماية الشعب” من جهة أخرى، ليسكن نازحون من الغوطة الشرقية وبعض المناطق الأخرى بداخل بعض البيوت التي تركها أهلها.
والكارثة الأكبر تعيشها إدلب التي تتعرض اليوم لهجمة شرسة من قبل نظام الأسد المدعوم بالطيران الروسي، فبعد نزوح نحو مليون شخص من جنوب المحافظة وشمال ريف حماة إلى مدن وبلدات الشمال الإدلبي، وصلت أسعار آجارات بعض الشقق إلى ما يقارب 400 دولار، فأطلق ناشطون حملة للحد مما أسموه “استغلال النازحين” في بعض المناطق بريف إدلب، ما دفع آلاف النازحين لافتراش الأراضي الزراعية والتخييم تحت أشجار الزيتون قرب الحدود مع تركيا.
-
المخيمات والعراء.. بالآجار!
النازحون المقيمون داخل المخيمات في إدلب ومناطق درع الفرات ليسوا بأفضل حال من السابقين، رغم أن المنظمات الأممية والأهلية هي من يشرف على تقديم الخدمات بداخل مناطق المخيمات، إلا أن مسؤولي تلك المخيمات راحوا يستغلون ظروف النازحين ليقوموا بتأجيرهم الخيمة الواحدة بحوالي 50 ألف ليرة سورية (نحو 100 دولار) بعد أن كانت بنصف السعر قبل موجة النزوح الأخيرة.
فاضطرت الكثير من العائلات لافتراش العراء في الأراضي الزراعية تحت أشجار الزيتون. وحتى تلك الأراضي قام بعض أصحابها بتأجيرها للنازحين بمبلغ يتراوح بين 3000- 5000 ليرة سورية للمتر المربع الواحد!
وما زاد الطين بلّة هو أن “حكومة الإنقاذ” التابعة لـ “هيئة تحرير الشام” ورئيسها “الجولاني” منعت المنظمات الإنسانية، من إقامة مخيمات للنازحين بالقرب من بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي، بذريعة الضغط على تركيا، ودفعها إلى إيجاد حلول مع روسيا، لوقف حملة التصعيد على مناطق ريف إدلب الجنوبي وحماة الشمالي والغربي.
فحرمت بذلك الكثير من العائلات النازحة من السكن وتركتهم يواجهون مصيرهم في العراء، من دون أن يكون لديهم أدنى مقومات الحياة.
وتُعدّ بلدتا أطمة وقاح والمخيمات المحاذية لها بالقرب من الحدود السورية التركية، من أكثر المناطق الآمنة في الشمال السوري لذا يقصدها العديد من النازحين، وفيها ما لا يقل عن 100 مخيم يقطن فيها أكثر من مليون نازح من مختلف المحافظات السورية، وقد افتتحت “حكومة الإنقاذ” مكاتب لها في تلك المناطق، وفرضت سيطرتها على إدارة شؤون المخيمات، والإشراف على عمل المنظمات الإنسانية وإقامة المشاريع الخدمية، وهي –الحكومة- من تشرف سراً على عملية تأجير الخيام بداخل المخيمات، حسب شهادة البعض.
أما في مناطق سيطرة “قسد”، و”الإدارة الذاتية” ذات الأغلبية الكردية المشرفة على مخيمات النازحين في الشمال الشرقي، فتقوم الأخيرة بمصادرة وثائق هوية النازحين ومنعهم بشكل تعسفي من مغادرة المخيمات والانتقال بحرية أو العودة إلى بلداتهم ومنازلهم.
-
مناطق سيطرة النظام:
ترتفع آجارات المنازل عموماً داخل المدن المستقرة نسبياً، كمدن الساحل وحلب والعاصمة دمشق. إلا أن إيجار منزل في العاصمة دمشق، على سبيل المثال، مهمة غاية في الصعوبة، وكثيرة التكاليف على المواطن السوري النازح، فعملية استئجار شقة ليست بالأمر السهل ورقياً ومادياً، حيث يحتاج النازح عند رغبته في استئجار شقة معينة، أن يحصل على موافقة أمنية، وهي غالباً ما يتم دفع رشى للحصول عليها، وتتدرج بحسب المنطقة من 5 آلاف إلى 25 ألف ليرة.
ورغم ذلك تبقى آجارات المنازل في دمشق أدنى من مناطق الشمال السوري “المحرر”، إذ يمكن إيجاد أسعار منخفضة نسبياً مقارنة بمناطق الشمال السوري، ففي أحياء متطرفة كمنطقة الزاهرة، يتراوح إيجار المنزل فيها بين 150 و200 ألف ليرة (300- 400 دولار)، في حين يوجد مناطق على أطراف العاصمة كصحنايا وجرمانا وقدسيا، تتراوح الإيجارات فيها بين 50 و 100 ألف ليرة سورية، إلا أن هذه المناطق غالباً ما تفتقر إلى الخدمات كالكهرباء والمياه، وتعاني صعوبة بالمواصلات.
وفيما يخص شروط تأجير المنزل أوضح المصدر أنه “غالباً ما يطلب أصحاب الشقق دفع مقدم 6 شهور أو سنة لتأجير الشقة، حيث إن ظاهرة دفع “كل شهر بشهره” انتهت ولم يعد أحد يتداولها، خصوصاً وأن العديد من مالكي المنازل باتوا خارج البلاد ويقومون بتأجير شققهم، بالإضافة إلى انتقال ملكية الكثير من المنازل والشقق إلى مشترين إيرانيين وعناصر في الميليشيات المسلحة التابعة لإيران.
-
ختاماً: البعد الديموغرافي العنصري..
في الوقت الذي شهدت فيه معظم المدن السورية الثائرة دماراً واسعاً في المنازل ونزوح أهلها منها، يقوم الإيرانيون بشراء الكثير من منازل دمشق وبعض المدن الأخرى التي استعاد النظام سيطرته عليها، كمدن الغوطة الشرقية وحمص القديمة وريف حمص الغربي والجنوبي بالإضافة إلى محافظة ديرالزور.
وتتم عمليات البيع والشراء إما بشكل مباشر، في حال كان صاحب العقار متواجداً في مناطق النظام، أو من خلال محامين وسماسرة مختصين بهذه المسألة إن كان صاحب العقار نازحاً أو مهاجراً أو هارباً ومطلوباً من النظام.
وهنا، تأخذ مشاكل السكن المصاحبة للنزوح بعداً آخر ينذر بمشاكل اجتماعية وإنسانية لن تلبث أن تظهر على المدى المنظور والبعيد، ويتمثّل في التغيير الديموغرافي الذي بات يطبّق داخل مناطق النظام من قبل الإيرانيين وميليشياتهم لتأخذ بعداً طائفياً؛ وفي الشمال السوري الخارج عن سلطة النظام، في كلّ من مناطق عفرين التي تسيطر عليها فصائل المعارضة المدعومة تركياً، ومناطق الجزيرة السورية المسيطر عليها من قبل “وحدات حماية الشعب” لتأخذ طابعاً عرقياً بين المكونين الكردي والعربي.