مع إغلاق الحدود التركية خلفهم والقوات المدعومة من روسيا أمامهم، لم يبق للسوريين أي مكان للهرب
22 / شباط / فبراير / 2020
*ترجمة: مع العدالة
في تقرير نشرته الأمس صحيفة “الغارديان-The Guardian” البريطانية حول معاناة النازحين من إدلب والشمال الغربي السوري على الحدود التركية، ضمن أجواء مناخية صعبة إضافة إلى القصف المكثف جواً وبراً من قبل النظام السوري وحلفائه من ميليشيات إيرانية ومرتزقة روس، قال مراسل الصحيفة في الشرق الأوسط –مارتن شولوف– “إن أكثر من مليون سوري ينتظرون مصيرهم أمام جدار حدودي، في الوحل، والبؤس والبرد في العراء، مع تقدم الميليشيات المدعومة من إيران وما تبقى من جيش النظام نحوهم، بينما تستهدفهم الطائرات الروسية في الحقول المزدحمة والمدن المدمرة التي هي كل ما تبقى من سوريا التي تسيطر عليها المعارضة.
ويضيف التقرير أن قوافل الجيش التركي تمرّ أمام النازحين، المتشردين الذين وصلوا إلى الحدود على مدار السنوات الثماني الماضية، بانتظام على طول الطرق التي تعج بالسيارات المصفوفة المليئة بالعائلات وبقايا ممتلكاتهم. النساء والأطفال يتوسلون إليهم كي يتوقفوا، لكنهم يواصلون المسير نحو جبهات القتال على بعد أميال. ومن جانب آخر يقول عمال الإغاثة، إن الأمور لم تكن أسوأ من أي وقت مضى في سورية، يفعلون ما في وسعهم من بين المشاهد التي يصفونها بأنها كارثية ومستحيلة.
على مدى ثماني سنوات من القتل والتهجير، كان الأتراك يحمون الكثير من الناس في إدلب – الجزء الأخير من البلد الذي مزقته الحرب، وهذا الجزء ظل خارج نطاق سلطة الحكومة المركزية – التي بدأت الهجوم في منتصف كانون الثاني/يناير إلى جانب مجموعة من القوى الداعمة (للرئيس السوري، بشار الأسد)، وكلها كانت عازمة على استعادة السيطرة.
“عائلة سورية في مؤخرة شاحنة حيث نزح ما يصل إلى مليون مدني بسبب القتال في إدلب منذ ديسمبر/كانون الأول. تصوير: بوراك كارا/غيتي”
وبحسب وكالات الإغاثة أن هذا الشهر الأخير لم يسبق له مثيل من الوحشية والدمار. هناك ما يصل إلى مليون شخص ينزحون مرة أخرى من إدلب. ومع وجود الحدود التركية خلفهم ومواجهة انتقامية قادمة من قبل النظام والروس والميليشيات الطائفية، لم يبق لهم مكان للهرب أو الاختباء.
فعبر السهول المترامية ضمن المنطقة الشمالية الغربية، وفي غرف الحرب الروسية المنشطة حديثاً، وبين الدبلوماسيين الأوروبيين الذين فشلوا في توجيه الحرب نحو نهاية دبلوماسية، يتزايد الإدراك أن الصراع أصبح أكثر دماراً، بطريقة أو بأخرى، وستكون تكلفته هائلة، ومن المرجح أن يتم دفعه عبر العديد من القارات وعدة أجيال. لكن أولاً يحتاج سكان إدلب إلى المساعدة المستعجلة، وكما تقول وكالات الإغاثة – إنه لم يكن من الصعب أبداً إيصالها.
وعن الوضع الإنساني في الشمال الغربي السوري قال “كيرين بارنز-Kieren Barnes، مدير مؤسسة”ميرسي كور-Mercy Corps” في سورية: “ليس الأمر مجرد عدد مذهل من الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدة حاسمة ومستعجلة، بل حقيقة أنهم يتحركون باستمرار. “من المستحيل تقريباً تحديد كمية الإمدادات اللازمة. وإذا لم يتوقف القتال قريباً، فعلينا أن نواجه الواقع الرهيب بأن فرقنا قد لا تتمكن من الوصول إلى الأكثر عرضة للخطر”.
كما قال أحد العاملين في “ميرسي كور” داخل إدلب: “هناك حالة من الذعر والارتباك والشعور بالخسارة. يشعر الكثيرون أن هذه هي نهاية الطريق. إنني لم أرَ أبداً أي شيء من هذا القبيل.”
وقال أحمد ندور، الذي يعيش الآن في خيمة مؤقتة بالقرب من الحدود مع ستة من أفراد العائلة بعد أربع سنوات من النزوح شملت دمشق وغرب حلب وأقصى شمال إدلب: “في كل مكان كان يمكن أن نحتمي فيه يتم تسويته على الأرض من قبل الروس. هذا هو بالنسبة لنا. لم يبق لدينا شيء، ولم أعترف بذلك لنفسي في أي وقت منذ عام 2011”.
وبالقرب من نازحي إدلب، هناك أشخاص آخرون نازحون من جميع أنحاء سوريا: حمص، حيث بدأت الانتفاضة في عام 2011. الغوطة، التي تم قصفها بالغاز السام في عام 2013؛ وحلب، التي شكّل سقوطها في العام 2016 تغييراً في دعم أنقرة الواسع للمعارضة المناهضة للأسد ونقطة تحول في مسار الحرب.
ومن خلال كل ذلك، كانت إدلب معقلاً أخيراً، حيث يمكن لجميع القادمين إليها اللجوء من القوات الموالية للنظام، ولكن يدفعون ثمن المعيشة بين الجماعات المتطرفة التي كانت موجودة من قبل.
كان احتواء المتطرفين، بمن فيهم الجهاديون العالميون، مشكلة مستعصية على المواجهة بالنسبة لجماعات المعارضة السورية في إدلب التي تلقت دعماً تركياً، وحتى أوائل عام 2018، دعماً غربياً في حربها ضد الأسد.
وكان وجود المتطرفين محورياً في رواية النظام السوري الذي يدّعي أن جميع المعارضين له إرهابيون منذ البداية. وقد هجّر أعداداً كبيرة من المواطنين إلى إدلب كجزء من صفقات الاستسلام التي تم التفاوض عليها مع مجتمعات المعارضة المهزومة، وأُجبرت على التعايش مع المتطرفين. وقد تجلى الخوف من أن يؤدي ذلك إلى تجريد شعب بأكمله من 3.5 مليون نسمة على الأقل من إنسانيتهم، و80 في المائة منهم، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، من النساء والأطفال، في نظر المراقبين الدوليين.
وقال دبلوماسي إقليمي “نعم، هناك إجهاد وتعب حول سوريا والحرب في المنطقة بشكل عام”. “ولكن هذه واحدة من أخطر الأزمات في حياتنا. لقد أنشأوا –صندوق قتل– في إدلب ولا أحد يهتم بذلك”.
“صورة لأطفال ينتظرون في طابور لأخذ الألعاب. تقول وكالات الإغاثة إن الحركة المستمرة للأشخاص تجعل من الصعب إيصال المساعدات الإنسانية. الصورة: بوراك كارا / غيتي
وقد ناشد السوريون في إدلب مرة أخرى الحصول على مساعدة دولية، ولكن من غير المرجح أن يكون ذلك وشيكاً في شكل أي تدخل مدعوم من الغرب لوقف القتل والحرب المدعومين من روسيا. وحتى في الوقت الذي دعا فيه المتحدث العسكري الأمريكي عن الحملة ضد داعش في سوريا والعراق، العقيد “مايلز كاجينز“، إلى وقف الهجوم الموالي للنظام يوم الخميس، وصف أيضاً إدلب بأنها “نقطة جذب” للمتطرفين الذين يشكلون “مصدر إزعاج وتهديد”. ورددت هذه الكلمات وجهات النظر الروسية المعلنة وأدينت من داخل المقاطعة باعتبارها “فهماً ناقصاً” للأحداث.
وتقول “رشا الحمصي”، 26 سنة، “نحن ضحايا النظام قبل أي شخص آخر. لقد تم اختصار حيواتنا إلى ملصقات تناسب الآخرين، لكن لا تعكس ما نعانيه“.
كما وجّه المفوض الأعلى للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “فيليبو غراندي” نداءً جديداً الخميس لتمكين المحاصرين في المنطقة من المغادرة. كما أضاف” بالنسبة لهذه البلدان، التي تستضيف بالفعل 5.6 مليون لاجئ، منهم 3.6 مليون في تركيا، يجب الحفاظ على الدعم الدولي وتكثيفه”.
وفي نهاية التقرير جاء “أن أنقرة لا ترغب في فتح حدودها مرة أخرى ــ وهي حقيقة معروفة لروسيا، التي تساعد القوات السورية والإيرانية على الأرض”. وقال الدبلوماسي الغربي إن “كل هذا سينتهي باتفاق بينهما في مرحلة ما”. لكنني قلق أكثر من أي وقت مضى من المقتلة التي سيتركها هذا الأمر وراءه والفوضى التي سينتجها للمنطقة والعالم”.