على الرغم من أن «محمد بن زايد» قد احتضن الأسد علناً، وأعاد فتح سفارة الإمارات العربية المتحدة في دمشق في كانون الأول/ديسمبر 2018، إلا أن الإمارات عملت بذكاء طوال الحرب السورية لتثبت نفسها في البلاد
10 / نيسان / أبريل / 2020
*ترجمة: مع العدالة
نشرت شبكة “ميدل إيست آي–Middle East Eye” الإخبارية اليوم مادة صحافية (رأي) حول المستجدات الأخيرة المتعلقة بتواصل “ولي العهد” الإماراتي “محمد بن زايد” (هاتفياً) مع الطاغية “بشار الأسد” الذي سوف يصبح “لاجئاً” وعائلته بعد ثلاثة أشهر داخل “روسيا البيضاء” بحسب “تغريدات” الصحافي الصهيوني “إيدي كوهين” على موقع “تويتر” منذ أيام!
وجاء في المادة أنه في خضم الذعر العالمي من الفيروس التاجي، أجرى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد مكالمة هاتفية هامة مع “الرئيس” السوري بشار الأسد في أواخر الشهر الماضي، متعهداً بـ “الوقوف مع الشعب السوري” مع انتشار الفيروس في البلاد.
وفي تغريدة لولي العهد بن زايد على موقع “توتير” أكد فيها أن الإمارات على استعداد لدعم الأسد و”مساعدة” الشعب السوري:
“بحثت هاتفياً مع الرئيس السوري بشار الأسد تداعيات انتشار فيروس كورونا، وأكدت له دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق في هذه الظروف الاستثنائية.. التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار ، وسوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة.”
بحثت هاتفيًا مع الرئيس السوري بشار الأسد تداعيات انتشار فيروس كورونا، وأكدت له دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق في هذه الظروف الاستثنائية.. التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار ، وسوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة.
— محمد بن زايد (@MohamedBinZayed) March 27, 2020
- ومع ذلك، وقبل هذه البادرة، كما كشفت وزارة الخارجية، عرضت الإمارات على الأسد 3 مليارات دولار لخرق وقف إطلاق النار في 5 آذار/مارس داخل إدلب بين تركيا وروسيا، وإعادة إطلاق هجومه لاستعادة البلاد وطرد القوات التركية.
وكان الهدف من ذلك أيضاً إبقاء تركيا مشتّتة عن الصراع الليبي، حيث تدعم أبو ظبي وأنقرة الطرفين المتعارضين، مما يظهر كيف يخدم دعم الأسد المصالح الإقليمية الأوسع لدولة الإمارات العربية المتحدة.
*مخاوف إنسانية مفتعلة
اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة موقفاً إقليمياً استباقياً في ظل قيادة «محمد بن زايد»، تبرره مخاوف ملفقة تتعلق بالنزعة الإنسانية والاستقرار. ويمكّن خطر الفيروس التاجي أبوظبي من زيادة تعزيز هذا القناع المؤيد للإنسانية مع تأمين نفوذ إقليمي أكبر، بعد أن قدمت مساعدات إلى بلدان أخرى، بما في ذلك إيران، التي تعاني من تفشي خطير للفيروس.
كما تسعى إلى التعاون مع نظام الأسد الاستبدادي باعتباره حصناً ضد الحركات الديمقراطية والإسلامية – تماشياً مع أهدافه الأوسع لسحق مثل هذه التحولات الإقليمية، والتي يمكن أن تحفّز في نهاية المطاف الدعوات إلى إصلاحات داخل النظام الاستبدادي الإماراتي.
وعلى الرغم من أن «محمد بن زايد» قد احتضن الأسد علناً، وأعاد فتح سفارة الإمارات العربية المتحدة في دمشق خلال كانون الأول/ديسمبر 2018، إلا أن الإمارات عملت بذكاء طوال الحرب السورية لتثبت نفسها في البلاد.
“صورة للدكتاتور بشار الأسد وحليفه الخليجي محمد بن زايد” – أنترنت
وجاء في المادة أيضاً؛ في البداية، اتبعت الإمارات إلى حد كبير خط مجلس التعاون الخليجي بشأن سوريا، حيث علقت جامعة الدول العربية رسمياً عضوية سوريا في عام 2011 بعد حملتها الوحشية على المتظاهرين. وفي مؤشر مبكر على السياسة الخارجية الحازمة لأبو ظبي، انتقد وزير الخارجية الإماراتي “عبد الله بن زايد” جهود السلام التي بذلتها الأمم المتحدة في تموز/يوليو 2012، وحث في الوقت نفسه المجتمع الدولي على معارضة وحشية الأسد ضد الشعب السوري.
“مقطع لـ وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد يدّعي ضمنه مناصرة الشعب السوري” -أنترنت 2012
كما شاركت أبو ظبي مخاوف دول مجلس التعاون الخليجي بشأن الوجود الإيراني المتنامي في سورية منذ عام 2013، حيث تحركت طهران لدعم حليفها الأسد. ومع ذلك، وفي السر، اعتبرت الإمارات العربية المتحدة ديكتاتورية الأسد رصيداً طويل الأمد لتأمين رؤيتها الإقليمية.
*السيطرة على قوى المعارضة
وتحت ستار تقديم المساعدات الإنسانية، ركزت أبو ظبي على جنوب سوريا، في البداية، من خلال تدابير خيرية، مثل تقديم المساعدات لمخيمات اللاجئين السوريين في الأردن وريف محافظة درعا في سورية. وسلطت دولة الإمارات العربية المتحدة الضوء على تبرعاتها التي تزيد عن 530 مليون دولار “لتخفيف معاناة الشعب السوري“.
مركبة عسكرية روسية تسير في القامشلي، سوريا، في 24 أكتوبر /تشرين الأول (أ ف ب)
ومع ذلك، ابتعدت أبو ظبي عن الفصائل الإسلامية، ووحّدت الجماعات المؤيدة لها تحت قيادة الجبهة الجنوبية التي تضم أكثر من 30 ألف مقاتل، مرتبطين بمركز العمليات العسكرية الذي يتخذ من الأردن مقراً له. وقد استخدمت هذه القوى لموازنة القوى الإسلامية – جماعة الإخوان المسلمين، والفصائل المسلحة، مثل أحرار الشام. وأظهر ذلك اختلافاً أولياً عن المملكة العربية السعودية التي دعمت هذه الأخيرة.
وعلاوة على ذلك، وبعكس الرياض، لم تدعم أبو ظبي المعارضة أبداً بنية الإطاحة بالأسد. وكان ذلك بالأحرى لمواجهة تركيا وقطر، في حين تغلب على القوى الإسلامية. وقد سعت الإمارات إلى السيطرة على قوات المعارضة في الجنوب السوري لإنهاء الحراك المسلح ضد نظام الأسد، مع إبعاد نفوذها عن منافسيها.
وتزامناً مع التدخل العسكري الروسي في أيلول/سبتمبر 2015 لإعادة تأمين سيطرة الأسد على سوريا وهزيمة قوات المعارضة، تكيفت الإمارات بشكل أكبر، سعياً إلى تعزيز علاقاتها مع موسكو؛ حتى أن وزير الخارجية الإماراتي انتقد إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 ووصفه بأنه “عمل إرهابي”.
*مواجهة أنقرة والدوحة
على الرغم من أن موسكو قد تلقّت انتقادات بسبب استخدامها المتكرر لحق النقض (الفيتو) ضد قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا، إلا أن الإمارات العربية المتحدة رحبت على النقيض من ذلك بدور روسيا، بينما تخلت عن مساعدتها للمعارضة في الجنوب – التي انتهى دورها في المقاومة هناك.
وإضافةً إلى ذلك، أعربت الإمارات عن أملها في أن تضغط روسيا على حليفتها إيران لتقليص وجودها في سورية. ونظراً لأن روسيا لم تتحرّك بهذا الشأن، حولت الإمارات تركيزها إلى شمال سوريا، من خلال الاستثمار في القوات الكردية، وهي حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) ووحدات حماية الشعب (YPG) – التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية لعلاقاتها مع “حزب العمال الكردستاني” المحظور.
“صورة أرشيفية لقوات قسد على دبابة أمريكية شرقي الفرات” – أنترنت
والآن، تعطي “أبوظبي” الأولوية لمواجهة أنقرة والدوحة إلى جانب طهران، خاصة بعد أن دفعت أزمة الخليج 2017 تركيا وقطر للتحالف سويا.. وحتى الإمارات تفضل الآن دبلوماسية أكبر مع إيران.
كما دعمت الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب روسيا، هجوم الجنرال “خليفة حفتر” على طرابلس منذ أبريل/نيسان 2019. وتسعى أبو ظبي حالياً إلى تأمين سيطرة “حفتر” على البلاد بأكملها، أو على الأقل جزء كبير من ليبيا، مع تعطيل التحول الديمقراطي. كما أن التدخل العسكري التركي في يناير/كانون الثاني، لمساعدة حكومة الوفاق الوطني المتنافسة، زاد من تهديد مصالح الإمارات في ليبيا.
*الحلف المناهض لتركيا
ومن الجدير بالذكر أن “الأسد وحفتر” أظهرا إعجاباً متزايداً، ودفئاً لبعضهما البعض، فهما “استنتجا” أن تركيا عدو مشترك. وقد تبادل الأخيران البعثات الدبلوماسية في أوائل مارس/ آذار، والتقى وفد يمثّل قوات حفتر بوزير الخارجية السوري وليد المعلم.
وفي الوقت الذي توطّد فيه الإمارات علاقاتها مع موسكو، تسعى في نهاية المطاف نحو دمج هذه الجهات الفاعلة في محور مناهض لتركيا. حيث “بوتين” يعمد إلى العمل مع أنقرة، ويحاول موازنة علاقات موسكو مع الأسد وأردوغان.. وظهر سيناريو مماثل في ليبيا بعد أن اتفقت موسكو وأنقرة على إقرار وقف لإطلاق النار في كانون الثاني/يناير. إذن، كيف سيكون ردّ فعل دولة الإمارات العربية المتحدة على هذا العائق الأخير؟
حاولت الإمارات أن تتكيّف كثيراً مع سياسة الولايات المتحدة الغامضة تجاه سوريا، وخاصةً بعد أن أعلنت واشنطن سحب قواتها من سورية في كانون الثاني/يناير 2019، مما دفع تركيا إلى التقدم في شمال شرق سوريا، لتشبّثت وقتها “أبو ظبي” بروسيا وسوريا كحليفين رئيسيين.
نعم، ستواصل أبو ظبي دعم الأسد، وهي ترى أن وجوده أكبر حاجز ضد النفوذ التركي، بعد أن أصبحت إدلب نقطة ساخنة في الصراع.
وقد قيّد اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين روسيا وتركيا بشأن إدلب نفوذ أنقرة في سورية، حتى أنه أجبر أنقرة على الاعتراف بقوات سوريا الديمقراطية كمصطلح للدعم العسكري الإضافي من واشنطن، حسبما قال العديد من النشطاء السوريين لـ “ميدل إيست آي-Middle East Eye.
*عدو مشترك
في حين أن أبو ظبي قد تستمر بدعم «حزب الاتحاد الديمقراطي-PYD» و «وحدات حماية الشعب-YPG» باعتبارهما “منطقة عازلة” مناهضين لتركيا في شمال شرق سوريا، فإن ذلك سيصبح أقل إلحاحاً لتركيا، حيث سيكون اهتمامها بعيداً عن هذه المنطقة؛ وبدلاً من ذلك، ستبدو الإمارات مهيأة لتمكين الأسد بالدرجة الأولى.
إن أي تدهور آخر في العلاقات بين تركيا وروسيا يفيد الإمارات بالدرجة الأولى، مما يعطيها فرصة لإضفاء الشرعية على النظام السوري في الساحة الدولية، مع مواجهة تركيا إقليمياً. وقد تستمر الإمارات في دفع موسكو إلى اعتبار أنقرة عدواً مشتركاً.
في الحقيقة أن الإمارات قامت بدور مرن من أجل تعظيم نفوذها في سورية، والتي تعد بمثابة منصة رئيسية لطموحات أبو ظبي كسيطرة إقليمية. وعلى الرغم من تقديم جهودها على أنها جهود “إنسانية”، إلا أن أولوية دولة الإمارات هي عدم مساعدة الشعب السوري.