"تريد قوّات النظام إفراغ الجنوب السوريّ من الشباب ودفعهم إلى الهجرة، من خلال التضييق عليهم والحدّ من حركتهم ومنعهم من العمل وملاحقتهم الدائمة لتجنيدهم في صفوفها. تهجير الشباب أمر خطير، وهو سياسة مقصودة من النظام وحلفائه من الميليشيات الإيرانيّة"
04 / أيلول / سبتمبر / 2019
المصدر: المونيتور
ريف حلب الشماليّ، سوريا – تشهد محافظتا درعا والقنيطرة في جنوب سوريا حركة نزوح مستمرّة في صفوف فئة الشباب لأسباب عدّة، منها الوضع الأمنيّ المتردّي، وحملات الاعتقال التي تشنّها قوّات النظام، وتفشّي البطالة والركود الاقتصاديّ وقلّة فرص العمل، وتردّي وضع الخدمات الأساسيّة، إضافة إلى حملات التجنيد الإلزاميّ في صفوف قوّات النظام، يتجه غالبية الشباب إلى مناطق سيطرة المعارضة في محافظة ادلب وريف حلب الشمالي ومنها الى تركيا ويرغب قسم كبير منهم بالهجرة إلى أوربا عن طريق المهربين أيضاَ، وقسم آخر من المهاجرين الشباب يتوجهون إلى لبنان، وفي كلا الحالتين يجب أن يمر هؤلاء في مناطق سيطرة النظام بمساعدة مهربين مقربين من قوات النظام والأجهزة الأمنية.
وانتهاء مهلة اتّفاق التسوية من دون أن يتمّ التوصّل إلى حلول طويلة الأمد، الأمر الذي أثار قلقاً متزايداً في أوساط المدنيّين في مناطق التسوية في جنوب سوريا. بدأ توقيع اتفاقات المصالحة بين المعارضة المسلحة وقوات النظام في الجنوب السوري برعاية روسية مباشرة في الفترة الممتدة من 15حزيران/يونيو 2018 وحتى نهاية شهر تموز/يوليو 2018، وشملت عدة مناطق وبشكل متتابع في محافظتي درعا والقنيطرة، وتمت الاتفاقات مع جماعات وتشكيلات مسلحة تتبع للجيش الحر كانت تنتشر في مناطق الجنوب السوري، ومن المفترض أن تضمن التسوية بين الطرفين العودة إلى ما قبل 2011 أي الوضع السائد قبل انطلاق الثورة السورية، وتم التوصل لاتفاق التسوية برعاية روسيا بعد معارك عنيفة شهدها مناطق الجنوبي السوري بين الطرفين وبدعم روسي مباشر لقوات النظام.ومن بين بنود اتفاق التسوية بين النظام والمعارضة كان هناك بند خاص بحل مشكلة المنشقين والمتخلفين عن خدمة العلم في صفوف المعارضة وإعطاؤهم فترة تأجيل لمدة ستة أشهر، وتم تجديد التأجيل لستة أشهر ثانية منذ نهاية العام 2018، ولكن التأجيل الثاني والمهلة المفترضة التي منحتها قوات النظام للمتخلفين والمنشقين عنها انتهت في حزيران/يونيو 2019، ولم يتم تجديدها مرة أخرى.
وثّقت منظّمة سوريّون من أجل الحقيقة والعدالة ومقرها إسطنبول في تركيا، موجة نزوح وهجرة من محافظتي درعا والقنيطرة في جنوب سوريا، وأشار تقرير للمنظّمة صدر في 9 آب/أغسطس، إلى أنّ ما يزيد على 25 ألف شابّ نزحوا من محافظتي درعا والقنيطرة وهاجروا منهما منذ بداية عام 2019 حتّى 7 آب/أغسطس واتجهوا بحسب التقرير الى لبنان ومناطق سيطرة المعارضة في محافظة ادلب وريف حلب ومنهم من حالفه الحظ ودخل تركيا عن طريق المهربين، ولفت التقرير إلى أنّ نحو 10 إلى 20 شخصاً على الأقلّ يغادرون المحافظتين يوميّاً.
وبحسب التقرير، يتعرّض الأشخاص الراغبون في النزوح والهجرة خلال رحلة التهريب إلى كلّ أصناف الابتزاز، ويتمّ طلب مبالغ ماليّة ضخمة من قبل المهرّبين، حيث تصل المبالغ أحياناً إلى أكثر من 3 آلاف دولار أميركيّ (للشخص الواحد)، فضلاً عن تسليم عدد من الشبّان إلى الأجهزة الأمنيّة التابعة إلى النظام.
وبحسب تقرير منظّمة سوريّون من أجل الحقيقة والعدالة، وصل عدد من اعتقلتهم الحواجز العسكريّة التابعة إلى قوّات النظام، في النصف الأوّل من عام 2019، إلى نحو 96 حالة اعتقال في محافظة درعا، ووصل عدد المحتجزين منذ تمّوز/يوليو 2018 وحتّى تمّوز/يوليو 2019، إلى قرابة الـ692 محتجزاً من أبناء المنطقة، وجرت عمليّات الاعتقال غالباً في الحواجز العسكريّة التابعة إلى قوّات النظام والفروع الأمنيّة التي تمّ نشرها على مداخل المدن والقرى في الجنوب السوريّ.
التقى “المونيتور” الناشط الإعلاميّ أيمن أبو نقطة، من محافظة درعا، حيث قال: “أصبح الشبّان في مناطق التسوية مع النظام في محافظتي درعا والقنيطرة لا يفكّرون في شيء سوى الهجرة والهروب من واقعهم وقلقهم، والسبب الأكثر شيوعاً الذي يدفع الشباب إلى الهجرة والنزوح هو خوفهم من التجنيد الإلزاميّ وإرسالهم إلى القتال ضدّ المعارضة في محافظة إدلب”.
وأضاف أبو نقطة: “يفضّل الشباب سلوك طريق الهجرة المحفوف بالمخاطر والمكلف على أن يبقوا لمصيرهم المجهول. الوضع الأمنيّ لا يطاق بسبب عمليّات الاعتقال التي تنفّذها الأجهزة الأمنيّة، والأمن العسكريّ والمخابرات الجوّيّة، والأمن السياسيّ، وانتشار ظاهرة التفجيرات، وعمليّات الاغتيال لناشطين ومقاتلين سابقين في صفوف المعارضة”.
وبحسب تقرير منظّمة سوريّون من أجل الحقيقة والعدالة، وصل عدد من اعتقلتهم الحواجز العسكريّة التابعة إلى قوّات النظام، في النصف الأوّل من عام 2019، إلى نحو 96 حالة اعتقال في محافظة درعا، ووصل عدد المحتجزين منذ تمّوز/يوليو 2018 وحتّى تمّوز/يوليو 2019، إلى قرابة الـ692 محتجزاً من أبناء المنطقة، وجرت عمليّات الاعتقال غالباً في الحواجز العسكريّة التابعة إلى قوّات النظام والفروع الأمنيّة التي تمّ نشرها على مداخل المدن والقرى في الجنوب السوريّ.
التقى “المونيتور” الناشط الإعلاميّ ياسين قداح، وهو من مدينة الحراك في محافظة درعا، حيث قال: “لا يستطيع الشبّان التحرّك والبحث عن عمل خارج مناطقهم، خوفاً من الحواجز الأمنيّة التي تعتقلهم. حملات الاعتقال جعلت الشباب مكبّلين، وغارقين في البطالة والفقر، وهذا جزء من الأسباب التي تدفع الشبّان من مناطق التسوية إلى الهجرة والنزوح، مهما كلّفهم ذلك من مال ومخاطر”.
وأضاف قداح: “الجزء الأكبر من الشباب الذي يهاجرون وينزحون يتوجّهون إلى مناطق المعارضة في محافظة إدلب وريف حلب، مروراً بمناطق سيطرة النظام، وعمليّات تهريبهم تتمّ عن طريق ضبّاط تابعين إلى الفرقة الرابعة والميليشيات الإيرانيّة التي تتقاضى مبالغ ماليّة ضخمة مقابل إيصالهم إلى هناك، ويصل المبلغ الماليّ الذي يطلبه المهرّبون لتهريب شخص واحد مثلاً إلى ألفي دولار أميركيّ أي ما يعادل مليون و600 ألف ليرة سوريّة، وهو رقم كبير لا يمكن لكلّ الراغبين في الهجرة دفعه، وتضاف إلى ذلك المخاطر التي يتعرّض إليها هؤلاء الشبّان أثناء توجّههم إلى مناطق المعارضة، فغالبيّة الذين يصلون إلى إدلب يفكّرون مرّة أخرى في الهجرة إلى تركيا و يبدؤون برحلة البحث عن مهرب”.
وأضاف قداح: “جزء من المهاجرين والنازحين الشباب من الجنوب السوريّ يتوجّهون إلى لبنان، مروراً بمناطق سيطرة النظام في حمص، ويتمّ إدخالهم بوساطة ضبّاط من قوّات النظام أيضاً، عن طريق التهريب من الشريط الحدوديّ. كلّ عمليّات التهريب التي تحصل خطرة، وهناك عدد كبير من الشبّان الذين لم يتمكّنوا من الوصول إلى غاياتهم بسبب الاعتقال أثناء طريق الهجرة على حواجز قوّات النظام، لأنّ المهرّبين كانوا يغدرون بالمهاجرين ويأخذون منهم النقود ويسلّمونهم إلى الحواجز الأمنيّة”.
وأضاف قداح: “تريد قوّات النظام إفراغ الجنوب السوريّ من الشباب ودفعهم إلى الهجرة، من خلال التضييق عليهم والحدّ من حركتهم ومنعهم من العمل وملاحقتهم الدائمة لتجنيدهم في صفوفها. تهجير الشباب أمر خطير، وهو سياسة مقصودة من النظام وحلفائه من الميليشيات الإيرانيّة”.
التقى “المونيتور” الشابّ أحمد حوراني، وهو من ريف محافظة القنيطرة، وقد وصل في 1 آب/أغسطس إلى ريف حلب عن طريق التهريب، حيث قال: “تمكّنت من الهرب من واقع مزرٍ بعدما دفعت 1800 دولار أميركيّ أي ما يعادل مليون و80 ألف ليرة سوريّة. كنّا مجموعة من 6 أشخاص، واستغرق طريق التهريب أكثر من أسبوع، مررنا بدمشق وحمص وحماة وحلب، المهرّب كان متّفقاً مع الحواجز العسكريّة والأمنيّة التابعة إلى النظام والتي تركتنا نمرّ. كانت رحلة شاقّة ومخيفة ومعظم تنقّلاتنا تجري في الليل”.
وأضاف حوراني: “لم يعد هناك أيّ نشاط للمنظّمات الدوليّة في مناطقنا، الأمر الذي ساهم في تراجع المستوى المعيشيّ وفي البطالة وقلّة فرص العمل، وأقال النظام أعداداً كبيرة من الموظّفين من وظائفهم لأسباب عدّة، منها عدم أداء الخدمة الإلزاميّة، والعمل سابقاً في مؤسّسات المعارضة. إنّ العمل في الزراعة لم يعد مجدياً أيضاً بسبب ارتفاع أسعار المحروقات وصعوبة تسويق المنتجات الزراعيّة. أنا مطلوب للخدمة الإلزاميّة ولو بقيت سأكون مجبراً على الالتحاق في صفوف قوّات النظام وقتال المعارضة التي كنت جزءاً منها سابقاً”.
التقى “المونيتور” الناشط السياسيّ سامر المسالمة، وهو من محافظة درعا، حيث قال: “هناك مبالغة في أعداد الشبّان الذين تمكّنوا من النزوح والهجرة من جنوب سوريا، منطقة التسوية تكاد تكون محاصرة كلّيّاً من قبل قوّات النظام، والهروب منها لفئة الشباب تبدو مستحيلة، وعليهم دفع مبالغ ماليّة كبيرة والمخاطرة بحياتهم”.
وأضاف المسالمة: “العوامل التي تدفع الشبّان إلى الهجرة هي عوامل واقعيّة، ومنها الفقر والملاحقة الأمنيّة والتجنيد والبطالة وانعدام الخدمات الأساسيّة، المناطق التي أجرت تسوية مع النظام لا تزال مدمّرة، وشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحّيّ لا تزال معطّلة”.